إياد محسن
الحوار المتمدن-العدد: 2483 - 2008 / 12 / 2 - 06:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دخل احد رجالات الأجهزة القمعية في عهد نظام صادم إلى برانية السيد محمد الصدر قائلا ...سيدي.. لأني اشعر بتأنيب الضمير.. أريد أن أتوب .....ارغب بترك العمل ...كان سهلا أن يقول له السيد الصدر.. جزأك الله خيرا اترك العمل وتب ..لكن.. ولان السيد محمد الصدر حكيم في كل شيء ..يعرف أين يريد ان يذهب بالمجتمع ...وأين يضع ومن معه خطوته اللاحقة ..... أجابه قائلا.., ليكن سوطك وأنت تضرب اخف من سياطهم ..حيث أدرك بان هذا الرجل مخلص, وفي داخله صوت إنسان ووجوده في جهاز يقمع المواطنين أفضل بكثير من وجود غيره ... أراد أن يخرج من الرجل والموقف بأقل الخسائر وابسط المكاسب, فعلّ الرجل ييسر أمر احد ..أو يخفف عذاباته .
أسوق هذه المقدمة للدخول إلى قراءة للأداء السياسي للكتلة الصدرية التي أخذت على عاتقها تمثيل أصوات ملايين ممن يحملون البساطة والحلم .
العمل السياسي يهدف لتحقيق مصالح الناس ورخائهم وبناء وإدارة الدولة وفق الثوابت الدينية والوطنية لمن يمارس العمل .
ليس هناك من شك إن ابرز ثوابت الكتلة الصدرية هي الحفاظ على وحدة الوطن وبقائه خاليا من الاحتلال مع منع عودة النظام الشمولي المتمثل بحكم حزب البعث إلى السلطة , بالإضافة إلى بعض الأمور التفصيلية في مختلف الأمور كرفض الفدرالية والدعوة إلى حكم مركزي .
كل من هذه الثوابت يمثل في ذات الوقت مطلبا يراد تحقيقه , فما الذي حققته الكتلة الصدرية من هذه المطالب المؤطرة بالثوابت .
وأنت تعيش في وطن متنوع ومتلون كالعراق , عليك أن تدرك , كما أدرك غيرك , انك لا تستطيع أن تحقق كل ما تريد وسط وجود لاعبين آخرين لهم مطالبهم واستحقاقاتهم , عليك أن تسعى لتحقيق الأهم بين المطالب , إذ لا يمكن الإمساك بأكثر من تفاحة في نفس اليد , و يجب الابتعاد عن إهدار الوقت في السعي لامتلاك جميع الخيوط والتركيز على امتلاك أكثرها أهمية .
كذلك عليك أن تمتلك الأدوات التي تمكنك من تحقيق المطالب التي تعبر عن ثوابتك , وإلا كانت ادعاءاتك مجرد شعارات لا تجد مساحة للتطبيق في ارض الواقع .
رغم إن عدد نواب الكتلة الصدرية 30 نائب لم تطالب الكتلة الصدرية بمنصب نائب رئيس الجمهورية والذي يعد أهم المناصب في الدولة العراقي , إذ لا يمر أي قانون يشرع في مجلس النواب إلا بموافقة أعضاء مجلس الرئاسة مجتمعين , وان يكون لك عضو في المجلس , فانك تمتلك ( فيتو ) على كل القوانين الصادرة , ولان الكتلة الصدرية لم تلتفت إلى أهمية هذا المنصب , فقدت أهم أداة لتحقيق المطالب , فحين اعترضت على قانون المساءلة والعدالة , باعتبار اجتثاث البعث أهم ثوابتها , شعرت بعجزها عن منع تمرير القانون بعد تشريعه , لأنها لا تملك أدوات المنع , فلا احد من أعضاء مجلس الرئاسة ممن يملكون الفيتو يمثلها , وبسهولة وبمجرد أن عرض على المجلس صودق عليه , فما كان من الكتلة إلا الدعوى إلى تظاهرات وعقد لقاءات تلفزيونية لم تكن لتشبع من جوع آو تؤمن من خوف .
في مرحلة من المراحل أرادت الكتلة الصدرية إسقاط الحكومة , عن طريق سحب وزرائها الستة , في وقت كانت بعض الكتل النيابية الأخرى تغازلها بالسير على نهجها في حال فعلت هي ذلك , وخصوصا جبهة التوافق , وقد فعلت التوافق نفس الفعل , إلا إن الجبهة , ولان رؤيتها للأمور ليست عاطفية , وإنما مبنية على رؤية مصلحيه , بدئت تساوم للعودة للحكومة , فطالبت بتشريع بعض القوانين كالعفو العام ودمج الصحوات وما إلى ذلك , وعادت إلى الحكومة بعد إن حققت مصالح ناخبيها , عادت التوافق وبقيت الحكومة , ولم تستطع الكتلة الصدرية إخراج معتقل واحد من معتقليها , لأنها تخسر ملفات مهمة , وتفوت ظروف عصيبة يمكن من خلالها الضغط لتحقيق مكاسب للناخبين , فهي وفي كل مرة تنسحب آو تعلق , تهب قراراتها منحة للآخرين دون ثمن شعبي آو وطني .
