أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة التاسعة عشرة















المزيد.....

من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة التاسعة عشرة


فائز الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 2496 - 2008 / 12 / 15 - 06:44
المحور: سيرة ذاتية
    


لقـاء الأقــارب

مرت اربعة أيام على أرسال رسالتي الى الأقارب ، الوقت ما قبل ظهر يوم 21 / 12 / 1986 ، الحرارة لا تطاق ، أسندت ظهري الى جدار غرفتنا المتواضعة أطالع أحد الكتب الدينية بينما كانت أم سوزان مشغولة بتهيئة طعام الغداء البسيط واذا بنداء يوجه عبر سماعات المخيم يطلب مني التوجه الى أستعلامات المخيم فالأقارب بالأنتظار ، لم أعطي أهمية للنداء في بادئ الأمر وأعتقدت ان هناك خطأ في الأسم ، تكرر النداء عدة مرات .. خرجت من الغرفة لغرض الأصغاء للنداء من جديد وهل موجه لي فعلا" ؟
ـ أسمعي النداء جيدا" يا ام سوزان من هم الأقارب بأنتظاري في هذا الوقت ؟ هل هناك تشابه بالأسماء ؟
أخذتني الحيرة لعدة دقائق ، وأنا أتسائل هل في المخيم أقارب لنا قد وصلوا كلاجئين دون علمنا ولم نلتقي بهم بعد ؟ وهل هناك بعض الأقارب يسكنون في جهرم وصلهم خبر وجودنا وجائوا لنجدتنا ؟ لم أضع في البال ان رسالتي قد وصلت الى الأقارب في مدينة الأهواز البعيدة بهذه السرعة وجائوا لنجدتنا على عجل ، أستمرت دائرة الأستعلامات بتوجيه النداء لمرات عديدة ، أسرعت بالتوجه الى هناك كما يوصي النداء ، ألتقى بي في الطريق عدة أصدقاء وهم يؤكدون ما سمعته ويطلبون مني الأسراع ، أسرعت الخطى قليلا" لأصل الأستعلامات لاهثـا" وكانت المفاجأة !!! شاهدت عن بعد شخصين يقفان في الغرفة وهما يبتسمان لي ، لم أتعرف عليهم في البداية ، عدت خلال ثوان قليلة لسنوات طويلة خلت قد تقارب ستة وعشرون عاما" لأتفحص الوجوه وأحياء ذاكرتي القديمة من جديد عندها تعرفت عليهم ، إنهم الأقارب من مدينة الأهواز قد أستلموا رسالتي وجائوا في الوقت المناسب لنجدتنا وهما الأخ ( جميل ) وكان آخر لقاء لي معه منذ 16 عاما" عندما زار بغداد وعمل فيها والأخ ( هرمز ) أبو سمير الذي لم أراه منذ 26 عاما" عندما كان يعمل في الصياغة في بغداد في بداية الستينات وانا شاب صغير ، تبادلنا العناق الحار والتحيات ثم بادر ابو سمير بالسؤال :

ـ منذ متى أنتم هنا ؟ وكيف تعيشون ؟ وأين كنتم سابقا" ؟ ولماذا لم تتصلوا بنا منذ البداية ؟ .... الخ .

ـ انها قصة طويلة يا أبا سمير سنتحدث لكم عن تفاصيلها لاحقا" ، المهم نحن سعداء بلقائكم غير المتوقع اليوم وكنت أعتقد انه بعيد المنال رغم تفائلي وأجابني قائلا"....

ـ في اليوم الثاني لأستلام رسالتكم قررنا التوجه أليكم وكما تعرف إن الطريق من الأهواز الى هنا طويل ، دعنا من هذا الكلام الأن فلهو وقت آخر ... أين تسكن ؟ دعنا نرى بيتكم وكيف تعيشون ؟ هل تضيفونا بقدح من الشاي ؟

ـ الحمدلله نعيش في بيت كبير وسنأخذكم أليه لشرب الشاي .

