|
العنف ضد النساء في لبنان مشكلة لها جذورها والمعالجة تبدأ بتغيير العقلية وتطوير قوانين الحماية 8 آذار (يوم المرأة العالمي)... ومناسبة للتأمّل
زينة عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 767 - 2004 / 3 / 8 - 06:16
المحور:
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2004 يوم المرأة العالمي
ريم سيدة في عقدها الثالث، جميلة وانيقة لكنها ليست كغيرها من النساء. فهي بائسة ومحطّمة، وتظهر على وجهها ملامح حزن شديد يملأ قلبها وعينيها اللوزيتين. دموعها تنهمر والكآبة تنعكس على صوتها. كل ذلك نتيجة قصة حب بطلها زوجها ومشاهدها تتضمن كل انواع العنف المتعارف عليه.
تعرفت ريم على زوجها عندما كانت في الثامنة عشرة ووافقت على الزواج منه على الرغم من معارضة اهلها. ومن دون تردد نسيت شبابها واحلامها واهلها، وقررت ان تدخل معه القفص الذهبي لكنها سرعان ما اكتشفت انه ليس سوى قفص عذاب من الصعب التخلص منه.
لم تدم سعادة ريم اكثر من 3 ايام بعد زواجها عندما تفاجأت بردة فعل زوجها حين علم ان احد اقاربها جاء لتهنئتها وقبّلها. فغضب الزوج كثيرا وكاد يحطم البيت على رأسها. ومن هنا بدأ مسلسل العنف في حياتها الزوجية وبدأت تعاني اقسى انواع العنف المعنوي، كمرحلة اولى قبل الانتقال الى العنف الجسدي. جردت من احساسها وكيانها ومشاعرها وسجنت داخل المنزل ظنا من زوجها انها ستخونه اذا خطت خطوة واحدة خارج الباب. وبسبب مخيلته الواسعة كان يشبعها ضربا اذا فكرت حتى بالاستحمام معتبرا انها قامت بخيانته مع شخص ما.
حاولت ريم اكثر من مرة ان تتحدث معه وتثبت له انه الرجل الوحيد في حياتها لكنه كان في كل مرة ينهال عليها بالضرب من دون اي رحمة او شفقة. وتبين انه يعاني من مرض نفسي يدفعه الى القيام بهذا النوع من التعنيف بعد اكتشافه ان احدى قريباته تقوم بخيانة زوجها. نتج عن هذا الزواج ثلاثة اولاد عاشوا هذه المصائب المتكررة بشكل يومي وترسخت في افكارهم كيفية معاملة الوالد للوالدة حتى هم بنفسهم انقلبوا عليها واهانوها وذلك ارضاء لوالدهم بحسب اعتقادها. ومع اشتداد سوء الحال بين الزوجين غادرت ريم المنزل اكثر من مرة بعد ان طردها زوجها لكن حبها لاولادها ولامومتها، واحيانا وعود زوجها الكاذبة بالتغيير تعيدها اليه. وما ان تمكث يومين في المنزل حتى تلقى نصيبها من الضرب مع تطور ملموس يتجلى باستعماله مواد حادة في الضرب مثل جهاز التلفزيون والسكين وغيرها.
وردت فكرة الانتحار في بال ريم لكنها عدلت عن قرارها في اللحظات الاخيرة خوفا من الله وقلقا على مصير اولادها. اما الصدمة الكبرى فتتجلى في عدم قبول زوجها ان يطلقها خصوصا بعد ان حكمت المحكمة على الزوجة بالطاعة لكن ريم استأنفت الحكم وهي تأمل بالحصول على الطلاق الاخير من زوجها.
هذه هي باختصار قصة حب ريم التي تعتبر نموذجا عن معاناة شريحة من الزوجات اللواتي يتعرضن لعنف الزوج واهوائه من جهة، وجمود القانون وقصوره من جهة اخرى. ومن هنا يبرز دور الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة في الكشف عن جميع اشكال العنف التي تتعرض لها سواء كان عنفا جسديا، نفسيا او اقتصاديا. والمرأة ترى ان اولادها هم الضحية الاكثر تأثرا في المعركة بينها وبين الرجل، لذلك تعتبر ان اي انتصار لها هو خسارة بالنسبة لاطفالها ومشكلة كبيرة لهم.
تعمل الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة بجهد للقضاء على مختلف انواع العنف من خلال ثلاثة محاور اولها يتعلق بالكشف عما يجري داخل الاسر من عنف نفسي وجسدي واقتصادي وعدم اعتباره مسألة خاصة وشخصية تخص فقط افراد الاسرة.
المحور الثاني يتعلق بمحاربة الاحساس بالذنب والشعور بالمسؤولية لدى المرأة عن اوضاع ليست هي مسؤولة عن نشأتها. وهذا ينطبق تماما على وضع المرأة في الاسرة حيث تشعر بمسؤوليتها عن كل ما له علاقة برفاهية افرادها وسعادة اطفالها ونجاحاتهم. اما المحور الثالث، فهو اهمية الابقاء على عالم النساء، وذلك من خلال شبكة اجتماعية تتألف من النساء ضمن العائلة الممتدة ومن الصديقات.
