|
تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 2-2
خالد يونس خالد
الحوار المتمدن-العدد: 766 - 2004 / 3 / 7 - 09:34
المحور:
القضية الكردية
المسرحية التركية في منع الحرب على العراق
الجولة الفاشلة التي قام بها رئيس وزراء تركيا السابق غول (وزير الخارجية حاليا) لبعض الدول العربية وخاصة مصر وسوريا والأردن والسعودية تحت تغطية منع ضربة أمريكية للعراق، تعتبر مسرحية فاشلة. أراد غول أن يناور العرب بدعوة وزراء خارجية مصر والسعودية وسوريا والأردن ولبنان وإيران للإجتماع في تركيا بحجة التعاون من أجل مخرج للأزمة العراقية. وغول يفهم بأن الأنظمة العربية والشعب العراقي بالأساس يريد تنحية صدام من السلطة بأساليب سلمية، وتحقيق الديمقراطية في العراق، والأمان لجول الجوار. ولم يكن هدف تركيا تحقيق ذلك، إنما كان الهدف فهم المواقف العربية بشكل أكثر وضوحا، من أجل إتخاذ الخطوة المناسبة لها. وأراد غول أن يظهر للعرب سذاجتهم، في حين أنه أظهر مدى سوء فهم العقلية التركية للفكر العربي، والإنسانية العربية في الإعتماد على حسن نية دولة مسلمة. وبدى للدول العربية طريقة التفكير التركي، حين تعاملت مع الأحداث، بالتدخل المباشر في شؤون العراق وكردستان بإرسال قوات عسكرية معرضة للضرب. لكن الهدف التركي هو نهب نفط العراق، والحصول على حصة منها، والتفكير الساذج بالمشاركة في حكم العراق والتدخل في شؤونه، وضرب الشعب الكردي والعمل على نزع أسلحته. وكلها مطالب أبعد ما تكون لدولة كتركيا، تفتقد لأبسط مقومات الإستقرار السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي والحضاري. اللعبة الثانية كانت تصويت البرلمان التركي على مشروع الحكومة التركية بالسماح للقوات الأمريكية بإستخدام الأراضي التركية. ظهر التصويت في اللعبة البرلمانية التي لا تمتلك في الواقع أية سلطة، بعدم الحصول على الأغلبية. ولكن من الناحية العملية، قرر مجلس الأمن القومي التركي والعسكر مع الحكومة الإسلاموية بتجميد نتيجة التصويت، ودخل بعض القوات الأمريكة الجبهة الشمالية العراقية عبر تركيا. بل أن الأنكى من ذلك، مساهمة النظام التركي في المشروع المقرر بدخول القوات التركية أيضا في الأراضي العراقية، بعشرة آلاف جندي، رغم معارضة مجلس الحكم الإنتقالي، ولا زالت المفاوضات مستمرة مع أمريكا، والحاكم المدني بريمر. في هذا الوقت قررت حكومة أقليم كردستان العراق وبالتعاون مع المعارضة العراقية برفض دخول الجيش التركي في كردستان والجبهة الشمالية، وأنه من الممكن حصول إصطدامات بين الكرد والمعارضة العراقية من جهة، والقوات التركية من جهة أخرى. وقد صرح الزعيمن الكرديين البارزاني والطالباني بأن الشعب الكردي سيقاوم الإحتلال التركي إذا ما تدخلت في شؤون كردستان والعراق، وأن خطورة النظام التركي ومعاداتها لحرية الشعب العراقي لا تقل عن خطورة النظام الصدامي العراقي. ويبدو أن الوعي الإجتماعي لدى الكرد قد تبلور إلى درجة لا يمكن للكرد أن يخضعوا للاساليب التي إتبعتها تركيا بذر الرماد في الأعين من خلال فتح حدودها بعبور المواد الغذائية لهم. فتركيا كانت تستفيد تجاريا من ذلك، من خلال بيع منتجاتها للكرد والحصول على العملة الصعبة، كما كانت تأخذ نصيب الأسد من مساعدات المنظمات الإنسانية الدولية التي كانت تصل الكرد عبر البوابة التركية. التخطيط للتدخل في شؤون العراق وإحتلال كردستان الجنوبية
