كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 766 - 2004 / 3 / 7 - 09:48
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
1. سياسات الحكم المركزي الملكي في بغداد إزاء كركوك
مارست الحكومة المركزية في العراق منذ إلحاق ولاية الموصل بالدولة الجديدة سياسية تميزت بالشوفينية المقيتة إزاء الشعب الكردية والقوميات الأخرى في العراق ومحاولة تهميش دور الشعب الكردي ورفض الاستجابة لمطالبه العادلة, رغم قرارات عصبة الأمم الواضحة بشأن موقع الأكراد في العراق الجديد. وتبلورت هذه السياسة في الموقف من لواء كركوك, الذي كان في إطار الدولة العثمانية مركز ولاية شهرزور التي أصبحت فيما بعد ولاية الموصل. وتعاونت شركات النفط الاحتكارية مع الحكومة العراقية تعاوناً وثيقاً من أجل تهميش دور الأكراد في كركوك وإجراء تغيير ملموس في البنية السكانية للمدينة واللواء من خلال:
** توجه شركات النفط الاحتكارية وبالتنسيق المباشر مع الحكومة العراقية إلى زيادة عدد العاملين من غير الأكراد في مقر الشركة في كركوك وفي حقوق التنقيب عن النفط واستخراجه في المنطقة.
** أقامت الحكومة العراقية مشروع ري سهل الحويجة وتوطينه بالعشائر العربية بدلاً من العشائر الكردية والتركمانية التي هي من سكان المنطقة ذاتها.
وأدت هذه السياسات إلى تغيير في نسبة السكان الأكراد في كركوك بالمقارنة مع نسبة بقية سكان القوميات الأخرى بين عامي 1947 و1957 من 53 % إلى 48,3 % في غير صالح الأكراد, ومع ذلك فقد شكل الأكراد أكثرية السكان.
وعلى صعيد المسألة الكردية كلها وقف الحكم المركزي ضد المطالب العادلة للشعب الكردي وضرب بالحديد والنار انتفاضاته ووثباته وحركاته النضالية المسلحة على امتداد الفترة الواقعة بين العقد الثالث من القرن العشرين وسقوط النظام الملكي.
2. سياسة حكومة الجمهورية الأولى
لم تستطع الجمهورية الأولى, رغم البداية الطيبة إزاء الشعب الكردي, من مواصلة الطريق الديمقراطي لحل جميع المشكلات التي كانت تواجه الشعب وفي المقدمة منها المسألة الكردية, كما لم تبادر إلى إيجاد صيغة مناسبة لمعالجة الآثار السلبية لسياسة النظام الملكي لإزاء الأكراد في كركوك وإزاء العلاقة بين القوميات المتعددة القاطنة في هذه المدينة النفطية ذات اللغات والثقافات المتعددة والمرتبطة جغرافياً بإقليم كردستان العراق. وكانت المأساة التي عرفها الشعب العراقي في أحداث كركوك في عام 1959 والضحايا غير المبررة التي سقطت هناك.
قاد الموقف غير العقلاني للحكومة العراقية والتشنجات الحادة في مواقف مختلف القوى السياسية إلى وقوع صراع سياسي على المستوى الديمقراطي وإزاء حل المسألة الكردية بصورة سلمية وديمقراطية, مما أدى إلى استخدام الحكومة العراقية القوات المسلحة لضرب القوى الكردية التي كانت تطالب بحقوق الشعب الكردي, وإعلان الأكراد بقيادة الملا مصطفى البارزاني ثورة أيلول 1961. ومع تدهور الأوضاع السياسية والعسكرية الداخلية وتنامي التآمر الخارجي والداخلي من قبل القوى القومية والرجعية العربية أن تم الإجهاز الكامل على ثورة 14 تموز في انقلاب شباط 1963 الدموي, الذي راح ضحيته الآلاف من بنات وأبناء الشعب العراقي, كما عاد وشن الانقلابيون الحرب ضد الشعب الكردي ورفضوا الاستجابة لمطالبه العادلة.