وتشكل هذه الشبكة آلية لدعم النساء وتأمين بعض الكرامة والحماية لهن، ومن ابرز ما تقوم به هذه الهيئة هو عرض تفاصيل معاناة امرأة معنفة، ونشر الوعي بين التلميذات الناشئات من خلال محاضرات وندوات ومؤتمرات صحافية. فالعنف على المرأة امسى في هذه الايام آفة مرعبة تجتاح حياتهن ويجب العمل بكد على مكافحتها، خصوصا ان هذا النوع من العنف لم يجرِ تجسيده عمليا كمفهوم مستقل يستحق التأمل والدراسة الا في العقد الاخير من القرن الفائت. وفي لبنان، كما في معظم الدول العربية، لا تزال الدراسات والابحاث المهتمة بهذا الموضوع نادرة الوجود.
وتجدر الاشارة الى وجود تكتم وصمت عند النساء على ما يدعونه (نصيبهن)، انما هو تقليد توارثنه وتعلمنه من بنات جنسهن. ومن الضروري ان يتشجعن على الكلام عن تفاصيله اليومية من قبل سلطات طبية وقانونية واجتماعية وامنية. هناك العديد من النساء اللواتي يتعرضن الى كافة انواع العنف بشكل يومي حتى اصبح ذلك خبزهن اليومي من دون ان نعلم او نسمع بهن، فنهتم فقط بالحوادث الاستثنائية التي ينتج عنها موت او اذى جسدي محسوس للمرأة، وننسى تماما الحوادث اليومية غير الصاخبة التي تتلقاها اجساد النساء والتي تشوه نفسياتهن وتخفض معنوياتهن وتؤثر على عقلهن وعلاقاتهن ووجودهن. ولكسر جدار الصمت عند هؤلاء النساء لجأت الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة الى التعاون مع الاشخاص الذين وضعتهم مهنهم على تماس مباشر مع النساء المعنفات كالاطباء والممرضين الذين يعاينون الكدمات والجروح على جسد المعنفة، والمعالجون النفسيون ورجال الدين الذين يلمسون آثار التعذيب النفسي في عوارضها النفسية وتعبيراتها الجسدية، والمحامون والقضاة الذين تلجأ اليهم المرأة المعنفة حين تغلق في وجهها كل السبل. وافراد قوى الامن الداخلي في المخافر التي تستقبلها في لحظات الذروة في مسار تعنيفها.
وتعتبر هذه الخطوة ايجابية في حض النساء على الافشاء بسرهن بغية التخلص من عذابهن والعيش بسلام.
الى جانب التكتم التام عن حالات العنف والاقتناع بالنصيب هناك اسباب اخرى تمنع النساء من الكشف عن مصيرهن المليء بالعذاب والقهر لا سيما من الناحية القانونية وصعوبة تطبيقها. فعلى صعيد منظومة القوانين اللبنانية لا يوجد نص خاص بالعنف ضد النساء باستثناء العنف الجنسي اي الاغتصاب. المادة 514 من قانون العقبات اللبناني تحكم بالسجن على من يقدم على خطف فتاة او امرأة بالخداع او الاكراه، الا ان المادة 522 اوجدت للمجرم وسيلة للنفاذ بالعقاب. حيث نصت على انه في حال عقد زواج صحيح بين مرتكبي احدى الجرائم والمعتدى عليها توقف الملاحقة بحق المجرم. وما يزيد الطين بلة نقاط عدة تتجلى في صعوبة حصول المرأة المعنفة على تقرير طبي من طبيب شرعي لارتفاع كلفته وعدم قدرة المعنفة احيانا على مغادرة المنزل في حال ارادت اثبات واقعة الضرب والايذاء.
جهل المرأة الاصول الواجب اتباعها لتقديم الشكوى لدى مخفر الدرك خلال 24 ساعة او لدى النيابة العامة الاستئنافية، فضلا عن استخفاف رجال الدرك بتعاملهم مع المرأة المعنفة ورفضهم الاستماع اليها او عدم اتخاذهم الاجراءات القانونية بحق مرتكب الجرم متذرعين بعدم صلاحيتهم للتدخل في القضايا العائلية. بالاضافة الى الضغوط والتهديدات التي غالبا ما تتعرض لها المرأة وتدفع بها الى التراجع عن شكوى سبق وتقدمت بها ضد زوجها. واخيرا عدم وجود مأوى يمكن للمرأة المعنفة ان تلجأ اليه عند هروبها من عنف الزوج او عند تقديمها شكوى ضده.
جدير بالذكر، ان (يوم المرأة العالمي) يصادف بعد غد الاثنين في 8 آذار، وهي مناسبة للوقوف والتأمل باوضاع المرأة في لبنان، والتخطيط لتحسين هذه الاوضاع في المستقبل.
#زينة_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
-
حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
-
وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
...
-
أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير
...
-
ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
المزيد.....
-
الموقف الإسلامي من المرأة بين الاجتهادات المغلوطة والأنانية
...
/ جمعة الحلفي
-
بدون المرأة لن تكون الثورة وبدون الثورة لن تتحرر المرأة
/ جبهة التحرر الشعبي الثوري - تركيا
المزيد.....
|