ترفض تركيا اليوم فكرة الفيدرالية لعراق المستقبل وترفض وجود اقليم كردستان العراق في إطار عراق ديمقراطي تعددي برلماني فدرالي موحد، وتهدد بضرب الشعب الكردي في الصميم إذا ما تأسست دولة كردية. وتريد التدخل في شؤون العراق بحجة الدفاع عن التركمان، والعمل بتجريد الكرد من سلاحهم مقابل تسليح التركمان وجر المنطقة لحرب أهلية لاتخدم العراقيين بكل طوائفهم وقومياتهم، كما لا تخدم تركيا نفسها. إنها تعمل للقضاء على التجربة الديمقراطية الكردستانية، وحجب الديمقراطية عن الشعب العراقي كله. والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل إنسان هو: أين كان النظام التركي حين قال نائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز أثناء زيارته لتركيا، بعدم وجود تركمان في العراق؟ كيف يمكن للنظام التركي الدفاع عن حقوق التركمان في الدول الأخرى في الوقت الذي يشعر التركمان في قبرص مثلا بما لهم من إمتيازات أكثر مما للترك في تركيا؟ وكيف يمكن للنظام التركي أن تدافع عن تركمان العراق في الوقت الذي يطالب الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وأشورييه وكلدانه بعراق ديمقراطي يكون للتركمان حقوقهم كما للعرب والكرد وغيرهم من الأقليات المذكورة؟ وتحت أية ذريعة تتدخل تركيا في شؤون العراق وكردستان العراق بالذات، في الوقت الذي يطالب أغلب الأحزاب التركمانية في كردستان بعدم تدخل تركيا، وخاصة التركمان الشيعة، وهذه الاحزاب تتضامن مع قوى المعارضة العراقية بكل فصائلها وقومياتها لبناء عراق ديمقراطي؟ بل الأهم من كل ذلك، كيف تبرر تركيا تدخلها لحماية تركمان العراق وهي تضطهد جميع القوميات والاقليات القومية الاخرى في تركيا وتحرمها من أبسط حقوقها، وتحكمها بالعلاقات الإستعمارية الداخلية؟ لماذا تخاف تركيا من حق الشعب الكردي في كردستان العراق؟ هل بسبب وجود الشعب الكردي في كردستان الشمالية؟ أليست الحقيقة هي الخوف من الهيمنة الثقافية للشعوب الأخرى على الضعف الثقافي التركي؟ فإعتراف تركيا بحقوق الكرد والأرمن والآشوريين وغيرهم في تركيا ودول الجوار تقوي ثقافات هذه الشعوب أكثر فأكثر، وتسير تركيا على خطى الأمبراطورية العثمانية المنهارة إذا ما عجزت عن مواكبة الحضارة، فتنهار تركيا كما إنهارت الأمبراطورية العثمانية المريضة. إن التدخل التركي المخطط في شؤون العراق وكردستان بالذات وبتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية، يؤدي الى الإضطرابات السياسية والإجتماعية والأمنية في المنطقة. من الصعب لدولة مثل تركيا حماية الأمن في العراق، وهي عاجزة أن تحمي أمنها الداخلي، وتدخل في صراع دموي وعنصري مع الشعب الكردي والشعب الأرمني ولا تفهم لغة الديمقراطية. كيف تستطيع تركيا أن تساعد العراقيين لتحقيق السلام، وثقافتها في الأساس هي ثقافة القتل وهوية الطورانية المستبدة التي لا تستوعب معادلة السلام الأقليمي في كردستان ولا تتحدث إلا بلغة التهديد ضد الشعب الكردي الذي يسعى لتحقيق الديمقراطسة والسلام؟ أي منطق هذا الذي تفكر به الولايات المتحدة بالسماح لعشرة آلاف من الترك الذين ينتظرون الفريسة، والشعب العراقي بكل فئاته على إستعداد لتحويل البنادق صوب هؤلاء الجنود؟ أليس في الأمر حيلة، تخطط لها الولايات المتحدة لتمييع الوضع العراقي والكردستاني؟ أليس من العقلانية فسح المجال للكرد في كردستان الجنوبية أنفسهم بحماية مناطقهم والحفاظ على الأمن وقد أثبتوا قدرتهم على ذلك بدلا من فتح الأبواب أمام المغول الترك بالفتك بما حققه الكرد من حرية وشبه إستقرار بدمائهم وأرواح شهدائهم في كردستان؟ لماذا يجب تعميق الخلافات وخلق الإضطرابات في العراق وكردستان تحت ذريعة قوات حفظ الأمن في الوقت الذي يرفضه الشعب العراقي بكل طوائفه، ويرفضه العالم العربي والمؤتمر الإسلامي. خشية الشعب الكردي من التدخل التركي لها ما يبررها، فلتركيا مطامح في ولاية الموصل الكردستانية، وهي تحلم وتعمل على إحتلالها وضمها لتركيا الطورانية. وتركيا لا تنوي السلام في العراق إنما إذلاله وإحتلاله وخاصة منطقة كردستان العراق، إضافة إلى عداء النظام التركي للشعب الكردي تاريخيا وعدوانية العقلية التركية في التعامل مع الأحداث التي قد تؤدي إلى إجهاض المكاسب الديمقراطية التي حققها الشعب الكردي بالتعاون مع العرب والتركمان والآشوريين المساهمين في التجربة الديمقراطية الحالية. حتى أن المهاجرين الكرد الذين هربوا من ظلم نظام صدام حسين عام 1991، بعد ضرب الإنتفاضة المباركة بدعم من النظام التركي، والمتواجدين في مخيمات اللاجئين في أراضي كردستان تركيا التي تحكمها الترك، كانوا يتعرضون لأبشع أنواع الإضطهاد والقهر، منافيا بذلك كل الاعراف الدولية. تركيا التي تدعي بأنها ديمقراطية، تريد أن تحجب الديمقراطية عن الشعب العراقي من عرب وكرد وتركمان وآشوريين وكلدان وغيرهم. والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل أن الشعوب المتواجدة في تركيا أحرار حتى تريد تركيا تحرير الآخرين؟ طبعا لا. الكل يعرف، حتى الجهلاء في السياسات الأقليمية والدولية بأن النظام التركي لا تعترف أصلا بالقوميات المتواجدة في تركيا. تركيا تريد إحتلال أجزاء من العراق، وتريد أن يكون هناك عسكري تركي في الدائرة السياسية التي قد تحكم عراق الغد. وفي هذا إتفقت المعارضة العراقية برفض التدخل التركي حتى وإن كان تحت القيادة الأمريكية، وذلك لعجز تركيا في تحديد هويتها الثقافية، وسيكولوجية العسكرة التركية التي تحكم تركيا وشعب تركيا البائس، وتجريدها من أية هوية إلى درجة يعجز الترك في أن يكون له وعي بالتاريخ. فالنظام التركي يخاف من حرية الكرد، ويخاف من حرية الترك والأرمن وغيرهم في المنطقة. الحل في تركيا لا يكمن بممارسة سياسة التطهير القومي والإضطهاد والظلم والقتل، إنما يكمن بضرورة تحديد الهوية الثقافية التركية، والتعامل مع الثقافات الأخرى في المنطقة والتفاعل معها، على أساس الإعتراف المتبادل والمساواة، وتأسيس دولة تركية ديمقراطية تعددية فدرالية تعم فيها الشعوب التركية والكردية والأرمنية والآشورية كأخوة. وإلى جانب دولة عراقية تتمتع بنفس الصفات الحضارية وعلى أساس حسن الجوار وبناء السلام والإستقرار في المنطقة، وحل القضية الكردية حلا ديمقراطيا عادلا على أساس حق تقرير المصير، حيث التقدم والإزدهار بدلا من الملاحقة والعداء والخوف من الذات ومن الآخر.
