نحاول من خلال هذه المقالة أن نحدد الجهات المتورطة بمسلسل القتل الجماعي في العراق، فمن هي؟
ومن نتائج التحليل الذي أضعه بين يدي القارئ يتبين إن المتورطين هم الجهات الآتية، متمنيا أن تكون استنتاجاتى خطأ:
1. الجهة الأولى هي الزرقاوي،
2. والجهة الثانية هي هيئة علماء أهل اسنة والجماعة،
3. والجهة الثالثة هو اللجنة التي تمسك بالملف الأمني في مجلس الحكم (الوفاق)،
4. وربما هناك جهة رابعة وهي أمريكا!؟ أليس هذا غريبا بعض الشيء؟!
ربما سيقول لي البعض، إنك على خطأ ومن قبل أن يقرأ، هذا ممكن ولكن دعونا نتعامل مع الموضوع بروح شفافة ديمقراطية ونناقش الأمر بهدوء.
في زمن القتل باسم الإسلام أو العروبة، تختلط الأمور وكل الأوراق، ولكن يجب أن نفصلها عن بعضها البعض، وأن نضع النقاط على الحروف ونكون عمليين بعد أن جفت الدموع على شهدائنا الأبرار الذي سقطوا أخيرا في كربلاء والكاظمية، وبهذا المقال أحاول أن أحدد مسؤولية جميع الأطراف التي لها علاقة بالأمر بدءا من سلطات التحالف وانتهاء بالزرقاوي ومن يقدمون الدعم له سواء كان دعما ماليا أو توفير الملاذ الآمن له وللقتلة من عصابته.
سأحاول إن أضع بين يدي القارئ استنتاجاتى الخاصة بمن هم متورطون بالقتل، وبمعرفة هذه الجهات يمكن احتواء الأمر، هذا إذا كانت النوايا سليمة.
لم يزل الزرقاوي لم يربط عمله في العراق بالقاعدة، فهو يعمل بعيدا عن نشاطها، وهذا ما أوضحته الرسالة التي كان قد بعث بها إلى زعمائها، وقد أعلنت القاعدة عن عدم مسئوليتها عن عمليات قتل الأبرياء في كربلاء والكاظم، وهذا ما أصدقه رغم إن القاعدة والزرقاوي لا يتورعون عن الكذب، فالذي يقتل أو ينتحر، لن يتورع عن الكذب. ولكن ردود الفعل لهذه الأعمال الجبانة الأخيرة ربما تكون قد جعلت من زعماء القاعدة يستحون بعض الشيء ويعلنوا عن عدم مسئوليتهم. وهذا أيضا يؤكد الاستنتاجات التي قد توصلنا لها في المقال السابق بعنوان (قراءة تحليلية متأنية في وثيقة الشيطان، وهو من حلقتين) من أن الزرقاوي لا يعمل مع القاعدة في الوقت الحالي. في الواقع إني أريد أن أسقط هذه الورقة، أي ورقة القاعدة من هذه المعادلة الصعبة.
الزرقاوي يعمل لصالح جهة أخرى كنا قد حددناها في ذلك المقال بما يكفي من الأدلة من أنها تحديدا الأردن الدولة التي ينتمي لها الزرقاوي، بالرغم من إن الأردن تحاول إيهام العالم من إنه طريد ومطلوب للعدالة فيها. نعم هو مطلوب هناك، ولكن لماذا تطلقه الأردن مرتين بعد أن أمسكت به؟ مرة بعد سقوط النظام البعثي مباشرة، والأخرى حين ذهب الزرقاوي لزيارة عائلته في الزرقاء بالأردن قبل عدة أشهر وادعت الحكومة وقتها إنه قد أفلت منها؟ إن مسؤولية الأردن لا تقف عند هذا الحد والأدلة على تورطها كثيرة وكنا قد أوردناها في المقال السابق الذكر. أضف إلى ذلك إن الأردن مازالت تطلق المداد البشري لهذا المجرم من رجال بعد أن عجز عن ضم ما يكفي من العراقيين لكي يكونوا مدادا لناره التي نخشى أن تأكل الأخضر واليابس، فالحدود مفتوحة على مصراعيها من ناحية الأردن وسوريا اللتان تتراخيان بمنع المتسللين إلينا، بل تدفعان بقطعان العرب الانتحاريين إلى العراق بدون خجل أو خوف من أحد وكأن العراق سوف لن يقف على قدميه من جديد وسوف لن يستطيع أن يحاسب كل الضالعين بالجرائم التي ترتكب اليوم على أرض الرافدين.
