|
عودة العشائرية
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2485 - 2008 / 12 / 4 - 01:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين يَفتخرُ ألقائد او السياسي او المتصدي للشأن العام ، بكونهِ من القبيلة الفلانية ، او العشيرة العلانية ، وينفخ صدرهُ عندما يُصّرح بأنه من ذلك الفخذ المشهور ، عندها ، تعرف بأن ذلك المجتمع متخلف ومتأخر ! - من أهم إنجازات ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، هو إلغاء إمتيازات رؤساء وشيوخ العشائر في العراق. هذه الإمتيازات التي منحها البريطانيون والعهد الملكي للشيوخ ، لإستمالتهم وإستخدامهم لمساندة السلطة . - في عقد الثمانينيات من القرن الماضي ، لجأ النظام البعثي البائد ، الى إحياء العشائرية ، في اسوأ أشكالها ، منتَخياً القبائل ، للإنخراط في مغامراتهِ الرعناء ، وتسليم " الهاربين " من ابناءها ، الى السلطات لتنفيذ اقسى العقوبات الجائرة بحقهم ، والإبلاغ عن المعارضين . وبادرَ الى ( إستبدال ) الشيوخ الذين لم يسارعوا الى مجاراتهِ ، بآخرين مستعدين لتنفيذ كل طلباتهِ الحمقاء . في مزيجٍ كريه ، بين " غدر " البعث ، وقِيَم " الثأر " العشائرية المتخلفة ، وجَدَ صدام حسين ، [ الحل ] لفضيحة هروب ابن عمه وصهره " حسين كامل " مع مجموعةٍ من اقرباءه وإبنتي صدام نفسهِ . حين أصدرَ " المجلس العشائري " قراراً بهدر دم حسين كامل ( غير المأسوف عليه على كل حال ) ، فكانت المجزرة المعروفة ! رأس النظام رّسخَ هذه المفاهيم البالية في المجتمع . والكل يتذكر بعد ان قام المجرم الصغير " عُدي " بقتل احد سماسرة صدام المُقربين " كامل حنا " ، علناً . ف " غَضَبَ " عليهِ المجرم الكبير صدام ، وقررَ معاقبته بشدة وذلك ب " نفيهِ " الى منتجع في سويسرا ! فقامت دنيا العشائر العراقية و " الشخصيات " المعروفة ووجهاء ووجوه القوم ، ولم تقعد ! وسارت مواكب الشيوخ والآغوات والوجوه ، من أقصى جنوب البصرة الى أعالي كردستان ، متوجهةً الى بغداد ، طالبةً من صدام ، ان يعفو عن " ابن العراق البار " ، عُدي . وإرجاعهِ من منفاه السويسري . فكيف سيكون حال العراق ، لو بَقي عَداي في الغُربةِ ، ومَنْ سيساعد الوالد الضرورة في إدارة شؤون البلد ؟! وكل الامر لا يستأهل زعل القائد ، فما فعله عدي هو إندفاع وطيش شباب مفهوم ومُبَرر ، والضحية هومجرد خادم ! أخيراً " رَضَخَ " القائد ، الى الطلبات المُلحة لكل هؤلاء الشيوخ والآغوات ، وقرر العفو عن القاتل عدي . كانت تلك الحملة حقاً ، مأثرة في "اللواكة" و" اللكلكة " و التملق والتزلف والجُبن وإنهيار القِيَم ! - عندما تصبح السلطة " مُفلِسة " سياسياً ، فإنها تلجأ الى القبيلة والعشيرة . وهكذا فعلت سلطة الإحتلال الامريكي ! فأساليبها الملتوية والخبيثة ، لم تفلح في القضاء على الإرهاب والعصابات والميليشيات ، وطُرقها التعيسة في معالجة الوضع الامني والفساد المالي والإداري ،" الذي هي نفسها احد أهم أسبابه " ، فاقمَتْ المشاكل بدلاً من