الخط الثالث: على الصعيد الدولي
تركيا تتردد بين الأوربية والشرق أوسطية جغرافيا وثقافيا، في الوقت الذي تبتعد تركيا أكثر فأكثر عن القطبين الأوربي والشرق أوسطي حضاريا. كما تتردد بين العلمانية الإستبدادية والإسلاموية الحزبية. فمن الناحية النظرية تعتبر تركيا دولة ديمقراطية علمانية، تنوي الإنتماء للإتحاد الأوربي الديمقراطي الليبرالي العلماني، في حين أنها من الناحية البراكماتية تعتبر دولة ديمقراطية صورية لا تعترف بالأسس الأساسية للديمقراطية وهي حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في الحرية وخاصة حقوق الأقليات، كما أن علمانيتها ليست علمانية متنورة مبنية على القواعد الأساسية للديمقراطية الليبرالية، إنما هي علمانية إستبدادية قائمة على القهر وسلب حقوق الآخرين ليس داخل تركيا فحسب بل حتى خارجها لتشمل كافة أرجاء كردستان، وخاصة كردستان الجنوبية.
ومن ناحية أخرى تعتبر تركيا دولة مسلمة وعضو في المؤتمر الإسلامي، في حين أن الحكم التركي علمانوي إستبدادي، وتركيا هي الدولة المسلمة الوحيدة عضو في حلف الناتو، كما أنها الدولة المسلمة الوحيدة أيضا في الحلف العسكري التركي الإسرائيلي الأمريكي. ومن ناحية ثالثة نجد بأن الأحزاب الإسلاموية التركية، كحزب الفضيلة بزعامة أربكان، والذي تحول إلى حزب العدالة والتنمية, بزعامة اردوغان وغول، هي الأحزاب الإسلاموية الوحيدة التي تتعامل مع إسرائيل إستراتيجيا، ومع العلمانوية الأتاتوركية الكاريكاتورية الإستبدادية مباشرة. فتركيا في عهد أربكان وقَّعت مع إسرائيل على إتفاقيات عسكرية وتجارية أكثر مما فعلتها الأحزاب العلمانية. وتركيا في عهد عبد الله غول وأوردغان تعاملت مباشرة مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي ضد قرارات المؤتمر الإسلامي المنعقد في الدوحة في أوائل شهر آذار من هذا العام.
قراءة التاريخ واللاوعي بالتاريخ
لا شك أن تركيا تقرأ التاريخ بإمعان، لكن الإشكالية تكمن في اللاوعي التركي بالتاريخ. فالنظام التركي لا يعي ما حل بشاه إيران عندما إستيقظ الوعي الإجتماعي لدى الشعوب الإيرانية في ثورتها، فتخلت عنها الولايات المتحدة، رغم وجود أربعين ألف جندي أمريكي في إيران. ومعروف مقولة بريجنسكي مستشار الرئيس الامريكي الأسبق كارتر حين قال بضرورة تبديل العسكر برجال الدين. ووجدت الولايات المتحدة من مصلحتها بالتخلي عن الشاه عام 1979 مثلما تخلت عن القضية الكردية لصالح إيران عام 1975. وولى الشاه المقبور، وسيندحر كل الذين يعادون حرية الشعوب، فلا يمكن لأية قوة بشرية معاداة حق الشعوب، حين تجد هذه الشعوب ضرورة التعاون مع الأحداث والأطراف الدولية لتحقيق الذات بالنضال الحضاري البعيد عن الإرهاب. على النظام التركي أن تأخذ العبرة من يوغسلافيا المنهارة، والتي تحولت إلى بضعة دول مستقلة، رغم المساندة الكبيرة التي كانت تحظى من روسيا الإتحادية. وتمكنت الشعوب المتواجدة ضمن يوغسلافيا والتي كانت تحكمها العلاقات الإستعمارية من تحرير ذاتها وأرضها وتشكيل دولها المستقلة. وعلى النظام التركي أن تأخذ العبرة من صديقه نظام صدام حسين الذي مارس الظلم والإضطهاد بحق الشعب العراقي واستخدم السلاح الكيماوي بحق الكرد في كردستان, وبحق العرب الشيعة في الجنوب، لكن إرادة الشعوب أقوى من الدولار ياسادة. فقد تأخذ تركيا الدولار اليوم كما كان يأخذه شاه إيران وصدام بالأمس.
