|
حقوق الإنسان في التشريعات العربية
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 2486 - 2008 / 12 / 5 - 10:03
المحور:
حقوق الانسان
تشهد بعض الأقطار العربية انفتاحا ملحوظا على مبادئ حقوق الإنسان التي أقرتها الشرعة الدولية، لذا من المفيد متابعة مدى انسجام التشريعات العربية مع المعاهدات الدولية، والإشكاليات التشريعية التي يثيرها انضمام الدول العربية إلى هذه الاتفاقيات، وتحديد النواقص التي يجب تلافيها، بما يفيد انخراطنا في توجهات العالم المعاصر بشأن كرامة وحرية الإنسان. ففي الواقع، يثير تطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في التشريعات العربية، بعد الانضمام لهذه الاتفاقيات، عددا من الإشكاليات القانونية التي تعتبر من معوّقات التطبيق الفعلي لأحكام هذه الاتفاقيات، بينما يجب أن تنعكس آثارها القانونية في التشريعات العربية. ومن الإشكاليات التي تستوجب المعالجة الجدية بغية الممارسة الفعلية لحقوق الإنسان يمكن أن نذكر: ما هي وسائل إدراج الأحكام التي تناولتها الاتفاقيات الدولية في النظام القانوني للأقطار العربية ؟ وما هي درجة القوة القانونية لنصوص الاتفاقيات الدولية في التسلسل الهرمي القانوني الداخلي للأقطار العربية، وإذا حصل تعارض بين التشريع الوطني النافذ وأحكام الاتفاقيات الدولية فأي نص أَولى بالتطبيق ؟ وهل تجوز إثارة أحكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أمام القضاء الوطني لدى الدولة العربية المنضمة لهذه الاتفاقيات ؟ وما هي الإشكاليات التطبيقية المتفرعة عنها ؟ كما تثار عدة صعوبات أخرى في وجه تنفيذ الدول العربية لالتزاماتها نحو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان: فمن جهة أولى، تلزم الاتفاقيات الدولية الأطراف المتعاقدة بأن تتخذ ما يكون ضروريا لإعمال هذه الاتفاقيات. ومن جهة أخرى، تشترط معظم الدول العربية، لتحّول أية اتفاقية إلى قانون فاعل، نشر نص الاتفاقية في الجريدة الرسمية للدولة، كما يحدث مع أي تشريع أو قانون محلي جديد. وفي الأغلب لا تقوم الدول العربية بذلك، مما يجعل أمر التحكيم في الحقوق المضمونة في الاتفاقيات صعبا جدا. ومما لاشك فيه أنّ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تعتبر من أهم أساليب الارتباط الدولي وأكثرها استعمالا، لانسجامها مع السرعة والدقة اللتين يتطلبهما التعاون الدولي في العالم المعاصر. خاصة وأنّ قضية حقوق الإنسان أصبحت قضية عالمية بامتياز، ولم يبقَ الاهتمام بها وبمدى احترامها منحصرا في ميدان معين أو مقتصرا على فئة محدودة، بل تجاوز هَمُّ المهتمين بها كل مناطق العالم، ولم تعد الحدود الجغرافية تشكل أي حاجز، كما أنه لم يبقَ من حق الدول التذرع بالسيادة الوطنية لمنع التدخل من أجل قضية إنسانية لرفع الظلم ورد الاعتبار للكرامة الإنسانية. إنّ الوعي بقضية حقوق الإنسان خلق نوعا من الأمل في القضاء على انتهاكاتها، بل غيّر عدة مفاهيم كانت مقياسا لتحديد موقع الدول وتصنيفها، وأصبحت مصداقية الدول تقاس بمدى احترامها لحقوق الإنسان. ومن المؤكد أنّ مسيرة الإنسانية نحو تجسيد حقوق الإنسان في الواقع العالمي الراهن لن تعطي أُكُلَها تماما إلا بضمان تقريرها في التشريعات الوطنية، وصياغتها في قواعد قانونية داخلية، وخاصة في القواعد القانونية الدستورية، فذلك أكبر ضمانة وأقصر طريق لحماية حقوق الإنسان. ولعل من نافلة القول أنّ للنص على أي مبدأ في الدستور عامة، وحقوق الإنسان خاصة، مغزى عمليا عميقا مفاده أنّ إيراد هذا الحق أو ذاك المبدأ في الدستور الوطني، يفيد وجوبا اتباعه من قبل الهيئات الوطنية المختصة بالتشريع والقضاء الوطني. وبسبب تواتر الدول على تضمين حقوق الإنسان في دساتيرها، وتنظيمها بموجب اتفاقيات دولية، أصبحت هذه الحقوق، بجانب كونها مبادئ دستورية وطنية، حقوقا دولية موثّقة وملزمة، تعكس مركز الفرد في نطاق القانون الدولي. إنّ المشرّع العربي، حين ضمّن الدستور الوطني لبلده تعهدا بالالتزام الكامل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنّ هذا التعهد إنما يرتب التزاما قانونيا على الدولة بموجب دستورها، لتنفيذ ما ورد في الميثاق والإعلان من مواد تنص على ضرورة قيام الدول بما يقتضي لتعزيز حماية حقوق الإنسان في نطاق نظمها الداخلية، وحظر أية إجراءات من شأنها المساس بتلك الحقوق. مع العلم بأنّ حقوق الإنسان هي بمثابة القواعد الدولية الآمرة، التي لا يجوز للدول المصدّقة على الاتفاقيات الدولية المنظّمة لها الاتفاق على ما يخالفها في وقت لاحق، أو اتخاذ إجراءات تتعارض مع هذه القواعد . ويبدو أنّ المشرّع العربي لم يهتم الاهتمام الكافي بدراسة الآثار القانونية لانضمام الدول العربية إلى الاتفاقيات الدولية عامة، وخاصة تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان، رغم أنها من أكثر المواضيع حساسية وإثارة. مع العلم أنّ جميع هذه الاتفاقيات تناولت موضوع التزام الدول المنضمة وخلاصته: اتخاذ إجراءات تشريعية وإدارية وقضائية وغيرها، من شأنها تمتّع الأشخاص، الخاضعين لولاية الدولة المنضمة لأية اتفاقية، بالحقوق التي تناولتها الاتفاقية نفسها. ومن المؤكد أنّ مبدأ احترام الاتفاقيات يشكل أساس القانون الدولي العام، فبدونه ينتفي كل تعامل أو وفاق دولي. كما أنّ هناك " معاهدة فيينا " المؤرخة في 23 مايو/أيار 1965، والتي تنص في ديباجتها على أنّ حرية الانضمام للمعاهدات ومبدأ حسن النية وضرورة تنفيذ الاتفاقيات مبادئ معترف بها عالميا، وأنّ شعوب الأمم المتحدة تؤمن باحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات، وبأنّ تطوير الاتفاقيات من شأنه خدمة أهداف الأمم المتحدة واحترام حقوق الإنسان. وفي العالم العربي، يبدو أنّ المفاهيم الحديثة لدولة المواطنين الأحرار تحاول أن تجد لها موقعا مؤثرا، ويبدو أنّ هذه المحاولة تجد صدى في العديد من الدول العربية، مما يشير إلى إمكانية تقدّم البلدان العربية على طريق مزيد من المصادقة على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ليس ذلك فحسب، بل تفعيل هذه الاتفاقيات في الواقع من خلال جعلها جزءا لا يتجزأ من القانون الداخلي للأقطار العربية.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار الثقافات .. إلى أين ؟
المزيد.....
-
الصليب الأحمر: الوضع الإنساني في قطاع غزة غير مقبول
-
هل سيتم اعتقال بنيامين نتنياهو إذا قدم إلى فرنسا؟
-
السعودية.. الداخلية تصدر بيانين بشأن إعدام مصري وبنغلادشي وت
...
-
المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرة ا
...
-
نتنياهو وغالانت في قفص اتهام جرائم الحرب
-
إسرائيل تقدم طلب استئناف إلى -الجنائية الدولية- وتطلب تأجيل
...
-
خبير عسكري يعدد تحديات ومعوقات اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان
...
-
تشكيل فريق حكومي لمكافحة الفساد في دول منظمة التعاون الإسلام
...
-
الأمم المتحدة: 64 ألف طفل يمني يعانون سوء التغذية الحاد
-
نتنياهو يُعلن عزمه الاستئناف ضد مذكرتي الاعتقال بحقه ووزير د
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|