سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 768 - 2004 / 3 / 9 - 08:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قبل أكثر من ثلاث سنوات، وفي ظروف وأوضاع إقليمية ودولية بالغة التعقيد، تسلم الدكتور بشار الأسد رئاسة (الدولة السورية) وأمامه العديد من الملفات الداخلية والإقليمية الساخنة والشائكة، داخلياً: (الأزمة الاقتصادية ومشكلة التنمية، مشكلة البطالة، الفساد المالي والإداري، الإصلاحات السياسية)، إقليمياً: ملف الجولان والسلام مع إسرائيل، كما هناك الملف الفلسطيني واللبناني، ثم جاء الملف العراقي ليخلط جميع الأوراق, فبعد كل ما حصل في المنطقة والعالم من تطورات سياسية وعسكرية والتبدل الكبير في موازين القوى لصالح الولايات المتحدة الأميركية عالمياً، ولصالح إسرائيل إقليمياً، خاصة في ضوء ما حصل للعراق في الربيع الماضي واحتلال القوات الأميركية/البريطانية له، باتت أميركا طرفاً قوياً ومباشراً في الصراع الدائر في المنطقة, في ظل كل هذا الذي يحدث اليوم، يتساءل المواطن السوري: كيف ستتعاطى قيادته مع هذه الملفات الساخنة ؟ وما هي الأولويات، أو الخيارات، في السياسة السورية في المرحلة المقبلة؟, لا شك ان حساسية المرحلة تتطلب الكثير من الحكمة والتأني ورؤية استراتيجية فذة من القيادة السورية وقراءة بعين ثاقبة آفاق المرحلة المقبلة، قبل اتخاذ القرارات المصيرية وحسم الموقف السوري مما يجري في المنطقة وعلى الحدود السورية.
حالة تجاذب داخل المجتمع السياسي السوري:
طبعاً من الصعب جداً على الآخرين التكهن بما تفكر به وتخطط له (القيادة السورية) لما هو قادم، نظراً لـ (المركزية الشديدة) في اتخاذ القرارات الهامة في سورية، وقلة التصريحات فيما يخص الملفات السياسية الساخنة، لكن مع هذا يمكن للمتتبع لـ (لخطاب السياسي السوري) ان يستنتج من خلال قراءة وتحليل مفردات هذا الخطاب، منذ الحملة الأميركية على العراق، بأن (القيادة السورية) لم تحسم بعد خياراتها السياسية بشكل نهائي, وأعتقد ان حالة (اللاموقف) الذي تتميز به السياسية السورية في هذه الأيام نابع من حالة التجاذب داخل المجتمع السياسي السوري، إذ يبدو هناك أكثر من رأي وموقف ، حتى داخل القيادة السورية، طبعاً هذه حالة معظم قيادات و حكومات دول العالم، خاصة في فترة الشدائد , فهناك تيار في القيادة السورية متمسك بالنهج السياسي والقومي التقليدي القديم، تمثله شخصيات قومية متشددة من الجيل القديم الذي كون وعيه وفكره السياسي في مرحلة المد القومي العربي، فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وهناك تيار آخر ،أقل تشدداً في المسائل القومية وأكثر واقعية و برغماتية في سياساته وعلاقاته مع العالم الخارجي، تمثله شخصيات من الجيل الجديد- من ضمنها الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية - نشأت في مناخات فكرية وسياسية عربية وعالمية جديدة تميزت بتراجع دور وأهمية الإيديولوجيات والعقائد في تحديد طبيعة العلاقات السياسية بين الدول لصالح الاقتصاد وعلاقات الانتاج ومبادئ الليبرالية والقيم الديموقراطية، مما يعطي هذه الشخصيات قدرة أكبر على التأقلم والتعاطي إيجابياً مع المستجدات والتطورات السياسية العالمية والإقليمية الجديدة ، لذلك من المرجح ان يكون رأي هذا التيار هو الغالب في تحديد المواقف و رسم السياسية السورية للمرحلة المقبلة.