لماذا يمهدون لحرب طائفية في العراق؟ يبدوا هذا التساؤل ساذجا للوهلة الأولى، ولكن حين نعود قليلا إلى الوراء مدة سنة ونيف، نجد إن هذين النظامين يفقدان الأرض التي يقفان عليها، وقد بدأت الأرض بالفعل تتحرك من تحت أقدامهم، فهم كمن يقول لنا (علي وعلى أعدائي)، ولو استطاعوا أن يجهضوا المشروع الديمقراطي في العراق، فإنهم ربما سيمدون أنظمتهم الدكتاتورية بعمر جديد. أما الأردن التي تعتاش متطفلة على العراق منذ زمن بعيد، سيكون حلمها الكبير بضم العراق إلى دولتهم قد أنتعش من جديد. هذه الأهداف لست أنا من وضعها، فهذه الدول هي من يعلن عنها بدون تحفظ هذه الأيام بشكل مباشر أو غير مباشر، وتحاول مستميتة من أجل تنفيذ هذا المخطط الكريه.
إن الجهات التي تقف بجانبهم من العراقيين قد حددها الزرقاوي بشكل مباشر، ويكاد أن يكون قد سماهم بالأسماء. الزرقاوي الذي يقول إن من يوفر له الملاذ الآمن، بالحرف الواحد، هم هيئة علماء أهل السنة والجماعة التي تلعب لعبة الديمقراطية من ناحية، وتمده بالدعم من ناحية أخرى، وإنه لم يخفي استخفافه من هذه الانتهازية والنفاق السياسي، وذلك حين يقول إنهم يمسكون بالعصى من الوسط.
إن هذا الاعتراف يعني إن هذه الجماعة يجب أن تكون الآن في ذمة التحقيق وهذا ما لم نره لحد الآن، فهم مازالوا يتهاترون على الفضائيات، ويصدرون البيانات، وينافقون ويحاولن أن يستخفوا بنا حين يستنكرون هذه الأعمال الجبانة التي راح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم سوى إنهم يمارسون طقوسهم الدينية، مستمرين يلعبون لعبتهم البهلوانية بسذاجة سياسية مطلقة حتى بعد أن فضح أمرهم الزرقاوي ولم يترك لهم سترا يخفي عوراتهم.
إن هذه الجماعة قد أعترف عليها الزرقاوي اعترافا صريحا واضحا من أنهم يمولوه ويوفرون له الملاذ الآمن، فلو كانت الوثيقة صحيحة وليست مزورة، كما تدعي هيئة علماء أهل السنة والجماعة من إنها مزورة، فعلى سلطات التحالف أو الحكومة العراقية الحالية أن تثبت إن الوثيقة التي أعلنوا عنها صحيحة وليست مزورة، وأن تعتقلهم جميعا، وأن تحقق معهم ليهتدوا لهذا المجرم. ولكن وجدنا العكس تماما، فهم مازالوا طليقين يوفرون لشيطانهم الملاذ الآمن، ولو لم يوفروا هذا الملاذ لما استطاع الزرقاوي أن ينفذ الخطة التي أعلن عنها في وثيقته قبل مجزرة عاشوراء بإسبوعين. أليس هذا تورطا مباشرا بهذه الجريمة، وإذا لم يوفروا له الملاذ الآمن الآن، فأين سيختفي؟ وهم من يعرف مداخل ومخارج بيوتهم التي أوت آلة الموت التي حصدت مئات العراقيين؟
رب قائل يقول إنك بهذه الأوهام تروج لحرب طائفية؟ هذا ليس صحيحا، لأن الكل ماضون، مستخفين بنا جميعا، وينفذون باقي حلقات خطتهم الجهنمية، فالسكوت نوعا من الضلوع بالجريمة.
إننا نجد إن السلطات التي تمسك بالأمن العراقي عليها أن تدافع عن مصداقيتها، وإن تثبت إن الوثيقة التي قدموها لنا صحيحة، وإن ما جاء بها هو ما قاله الزرقاوي فعلا، وإلا فهي أيضا متورطة بهذه الجرائم التي ترتكب بحق الشعب، وإن الحكومة وأمريكا هي من يروج لحرب طائفية وليس الزرقاوي، فالوثيقة كانت قد صدرت منذ ما يزيد على أسبوعين من الآن ولم نرى أيا من هذه العناصر، التي ذكرتها الوثيقة، قد تم استدعائه والتحقيق معه، حتى جاءت جريمة عاشوراء الجديدة التي هزت العراق والعالم الإسلامي جميعا، ولم نرهم يستجوبون، فهل هم أبرياء فعلا وإن الوثيقة مزورة؟ ولماذا تزور الحكومة وسلطات التحالف وثيقة من هذا النوع؟ فالرجوع إليها بقليل من التحليل على أساس إنها مزورة من قبل هذه الأطراف، فإننا سنجدها، إي الحكومة وأمريكا ضالعين، بلا أدنى شك، بإثارة هذه الحرب الطائفية، بالطبع هذا إذا كانت مزورة.