اخذنا موافقة الأدارة وتوجهنا الى داخل المخيم نحو غرفتنا وعند وصولهم صعقوا لما شاهدوه ....

ـ هذه هي غرفتكم اذن ... أهذا فراشكم ؟!! وهذا ما تأكلون ؟ !! أين حاجاتكم ....؟ أين ملابسكم الشخصية ؟ أسرعوا هيا بنا لا نضيع الوقت وأتركوا كل شئ في مكانه أو أعطوه لجيرانكم ودعونا نذهب سوية لا نريد شرب الشاي الأن سنشربه في مكان آخر .

ـ الى أين ؟

ـ الى بيتنا في الأهواز طبعا" فأنتم من اليوم ضيوفنا !!!!!

ـ ولكن يا عزيزي هذا يحتاج الى جملة من الأجراءات العديدة مع الأدارة وعمل كفالة ضامنة وليس الأمر بهذه السهولة والبساطة كما تتصورون فنحن في معتقل كما ترى .

ـ لا تهتم ... سنقوم بكل الأجراءات ونعمل لكم كفالة ، هيا بنا لا تأخرونا الوقت يسبقنا .

توجهنا الى الأدارة وتمت مفاتحتهم لغرض الحصول على إجازة لشهر كامل وفق كفالة ضامنة نقضيها في الأهواز وتطلب ذلك تقديم ما يحملونه من مبالغ نقدية وساعات ذهبية وسلاسل رقبة ذهبية أيضا" وابراز هوية غرفة تجارة الأهواز لتسديد قيمة الكفالة ولغاية عودتنا من الزيارة .
عدنا ثانية الى غرفتنا لنأخذ حقيبتنا اليدوية الصغيرة ولنوزع ما تبقى من المواد التموينية على الجيران وتوجهنا الى السيارة التي كانت تنتظرنا عند باب المخيم .

تحركنا في الساعة الثانية والنصف ظهرا" بإتجاه محافظة شيراز وهي محطتنا الأولى نحو الأهواز ، المسافة بين مخيم جهرم وشيراز تقدر بحدود 195 كم ولكنها أخذت منا حوالي الثلاث ساعات لقطعها في طريق لا يخلوا من المطبات والحفر التي احدثتها السيول الجارفة في الأسابيع الماضية ودمرت أجزاء منه أضافة الى الجسور المدمرة بين المدينتين ، كنا طيلة الطريق نتحدث عن معاناتنا في المخيم للأشهر الماضية ومحاولاتنا للبحث عنهم .
وصلنا شيراز قبل غروب الشمس ، وهي عاصمة محافظة فارس في جنوب غرب إيران ، تقع وسط جبال زاكروس المطلة على الخليج ، والتي يبلغ ارتفاعها أكثر من 1800 متر عن سطح البحر. وتعتبر المدينة مهد تاريخي مشهود للشعراء الفارسيين وللكبار العلماء مثل سيبوية وابن المقفع وغيرهم الى جانب الطقس الجميل على مدار السنة ومشهورة بمناطق الصيد والأبنية الأثرية والأسواق القديمة ، كما ان القاعدة الأساسية لاقتصادها هو إنتاج العنب والثمار والحمضيات والقطن والرز ، بالإضافة إلى صناعة الإسمنت ، والسكر، والمنسوجات ، والمنتجات الخشبية والسجاد ومع كل هذا فهي لم تعفى من الخراب الذي أصابها بسبب الحرب فقد تم تدمير الكثير من مرافقها الأقتصادية والزراعية والسياحية .

