|
محطات من فكر هادي العلوي
مازن لطيف علي
الحوار المتمدن-العدد: 2490 - 2008 / 12 / 9 - 10:04
المحور:
سيرة ذاتية
إن المفارقة التي تلف حياة هادي العلوي تقوم في كونه من أهم الشخصيات العراقية الفكرية والثقافية الحرة في القرن العشرين، وأكثرها تعرضا "للإهمال" داخل العراق.وهي حالة ليست معزولة عن واقع الغربة الطويلة والمعارضة المستميتة للنظام الدكتاتوري الصدامي من جهة، ولشخصيته الحرة و"المشاكسة" من جهة أخرى. فقد عاش هادي العلوي حياة مفعمة بالعطاء الفكري والثقافي. وهو صاحب العشرات من المؤلفات الجريئة. فقد شكلت كتبه وآراؤه صدمة للمثقفين ولقرائه لما فيها من اشكالية في طرح قضايا تعتبر من "المحرمات" التي لا يستطيع المثقف العربي طرحها أو مجرد ذكرها. وقدم أعمالا فكرية وأبحاثا غاصت في عمق التراث العربي والإسلامي، الذي وجد فيه أولا وقبل كل شيء فكرا معارضا لسلطة الدولة الغاشمة والمال في العصور الغابرة. إن قارئ كتابات هادي العلوي يصاب بالدهشة للوهلة الأولى عند قراءة كتبه.إذ يقف أمام أحد العقول الموسوعية التي حاولت المزاوجة بين الماركسية والتراث وهو جوهر مشروعه. فيذكر العلوي أن التجارب الشيوعية فشلت عندنا بسبب أحاديتها المرجعية، إذ اعتمدت حصراً على المصادر المترجمة وأن المصادر الماركسية وحدها لا تكفي وقد أهمل الشيوعيون مصدر التأصل للفكر الشيوعي والنضال الشيوعي، وحاول العلوي أقلمة الماركسية وكان جزءا من مراميه الأخيرة أن أقترب إلى التصوف في أواخر حياته. الماركسي المتصوف ، سليل الحضارتين ،اليساري الملتزم، الولي، المثقف المتمرد ، هذه التسميات وغيرها أطلقت على الباحث العراقي الشهير هادي العلوي. قدم هادي العلوي البغدادي للمكتبة العراقية والعربية والعالمية ايضا أكثر من 20 كتاباً تناولت قضايا التراث العربي والإسلامي وقضايا التصوف وقضايا المرأة، والعديد من المقالات التي تميزت بتحليل ونكهة ماركسية. لكنه وقف في الوقت نفسه ضد فكرة التقديس. فلا شيء مقدس، انطلاقا من كل شيء قابل للنقد والتحليل الموضوعي. وكان نقده واضحا وصريحا لأصحاب العقيدة الشيوعية من السياسيين والمثقفين الذين اخذوا بالانحراف، من وجهة نظره، عن أصولهم الفكرية. حاول هادي العلوي البحث عن زعيم مقتدر يجمع بين الشرف الشخصي والشرف الوطني والطبقي لكي يعمل معه. لكنه لم يعثر عليه إلى أن وافاه الأجل. كان العلوي يرى في أبي العلاء المعري نموذج التنوير في الإسلام وفيه يجتمع من مقومات الموقف النموذجي لمفكر حر، ومناضل اجتماعي ما قد نجده متفرقاً في سواه. ففي كتابه المهم "مدارات صوفية" إدانة واضحة للمثقف المرتشي عبر العصور ولمثقف العصر الخاضع والمستلب لسلطة المال. وقد دعا العلوي لبناء مرجعية خاصة بعد أن رأى أن المرجعية الحديثة تنحصر في الثقافة الغربية بمطلقيتها وأحاديتها. ولد هادي العلوي في بغداد سنة 1932 ونشأ في (كرادة مريم)، التي كانت آنذاك ضاحية ريفية من ضواحي بغداد. ثم أنهى دراسته الثانوية سنة 1950 وتخرج من كلية التجارة والاقتصاد بتفوق عام 1954. في أوائل الخمسينيات تعرف هادي العلوي على جريدة (الأهالي) التي كان يصدرها كامل الجادرجي فصارت جريدته المفضلة. في نفس الفترة الزمنية تعرف على علي الشوك، احد أبرز المثقفين العراقيين. وتوطدت معه علاقة متأخرة في الزمن لكنها أضافت الكثير إلى مخزونه المعرفي. بدأ العلوي نشر بحوثه بعد أن استكمل أدواته المنهجية الخاصة. وكان أول بحث قد نُشر في مجلة (المثقف) سنة 1960 التي كان يصدرها علي الشوك، وكان البحث عن أبي حيان التوحيدي وكتابه (مثالب الوزيرين). ترك العلوي نتاجاً معرفيا في مجالات الفكر العربي والإسلامي وغيرها. واهتم أواخر حياته بما اسماه مشروع المشاعية. ولم تأسره الأيديولوجية بعد أن هجر الأيديولوجيات الحزبية. وقد اعتبره المستشرق الفرنسي جاك بيرك