2. البعث والموقف من المسألة الكردية وكركوك
ومنذ انتزع حزب البعث للسلطة في عام 1963 حددت قيادة النظام العراقي البعثي استراتيجيةً محددةً وثابتةً لها إزاء المسالة الكردية تهدف في محصلتها النهائية إلى تعريب مناطق معينة من كردستان, وخاصة محافظة كركوك, بعد أن أدركت استحالة تعريب كل كردستان أو إفناء الشعب الكردي. ووضعت لهذا الغرض مجموعة من الإجراءات التكتيكية ضمن خطة تنفذ على مراحل بحيث لا تثير ضجة محلية وإقليمية أو دولية واسعة أولاً, وتسمح باستخدام كل الأساليب والأدوات التي تراها ضرورية لتحقيق ذلك ثانياً, وتجند لهذا الغرض تنظيمات حزب البعث والمنظمات المهنية التابعة له والجيش العراقي والشرطة وأجهزة الأمن والاستخبارات العسكرية والقوات الخاصة للمشاركة في هذه العملية, إضافة إلى توظيف أجهزة الإعلام وبقية أجهزة الدولة لهذا الغرض. عجز البعث عن تنفيذ هذه الاستراتيجية في فترة حكمه الأولى, كما عجز القوميون الشوفينيون الذين استولوا على السلطة وأطاحوا بحلفائهم البعثيين من تنفيذ تلك الاستراتيجية المشتركة, رغم الحرب التي خاضوها ضد الشعب الكردي.
تمكن حزب البعث من تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل مبرمج, منظم وثابت بعد أن انتزع السلطة من أيدي القوى القومية الشوفينية. وتضمنت الخطة الفعلية ممارسة الإجراءات التالية التي نفذت فعلاً خلال الفترة الواقعة بين 1968-2003:
• احتلال قياديي وكوادر البعث المتقدمين من مدنيين وعسكريين لمراكز المسؤولية الأساسية في محافظة كركوك وفي الأقضية المختلفة.
• إبعاد المعلمين والمدرسين وكبار ثم صغار الموظفين الأكراد أولاً, والتركمان فيما بعد, من مراكز المسؤولية ودوائر الدولة ونقلهم أو إبعادهم إلى مناطق في وسط وجنوب العراق أو نقل بعضهم إلى مناطق أخرى من كردستان العراق, بحيث لم يعد بعد فترة وجيزة وجود أكراد حقاً في دوائر الدولة المختلفة في محافظة كركوك, وليس في مدينة كركوك وحدها. كما تم الامتناع عن توظيف أكراد جدد في مختلف وظائف الدولة.
• إقامة شبكة متوازية ومتشابكة من التنظيمات الحزبية البعثية والتنظيمات "الشعبية" والنقابات وأجهزة الأمن التي هدفها وضع الأكراد بالدرجة الأساسية والتركمان أيضاً تحت المضايقة والضغط والتهديد ودفعهم إلى الهجرة منها.
• إجبار السكان على تسجيل أنفسهم عرباً ومن ثم الدخول في حزب البعث. عندها يمكن فرض القرارات التي يريدها البعث عليهم, بما فيها الهجرة إلى مناطق أخرى من العراق. ويجري تتبع المواطنين في المحلات ومواقع العمل أو الأسواق التجارية حيث يفرض عليهم إملاء الاستمارات بين فترات متقاربة. وفي حالة الخطأ أو التباين في الاستمارات تعرض المواطنة أو يعرض المواطن نفسه إلى عقوبات شديدة.
• تكليف أجهزة الدولة المختصة بشؤون المقاولات والبناء والشركات الأجنبية العاملة في العراق والقطاع الخاص العراقي بإنشاء عدد كبير جداً من الوحدات السكنية وأحياء سكنية كاملة على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين. وخلال تلك الفترة أمكن إقامة عشرات الأحياء وآلاف الوحدات السكنية والمدارس والمستوصفات وفتح الشوارع حيث تم استقبال تدريجي للعرب "المهجرين" إليها من قبل النظام.
• شراء عدد كبير من الدور العائدة للأكراد من قبل العرب ومنع بيعها إلى غير العرب, سواء تم ذلك بدفع مبالغ عالية أو تحت التهديد أو الاعتقال والسجن والإعدام ثم مصادرة دور السكن أو عبر التهجير الإجباري للأفراد والعوائل.
• حرمان الأكراد من حق شراء العقارات ودور السكن في محافظة كركوك.
• تقديم الامتيازات الكبيرة والعمل والرواتب العالية لمختلف الفئات الاجتماعية, وخاصة العشائر العربية, التي نقلت وسكنت في مدينة كركوك أولاً, وبقية أقضية المحافظة ثانياً. ويقدر عدد المرحلين إليها بعشرات الآلاف خلال السنوات المنصرمة.
