|
الشراكة الخليجية - التركية استراتيجية اولية نحو التكامل الاقليمي
زياد عبدالوهاب النعيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2487 - 2008 / 12 / 6 - 05:59
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تعد تركيا من الدول الاقليمية الفاعلة في المشهد العربي عموما والمشهد الخليجي على وجه الخصوص وتمتاز علاقة العرب بتركيا بكونها علاقات حسن جوار مبنية على الثقة المتبادلة بين الطرفين منذ زمن ليس بقصير،وتجذرت هذه العلاقة المحورية في عمق التاريخ مما جعل تركيا في الدخول معها في حوارات واتفاقيات اساسية ذات اهمية دفاعية اواستراتيجية ثنائية كانت ام جماعية ،فضلا عن تقديم المساعدات المالية لتركيا من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ،في اوقات شهد فيها الاقتصاد التركي نوعا من التدهور والركود في بعض الاحيان . قبل ايام وبالتحديد في مدينة جدة غرب في المملكة العربية السعودية وقعت اتفاقية بين مجلس التعاون الخليجي من جهة وتركيا (الجار الاقليمي) للدول العربية من جهة اخرى، وتم التوقيع على مذكرة التفاهم على هامش اجتماع وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي بدورته الـ 108 للدول الست الاعضاء في مجلس التعاون وهم كل من (الإمارات والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت). ارتبطت العلاقات الخليجية التركية بالمتغيرات السياسية والاقتصادية التي مرت بها المنطقة العربية منذ مطلع سبعينات القرن المنصرم حتى يومنا الراهن ، اذ ان تركيا لم تكن بعيدة عن الاحداث العربية الغربية بل كانت تراقب عن كثب كل ماسيصبو اليه الصراع دون ان تعطي اولوية لاي طرف على حدة من خلال اتباعها سياسة الحياد كما حصل في الحرب العراقية الايرانية من خلال اعلانها الحياد بين الطرفين ،وكذلك الحال في ماحدث من تغيرات سياسية في المنطقة من خلال الاحداث التي حلت بالعراق في نسيان عام 2003 حيث اعلنت موقفها الرافض من المشاركة في الحرب ضد العراق واحتلاله.وقد امتازت هذه المواقف المواقف المتوازنة بالسياسة المعتدلة التي تنتهجها تركيا في سياستها .
وكانت الاسس الاولية لبناء علاقة متينة مع العرب لان تركيا في كثير من الاحوال كانت تميل الى العرب في مواقفها الاقليمية او الدولية لذلك اصبحت معه تركيا اليوم شريكا اقليمياً مؤثراً في العمق الاستراتيجي العربي وهذا التاثير يتصف بواقع الحال بالايجابية البناءة التي تمارسها تركيا وتسير في خطى ثابته من اجل تركيز وتعزيز المنظمومة الاقليمية والابتعاد عن المؤثرات المستوردة من الغرب. وتحتل تركيا مركزا مرموقا في وضع لبنات الشراكة العربية التركية ابتداءا من مجلس التعاون الخليجي ومرورا بكل الدول الجارة والصديقة لها ،هذا ان دل على شي انما يدل على سياسة الانفتاح التي تعتمدها تركيا اليوم مع التحالف العربي، ومن الطبيعي ان يقبل العرب بتركيا شريكا اقليميا فاعلا من النواحي السياسة والجغرافية والاقتصادية لان الكثير من المسائل العالقة مازالت تنتظر مد يد العون العربي التركي المشترك نحو الحل ، وليس بجديد على مجلس التعاون الخليجي هكذا اتفاقيات، فالخليج العربي ينتظر شريكا فاعلا في المنطقة للعمل بايجابية يصبو به نحو الاهداف المشتركة.
الشراكة ... طريق نحو التكامل الاقليمي
الى جانب عن التحركات الاقليمية التركية في السنوات الاخيرة باتجاه المساهمة الفاعلة بقصد الاسهام بحل المشاكل العالقة في المنطقة و التغلب على أزماتها ، كانت عوامل شجعت دول الخليج للمضي على مثل هذه الخطوات وتوقيع وثيقة وضعت في مقدمة اهدافها طرح بناء صرح أمني سياسي إنمائي إقليمي منفتح على كل الراغبين في تبني لغة الحوار كحل للمشاكل والنزاعات الاقليمية لتبديد اية مشكلة بعيدا عن الدور الغربي والوساطة الاقليمية اوالعالمية. من هنا تعتبر اتفاقية التفاهم والتعاون الاستراتيجة التي وقعت بين الجانبين العربي والتركي نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من العمل المتواصل الدؤوب على طريق تحسين العلاقات. ويكفي التوقف مثلا عند حجم التبادل التجاري الذي تضاعف 4 مرات خلال السنوات السبع الاخيرة ليصل إلى حوالي 9 مليارات دولار لتكتشف أبعاد قرار تركيا ودول الخليج في توسيع تعاونهما هذا وتحويله الى تحالف استراتيجي متعدد الجوانب في طريقه نحو اقامة التكامل الاقليمي، خاصة اذا ماعلمنا ان الوثيقة تتطرق الى تنسيق بنيوي منظم وشامل في المجالات السياسية والانمائية والامنية والدفاعية.
على هامش اجتماع وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي الست، والذي شارك باباجان (وزير خارجية تركيا ) في جانب منه. تم التوقيع على مذكرة التفاهم ، واعتبر رئيس الوزراء القطري أن توقيع المذكرة خطوة على طريق العلاقات الإستراتيجية بين دول مجلس التعاون وتركيا. وقال: أن المذكرة ستفتح آفاق التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، مؤكدا أن علاقات الخليج مع تركيا "محورية". وأوضح أن الاجتماع مع وزير خارجية تركيا خطوة في إطار الحوار الإستراتيجي. اما الموقف التركي فيمكننا استيضاحه من خلال ماأعلنه وزير خاريجة تركيا باباجان مثلا في أعقاب التوقيع على الاتفاقية ((تركيا تولي أهمية كبيرة لأمن الخليج واستقراره.. ستكون في طليعة الدول التي قد تتأثر بشكل مباشر من أي تدهور أمني هناك)) واستطراده بتحديد أبعاد وأهداف هذه الاتفاقية لتشكل ((الية للحوار السياسي المنظم وتطوير العلاقات الاستراتيجية بين تركيا ودول الخليج)). ان الشراكة تنم عن بداية اولية لاقامة التكامل الاقليمي في المنطقة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي وفي واقع الحال فان التكامل الإقليمي يعتبر بين الدول النامية جانباً من جوانب عديدة يدخل في استراتيجية التنمية، إذ يستحيل تحقيق التنمية بإمكانات فردية. من هذا المنطلق استمدت فكرة التكامل المبررات الضروية والحاجة اليها مستندة الى مدى حاجتها وتواجدها في المناطق التي تشهد تقاربات فيها حتى غدت توجها عالميا معمولا به في كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية مرورا بالتوجهات والافكار والمصالح المشتركة. وابرز مايفيد في بناء السياسة التكاملية هي مجموعة من العوامل المجتمعة وابرزها: 1- العوامل السياسية: وتؤدي دورا فاعلا في اقامة التكامل الاقليمي، فالاستقرار السياسي والتقارب بين الدول المتكتلة نحو تحقيق سياسة واحدة او متقاربة على الاقل ، وبناء الثقة في العلاقات السياسية بين الدول المتكتلة يعني تحجيم الدور العالمي وبناء علاقات اقليمية قادرة على حل النزاعات القانونية والسياسية بين تلك الدول ، فالتكامل الاقليمي يرتبط ارتباطا وثيقا بالسلام الموجود وحفظ السلام وهو القضية الاكثر اهمية في قيام التكامل، لكن هذا لايعني الغاء الدور العالمي او عدم تسليط الضوء عليه ،ذك ان احداث العالم اليوم ذات تتابع اقليمي ودولي تؤثر وتتأثر بما يجري في العالم والمناطق الاقليمية على حد سواء مما يجل احدهما يؤثر على الاخر بشكل مباشر او غير مباشر. 2- العوامل الاقتصادية :يمكننا القول ان العامل الاقتصادي هو العامل الاهم في اقامة تكامل اقليمي ذلك ان الدول ذات الاهمية الاقتصادية سوف تحاول الحصول على مكاسب من الدول الاخرى في مواجهة اكسابها الافضلية الاقتصادية في عملية التعاون والتبادل التجاري ويتحقق العامل الاقتصادي من خلال عدة امور تاتي في مقدمتها الإصلاح الاقتصادي في البلدان الداخلة في عملية التعاون وصولا الى التكامل. تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي مما يساعد على بناء علاقات اقتصادية بين الدول ، فتح الحدود والغاء التعريفة الكمركية ،والعمل بموجب بطاقات موحدة او توحيد العملة النقدية. 3- التقارب الجغرافي:يعد التقارب الجغرافي احد اساسيات التكامل الاقليمي لما يوفره من القدره على التفاهم المشترك والقدرة على ايجاد ارضية واحدة نحو الحلول الاقليمية ذلك ان الدول الاقليمية قادرة على حل مشاكلها المختلفة اقدر من غيرها من الدول والمنظمات على حلها .