احد أهم عشرة مفكرين في القرن العشرين. كانت كراهية العلوي بكل أشكالها كرهاً مبدئيا وليس أيديولوجيا. فهو ضد كل أنماط السلطة. ورغم كونه عنيف المزاج في العبارة والفكرة، لكنه كان رقيق القلب متواضعاً كالحقيقة، شامخاً مثلها. لم يدرس فكر هادي العلوي دراسة علمية ومعرفية حتى هذه اللحظة سوى الدكتور ميثم الجنابي في كتاب (فلسفة الثقافة البديلة) الصادر عن دار ميزوبوتاميا في بغداد. وهو الجزء الذي سبق وان نشره الجنابي على 11 حلقة في مختلف الجرائد العراقية. ترك هادي العلوي العديد من المؤلفات، مثل أراء وأصداء " وهو أول كتب له ويجهله الكثيرون"/نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي / الرازي فيلسوفاً/ فصول من تاريخ الإسلام السياسي / من قاموس التراث/ المستطرف الجديد/ المنتخب من اللزوميات نقد الدولة والدين والناس/ شخصيات غير قلقة في الإسلام/ المستطرف الصيني/ الكتاب الأحمر/ كتاب التاو/ مدارات صوفية / ديوان الوجد/ المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة / ديوان الهجاء/ قاموس الإنسان والمجتمع/ قاموس الدولة والاقتصاد/ قاموس العلوم والصناعات. إضافة إلى العديد من المقالات والدراسات في المجلات العراقية والعربية. توفي في دمشق ودفن فيها. ولم يترك أموالاً أو عقارات وارتضى من القليل لإدامة وجوده الجسدي وترك الكثير من الأسئلة المحيرة. قالوا عنه: * كان العلوي يتصرف وسط دهشة الآخرين، بما تمليه عليه قناعاته. فبدأ متصوفاً على طريق الزهاد القدماء (رشيد الخيون) * لم أعرف مثقفاً عربياً شبيهاً بهادي العلوي. كان بسيطاً متواضعاً رغم معرفته الموسوعية بعيداً كل البعد عن نرجسية و"انتفاخ" الكثير من مثقفينا. (د.ماهر الشريف) * بقي العلوي يناضل في ساحة الفقراء يحارب في صنوف الاضطهاد رغم سقوط المضطهَد في إغراء المضطهِد، لم يفقد إيمانه بالشعب مبرراً السقوط بالجوع. فهو يبرر للضعيف ضعفاً، ولكن لا يبرر للقوي تسلط المتمثل بالقوى الرأسمالية. (سعاد جروس) * كان هادي العلوي يجسد نموذج المثقف الكوني بمعنى الكلمة، مرهف الحساسية والتأثر بهموم وطنه وأمته. اعتزل الناس وهو في المنفى، في صومعة الفكر، لكنه ما انقطع عنهم وعن همومهم. (رضا السماك) * كان العلوي عراقي المذهب والتحزب والهوى، تجري في دمائه رياح العراق بكل أجزائه من شماله إلى جنوبه، وبكل قومياته وأجناسه وأديانه ومذاهبه، كان يمثل أصالة الذات العراقية التي تأسست قبل أن يبدأ التاريخ. (رحمن خضير عباس)
#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة قديمة جديدة .. قرصنة الكتاب العراقي والتجاوز على حقوق
...
-
مدرسة فرانكفورت.. شخصيات وأفكار
-
الادباء العراقيون يستذكرون المفكر هادي العلوي
-
الفنان العراقي المغترب فلاح صبار : الاغنية السبعينية ستبقى م
...
-
المؤرخ العراقي كمال مظهر أحمد: المؤرخ ينبغي أن يكون دائماً م
...
-
نوفل ابو رغيف :علينا اولاً ان نقوم ونشرع بلملمة أوراقنا لإعا
...
-
البَيتُ العِراقي .. في بَغدادَ وَمُدُن عراقية أخرَى
-
مونلوجات عزيز علي في الذاكرة العراقية
-
سحرُ الكِتاب وفِتنَة الصورَة
-
هل يتحول شارع المتنبي إلى مدينة ثقافية عراقية
-
روائيون وكتاب يتحدثون : ملتقى الرواية في دمشق فعالية اغنت ال
...
-
الفنان لطيف صالح : في المنفى تعترض المسرحي عوائق كثيرة و معا
...
-
آراء المثقفين العراقيين حول تشكيل المجلس الاعلى للثقافة وإعل
...
-
جلال الحنفي ..ذاكرة بغداد التراثية
-
صناعة الكتاب والإشكال الثقافي في العراق
-
في حضرة كامل شياع .. سيرة الحالمين
-
صدور العدد الجديد لمجلة الهامشيون
-
في الذكرى الخمسينية لثورة تموز 1958
-
حبزبوز..وريادة الصحافة الساخرة في عراق الثلاثينات
-
أحمد مطر ..شاعر الرفض والتمُرد
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|