حلها . فإستمعت الى نصائح " مستشاريها " الاذكياء ، وإتصلتْ بشيوخ العشائر الذين كانوا البارحة يوفرون المَلاذ والتسهيلات اللوجستية للمجاميع الإرهابية ، او يديرون مباشرةً عصاباتهم العشائرية ومافياتهم المختصة بقطع الطرق وفرض الاتاوات والخطف والسرقة . وقّدمتْ لهم مغريات مالية كبيرة ، وبين قوسين وبخط كبير " للشيوخ ورؤساء العشائر " وليس للناس العاديين . فتحولوا بقدرةِ القوات الامريكية ، من عصابات وقطاع طرق وحاضنات للإرهابيين ، الى ( صحوات ) مناضلة وطنية ، تجاهد من اجل الوطن ! وسارعت الفضائيات الى إستضافة شيوخ العشائر ، الذين أسهبوا في شرح مآثرهم في دحر الإرهاب ، وانه لولاهم لِبَقِيت القاعدة قاعدةً جاثمةً على صدور العراقيين ! .. حتى زعيم العالم الحر ، جورج بوش ، حّطَ بطائرتهِ الرئاسية ، عند مضارب الشيخ " ابو ريشة " في محافظة الانبار ، ليجتمع بهِ ويشكره على خدماته الجليلة . الجيش الامريكي كان يدفع " رواتب " منتسبي الصحوات وكذلك مخصصات مجزية للشيوخ . والان بعد ان " سَّلمَ " الامريكيون ، مسؤولية الصحوات ، الى الحكومة العراقية ، أصبح لِزاماَ على الحكومة ان تدفع رواتب منتسبي الصحوات وضمهم الى القوات الامنية ، وإلا فأن التهديد قائم برجوع الاوضاع كما كانت وعودة القاعدة وبقية الارهابيين الى مواقعهم السابقة ! الامريكان شجعوا العشائر على سلوك منهج الإبتزاز هذا ، وتحميل الحكومة مزيداً من الأعباء . - هنالك معادلة بسيطة : كُلما كانت الدولة مدنية والقانون فيها فوق الجميع ، كلما إضمحل دور العشائر والقبائل . بينما إذا لم يعد المواطن يثق بان سلطة الدولة محايدة وان القانون سيحميه ، فأنه يلجأ مضطراً الى العشيرة والقبيلة من اجل توفير الحماية والدعم له . وللأسف الشديد ، فأن حكومة المالكي ، وبعد التجارب الكثيرة وسنوات من الحكم ، وبدلاً من فرض القانون بصورة جدية وتحييد القوات الامنية والإرتقاء بها وبناء اُسس متينة لدولة المؤسسات ، فإنها لجأت بالعكس من ذلك الى تسليح العشائر وحتى في الاماكن التي فيها الامن مستتب ! تحت اسم " مجالس إسناد " وطبعاً فانها لا تستطيع تسليح وتجنيد وتمويل كافة العشائر ، فخلقت مشاكل وبؤر توتر وخلافات ، بين أبناء العشيرة نفسها ، وكذلك بين العشائر فيما بينها . - الامريكان إستعانوا بخبرة ونصائح الثعلب البريطاني القديم ، في توقيتٍ متأخر ، فتفاوضوا مع العشائر في المناطق الغربية وأجزاء من بغداد ، فهدأت الاوضاع تدريجيا وتراجع العنف والتخريب ، ( ولو فعل الامريكان ذلك منذ البداية لوفروا على أنفسهم وعلى العراقيين الكثير من الدماء والاموال ) . - في عدة مواقف أعرب المالكي عن إمتعاضهِ من دعم الامريكان للصحوات وتخوفهِ ، من ان تتحول الى ميليشيات جديدة وخصوصاً في المناطق المختلطة طائفياً . - في الوقت الذي يُعاب فيهِ النظام الصدامي البائد ، بأنه " عَسْكَرَ " المجتمع ، من خلال جيش جرار بلغ تعداده اكثر من نصف مليون ، وحوالي مئتي الف شرطي وامن ، إضافةً الى تشكيلات الجيش