هل اخطأ بريمر عندما حل الجيش العراقي ؟
يعتقد البعض ان ذلك خطأ فادح ،وعمل غير مدروس جلب المصائب والنكبات وتسبب في كل هذه الجرائم وهذا الكم من سفك الدماء . والقسم الثاني يوعزون تفاقم اعمال الارهاب الى بعض من عناصر الجيش التي وجدت نفسها في الشارع ولم تجد ما تفعله ففضلت الالتحاق بهذه المجموعات الارهابية الجبانة .
وجهة النظر التي لا تتجاوز حدود الزمن القريب ، تعتقد بان حل الجيش هو احد الاسباب التي ادت الىهذا التدهور الامني ،وهذا صحيح ولا يختلف عليه اثنان ،ولكن المنطق يجبرنا على طرح التساؤال التالي :
اذا كانت عناصر الجيش مستعدة لبيع ضمائرها ورهن شعورها ومشاعرها ازاء الوطن والناس بحفنة دولارات ، فما احقيتها في البقاء في المناصب التي تولتها ولطيلة عشرات السنين وحضت بامتيازات على اقل تقدير لا تتساوى مع بقية الشعب الذي كافح وناضل ودفع باعز ابنائه وبناته من اجل التخلص من النظام الهمجي .؟
واذا كان منطق الارتزاق هو الذي يدفع الجيش او رؤسائه الى العمل ،فهل يصح ان يُكرم مثل هذا الجيش ؟
الم يفقد الجيش العراقي وطنيته واخلاقه العسكرية ،كمؤسسة ، ورهنها لتعليمات القائد الضرورة وبقى خادما مطيعا تحت تصرف حزب البعث الهمجي ؟
لا نود الخوض في تاريخ هذا الجيش ،فالتاريخ اكان حسنا ام سيئا، لا يلعب دورا في تقييم الحاضر ،ولا يمكن ان يكون انعكاسا له اذا لم يتحول الى تقاليد لا يمكن المساس بها دون حدوث ردة فعل قوية تجبر الفاعل على التراجع عن نيته اذا ما حاول ذلك . فكل المجازر التي قام بها الجيش سواء في كردستان العراق او في جنوبستان ( جنوب العراق ) لم تؤدي الى ردة فعل او احتجاجات واسعة بين اوساطة ،ربما كانت هناك محاولات فردية تعكس تربية وشعور شخصيين ،ولكنهما ليسا تقاليد او اعراف لا يمكن للعسكري مخالفتهما ولم يكن الانسان او الوطن في اية فترة ، مقدس لا يمكن تدنيسه او الاعتداء عليه . لقد حول الجيش الوطن الى محراب لتقديم القرابين الى الطغاة واتبع المثل العراقي الشهير ،من تزوج امي اصبح لي عما ،وعم هذا الجيش الجاحد هو الدكتاتور
وقد اثبتت الاحداث الاخيرة التي شهدها العراق ، ضحالة هذا الجيش وعدم اخلاصه للوطن وللناس ، فلم يقف طوعيا لحماية الاملاك العامة او يدافع عن الشعب ،ولم يقبض على رؤسائه الذين لازالت ايديهم ملطخة بدماء العراقيين الابرياء ، بل فضل قادته ومراتبه البقاء في بيوتهم وانتظارانجلاء غبار المعركة وقد اثبت انه جهازا صالحا للارتزاق والتكسب عبر تصريحات رجاله من ظباط او مراتب . لقد قال احدهم انه الان بلا عمل ومستعد ان يفجر اي قنبلة نظير ورقة واحدة . ولقد تكرر هذا الامر اكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة . حتى المظاهرات التي تجمع فيها منتسبي هذا الجيش لم تتعدى شعاراتها المطالبة بدفع الرواتب ورشق الموظفين بالحجارة مما يعكس تناقض واضح بين التربية التي كانت تؤدي بحياة صاحبها اذا رشق كلمة قد يفهم منها الاساءة للبعثيين وبين ممارستهم الحاضرة ويعكس كذلك هزالة الانظباط العسكري وانتفاء النموذج الذي يراد التأسيس عليه . ولم تطرح هذه المظاهرات والتجمعات اي شعارات وطنية انسانية لمطاردة المجرمين الوهابيين والسلفيين العراقيين ومجرمي البعث الهمجي ،وقد كشفت عن تأثير واضح لحزب البعث الهمجي عليهم بدليل تكرار نوعية مثل هذا المظاهرات في وقت واحد وفي اكثرمن محافظة او مناسبة. ولم يتقدم اي عسكري للادلاء بشهادته عن الجرائم الشنيعة التي ارتكبها الظباط البعثيون بحق الكورد او الشيعة اكان ذلك على يد المخابرات العسكرية او الاستخبارات واجهزة الجيش القذرة الاخرى التي قامت بجميع المهام غير النظيفة .
