|
المادة الثالثة: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه
عبدالله اسبري
الحوار المتمدن-العدد: 2485 - 2008 / 12 / 4 - 09:58
المحور:
حقوق الانسان
عرفت مفوضية الشرطة بابن جرير صبيحة يوم السبت28 نونبر2008، توافد العديد من المسؤولين الأمنيين على الصعيد الإقليمي والجهوي وهناك من تحدث عن مسؤولين وطنيين، فمخفر الشرطة سجل حالة وفاة أحد المواطنين الموقوفين من قبل أحد دوريات الشرطة ليلة الجمعة 27 نونبر2008، وتضاربت الآراء حول سبب هذه الوفاة ،وهناك تخوف أن يكون التعذيب هو الذي أدى لوقوعها. الرواية الرسمية تشير أنه مباشرة بعد حصول واقعة الوفاة تم إعلام كل الجهات المعنية، وسجل مقر المفوضية حضور الأجهزة الإقليمية والجهوية لمصالح الأمن وحضور ممثلي النيابة العامة كممثل للجهات القضائية ، وتمت المعاينة الأولى للجثة التي خلصت أن هذه الأخيرة لا تحمل أية آثار للتعذيب ، وبعد ذلك أمر الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بمراكش باعتبار مدينة ابن جرير خاضعة لدائرة اختصاصه في مجال البحث والتحقيق القضائي بفتح تحقيق في ذلك وإحالة الجثة على مصلحة الطب الشرعي لتبيان سبب الوفاة، كما تشير الرواية الرسمية أن الضحية تعاني من حالة الإدمان بمواد مسكرة يرجح أن تكون هي السبب الذي أدى إلى الوفاة. هذه المعطيات كلها رسمية وأولية وإلى أن يصدر تقرير الخبرة الطبية، تضل الحقيقة إلى حدود الآن لا تتجاوز مجرد افتراضات متعددة تتداولها الألسن بالمنطقة ، منها من تعامل مع الحادث باعتباره مصيرا عاديا لكل المدمنين وهو افتراض لا يستحضر البعد الإنساني للحق في الحياة. الافتراض الثاني : يتعامل مع الحادث باعتباره قضاء وقدر ويتناوله من وجهة دينية ضيقة من خلال استثماره لبعض النصوص الدينية وفق تحليل ضيق، وهو افتراض لا يمكن التسليم به، خاصة أن المنطق العلمي يقتضي أن لكل نتيجة سبب أدى إلى تحققها. الافتراض الثالث: وهو الذي يرجح أن تكون حالة الوفاة ناتجة عن التعذيب المعهود من قبل الأجهزة الأمنية والعقلية الاختزالية لمؤسسة الأمن في لعب دور الضبط الإجرامي الذي يرسخ الصفة الإجرامية على كل موقوف أو متابع من قبل الشرطة القضائية فيتم التنكيل بكل المواطنين الذين تسوقهم دوريات الضبط التي تقوم بها المصالح الأمنية والدركية والعسكرية لأن سجلها حافل بمثل هذه الممارسات اللاإنسانية. الافتراض الرابع: يرجح هذا الافتراض ألا تكون الضحية قد تعرضت لأي تعذيب جسدي من قبل العناصر الأمنية، لكن حالة الضحية الصحية أثناء ضبطه وظروف ومكان الاحتجاز بمركز الشرطة وحالة المناخ المتسمة بالبرد القارص هي التي أدت إلى الوفاة، وهذه صورة أخرى من صور انتهاك حقوق الإنسان المرتكبة بمراكز غير مؤهلة لحماية المواطنين الذين يتعرضون للإيقاف من قبل الأجهزة الأمنية، والذي تتحمل فيه الدولة مسؤوليتها الكاملة، على اعتبار أن الدولة منظومة مؤسساتية يفترض فيها أن تعمل على حماية حقوق المواطنين ، وأن أجهزة الأمن في هذه الحالة كان عليها عوض ان تزج بالمواطنين الموقوفين بمراكز لا تتوفر فيها شروط الصحة والسلامة وهم في حالة صحية متدهورة كيفما كانت أسبابها، أن تنقلهم نحو المستشفى حتى يتلقوا العلاجات والإسعافات الضرورية لوقايتهم وحماية حقهم في الحياة. وفي انتظار تقرير خبرة الطبيب الشرعي التي ستبين السبب المفضي للوفاة والتي نتمنى أن تتسم بالنزاهة العلمية والأخلاقية، ستضل كل الافتراضات واردة، وهي في عمومها باستثناء الافتراضين الأولين الذين لا يمكن للمنطق العلمي و الإنساني تبنيهما، تجعلنا أمام مسؤوليتين، الأولى مؤسساتية والثانية اجتماعية . المسؤولية المؤسساتية الدولة بكل مؤسساتها معنية بحقوق وحريات المواطنين، الذي