• إعاقة معاملات المواطنين الأكراد في مختلف دوائر الدولة بما يحول حياة السكان إلى جحيم لا يطاق ويجبرهم على التفكير بالرحيل ثم الرحيل الفعلي عن المحافظة. ومن ينتقل لفترة معينة من محافظة كركوك لا يسمح له بالعودة إليها, إذ يشطب قيده منها.
• منع تعيين الأكراد في وظائف الدولة وحرمانهم من أي فرصة عمل في أي مؤسسة أو معمل أو فتح دكاكين لهم.
• نقل مركز المحافظة وبقية دوائر الدولة الرئيسية من المنطقة الكردية في القسم القديم من مدينة كركوك إلى القسم المعرب منها, إلى "عرفة" , حيث بنيت فيه أحياء جديدة استوطنها العرب الذين رحلوا إليها من القسم العربي من العراق.
• القيام بتدمير بيوت الفلاحين على نطاق واسع شمل عدداً كبيراً من القرى الكردية في نواحي محافظة كركوك.
• وأجبر سكان القرى في محافظة كركوك على الهجرة إلى مناطق أخرى من العراق أو الهرب إلى المدن الكردستانية الأخرى. والمعلومات المدققة تشير إلى أن الحكم الاستبدادي قام في عامي 1987 و1988 بتدمير 799 قرية و493 مدرسة و598 مسجداً و40 مستوصفاً, كما هجر 37726 عائلة فلاحية. وبلغ مجموع الأفراد الأكراد الذين رحلوا من مركز قضاء كركوك ودبس وكفري وجمجمال وحدها وخلال هذين العامين 136008 نسمة .
• قام النظام بتمزيق محافظة كركوك وربط بعض أقضيتها بمناطق أخرى بهدف تخليتها من الأكراد كلية. فوفق المعلومات المتوفرة قام النظام في عام 1976 بإلحاق قضائي جم جمال وكه لار بمحافظة السليمانية,, وألحق قضاء كفري بمحافظة ديالى, ثم ألحق قضاء طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين (تكريت) . وفي ضوء ذلك أصبحت محافظة كركوك تشتمل على قضائي الحويجة وقضاء دبس المستوطنين من قبل العرب . في حين ضم لواء كركوك في عام 1962, وفق ما جاء في "الموسوعة الإحصائية عن التقسيمات الإدارية في الجمهورية العراقية", الأقضية التالية: قضاء كركوك, وهو مركز اللواء أيضاً (وضم خمس نواحي هي تازه خورماتو, قره حسن, التون كوبري, شوان ودبس), وقضاء كفري, (وضم ثلاث نواحي هي بيباز وقرة تبه وشيروانة). وقضاء جمجمال, (وضم ناحيتين هما أعجة لرو وسنكاو), وقضاء طوز, (وضم ناحيتين هما قادر كرم وداقوق), وثم قضاء الحويجة, (وضم ناحيتي الحويجة والرياض) .
• ومنذ سنوات كثيرة بدأ النظام بتغيير أسماء النواحي والقرى والشوارع في محافظة كركوك ابتداءاً من محافظة كركوك وتسميتها في عام 1972 بمحافظة التأميم, وإعطاء أسماء عربية للأحياء الجديدة التي أقامها النظام.
• وأخيراً نفذ النظام سياساته العنصرية عبر العمليات الإجرامية الشرسة التي أطلق عليه بالأنفال والتي شملت مناطق واسعة من محافظة كركوك, حيث قتل فيها عشرات الآلاف من السكان الأبرياء من نساء ورجال وأطفال ودمرت المزارع والحقوق ودور السكن والقرى ...الخ.