مرة أخرى لو كانت الوثيقة حقيقية غير مزورة، فمن الذي يحمي هيئة العلماء، ومن يمنع اعتقالهم للتحقيق معهم سواء من قبل التحالف أو من قبل وزارة الداخلية؟ فلو نظرنا للموضوع من خلال معلومات غير خافية على أحد، وبعين تحليلية، فإننا سنرى بوضوح إن الذين يمسكون بالملف الأمني هم من البعثيين تحديدا، فأياد علاوي البعثي السابق هو المسؤول عن الملف الأمني، ووزير الداخلية من البعثيين السابقين، والكثير من ضباط الوزارة من البعثيين السابقين، وليس لأحد حق بالتعيين والعمل بالوزارة ما لم يكن يحمل تزكية من الوفاق، وما الوفاق إلا البعث ولكن بجلباب جديد، وجميع البعثيين السابقين قد انزوت تحت هذا الجلباب الواسع.
إننا، وربما الكل، نعرف هذه الحقائق، فهل هذا هو السبب في عدم اعتقال هؤلاء الناس الذين أعترف الزرقاوي عليهم؟ خصوصا وإننا نعرف مدى عمق العلاقة بين هذه الجماعة والبعث ومدى التنسيق بينهما؟ فهل هي وسيلة جديدة للبعث لكي يعود من جديد بجلباب الوفاق؟ مشروعية التساؤل تأتي من جملة الحقائق التي سقناها أمام القارئ.
بهذا الاستنتاج الأخير أي إن الوفاق هو من يحمي هيئة علماء أهل السنة والجماعة المتورطة بثلاثة صلات أولها دعمها للإرهاب والزرقاوي تحديدا، والثانية التنسيق مع البعثيين ودول الجوار الجغرافي، والثالثة مع الذين يمسكون بالملف الأمني في السلطة الانتقالية، فالمتورط بالإرهاب مباشرة، إذا هي هذه الجماعات الثلاثة مجتمعة.
لكن يبقى سؤالين، أولهما ما هو موقف أمريكا من هذه اللعبة التي تكاد أن تكون مكشوفة جدا؟ والسؤال الثاني أين باقي الأحزاب والقوى التي تجتمع بمجلس الحكم من هذه اللعبة؟ للإجابة على هذين السؤالين، علينا أن نكون واقعيين، فالجواب على السؤال الثاني، هو إن الجميع عاجزون تماما للوقوف أمام أياد علاوي الذي بدا مغردا خارج السرب لمجموعة مجلس الحكم منذ اليوم الأول، وهذا ليس بخاف على أحد، وربما يمسك بأوراق مخيفة بعض الشيء لأطراف المجلس، لذا فهو ماض بتنفيذ خطته التي يروج لها منذ اليوم الأول، والمتمثلة بإعادة الاعتبار لعناصر الجيش القديم وباقي القوات المسلحة والتي هي بعثية بامتياز، هذا بالإضافة إلى جولات علاوي التنسيقية مع دول الجوار التي تلقفته هو فقط بالأحضان دون غيره من أعضاء مجلس الحكم، ويجب أن لا ننسى تصريحاته في هذه البلدان التي ظهرت على وسائل الإعلام، والتعتيم على باقي الأمر التي كانت أكثر أهمية. وهذا ما يجب أن نربطه مع الفقرتين السابقتين واللتان تتعلقان بسوريا والأردن.
أما الأمريكان فربما يعتقدون إن السكوت على هذه المسألة في الوقت الحالي يمكن أن يعد نوعا من إرخاء الحبل إلى حين، أو ربما وجدت بهذا الحزب الذي تبنته من قبل أكثر من أربعة سنوات هو البديل الحقيقي للبعث الصدامي، وإن العملية في النهاية ستكون نوعا من إبدال بعثا ببعث ولكن بجلباب جديد؟! فما المانع مادام الأخير سيحقق لأمريكا كامل أغراضها في العراق والمنطقة؟!
الجيد في هذا الملف إن اللعبة الجيدة التي خرجوا بها علينا والتي تتمثل بالإدعاء إن الزرقاوي قد قتل منذ عدة أشهر في جبال كوردستان، وذلك في بيان لتلك الهيئة المتورطة بهذه الجرائم البشعة. رغم سذاجة هذا الإعلان، لنسلم به كحقيقة، ولكن علينا أن نسأل من هو الذي كتب الوثيقة المشهورة إذا لم يكن الزرقاوي؟ لابد أن يكون شخصا آخر، ليكن أسمه سين من الناس. وهكذا بإبدال هذا السين بالزرقاوي، سنطالب بالشخص سين بدلا من الزرقاوي، فالشخص سين هو من كتب الوثيقة، وهو من يحظى بدعم من هيئة علماء أهل السنة والجماعة، وهو من نبحث عنه لأنه هو السبب بهذا المسلسل الدموي، وتبقى باقي الأطراف متورطة بدون أن يتغير شيء من طبيعة مسئوليتها بالضلوع بهذه الجريمة.
إذا كانت هذه الجهات غير متورطة ونحن قد ذهبنا بعيدا، فليثبت هؤلاء إننا على خطأ، وهذا ما نتمناه، وإن كان بعض الظن إثما.