لم تكن لدينا رغبة بمشاهدة المدينة والتجول فيها ، لذا قرر الأخوة قضاء ليلتنا فيها ، الأخ جميل سبق ان عاش وعمل سنين طويلة في المدينة ويعرف كل زاوية فيها واقترح المبيت في أضخم فندق فيها تكريما" لنا وهو قصر الشاه السابق والذي حولته الحكومة الأيرانية الى فندق من خمسة نجوم ، كان الشاه يقضي أجازته الشتوية مع زوجته فيه بسبب مناخ المدينة اللطيف وكثرة المرافق السياحية ، يعجز المرأ عن وصف هذا الفندق الكبير بغرفه الواسعة الجميلة وآثاثه وتصميمه ، لا نتصور ما يجري أمامنا في هذه الأنتقالة السريعة من النوم بين جبال وصخور وأحراش كردستان العراق وما تبعها في مخيمات اللاجئيين في خوي ووارمين ثم جهرم ... عفوا" معتقل جهرم ولسنوات طويلة الى فندق من خمسة نجوم . تم حجزغرفة واسعة من سريرين من الصنع الفرنسي يحلم كل أنسان النوم عليها . أول ما قمنا به هو تحضير الحمام الساخن الذي افتقدناه لسنوات طويلة نستمتع ببخاره الساخن غير مصدقين ما نشاهده ثم أستلقينا على السرير لنأخذ غفوة قصيرة وهنا علق الأخ ابو سمير .....

ـ الوقت الأن ليس وقت النوم ، علينا تناول طعام العشاء والدردشة والنوم فيما بعد ..... ثم قال :

ـ ماذا تأكلون ؟ دجاج مشوي ، كباب أيراني مع الرز ( جلو كباب ) ؟ مروقات ؟ سمك مشوي او مقلي ؟ أي فواكه تعجبكم ؟ وأجبته ضاحكا" ...

ـ رجاء أحبتنا عليكم الرفق بنا فمعدتنا قد تكيفت طيلة السنوات الماضية على نوع آخر من الأكل أكل الأنصار في الجبال ومخيمات اللجوء ...

ـ ما هو هذا الأكل فسنطلبه لكم أنتم ضيوفنا الأن أطلبوا ما تشتهون .....؟

ـ اتمنى ان تطلبوا لنا مرقة فاصوليا يابسة بدون معجون أو شوربة عدس أو شوربة طماطة هذا ما تعودت عليه معدنا طيلة سنوات خلت ، ثم علق الأخ جميل ....
ـ ارجوا ان تنسوا جبال كردستان والمخيمات الأن ... سنوصي ما نراه مناسبا" لنا ولكم وهو الدجاج المقلي والكباب مع الرز وشوربة دجاج وهذا سيكون مناسبا" للجميع ... ولكن بالمناسبة لم تبينوا لنا ما تشربون ؟

ـ بيبسي كولا لو سمحت فلم نذقه منذ سنوات !!!

ـ فرد ضاحكا" ...لا أقصد المشروبات الغازية وانما المشروبات الكحولية !! ويسكي ؟ عرق لبناني أو عراقي ؟ بيرة أوربية مستوردة ، أو بيرة أسلامية ؟ كونياك ؟ جن .... أو أي شئ آخر ؟

ـ وهل توجد في جمهورية أيران الأسلامية مثل هذه المشروبات الأن ؟ ولماذا سميت ايران الأسلامية أذن !!!

ـ نعم ويوجد كل ما تريد !!! فما تسمعونه هو لللأستهلاك الخارجي والمحلي فقط فرجال الدين هم الذين يتاجرون بها طالما تدر عليهم أموال طائلة أنه مثل النفط بالنسبة لهم .

ـ تعرفون اننا لا نشرب المشروبات الكحولية فلا تكلف نفسك رجاء .

خرج الأخ جميل وعاد بعد حوالي نصف ساعة حاملا" بيده كيس من الورق وبداخله بطل ويسكي ( بلاك لبيبل ) وقال :

ـ لنشرب اليوم معكم نخب لقائنا بعد كل هذه السنين الطويلة .

تناولنا القليل من الويسكي وتبعه طعام العشاء وتبادلنا الحديث في أمور عدة وحتى ساعة متأخرة من الليل حيث دخلنا في نوم عميق غير مصدقين واقع حالنا الجديد من النوم بين الأفاعي والعقارب الى النوم على دواشك عالية ووسادات من ريش البط .