إن ما أشرنا إليه في أعلاه وإجراءات تعسفية كثيرة أخرى اتخذها النظام في كردستان وفي محافظة كركوك نبعت كلها من ذهنية عنصرية توسعية كانت ترفض الإقرار بحقائق الأمور والتعامل الإنساني معها. إذ من غير المعقول وغير الإنساني تغيير ديموغرافية مدينة ومحافظة بكاملها وتهجير سكانها الأكراد أولاً والتركمان ثانياً وتوطين عشائر عربية فيها, في وقت كان بالإمكان الاعتراف بكون المدينة جزء لا يتجزأ من إقليم كردستان, وأن سكانها الأكراد والتركمان والعرب والآشوريين وغيرهم يعيشون فيها بصورة متآخية, كما هو حال الكثير من مدن العالم التي تتميز بتعدد القوميات فيها وتنوع الثقافات, ولكن لا يمنع من الاعتراف بكونها تابعة لإقليم معين, كما هو حال محافظة كركوك التابعة لإقليم كردستان العراق. كما لا يمنع هذا من تمتع القوميات الأخرى غير الكردية, ومنها التركمانية والعربية والآشورية مثلاً بحقوقهم الثقافية والإدارية في المناطق التي تعيش فيها.
3. الموقف بعد سقوط النظام الاستبدادي العنصري
من يتتبع نشاط بعض التشكيلات القومية اليمينية المتطرفة التي برزت في أعقاب سقوط النظام الاستبدادي في العراق والعاملة في الوقت الحاضر في الداخل والخارج, وكانت قبل هذا تشكل جزء من النظام الدموي, سيجد أنها تتخذ مواقف متطرفة إزاء الواقع الجديد في العراق وإزاء حقوق الشعب الكردي العادلة والتي ناضل من أجلها طويلاً وقدم عظيم التضحيات, وكأن هؤلاء لم يتعلموا من دروس عمر الدولة العراقية منذ نشوئها في عام 1921 حتى الوقت الحاضر. فالسيد مزهر الدليمي, الذي نصًّبَ نفسه مدافعاً عن حقوق الشعب العراقي يطرح موضوعات غير قابلة للتحقيق وتتناقض مع الواقع العراقي. فهو يقول بأن العراق كان وسيبقى عربياً. ولكن لا يريد أن يدرك بأن هذه الموضوعة ذاتها هي التي تسببت بكوارث هائلة وكانت وراء حملات ومجازر الأنفال واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي, فهل يريد إعادة المأساة مرة ثانية. إن العراق موطن للعرب والكرد والتركمان والآشوريين والكلدان في آن واحد, كما أنه موطناً لأتباع الديانات المختلفة من مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وأيزيديين وغيرهم, وأن العراق من الناحية الجغرافية يتكون من إقليمين هما: كردستان العراق والمنطقة العربية أو عربستان العراق. وأن العراق بحدوده الراهنة لا يشكل جزء من الوطن العرب وليس سكان العراق كلهم جزء من الأمة العربية. ودون الاعتراف بهذا الواقع وممارسته فعلاً سيبقى العراق يعيش كوارث جديدة, وسوف لن يسمح الشعب العراقي بكوارث جديدة يتسبب بها القوميون اليمينيون الشوفينيون العرب. هذا هو الدرس الأساسي الذي لا يجوز نسيانه ويفترض أن يبقى في ذاكرة العراقيات والعراقيين باستمرار.
ولكن الخطر لا يأتي على الوضع في العراق في المرحلة الراهنة من الجماعات القومية اليمينية الشوفينية أو جماعات الإسلام السياسي الإرهابية المتطرفة فحسب, بل وكذلك من بعض قوى الإسلام السياسي الشيعية المتطرفة التي تجد التأييد من إيران غير الرسمي أيضاً, وهم جماعة شيعية طائفية متطرفة, كما يبدو من سلوكها وتصريحات مسئوليها, الذين يريدون تبنى مطالب الشيعة العرب الذين هجروا إلى مناطق مختلفة من محافظة كركوك بحجة الدفاع عنهم وإثارة مشكلة طائفية فيها, إضافة إلى المشكلة القومية الملتهبة حالياً بفعل نشاط المتطرفين. كما أن جماعات غير قليلة من القوى السنية العربية المتداخلة مطالبها بمطالب قومية شوفينية تعمل هي الأخرى في تشديد الوضع المعقد في كركوك وعلى مستوى كردستان العراق. فقوى الإسلام السياسي عموماً ترفض المطالب القومية بحجة أن الإسلام أمة واحدة ولا يجوز الأخذ بمبدأ الدويلات داخل الدولة الواحدة, وهو أمر نرى مصاعبه اليوم في الحوار الجاري في مجلس الحكم الانتقالي ومحاولة ممثلي بعض أحزاب الإسلام السياسي الشيعية, وليس كل أتباع المذهب الشيعي إعاقة ضمان حصول الشعب الكردي على إقامة الفيدرالية الكردستانية ضمن الجمهورية العراقية.