لذلك تلجا الدول الى التكامل يشجعها في ذلك عامل التقارب الجغرافي بين الدول . لو عدنا الى هذه العوامل مجتمعة لوجدناها متحققة في العلاقة بين تركيا والدول الخليجية مما يسمح بصورة او باخرى على قيام تكامل اقليمي عربي تري قادر على التاثير والتأثر في المنطقة العربية وخارجها . هذا التكامل هو الذي يخدم كل من تركيا والعرب فضلا عن الجهود المبذولة في السعي نحو اقامة توازنات اقليمية في مواجهة اي تدخل اجنبي من الدول الغربية التي ربما تسعى الى اقامة صيغ تفاعلية مع تركيا من جهة او مع العرب من جهة وعلى حساب الطرف الاخر من اجل تعزيز احد الاطراف مقابل تهميش الطرف الاخر ليجد نفسه مضطرا للدخول في اتفاقيات مع الغرب هو في غنى عنها ،فالذي يميز الاسس الاولية لاقامة هكذا تكامل بين العرب وتركيا هو عدم وجود اي خلاف او اختلاف من الناحية السياسية والاقتصادية وتحقيق المصالح المشتركة والرؤية البناءة في سبيل الاسهام في تحقيق تعاون يصب في مقدمة تكامل اقتصادي يعجل من عمليات التنمية الموجودة وينشئ عمليات تنمية جديدة تقوم على اساس الشراكة الجيدة والتي تهدف الى بناء اسس متينة للتكامل الاقليمي في المنطقة ،خاصة اذا ماعلمنا ان الاتفاقية سوف تسمح بتمهيد الطريق أمام إبرام اتفاق التجارة الحرة بين دول المجلس من جهة وتركيا من جهة أخرى، الذي بدأت المفاوضات بخصوصه منذ العام 2005، وقد أفاد الشيخ حمد في هذا الصدد أيضاً الى أنّ المعاهدة ستوفر فرصاً لتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية بين الجهات المعنية. ان دخول تركيا في شراكة استراتيجية مع اكثر من دولة خليجية هو دليل واضح على رغبة تركية في النهوض بعلاقتها الاقليمية وتعزيز اواصر الثقة الموجودة بين العرب وشريكهم وجارتهم الاقليمية تركيا ، ، بما يضع تركيا في صدارة القوى الإقليمية ويعيد الحيوية لمكانتها في العالم العربي والإسلامي، على إيجاد بدائل ومجالات للتعاون والحركة وتحقيق المصالح التركية في فضاءات دولية اقليمية بعيدا عن التاثير الغربي او الاتحاد الاوروبي الذي يعرقل يوما بعد يوم انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي بحجج يراها متوافرة من اجل تاخير الانضمام الى الاتحاد . خاتمة يمكن ان نجد في ابعاد هذه الشراكة رغبة في تعزيز دور تركيا الاقليمي من اجل ظهورها بالقوى الفاعلة في المنطقة العربية والاسلامية وانماء التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والمائي وحل المشكلات او المعضلات التي تقف في وجه اية محاولة لاقامة التكامل الاقليمي ابتداءا من شراكة استراتيجة ومرورا بتعاون شامل بين العرب وتركيا من خلال اعلام الغرب عموما والاتحاد الاوروبي على وجه الخصوص بانها تستطيع ان تركن الى اتفاقيات عربية تركية ذات ابعاد واهداف استراتيجة وهي قادرة على الاعتماد على العرب باعتبارهم جيرانها التي تتاثر بما يصيبهم من تغيرات سياسية بالسلب أوبالايجاب ، وهي دليل على ان سياسة تركيا تصبو الى الانفتاح على العرب ودول الخليج بوجه خاص لتعزيز المفاهيم الاقليمية وبناء منظومة اقليمة قادرة على التاثير في العالم الخارجي وقادرة على ان تدافع عن نفسها بوجه اي تحديات تشهدها المنطقة من الغرب ، وهي صيغة تفضيلية لتركيا والعرب بديلة عن صيغ اللجوء الى الغرب لحل المشاكل او ابداء الراي .
#زياد_عبدالوهاب_النعيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب في العلاقات الخليجية -التركية :اصدار جديد لمركز الدراسا
...
-
العلاقات الامريكية الروسية .. ملامح اولية لحرب باردة
-
منظمة الامم المتحدة اشكالية التوازن الغائب والدور المطلوب
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|