جلسنا في اليوم التالي مبكرين وتناولنا فطورنا المتنوع على عجل وأتصل الأخ ابو سمير بعائلته تلفونيا" ليبلغهم بمغادرتنا الفندق والتوجه الى الأهواز وعلى الأمل بوصولنا أليهم مساء ، أمامنا طريق طويل قد يستغرق طيلة النهار ويمر وسط بيئة جغرافية مختلفة منها السهول والصحاري والجبال المغطاة بالثلوج ، على طول الطريق نشاهد مآسي الحرب ، محطات كهرباء ، محطات الوقود ، خزانات المياه ، دوائر حكومية ، مصانع مختلفة دمرتها الطائرات العراقية وحولتها الى ركام وما تبقى منها فقد أحيط بشبكة من الأسلحة المضادة للجو. انها حرب قذرة قد دمرت كل ما بناه الأنسان طيلة عقود طويلة وبالتأكيد ما نشاهده على جانبي الطريق هناك ما يماثله في العراق فالحرب لا تعرف الحدود ولا ينتج عنها سوى الدمار والموت .

ساعات من السياقة المتواصلة مررنا خلالها بعدة مدن صغيرة وكانت أكبرها مدينة بهبهان التي تقرر قضاء الأستراحة بها وتناول طعام الغداء فالساعة قد تجاوزت الواحدة ظهرا" ، جلسنا تحت ظلال أحدى الأشجار الكبيرة بجانب النهر الصغير الذي يتوسط المدينه حيث نسيم الهواء البارد نسبيا" والتمتع بمشاهدة الطيور البرية المنتشرة على جانب النهر، أسرع جميل الى مركز المدينة لشراء دجاجتين منظفة وخبز وخضروات مختلفة ولم ينسى كيس من الفحم ، اشعلنا النار بسرعة كما تعلمناها في كردستان وبعد دقائق كانت قطع الدجاج موزعة على النار وهي تعطي رائحتها الشهية المميزة التي أفتقدناها منذ سنوات طويلة . تناولنا طعام الغداء وتهيئنا للمرحلة الثالثة من سفرتنا باتجاه مدينة الأهواز ، فالطريق أليها ضيق ذو ممرين ويبدأ بمرتفعات بسيطة ترتفع تدريجيا" حتى تصبح جبال عالية هي سلسلة جبال زاكروس التي تغطي قممها الثلوج حتى في موسم الصيف وأضطر الأخ ابو سمير لربط أطارات سيارته بسلسلة حديدة ولمسافة تقدر بعشرة كيلومترات منعا" للتزحلق والسقوط في الوادي عندها بدأ الطريق بالأنحدار تدريجيا" نحو مدينة الأهواز .

في بداية دخولنا أحد الطرق الحديثة وأوقفتنا اول سيطرة عسكرية حكومية من قبل حرس الثورة الأيرانية ، كنا خلال تلك اللحظات نتـناول بعض قطع البرتقال ولاحظ أحد الحرس بأن شفاهي تحمل قليل من اللون الأصفر بسبب قشور البرتقال ظنا" منه اني اتناول المخدرات ولم يقتنع بما قيل له حتى شاهد قشور البرتقال وأطلع على تصريح الأجازة الصادرة عن أدارة المخيم ثم واصلنا السير نحو الأهواز .
وصلنا مدينة الأهواز مساء حيث كان بأنتظارنا الكثير من الأقارب والمعارف تجاوز عددهم العشرين شخصا" والذين تمت دعوتهم مسبقا" على شرف وصولنا وهي عادة عربية قديمة لأستقبال الضيوف وليتناولوا الطعام مع ضيفهم القادم من العراق وبعد فراق سنوات طويلة .

