أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - الدين.. والدليل العقلي.. والإلغاء















المزيد.....

الدين.. والدليل العقلي.. والإلغاء


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 2484 - 2008 / 12 / 3 - 09:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الأحداث التاريخية الدينية لابد أن تستند إلى أدلة وبراهين، وإلى شواهد مادية، وذلك لإثباتها. وعدم وجود تلك الأدلة والبراهين والشواهد قد لاينفي الإيمان بها لكنه بالتاكيد يشكك في صحة حدوثها. فليس شرطا للإيمان أن يستند موضوعه إلى الأدلة والبراهين، لكن عدم وجود تلك الأدلة يشير إلى ضرورة إعادة النظر فيما كتب من تاريخ. وهذا بدوره، كما أشرنا في مقال سابق، يثير أسئلة عديدة تجاه اعتقادات المسلمين.
والاعتقاد بأصول الدين عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية لابد أن يقوم على الدليل والبرهان. وبما أنه لايمكن إثبات الاعتقاد بولادة ووجود الإمام المهدي، الإمام الثاني عشر، وهو المرتبط بأصل الإمامة، من خلال الدليل والبرهان، كان لزاما القول بأن الاعتقاد هنا لايمكن أن يرتبط بالدليل والبرهان بل بشئ آخر هو الإيمان. أي أن الاعتقاد بالإمام المهدي اعتقاد بلا دليل، بالتالي هو مما لا يحتاج إلى شواهد وقرائن، أي هو ليس سوى إيمان بالإمام المهدي.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هنا هو: وماذا عن الادّعاءات التي تؤكد وجود أدلة وبراهين تثبت ولادة الإمام المهدي واستمراره في الحياة منذ أكثر من 1200 عاما، هل هي موجودة؟ فإذا لم تكن موجودة، كيف يمكن الاعتقاد بوجود الإمام المهدي؟
إذا افترضنا أن الشواهد التاريخية أثبتت أن الإمام الحادي عشر لدى الشيعة، الإمام العسكري، كان عنده ولد اسمه الإمام المهدي، فإن سؤالا آخر يطرح نفسه: كيف يستطيع العلم الحديث والتكنولوجيا الحديثة أن يثبتا بأن عمره يتجاوزر 1200 عاما؟
أما إذا قال أحدهم أن الإمام المهدي يعيش في عالم المجردات، فإن السؤال هو: كيف لبشر مادي أن يتحول إلى شئ غير مادي ويستمر في حياته في عالم المجردات، ثم يتحول لاحقا إلى شئ مادي مجددا ويظهر في الحياة البشرية ويعيش بين البشر؟ وما علاقة ذلك بالدليل والبرهان؟
إن تلك الأسئلة تثبت بأن العلم والدين لايتحدثان لغة واحدة تجاه قضايا الحياة والتاريخ والمعتقد، ولابد من تفكيك تلك القضايا بين الأثنين. فالأول يعتمد على الأدلة والبراهين العقلية فيما الثاني ليس كذلك. بالتالي لابد من إعاد النظر في المبدأ الشيعي الذي يقول بأنه "يجب أن يكون اعتقاد المسلم بأصول الدين عن دليل وبرهان".
يقول الفيلسوف النمساوي لودفيك فتغنشتاين، أكبر فلاسفة القرن العشرين، أن الدين لايمكن أن يستند إلى الدليل والبرهان لأنه "يقول إفعل هذا، فكر هكذا، بالتالي هو غير قادر على أن يطرح أدلة لهذه الأوامر. وإذا ما سعى إلى ذلك، فإن مقابل أي دليل يطرحه يوجد هناك منطق قوي ضده". كذلك يؤكد فتغنشتاين أنه يمكن، مثلا، إثبات الواقع التاريخي لنابليون من خلال الشواهد والأدلة، لكن لايمكن إثبات الإدّعاءات التاريخية للأديان من خلال ذلك أيضا. ففي نظره أن المسيحية لاتستند إلى وقائع تاريخية مثل ولادة المسيح وصلبه وبعثه مجددا، كما أن "التفاصيل التاريخية للأناجيل قد لاتكون صحيحية من ناحية الإثبات، لكن وجود تلك التفاصيل غير الصحيحة لايقلل من الاعتقاد بها شيئا... فالبرهان التاريخي... لاصلة له بالاعتقاد. وقبول الناس للرسالة (رسالة الأناجيل) يتم من خلال الاعتقاد (أي من خلال الإيمان)".
يقول فتغنشتاين إن "المسيحية لم تقوم على حقيقةٍ تاريخية، بل هي سلمتنا رواية (تاريخية) تقول: أؤمن الآن. فأنت تواجه رواية هنا. لكن عليك ألاّ تواجه هذه الرواية بنفس الطريقة التي تواجه فيها الروايات التاريخية الأخرى. احجز لهما مكانين مختلفين في حياتك".
إن فتغنشتاين يسعى هنا إلى فصل المعتقدات الدينية والإيمان عن العلم والفلسفة والتاريخ. وذلك الشيئ لايمكن أن تقوم به المدارس الإسلامية المختلفة، لأن كلفة ذلك ستكون مرتفعة على المسلمين، وبالذات على الشيعة. فإذا ما أقدموا على مثل هذه الخطوة، فإنها ستجعلهم يشككون بما جاء في التاريخ مما لم يثبت بالشواهد والأدلة، وستزلزل أسس المعتقد القائم على الدليل والبرهان، وستضر بمصالح رجال الدين الدينية والدنيوية، ما يجعلهم لا يقبلون عليها بتاتا.