على تركيا الكمالية الطورانية أن تفكر بالأمبراطورية العثمانية التي كانت تُحكَم من قبل الترك، والتي كانت أكثر تماسكا نسبيا من تركيا اليوم، ولُقبت بالرجل المريض وانهارت أمام ضربات الأحرار من الشعوب الأخرى. على النظام التركي أن يعي بالتاريخ، ولا يحجب الحرية عن الشعوب المتواجدة في تركيا، ويبني الحضارة حتى تدخل تركيا البيت الأوربي الحر. فكل عاقل يدرك بجلاء بأنه لا يمكن تحقيق العضوية في الإتحاد الأوربي بدون ديمقراطية وحرية لكل الشعوب والأقوام التي تعيش في الدولة العضوة. كما أن الإتحاد الأوربي لا يقبل بدولة تكون عامل شغب وإضطرابات، وأنه لا يمكن حل مثل هذه الأزمات إلا بالحرية والديمقراطية وعدم التدخل في شؤون الآخرين. الكرد وإحتمال دخول تركيا في الإتحاد الاوربي
كثير من الكرد يعتقد بأن جعل تركيا عضوا في الإتحاد الأوربي سيكون كارثة كبيرة للكرد، لأنه يصعب عليهم مقاومة النظام التركي. يبدو بأن هذا الرأي يفتقد لأي اساس واقعي وعلمي، وهو مبني على عدم فهم اولئك الكرد لحقيقة الأوضاع والقوانين التي تحكم الإتحاد الأوربي. إنني شخصيا أعتقد بأن حصول تركيا على عضوية الإتحاد الأوربي سيكون إنتصارا للكرد والقوميات المقهورة الأخرى، لأن عشرين مليون كردي في كردستان الشمالية التي تحكمها تركيا اليوم سيجدون أنفسهم ضمن الإتحاد الأوربي مما يجعلهم يتوجهون إلى المحكمة الأوربية ليشكوا من الإضطهاد الطوراني. كما أنهم سيضعون الإتحاد الأوربي أمام الأمر الواقع بضرورة حصولهم على حقوقهم وحريتهم طبقا للقوانين المرعية للإتحاد الأوربي، حيث تجد تركيا نفسها ملزمة بتطبيقها. فهل يمكن للنظام التركي أن يقرأ التاريخ عن وعي، أو أن قراءة التاريخ بدون وعي ستجعل من تركيا معرضة لمهب الريح حين يأتي دورها؟ وربما كان مقولة أربكان، رئيس الوزراء التركي الاسبق صائبا حين قال بان تركيا ستقع ضمن مسلسل خارطة الشرق الأوسط الجديدة، وستكون معرضة للضرب والخسارة. فمن سيبكي على تركيا يوم يجد الشعب التركي والشعب الكردي والشعب الارمني والشعب الآشوري في وضع يفكوا عنهم السلاسل وينهوا العلاقات الإستعمارية التي تحكمهم؟ عجز تركيا في بناء الحضارة
حين لا تكون لتركيا هوية ثقافية بحكم قهرهم للشعوب الأخرى في تركيا وإعتبارهم أتراكا وهم ليسوا بأتراك، ستجعل من تركيا أسيرة الثقافات المشتتة. وإذا ما إعتبرنا الثقافة وعاء الأمة وجوهر الحضارة، فإننا نفهم بوضوح الأسباب التي تكمن وراء عجز تركيا في بناء أية حضارة منذ أن تبوأ عثمان بك الحكم بعد الهجرة الطورانية قبل بضعة مئات من السنين إلى بلاد الاناضول، وأسس الأمبراطورية العثمانية بأسم الإسلام، بالسيف والقتل، ومن ضمنها إحتلال كردستان في حربها مع الأمبراطورية الفارسية في معركة جالديران عام 1514، وضم كردستان الشمالية والجنوبية والغربية إلى الأمبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليم الثاني، ثم الإقرار بذلك الضم ضد رغبة الكرد بموجب معاهدة أرضروم أو معاهدة زهاك عام 1639. فحتى ذلك الحين كانت كردستان الشمالية والجنوبية والغربية والتي تقع اليوم ضمن الحدود المصطنعة لتركيا والعراق وسوريا موحدة مع الجزء الشرقي من كردستان ضمن الأمبراطورية الفارسية. لكن هزيمة جيوش الشاه إسماعيل