تقع الأهواز التي تسمى أحيانا" بالناصرية أقصى الجنوب الغربي لإيران وتطل على نهر كارون والى الشمال الشرقي من مدينه المحمرة وهي عاصمه أقليم خوزستان معظم سكانها من العرب بناها الشيخ حميد وتقع بالقرب منها مدن عديدة منها عبادان ، الشوش ، ديزفول ، مسجد سليمان ، ، الحويزة ، المحمرة و غيرها ، وتقع بها أكبر حقول النفط الإيرانية ، اكثر الأهوازيون ينحدرون من أصول عربية و تعود اصولهم إلى قبائل بني كعب وبني طي و بني تميم وبني اسد و بني لام وآل خميس الخ .
تجري في الاهواز انهار كثيره . واشهرها نهر ( كارون ) وقد سماه العرب نهر دجيل أو نهر الاهواز وهواكبر انهارعربستان واشهرها ، واهم روافده نهر ( ديز كارون الاسفل ) وهناك نهر ( الكرخه ) ويسمي نهرالسوس ، ويطلق عليه العرب ( نهرالسويب ) ويصب في هور الحويزة . اما نهر ( الجراحي ) فينبع من مقاطعة بهبهان ويصب في هور الفلاحيه وهو نهر كبير كنهر كارون . وهناك نهر( الميناو ) ويسمي ( نهر دبيس ) حفر في عهدالخليفه عثمان بن عفان بناء علي اقتراح من والي البصره عبدالله بن عامر.

قضينا ليلة لا تنسى مع الأقارب والمعارف ، الكثير منهم يسأل عن أقاربه في العراق وما هو مصيرهم في هذا الوقت من الحرب لكونهم يعتقدون اننا جئنا من العراق مباشرة وليس لهم علم بتواجدنا السابق في كردستان وألتحاقنا بالأنصار حيث بقي الأمر هذا سرا" فقد زرعت المخابرات الأيرانية جواسيسها في كل مكان وعلى النمط العراقي وحتى داخل العائلة الواحدة وكنا حذرين بالأجابة على الأسئلة الموجهة لنا .
في اليوم الثاني من وصولنا خرجنا الى السوق وتم شراء ما نحتاجه من الملابس الصيفية فليس لدينا شئ ما نلبسه امام الأخرين .
وبعد ثلاثة أيام وعلى العادة العربية انتهت ضيافتنا وبدأت الدعوات تصلنا من كل الأقارب الذين لم ألتقي بهم يوما" سوى ما كنا نسمع عنهم من الأهل ، الجميع مغرم بأكل الدجاج والسمك والبط الكندي الأبيض وكعادة العرب فأن الأكلة الدسمة هي من حصة الضيوف ، الغالبية يستعملون الأيدي في الأكل وهذه مصيبتي التي لم اتقنها جيدا" ولا زلت ، حاولت عدة مرات أستعمال اليد ولكني كنت الخاسر الأول وكنت اترك طاولة الطعام وأنا جائع . بمر الأيام تحسنت صحتنا وزاد وزننا لدرجة أخذنا نعطي الأعذار المختلفة للتهرب من الدعوات الكثيرة الموجهة لنا .
خلال تواجدنا في الأهواز غادرنا المدينة صباحا" الى ضواحيها عدة مرات حاملين ما خف حمله وغلا ثمنه بعد وصول أخبار من جبهة تحرير الأهواز والتي يتناقلها سكان الأهواز العرب بأن الطاغية صدام سوف يقصف المدينة بصواريخ سكود وعلى العرب مغادرتها للحفاظ على سلامتهم ، كنا نقضي الساعات الطويلة في العراء وحتى حلول المساء حيث نعود الى المدينة لقضاء ليلة قلقة بأنتظار سماع أخبار أخرى . ولكننا كنا نرى الطائرات العراقية وهي تحلق كنجمة في السماء متوجهة نحو أهدافها .