في المقابل، حينما يدّعي باحث شيعي بأنه أجرى تحقيقات تاريخية علمية واسعة، وجراء ذلك توصل إلى نتائج تدلّل على عدم وجود الإمام المهدي، وأنّ الشواهد تشير إلى أنّ من ادّعى ولادة الإمام المهدي في ذلك الزمان إنما سعى لتحقيق مصالح شخصية، إن تلك الادعاءات من شأنها أن تثير بعض الأسئلة: ما هي مسؤولية الباحث العلمية والأخلاقية والإيمانية هنا، هل عليه أن يمارس الكذب والنفاق ويزعم وجود الإمام المهدي رغم أن الأدلة والبراهين التي توصل إليها لا تؤكد ذلك؟ هل بعد تلك النتيجة يستطيع أن يزعم بأن الاعتقاد بالإمامة يمكن أن يستند إلى الدليل والبرهان؟ هل يستطيع أن يفصل بين الإيمان وبين العلم والفلسفة والتاريخ، وأن ينشر نتائج ذلك دون خوف من سلطة المرجعيات الدينية وفتواها الإلغائية؟
إن نشر الحقيقة العلمية هو مسؤولية كل باحث علمي صادق، فما بالك لو كان هذا الباحث مؤمنا متديّنا ويسعى للسباحة في بحر الأدلة والبراهين المتعلقة بكيفية الاعتقاد بأصول الدين، خاصة وأن الآية 36 في سورة الإسراء تقول "ولاتقف ما ليس لك به علم"، والتي تشير حسب بعض المفسرين إلى النهي عن اتباع شئ ليس لدى الإنسان علم ويقين بصحته، كما يقول صاحب تفسير الميزان. في حين نجد المرجع الشيعي ناصر مكارم شيرازي، القابع في مدينة قم، لم يستطع إلا أن يصدر مؤخرا فتوى يرمي فيها الباحث الإيراني أكبر غنجي بالارتداد وبأنه غير طاهر، وذلك لتوصّل هذا الباحث إلى نتيجة علمية مفادها أن الأدلة والبراهين العلمية لاتؤكد وجود الإمام المهدي. بمعنى أن عدم الاعتقاد بوجود الإمام المهدي جعل المسلم مرتدا. أي أن هذا المرجع الشيعي رمى جميع الشيعة غير الإثني عشرية بالارتداد لأنه لم يثبت لديهم بالأدلة والبراهين وجود الإمام المهدي، وكأنه يقول بأن أي مسعى لبحث مسألة الدليل والبرهان حول وجود أو عدم وجود الإمام المهدي لابد من مواجهته بالعنف والقتل والإقصاء، وأنه لايمكن في ظل وجود مثل هذه الفتاوى إلاّ إلغاء الحوار والبحث العلمي.
إن موقف مكارم شيرازي يعكس رأي الغالبية العظمى من أنصار المدرسة الدينية التقليدية التاريخية، التي تزعم باستمرار بأن نقد وإصلاح الشأن الديني والفكر الديني والفقه التاريخي الماضوي هو حكر على المنتمين إلى نفس المدرسة، وبأنه لا يمكن السماح لغير المنتمين إليها أن يتوصلوا إلى نتائج علمية تزلزل مناهج الاعتقاد الديني (للأسف يسمّيها هؤلاء بغير العلمية من دون أدلة تؤكد مزاعمهم). فرغم إن المنتمين لتلك المدرسة عجزوا عن جعل الفهم الديني يواكب تطور الحياة في مناحيها المختلفة، إلا إنهم مارسوا الاستبداد ضد أي مسعى لتغيير وإصلاح الفكر الديني والفقه ومناهج المعتقد، وهو ما عكس وصاية مستبدة (كعادتهم) على الشأن الديني وعلى الحوار وحرية البحث العلمي. وإذا كان البحث في مسألة الإصلاح الديني - حسب مزاعمهم - لايمكن إلا أن يكون من داخل المدرسة الدينية (المضحك أنها مدرسة تقليدية، وأي مسعى تغييري هو بمعنى خروج أو إخراج القائمين على هذا المسعى من تلك المدرسة، مثلما حصل مع العديد من المفكرين) فإن الأولى بهم ألا يتدخلوا في غير ما يعنيهم ويعني فهمهم الديني. فهم يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في الحياة حتى أصبح الدين بالنسبة إليهم وكأنه سوبر ماركت يحتوي على إجابات معلّبة لجميع أسئلة الحياة، في حين أن الواقع يقول أنهم فشلوا فشلا ذريعا في مجاراة تغيّرات الحياة الحديثة وفي طرح إجابات على أسئلتها المتعددة.



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الدين والاعتقاد والدليل العقلي: الإمام المهدي نموذجا
- الفقهاء.. والعالم الجديد
- الإسلام.. والعالم القديم
- حول جدل -التبشير- السني والشيعي
- شعبية رجال الدين
- آل الصباح.. والمطلق الديني.. ومستقبل العراق
- في الجدل حول الدين والتديّن
- الديموقراطية.. والدين والدنيا
- حرية الفكر ضحية لهيمنة الإسلام السياسي
- نظام التقليد.. والتبعية
- الحرية تُنتهك باسم -لجنة الظواهر السلبية-
- العلمانية.. هل تصلح لمجتمعاتنا؟(2 – 2)
- العلمانية.. هل تصلح لمجتمعاتنا؟ (1-2)
- بين معيار الحقيقة.. ومعيار الحرية
- الإنسان.. وفصل الدين عن السياسة
- في صراع الدين والحداثة
- لنُسقط العمامة المسيّسة
- الإسلاميون غير تواقين للديموقراطية
- المرأة.. قاصرة.. متبوعة.. غير حرة
- الليبراليون.. وإصلاح الدين


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - الدين.. والدليل العقلي.. والإلغاء