لا يختلف اثنان في سورية على ان أميركا قدمت إلى المنطقة، لتعيد ترتيبها بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية الاستراتيجية مستفيدة من فرصة انفرادها في العالم كأعظم قوة عسكرية واقتصادية، لكن الاختلاف والتباين في وجهات النظر داخل الأوساط السياسية السورية، الرسمية منها والمعارضة، هو حول كيفية التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت تهدد وتعاقب سورية، بعد ان أصبحت على الحدود، كما و تشهد التجمعات السياسية السورية سجالاً حامياً، حول تحديد الأولويات والخيارات السورية في هذه المرحلة؟.
مخاطر النهج القومي التقليدي:
لقد عملت القيادة السورية طيلة الحقبة الماضية على تأجيل بحث ومناقشة العديد من القضايا الداخلية المهمة، مثل قضية الحريات السياسية والديموقراطية، ورفع الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، وحقوق القوميات غير العربية، كما وأهملت مسألة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، متذرعة بالوضع الإقليمي وحالة الحرب مع اسرائيل، إذ كانت السياسة السورية أكثر تركيزاً / واهتماماً بالأوضاع الخارجية للدولة السورية، و كانت تنظر القيادات السورية للداخل السوري وتتعامل معه من خلال ما يحيط بسورية من أحداث وتطورات، ربما كان لهذه السياسية ما يبررها في وقت من الأوقات، لكن اليوم وفي ظل ما يشهده العالم من مفاهيم وافكار جديدة وحدوث تحول في العلاقات الدولية، بات من المهم جداً ان تنظر القيادة السورية للعالم الخارجي، وخاصة لدول الجوار، بمنظار وطني سوري، وليس بمنظار قومي عربي، وتعيد النظر في خياراتها السياسية والإستراتيجية ليكون الأساس والمنطلق فيها هو المصلحة الوطنية لسورية، (سورية أولاً وأخيراً), لا أعتقد انه من الواقعية السياسية ان تقف اليوم سورية وحيدة في مواجهة أميركا، ولا أظن انها قادرة على فعل ذلك إن أرادت، ربما من المفيد والمناسب جداً لسورية، في هذه المرحلة، ان تضع استراتيجية وطنية جديدة لمواجهة التحديات الخارجية تقوم على أعادة ترتيب (البيت السوري) من الداخل، فلم تعد سورية تستطيع المراهنة على مواقف الدول العربية، بعد ان تخلت عنها معظم هذه الدول وموت اتفاقية الدفاع العربي المشترك.
لتسأل سورية ذاتها: ماذا جنت من النظريات والتوجهات القومية طيلة نصف قرن من الزمن؟ سوى الحروب والنزيف في اقتصادها الوطني وتوتر في العلاقة مع معظم دول الجوار, ومن سلم سورية للمصرين باسم الوحدة العربية، وأجهض التجربة الديموقراطية في سورية فترة الخمسينات سوى المطبلين للوحدة العربية والمدججين بالنظريات القومية, ومن أضاع نصف فلسطين، وفوت فرصة قيام دولة فلسطينية عام 1947، سوى أصحاب الأحلام القومية الرومانسية, واليوم قد يدفع غلاة القومية العربية سورية إلى المواجهة مع أميركا، ليحصل لها ما حصل للعراق، إلى حيث لا يريده الشعب السوري لبلده وقيادته, إن التكيف مع الظروف والأوضاع الإقليمية الجديدة يجب ألاّ يفهم استسلاماً وخنوعاً للضغوطات الخارجية وأميركا كما يفسره البعض من القوميين العرب، إنما يعني سياسة (برغماتية) التي أثبتت على مر التاريخ انها السياسة الأكثر نجاحاً وواقعية، خاصة وقد بدأت رياح التغير والعولمة تهب على العالم من كل الجهات, ولا يمكن لسورية ان تكون بمنأى عن هذه التغيرات العالمية.