سمحت الأيام التالية بالذهاب الى مدينة المحمرة وهي منطقة عسكرية قريبة من خط الجبهة مع العراق لزيارة قبور الأجداد ومشاهدة بيوتهم وبساتينهم القديمة التي بنوها وزرعوها بأنفسهم وزرعوا نخيلها العامر وكنا نشاهد في الأفق حدود مدينة البصرة وعلى جانبي الطريق الكثير من الدبابات والسيارات العسكرية العراقية المحترقة والمدمرة من قبل القوات الأيرانية حيث شهدت مدينة المحمرة أكبر المعارك وأشرسها مع القوات العراقية في الأيام الأولى للحرب وأدت الى أنسحاب الجيش العراقي منها .... أنها الحرب فليس هناك من يربحها .. بعد عودتنا الى الأهواز تيبن لنا من المعارف ان مدينة المحمرة منطقة عسكرية ولا يحق للأجانب زيارتها وكان من حسن حظنا أننا لم نقع في مشكلة مع السلطات الأيرانية رغم عبورنا العديد من نقاط السيطرة لكان أتهامنا الأول هو التجسس لصالح العدو في وقت الحرب .
أنتهت أجازتنا التي دامت شهرا" كاملا" ونحن وسط الأهل كأنه يوم واحد عدنا بعده الى مخيم جهرم التعيس مرتاحين وقد تحسنت ظروفنا النفسية وتم الأتفاق مع الأخوة على محاولة تقديم طلب على أجازة أخرى لمدة شهر بعد مرور عدة أيام على عودتنا للمخيم ، سلمني الأخ ابو سمير قطعة ذهبية صغيرة عبارة عن حرف (F ) اللاتيني وهو الحرف الأول لأسم زوجة مدير المخيم لأقناعه وكرشوة للحصول على الأجازة الثانية في حالة عدم موافقته على الطلب بسهولة .

كانت اجازتنا الثانية سهلة الحصول بعد تقديم الهدية الى مدير المخيم وكانت بنفس الوقت روتينية للأطلاع على الحياة العامة في الأهواز حيث زرنا خلالها الكثير من الأقارب وعايشنا الوضع المزري للشعب الأيراني ومعاناته في وقت الحرب وحضرنا العديد من مواكب العزاء والفاتحة على ارواح شهداء الحرب من المندائيين .

بعد انتهاء اجازتنا قررنا مغادرة الأهواز عصرا" للعودة الى المخيم بتوديع المعارف ، قبل دقائق من انطلاق الباص ظهرت الطائرات العراقية مسيطرة على أجواء المدينة وسط قذائف الأسلحة المضادة للجو واخذت تحوم في سمائها استعدادا" كما يبدو للهجوم على أهداف مخطط لها وما هي ألا ثوان حتى انطلقت الصواريخ من عدة طائرات على محطة قطار الأهواز المجاورة لمحطة الباصات ( الترمينال ) مخلفة دمار هائل وقتل وجرح المئات من المدنيين ونحن بينهم واخذت الدماء تسيل من وجوهننا واجسامنا وهذا ما سنتحدث عنه في حلقتنا القادمة .

يتبع في الحلقة القادمة والأخيرة
كندا
كانون الأول / 2008



#فائز_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الذاكرة ، أيام صتعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثامنة عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة السابعة عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة السادسة عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الخامسة عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الرابعة عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثالثة عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثانية عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الحادية عشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة العاشرة
- من الذاكرة ، أيام صعبة باتجاه الوطن ، الحلقة التاسعة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثامنة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة السابعة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة السادسة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الخامسة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الرابعة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثالثة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثانية
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الأولى
- أحياء بغداد ومقاهيها الشعبية منبع الأدب والثقافة
- الصابئة المندائيون والأرهاب عبر التأريخ


المزيد.....




- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
- فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
- لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط ...
- عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم ...
- مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ ...
- اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا ...
- العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال ...
- سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص ...
- شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك ...
- خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة التاسعة عشرة