الصفوي أدت إلى تلك النكسة التي قسمت كردستان. وقد وجد العالم شرقا وغربا نفسه في مواجهة ممارسات الأمبراطورية العثمانية عندما تعاونت تركيا العثمانية مع ألمانيا ضد دول الحلفاء وخاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا، والتي قادت إلى إتفاقية سايكس بيكو بتقسيم الشرق الأوسط بين فرنسا وبريطانيا العظمى، وكذلك تقسيم كردستان العثمانية بين تركيا والعراق وسوريا، وبقاء كردستان إيران ضمن حدودها. وبعد ذلك جاء كمال أتاتورك وأسس تركيا الكمالية، وألغى معاهدة سيفر الدولية لعام 1920 والتي إعترفت بحق الشعب الكردي في كردستان العثمانية بالإستقلال، وجاء بإتفاقية لوزان عام 1923 والتي إعترفت بحقوق بسيطة للكرد ولكن هي الأخرى سُلبت من الشعب الكردي. وأصبح الحكم علمانيا إستبداديا كاريكاتيريا، واعتبر أتاتورك القرآن "الكتاب الأسود" ومنع إستعمال الحروف العربية لأنها كانت حروف القرآن، وبدّلها بحروف لاتينية. الثقافة وعاء الأمة والحرية جزء من قيم الإنسان لايمكن لأي شعب من الشعوب أن يدعي بالحرية حين يضطهد شعبا آخر. فالأحرار لايخافون من الحرية، والحرية لا تُكتسب إلا بالعلم والمعرفة والنضال. وعلى تركيا أن تحدد هويتها الثقافية دون فرض ثقافة غريبة على غير الترك في تركيا ودول الجوار. فالثقافة جوهر حضارة كل شعب وأمة، ولذلك لابد من الإعتراف بثقافة جميع الشعوب حتى تحترم الشعوب الأخرى ثقافات بعضهم البعض. الحرية للجميع، والشعب العراقي كان مصمما على تنحية صدام حسين ودائرته المستبدة وعزله وملاحقته. والشعب العراقي بعربه وكرده واقلياته عانى الكثير من القهر والحرمان وهو مصمم في تحقيق الحرية والإستقلال، وعدم الإفراط بشبر واحد من أرضه. فلا كركوك ونينوى للترك، ولا العراق لأمريكا، ولا العبودية للشعب العربي والشعب الكردي والأقليات، ولا تبديل حاكم دكتاتور بحاكم آخر. كلنا نريد أن نكون أحرارا، ولا نريد أن نعتدي على أحد ونرفض قطعا الإعتداء من أحد. هذا شعب العراق بكل قومياته وأقلياته، حرا أبيا. هذا هو تيار التاريخ الذي يسير إلى أمام، ولا يمكن أن يسير بإتجاه حلزوني إذا توفرت الإرادة الحرة في الحرية.
حق الكرد في الإختيار عبر الإستفتاء والديماجوجية التركية تكشف أوراقها
الشعب الكردي لن يخضع للإذلال، ويرفض العنجهية التركية، لأنه من حق الكرد أن يقرر مصيره بنفسه من خلال إستفتاء حر في كردستان العراق، يختار فيه الكرد شكل العلاقة مع العراق، وهذا الشكل سيكون قوة للعراق، حين يكون القرار ديمقراطيا وطوعيا. وحتى إذا تشكلت دولة كردية مستقلة، فلن تكون على حساب أحد، فالشعب الكردي لن يحتل أراضي أحد، ولن يعتدي على أحد. فمثلما يريد الكرد الحرية له، فإنه يريدها للآخرين بلا إستثناء على أساس العدالة والمساواة والإحترام المتبادل النظام التركي يمارس سياسة الديماجوجية لخداع العالم. فالجاهل يعتقد بأن الناس كلهم جهلاء، كما قال شاعر المعرة أبو العلاء:
إني رأيت الجهل بالناس فاشيا فتجاهلت حتى قيل أني جاهل