عملية الإصلاح أمام الامتحان:
قد يجد البعض في بقاء سورية على نهجها القومي التقليدي القديم والاستمرار في حالة المواجهة مع الآخرين ذريعة لتأجيل عملية الإصلاح التي أطلقها الدكتور بشار الأسد، التي يبدو أنها تراوح مكانها، حتى بات هناك من يشكك بقدرة النظام على الاستمرار في عملية الإصلاح، من هنا تأتي أهمية وأولوية الإصلاح السياسي في هذه المرحلة، لأنه المقدمة الضرورية لكل الإصلاحات الأخرى، وكل من يحاول تأخير أو تأجيل الإصلاحات السياسية، لصالح الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، هو كمن يضع الحصان خلف العربة، ان الإصلاح السياسي لا يعني بالضرورة تغير كل ما هو قائم أو الانقلاب عليه، وإنما وضع آليات عمل سياسية تقوم على تحرير الدولة والمجتمع من هيمنة الحزب الواحد وإبعاد كل من يعيق عملية الإصلاح ويقف في وجهها وتصحيح العلاقة بين السلطة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني من خلال إطلاق الحريات السياسية والإعلامية وحرية الرأي والتعبير وإصدار قانون للأحزاب وإعادة النظر في قانون الانتخابات التشريعية والبلدية بما يحقق تكافؤ الفرص لجميع القوميات والأحزاب,
علينا كسوريين ان نتجاوز الحالة القطرية - سورية قطر عربي - إلى الحالة الوطنية- الدولة- الكاملة، ولتقوم سياساتنا الوطنية على تأصيل انتماء (الإنسان السوري) للوطن السوري القائم، لا لدولة القومية العربية الواحدة المنتظرة، إننا اليوم في سورية أحوج ما نكون إليه هو التأسيس لهوية وطنية سورية تعبر وتعكس عن/ كل الطيف الحضاري والثقافي للمجتمع السوري الذي يتكون اليوم من عرب و(كلدوآشوريين- سريان) وأكراد وأرمن وتركمان وشراكس ويزيد ، باعتبارها ثقافات وطنية سورية نمت وتشكلت في سياقات تاريخية معينة, ان حالة التنوع الثقافي والتعدد السياسي لأي مجتمع، لا بد من ان تتجسد في نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي، وفي دستور ديموقراطي, فبقدر ما تعبر هويتنا الوطنية ونظامنا السياسي عن حالة التعدد السياسي والتنوع الثقافي في المجتمع السوري، بقدر ما تتحقق الديموقراطية وتمارس الحريات الفكرية والسياسية، وتعزز وحدتنا الوطنية وتحصن في وجه التحديات والتهديدات الخارجية التي تتعرض لها سورية.
لقد اعتدنا نحن شعوب ، دول العالم الثالث، عندما يحدث انقلاب سياسي على الحكم القائم ، يفرض قادة الانقلاب حالة الطوارئ وبعض القوانين الاستثنائية على البلاد، باسم الشرعية الثورية، إلى حين استتباب الأمن واستقرار الأوضاع في البلاد، لكن ان تستمر حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سورية لأكثر من أربعة عقود هو أمر غير مفهوم وعليه أكثر من علامة استفهام؟ ولا أعتقد ان المجتمع السوري كان يوماً بحاجة إلى الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ التي فرضها على البلاد (حزب البعث العربي الاشتراكي) يوم استلامه السلطة في الثامن من مارس 1963، فالشعب السوري يمتلك من الأخلاق والحس الوطني والوعي الحضاري ما يغنيه عن وجود مثل هذه القوانين والأحكام الاستثنائية التي قيدت حريته وشلت نشاطه السياسي والثقافي.
سليمان يوسف يوسف
كاتب سوري مهتم بمسألة الأقليات
shosin@scs-net,org
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