يفترض فيها أن تعمل على تعزيزها والحرص على التمتع بها ، خاصة وأن الدولة المغربية من خلال ديباجة دستورها ومصادقتها على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واللذان يقران حق مواطني الدول المصادقة عليهما بالتمتع بكافة الحقوق الواردة فيها كالحق في الحياة والصحة والمعاملة الإنسانية وغيرها من الحقوق ذات الصلة، ومن منطلق أن الدول المصادقة عليهما ملزمة بتطبيقهما وفقا للمادة الثانية من العهدين والمشتركة بينهما، ومن خلال مؤتمر فينا للأمم المتحدة لسنة 1993 الذي اقر أن حقوق الإنسان لا يمكنها أن تتعرض للتجزئة ، فهي حقوق في كونيتها تتسم بالطابع الشمولي لارتباط كل حق بكافة الحقوق الأخرى، كما أن الحق في الحياة من بين الحقوق الأساسية التي يجب احترامها وتكريسها، ونحن في هذه الحالة أمام خرق واضح لهذا الحق الثابت والذي يتوجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة فيها لأنها لم تقم بالإجراءات الوقائية المفروضة عليها من خلال التزاماتها الدولية. المسؤولية الاجتماعية إن الذهنية الاجتماعية السائدة داخل المجتمع مبنية على الإقصاء ونبد فئات اجتماعية ذنبها الوحيد أنها وجدت نفسها عرضة لأزمات اجتماعية واقتصادية وثقافية سائدة حولتها لكائنات لم ترقى بعد إلى مقام إنساني، فأصبحت عرضة للتهميش والتشرد وسوقا نشطة لتجار المحذرات والمواد الكحولية وغيها من المواد السامة وضحية لسلوكها العدواني حولها إلى كائنات منبوذة اجتماعيا، والمجتمع في تعامله مع هذه الفئة يعيد نفس علاقات السيطرة والقمع بشتى أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يتعرض لها من قبل الدولة ، أو من قبل الطبقة الاجتماعية المسيطرة على جهاز الدولة باعتبارها تعبر عن مصالحها ، ونعود من جديد إلى مسؤولية الدولة في ترسيخ هكذا علاقات متسمة: - بتربية الأجيال على منطق الخنوع أو ثقافة العبودية عبر مؤسساتنا التعليمية والإدارية، ينتج عنها حالات من المسلكيات العدوانية والتي لا تستحضر قيم التسامح والتعايش والاختلاف وطرق تدبيره داخل المجتمع وضعف حاد لبرامج التربية على حقوق الإنسان في مؤسساتها التعليمية والإدارية بما فيها المؤسسات الأمنية والسجنية . - نظام اقتصادي لا يكرس المساواة في توزيع ثروات وخيرات المواطنين فيما بينهم ، وهو ما يؤدي إلى تكريس علاقات اجتماعية مبنية على التفاوت الطبقي الصارخ، والذي تنتج عنه ظواهر وسلوكات اجتماعية تهدد تمتع المواطنين بكافة حقوقهم وخاصة الأساسية منها. - فضاء سياسي مغلق لا يسمح بتطوير البرامج السياسية التنموية مما يؤثر سلبا على حقوق المواطنين. في دولة لا تحترم التزاماتها ومواطنيها لا يمكن إلا أن نجد مثل هذه الحالات تتعدد وتتكرر في كل ربوع الوطن، وأن تكريس دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان، لن يتم إلا في إطار نظام يجسد هذه الحقوق بكل أبعادها، حتى يتسنى للمواطن أن يحس بقيمته الإنسانية عبر تمتعه بكافة حقوقه . عضو مكتب فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بابن جرير
#عبدالله_اسبري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قافلة 22 يونيو 2008 إلى سيدي افني درس آخر لليسار في الارتباط
...
-
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان -الموقف من مطلب الدولة الديمق
...
-
من أجل نقاش أعمق لتحصين الجبهة الداخلية للجمعية المغربية لحق
...
-
الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الثاني
-
الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الثالت
-
الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الأول
المزيد.....
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|