لم يشترك التيار الصدري في انتخابات مجالس المحافظات السابقة , والنتيجة إن جميع الحكومات المحلية تشكلت من أحزاب ومكونات أخرى , أي إن جميع مدراء الشرطة والمرور والبلديات وفي جميع المحافظات هم من خارج التيار الصدري , لكتل تجيد العمل السياسي وتدرك جيدا النتائج المستقبلية لأي قرار سياسي أني .
تحتاج لتنفيذ مخططاتك السياسية إلى أغلبية برلمانية ناشئة عن صداقات الآخرين وتطابق وجهات النظر معهم في بعض المسائل , فالدعوة والمجلس الأعلى حلفاء التحالف الكردستاني , شكلوا أغلبية مكنتهم من تحقيق اغلب أهدافهم في بناء الدولة العراقية , وتحقيق مصلحة ناخبيهم الذين منحوهم الثقة في الانتخابات , وكانت هذه الإطراف وخلال مراحل العمل السياسي تقدم التنازلات المتبادلة لبعضها البعض , إبقاء" للتحالف إلى أطول وقت ممكن , وحين جاء موعد إبرام الاتفاقية الأمنية مع واشنطن , أرادت الكتلة الصدرية منع تمريرها , ومنع التمرير يحتاج إلى أصوات في مجلس الوزراء , ومجلس النواب , ليس للكتلة الصدرية أي صوت وزاري لأنها سحبت وزرائها سابقا من الحكومة , فصادق مجلس الوزراء على الاتفاقية بالإجماع , لم يبقى إلا الجهد البرلماني الذي يحتاج إلى حلفاء , فمن هم حلفاء الكتلة الصدرية الذين سيلجئ إليهم لكسب أغلبية برلمانية تساعد على تحقيق اكبر ثابت من الثوابت , وابرز مطالب المرحلة الحالية وهو منع الاتفاق الأمريكي العراقي .
لا حليف ..... لا مناصر ..... فجبهة التوافق وحين أيقنت إن الاتفاق سيمر , سعت لاستغلال الأجواء الملائمة للضغط , وفعلا حققت الكثير من المكاسب في ورقة الإصلاح الوطني .
جبهة الحوار تتحفظ على الاتفاق لكنها تريد أيضا إلغاء قانون اجتثاث البعث , وهذا نقيض ما يطلبه التيار الصدري .
للفضيلة عدد غير مؤثر ... لم يبقى إلا التظاهر والإعلام لإثبات موقف من اتفاق سيمر بعد إن شهدت المراحل السابقة خسارة جميع أوراق اللعبة السياسية .
للكتلة الصدرية ناخبين ...أناس ...لديهم دم ولحم ...بحاجة إلى وظائف لسد رمق الزوجة والأطفال ...لديهم معتقلون بحاجة إلى من يفكر بإطلاق سراحهم باليات فعالة ورسمية ...لديهم أصدقاء في المجتمع العراقي يتساءلون ...أين أبناء هذا التيار المليوني من بناء دولة العراق ...وأين اثر كتلتهم الصدرية في المرحلة السياسية ....لديهم نخب مثقفة وأكاديمية غير مقتنعة بالأداء السياسي تتحدث في الغرف المغلقة عن السلبيات التي لا أمل بعلاجها .
السمة المميزة لأداء الكتلة الصدرية إنها تطالب دائما بالكل ...لكنها لا تحصل في النهاية على شيء ...والشواهد كثيرة ...
في الوقت الذي حاول السيد محمد الصدر, في القصة التي اوردتها في بداية المقال, أن يفيد المجمع من بصيص رحمة في ذات احد العاملين في أجهزة النظام السابق , نجد أن الكتلة الصدرية تخسر فرص جاهزة لخدمة المجتمع وفائدة الملايين الذين يقفون خلفها من أبناء هذا التيار .
ليست هناك كتلة تمتلك قاعدة مطيعة كالكتلة الصدرية , وليس هناك أناس يهبون ولائهم كأبناء هذا التيار , لكن اين هي النتائج على ارض الواقع ؟؟؟
هذه قراءتي للأداء السياسي للكتلة الصدرية والتي وبحسب اعتقادي لم تحقق منجزا واحدا لمصلحة ناخبيها , ولم تمنع تمرير أي قانون آو قرار يخالف ثوابتها الدينية والوطنية , لأنها وفي كل مرة تخسر بإرادتها الأدوات الفاعلة ,و تلقي سلاحها في معركة السياسة المدججة بالسلاح وتساهم في إضعاف نفسها وهذا ما يريده منافسوها في العمل السياسي .
المرحلة السياسية القادمة لا تحتمل الأخطاء ...والتعامل مع الملفات السياسية , بصورة الأداء السابق , سيدفع الأمور إلى حافة الهاوية إذ السياسة لا تؤدى بردود الفعل العاطفية وبالمواقف الغير محسوبة وبالرؤية الضبابية للمستقبل .
#إياد_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