الشعبي وفدائيي صدام ، فأن حكومة العراق الجديد ، فاقمتْ الامر ، بالتوازي مع تخبط وفوضى المحتل الامريكي ، فأصبحت القوات المسلحة من حرس وطني وشرطة وصحوات ومجالس إسناد ، اكثر من مليون ونصف ! في بلدٍ نفوسه " 29 " مليون تقريباً ( ثلاثة ملايين منهم في الغربة ) ، فأن نسبة المُسّلحين مرتفعة للغاية . وبدلاً من توفير فرص عمل حقيقية مُنْتجة ، لملايين العاطلين عن العمل ، خلال السنوات الخمس والنصف الماضية ، لجأت الحكومة الى الحل الاسهل والخاطيء ، الا وهو الزيادة المستمرة في اعداد المنخرطين في الحرس الوطني والشرطة والامن . ولكي تكتمل الصورة المشوهة ، وعلى الرغم من إنتقادات المالكي السابقة لتشكيل الامريكان للصحوات ، فأنه وحزبه ، حزب الدعوة الحاكم ، بادر وشجع على تشكيل " مجالس الاسناد " في الكثير من المحافظات الجنوبية . في تناقضٍ واضح مع ما كان يصرح بهِ ، من إستتباب الامن في هذه المناطق . فإذا كان الامن مستتباً والوضع آمن ، فلماذا مجالس الاسناد هذه ؟ والانكى من ذلك ، هو تشجيعه ودفعه لبعض من العشائر الكردية والعربية لتشكيل " مجالس إسناد " في المناطق المختلطة في كركوك والموصل وديالى ، وهي في معظمها مناطق آمنة ومستقرة ، وتتواجد فيها قوات مسلحة عراقية جيدة التدريب ، فهل هي ( إسنادٌ ) للفتنة والفرقة ؟ - عموماً ، ان إحترام البعض من التقاليد والاعراف العشائرية والقَبَلية ، مثل التكافل الاجتماعي ، ومساعدة المحتاج ، والحفاظ على العلاقات الاسرية ، والقيم الاخلاقية . كلها جديرة بالتقدير ومساندة الدولة والحكومة . - البارحة وعلى " سبتايتل " في عدة محطات فضائية : الإدارة الامريكية ، تُشّجع ضباط الجيش الامريكي المتواجدين في العراق ، على إقامة علاقات متينة مع العشائر ! من الخطورة بمكان ان تخرج العشائر من دائرة وظيفتها الإجتماعية المحددة ، وتصبح سلطة موازية لسلطة الدولة .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الإصلاح السياسي والإتفاقية
-
كاريكاتير ديمقراطي
-
ثمانية اسباب مُحتملة ، لإغتيال باراك اوباما
-
إنتخابات مجالس المحافظات .. مؤشرات اولية
-
الآغا والاسطة محمد
-
مجالس إسناد كركوك .. جحوش موديل 2008 !
-
بعد فوز - الحمار - على - الفيل - ..دروس وعِبَر
-
مليارات العراق الفائضة .. وقروض صندوق النقد الدولي
-
غارة البو كمال ..توقيتٌ سيء لخطوةٍ متأخرة جداً
-
الإتفاقية الامنية ..بين الواقع والطموح
-
- مفاجأت - علي بابا جان !
-
إنتخابات مجالس المحافظات ..حزب الفضيلة الإسلامي
-
إنتخابات مجالس المحافظات .. مؤشرات
-
البعثقاعدة يُهجرون المسيحيين من الموصل
-
الشَبَكْ : ما دامَ لدينا - قدو - ، فلسنا بحاجة الى - عدو - !
-
القادة العراقيون .. قبلَ وبعد التحرِلال !
-
إنتخابات مجالس المحافظات : إنْتَخبوا العلمانيين !
-
الأحزاب الحاكمة والتَحّكُم بأرزاق الناس
-
يومٌ عراقي عادي جداً !
-
-عوديشو - ومُكبرات الصوت في الجامع !
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|