كما أن هناك خطراً كبيراً يتهدد الوضع في العراق وكذلك الاستقرار في فيدرالية كردستان وفي محافظة كركوك ويأتي من الجارتين تركيا وإيران. والإشكالية تكمن في المطامع التركية القديمة في ولاية الموصل وفي كركوك ونفطها. وهي تحاول تنشيط بعض الجماعات التركمانية لإثارة القلاقل والفوضى في كركوك, في حين أن مصلحة بنات وأبناء القومية التركمانية تكمن في إيجاد قواسم مشتركة مع الأكراد وبقية سكان كركوك وكردستان والعراق عموماً. كما يمكن أن يلعب بعض القوميين المتطرفين الأكراد دوراً في ذلك مما يتسبب في إشكاليات جديدة لا يجوز السماح بتطورها.
ولا يختلف الوضع على الحدود الإيرانية-العراقية كثيراً عن المشكلات القائمة على الحدود التركية- العراقية, حيث تتسلل من إيران قوى أنصار الإسلام الإرهابية المتطرفة التي تجد الدعم والتأييد من قوى طالبان والقاعدة في أفغانستان وإيران, وكذلك من المحافظين المتشددين في الجمهورية الإسلامية الذين استطاعوا السيطرة ثانية على مجلس النواب الإيراني حالياً. ومن هنا تأتي أهمية ضبط الحدود العراقية الإيرانية والعراقية التركية لصالح التطور السلمي والديمقراطي لكردستان العراق والعراق بأسره.
4. الحل الأمثل للمسألة الكردية
إن سقوط النظام العراقي وفر أرضية صالحة لمعالجة المسالة الكردية كلها وفق المفاهيم والقيم الإنسانية والحضارية والدولية المعترف بها عالمياً ومن جانب الأمم المتحدة, إضافة إلى اللوائح الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق القوميات.
والحل الأمثل للمسالة الكردية في إطار الدستور العراقي الجديد الذي يراد وضعه واستفتاء الشعب عليه يتمثل في عدد من المبادئ الأساسية التي لا يجوز التخلي عنها أو الإساءة إليها وأهمها:
أولاً: الاعتراف الكامل بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بكل حرية وفي أجواء الديمقراطية. وهي مسألة غير قابلة للمساومة لأنها قضية مبدئية ثابتة.
ثانياً: إقرار الاختيار الحر والمستقل للشعب الكردي في إقامة فيدرالية كردستانية ضمن الجمهورية العراقية الاتحادية الديمقراطية التي وافق عليها المجلس الوطني الكردي وصدر بها قانون في عام 1992. إن حق تقرير المصير يعني تصويت الشعب الكردي على الموقف الذي يراه لمستقبله وليس الشعب العراقي كله, وهو أمر غالباً ما يراد تجاوزه من قبل مجموعات بغض النظر عن النوايا.
ثالثاً: الاعتراف بوجود شعبين في العراق وقوميات أخرى, وأن الشعب الكردي يعيش في إقليم كردستان العراق وأن الشعب العربي يعيش في المنطقة العربية, إضافة إلى وجود قوميات أخرى تعيش في هذين الإقليمين.
رابعاً: أن كردستان العراق لا تشكل جزء من الوطن العربي, كما أن الشعب الكردي لا يشكل جزء من الأمة العربية, كما يحاول القوميون الشوفينيون تكريسه, بل هي جزء من كردستان, وأن القسم العربي من العراق هو جزء من الوطن العربي. ويفترض أن يؤخذ هذا بنظر الاعتبار في أي تطور لاحق في العلاقات العربية أو عند تشكيل اتحادية مع الدول العربية.
خامساً: ضمان الحقوق الثقافية والإدارية العادلة والمشروعة للقوميات الأخرى في العراق.
سادساً: ضمان الفصل الكامل بين السلطات الثلاث وتكريس استقلال القضاء, والفصل التام بين الدين والدولة على مستوى الفيدرالية والدولة العراقية.
سابعاً: ضمان الحياة الدستورية التي تستند إلى مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحياة البرلمانية الحرة والنزيهة والتداول الديمقراطي البرلماني للسلطة والتعددية السياسية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني الديمقراطي.