ولا يخفى على احد تركيبة الجيش الطائفية وسيطرة عشائر بعينها على زمام هذا الجيش ،عشائر تدين بالولاء الى كبير انذالهم صدام ومجرميه ،عشائر ما كان ان يكون لها الحضوة والمال والجاه والثروة لولا الولاء البعثي . كما ان اغلب ضباط هذا الجيش المتنفذين هم من هذا المثلث اللعين الذي اصبح ملاذا امنا لحاملي الموت وصانعي الارهاب ، الامر الذي يعني الابقاء على احتكار القوة لفئة كانت العمود الفقري لنظام البعث الهمجي
وتبقى الهزيمة والخنوع لشخص الطاغية معالم رئيسة ميزت الجيش العراقي عن بقية جيوش العالم ، وكذلك ثقافة احتقار المادون التي تعتبر احد المبادئ الاساسية في عقلية المؤسسة العسكرية العراقية ،ناهيك عن جرائم استخدام الغازات الكيمياوية والقبور الجماعية وجرائم اطعام الاسماك باللحم البشري كما جرى في مدن البصرة والعمارة ، تبقى وصمة عار في جبين مراتب هذا الجيش من الذين فظلوا السكوت والاستمرار في مهمتم غير الشريفة رغم فداحة الجرم
خمس وثلاثون سنة من سياسة تحويل الجيش الى جيش تابع ،عقائدي بعثي ،سياسة غسلت الادمغة والقلوب وحشتها ببغض وحقد وغل على كل ما هو شريف في العراق وعلى كل ماهو وطني ،خمس وثالثون سنة من سياسة اذال متعمد وصل الى درجة تصوير نساء ظباط كبار باوضاع لا اخلاقية للامعان في تصغيرهم وتحويلهم الى مسخ حاقد لئيم الى درجة الارتزاق ،سياسة مسحت كل شيئ نظيف من الذاكرة والتاريخ العسكري وابدلتها بذاكرة جديدة تعتمد على تعليمات الحقد العنصري والطائفي . هذا الكم الكبير من الاسفاف التي اختزنته ذاكرة الجيش البعثي لا يمكن انهائه ولا تصلح هذه الذاكرة ان تكون اساسا يبنى عليه لجيش حرفي يعتمدعلى النوعية لا على الكمية ، جيش تحركه عقيدة عسكرية جديدة لا تفرق بين طائفة او مكون من مكونات الشعب ،جيش ليس فيه مكانا للدسائس وذل الانسان ، جيش مهمته الاولى الدفاع عن الناس وليس حصدهم ليحشروا في مقابره الجماعية او ابادتهم بالاسلحة الكيميائية جيش ليس له عقيدة بل مهمة وهي خدمة الناس والوطن ككل
ربما لو لم يحل الجيش ، وهذه الربماا يملأها الشك ويغلفها ايضا ،ربما لم يحصل هذا العدد الكبير من المجازر ولكن الا يعني هذا ان عناصر الجيش الذي حل نفسه بنفسه ولم يبقى بثكناته ،قبل ان يصدر قرار رسمي بذلك ،الا يعني انهم من يقوم بهذه العمليات .؟ اولا يعني هذا ان الجيش سيبقى مصدر تهديد للدولة المستقلة او منفذا لارادات خارجية في اغلبها عربية ناقمة .؟ اولا يعني ايضا نوع من دفع الرشوة لرد الشر والتخلي عن قوة الارادة والعمل .؟
ثم من هم بقايا صدام اتو فلوله الذين يجيدون القتل والتفجير والمجازر .؟ اليس هم ظباط الجيش السابق ومراتبه .؟ هم بعينهم من يعيث في العراق فسادا وجريمة فهل يجب ان نذكرهم دائما ونطالب باعادتهم ليشكلوا خطرا على الجمهورية الفتية التي سوف تنبثق من تحت الرماد .؟ خطرا مستقبليا وتهديدا سيرجعنا الى مرحلة الانقلابات الدكتاتورية التي اجتاحت منطقتنا وجلبت رجالا لا يفهمون من الحياة سوى البسطال والزي العسكري وخشونة اللغو والتعامل . فكيف لو احتفظنا بهم وابقينا على مناصبهم وهم ابناء الدكتاوترية والحزب الهمجي . هل قام هؤلاء بالدفاع عن الناس اثناء المجازر الكبيرة التي اعدت لهم والتي تصبح مجازر اليوم مجرد حوادث سير بالمقارنة مع تلك التي قام بها الجيش العارقي .؟
ثم لماذا نكرر دائما مقولات البعثيين والقوميين الناقميين .؟ هل صحيح ان هذا العدد الهائل من الافراد كان يعتمد على راتبه او راغبا باستمرار الخدمة بالجيش .؟ اغلب افراد الجيش من الذين يستطيعون ايجاد عمل سيعزفون عن السلك العسكري فرحا وغبطة لما ذاقوه من الذل والقسوة ،الا اذا كانوا قد اعتادوا على هكذا حياة وهم بذلك لا يستحقون التقدير ايضا
اذا ما كان من عمل جيد قامت به قوات التحالف فهو حل هذا الجيش الملعون الذي يلعنه الى الابد كل من شائت ظروفه السيئة وحظه العاثر على العمل فيه ،مراتب وجنود . لقد خلف هذا الجيش صاحب العقيدة الفاشية التي قاد الى هزيمة اثر هزيمة ،ندوبا وجروحا في النفس لن تندمل او تنمحي من الذاكرة
الظروف الصعبة التي يعيشها العراقيون هذه الايام ،رغم فداحتها ولكنها ضريبة لا بد من دفعها لبناء عراق جديد سوف يقطع كل امكانية لعودتها على يد عساكر البعث والفرسان الهمج من الذين يضعون نياشين الهزيمة والخيبة على اكتافهم .