من المضحك، وشر البلية ما يضحك، أن تدعي تركيا بأن تشكيل دولة كردية في كردستان العراق ستكون إسرائيل ثانية في المنطقة. فالقيادات الكردية في كردستان العراق لم تطالب بدولة كردية لحد الآن إنما تطالب بعراق ديمقراطي تعددي فدرالي برلماني يتمتع فيه الشعب الكردي بحقوقه المشروعة، في حين أن مطلب الشعب الكردي عموما هو تشكيل دولة كردية. تركيا هي في حلف مع إسرائيل عسكريا، وبوجب هذا الحلف تجد تركيا نفسها ملزمة في مساندة إسرائيل. وعليه فإن إستخدام لغة الخداع في غير محلها، رغم أن المجتمعات الشرق أوسطية لا تجدها غريبة حين تصدر من المسؤولين الترك. فحزب غول الديني العلماني قد منح الولايات المتحدة إمتيازات عسكرية في حربها على الشعب العراقي، والممارسات اليومية وعدسات الصحفيين تلتقط الحقائق التي تؤكد ديماجوجية النظام التركي في خداع شعبه والشعوب المجاورة. كما أن إنتقادات رئيس البرلمان التركي ضد تفريغ السفن الأمريكية من معداتها الحربية في ميناء الأسكندرون وتوجهها صوب قواعدها العسكرية المتمركزة أصلا في تركيا تدخل ضمن سياسة تشويه الحقائق. فالعقلية العسكرية تحكمها يهود الدونمة بثياب تركية ، والبرلمان التركي لعبة جميلة في مسرحية "الديمقراطية" الإستبدادية على الطريقة التركية.
وفي كل ذلك يتساءل المرء مَن يهدد الأمن العربي؟ دولة كردية مرتقبة والشعب الكردي المغلوب على أمره، والشعب العراقي الفقير المشرد المعرض للقهر والجوع في ظل الحصالر الدولي وممارسات صدام حسين الظالمة أم تركيا الحليفة لإسرائيل؟ هل قوات المعارضة العراقية من عرب وكرد وأقليات تنوي إحتلال الأراضي التركية أو القوات التركية هي التي تطالب بالأراضي العراقية وتنوي إحتلالها. مَن يريد إحتلال أراضي الغير الترك أم الكرد؟ ومن يعمل على تفريغ القضية الفلسطينية والقضية العراقية، الترك أم العراقيين؟ مَن يستخدم الأسلحة الفتاكة ضد الشعوب المقهورة على أمرها في بلدها ياعالم؟ الجواب واضح وهو أن القابض على السلطة هو الذي يملك القوة في إضطهاد الآخرين، وأن مقاومة المحتلين أمر مشروع ومقدس، فالحرية جزء من قيم الإنسان وشخصيته، ولا يمكن أن تكتمل إنسانية الإنسان في ظل العبودية. والأرض جزء من كرامة الإنسان ورمز لوجودها، إذ لا يمكن كتابة التاريخ بدون جغرافيا، ومَن لم يفهم هذا الأمر من التاريخ فهو غبي لا علاج له.
د. خالد يونس خالد باحث وكاتب صحفي مقيم في السويد
#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 1-2
-
لجان الإستفتاء تنظم مَظاهرات من أجل إستقلال جنوب كردستان
-
أفكار في مواجهة الرصاص - الكرد يطالبون بتشكيل دولة كردية في
...
-
قراءة جديدة للقضية الكردية في مواجهة الإرهاب
-
رسائل تعزية
-
زواج الأضداد
-
ماذا تعلم الكرد من التاريخ؟ لا حل للقضية الكردية في العراق ب
...
-
العراق وأزمة العقل العربي 2/2 - صدام حسين في الأسر وأكذوبة أ
...
-
العراق وأزمة العقل العربي 1/2
-
قريتي
-
إشكالية تسييس الإسلام وعلمنة المجتمع
-
مشوار في جنينة الحوار المتمدن
-
نحو النور
-
مقدمة الديوان الشعري -رفات تناجي ملائكة السلام
-
مقدمة كتاب دراسات حول القضية الكردية ومستقبل العراق
-
الحيرة الذهنية
-
الوعي واللاوعي بالتراث
-
طفلتي الصغيرة
-
التعصب يمزق جدرانه فإلى أين ينتهي بنا التفكير؟
-
الطفل المعجزة
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
-
قرار المحكمة الجنائية الدولية: هل يكبّل نتانياهو؟
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|