ثامناً: ضمان حرية أتباع الديانات والمذاهب المختلفة في العراق في ممارسة عبادتهم وطقوسهم الدينية وتقاليدهم ومنع التجاوز عليها أو الإساءة إليها في الفيدرالية الكردستانية وفي الدولة العراقية.
تاسعاًً: المساواة التامة بين المواطنات والمواطنين في الحقوق والواجبات ورفض جميع أنواع التمييز العرقي والديني والطائفي والفكري والسياسي.
عاشراً: المساواة التامة بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات ورفض التمييز ضد المرأة أو حجب بعض الحقوق عنها, إضافة إلى ضمان المساواة بين بنات وأبناء الشعب العراقي أمام القانون.
5. سبل معالجة مسألة كركوك
إن الأكراد بحاجة إلى الحكمة في التصرف والتعامل مع مدينة كركوك, فهي جزء من إقليم كردستان, ولكنها في الوقت نفسه مدينة تضم فيها نسبة مهمة من التركمان والعرب ومن الكلدان والآشوريين, وبالتالي لا بد من التعامل الواعي مع هذا الواقع القائم على الأرض. وأعتقد بأن الأحزاب السياسية الحاكمة يفترض أن تمتلك الحكمة الكافية للتعامل الواعي مع القضية ومحاولة إبعاد المتطرفين, أياً كانت قوميتهم ومذهبهم, من إثارة المشكلات في وجه تطور الأوضاع الديمقراطية في العراق عموماً وفي كردستان العراق وإيجاد الحل السليم والعادل لمسألة كركوك. وما حصل من تجاوز على السكان العرب في أعقاب سقوط النظام قد أدانته الأحزاب والقوى الديمقراطية في كردستان العراق, ويفترض منع تكراره.
إن حل مسألة كركوك ممكن تماماً وفق الضوابط والآليات الديمقراطية التي يفترض أن يعتمدها مجلس الحكم الانتقالي أو الحكومة العراقية المنتخبة القادمة والتي يفترض أن تعتمد على الخطوات التالية:
1. توفير سريع لمستلزمات نقل العوائل العربية التي هجُّرت إلى محافظة ومدينة كركوك خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حكم البعث, مع الحفاظ على كرامة الإنسان وعدم التعرض إليها, إذ أن جمهرة واسعة من هؤلاء العرب المرحلين هجروا إلى كركوك قسراً من موطنهم في وسط العراق انتقاماً منهم بسبب نشاطهم المعادي للنظام.
2. تهيئة مستلزمات إعادة جميع العوائل الكردية التي هُجّرت من محافظة ومدينة كركوك قسراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة وإسكانهم في دورهم أو توفير الدور المناسبة لهم.
3. تهيئة مستلزمات إعادة المهجرين التركمان إلى مناطق سكناهم أيضاً.
4. إعادة اعتبار كركوك جزء من كردستان في التقسيم الجغرافي الإداري للعراق, على أن تعامل في إطار الإقليم باعتبارها مدينة ذات ثقافات متعددة قابلة لأن تكون موقعاً متقدماً وحضارياً في مجال الاعتراف المتبادل والتآخي بين القوميات بعد عقود من الصراع والاحتراب والموت والخراب.
5. ويمكن اعتماد الأسس التالية في هذا الصدد في حالة نشوء نزاع حول كركوك, وهي:
أ. التقديرات السكانية خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين والتي وضعت من قبل عصبة الأمم والحكومة العراقية.
ب. التعداد السكاني لكركوك في 1957.
ج. إجراء استفتاء للسكان بعد الانتهاء من إعادة المهجرين إلى مناطق سكناهم قبل البدء بعمليات التهجير الواسعة. التي نفذها النظام البعثي في العقود الثلاثة الأخيرة.
6. إن المعالجة الديمقراطية السلمية للمسالة الكردية ومسألة كركوك ستساهم لا في حقن الدماء والاحتراب غير الإنساني فحسب, بل سترسي دعائم وحدة وطنية متينة ومتماسكة تتمتع فيها جميع القوميات بحريتها وحقوقها المشروعة والعادلة وتعيش في ظل السلم والطمأنينة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي, وهو ما يسعى إليه الشعب العراقي ويتطلع إلى إقامته في العراق المدني الديمقراطي الفيدرالي الجديد.
برلين في 6/3/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