|
الطريق السوري إلى الديمقراطية
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 07:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
شاركت خلال الفترة القريبة الماضية في ورشة عمل حضرها مجموعة متميزة من الباحثين السوريين، إلى جانب مجموعة من الباحثين الأجانب المهتمين بالشأن السوري وبمشاركة بعض المسؤولين السوريين. وكان على جدول أعمال الورشة موضوعات عديدة شملت قضايا السلام مع إسرائيل، والعلاقات السورية مع الاتحاد الأوربي، إلى قضايا الإصلاح الاقتصادي، والعديد من الموضوعات الداخلية مثل المشكلة الكردية في سورية(التي سحبت في آخر لحظة) وقضية التحول الديمقراطي..الخ. فيما يتعلق بقضية الديمقراطية طرحت ورقة العمل التي قدمت مسائل كثيرة ومتشعبة على صلة بالموضوع المبحوث، تلتها تعقيبات ونقاشات جادة وغنية أضاءت العديد من جوانب القضية المبحوثة، إلى جانب العديد من الموضوعات ذات الصلة مثل العلاقة بين الديمقراطية وقضايا الإصلاح الاقتصادي، ومسألة النماذج الديمقراطية وفائدتها لسورية، وجدية السلطات السورية بالنسبة للإصلاح السياسي..الخ. فيما يأتي أسجل مجموعة من الملاحظات بعضها ذكرته في سياق مشاركتي بالنقاشات التي جرت في ورشة العمل المشار إليها حول الديمقراطية، وبعضها لم أذكره، بل يحضرني الآن وأنا أكتب هذه المقالة. 1-بداية يلفت الانتباه التركيز على مسائل الإصلاح الاقتصادي والإداري وتجاهل الإصلاح الاجتماعي والسياسي، وكأن الإصلاح يمكن تجزئته إلى إصلاح هنا وإصلاح هناك بعيدا عن النظرة الكلية الشمولية للكل الاجتماعي. فعندما يكون الإنسان وبيئة وجوده كفاعل اجتماعي وكإنسان له حقوق طبيعية وسياسية حرم منها لعقود كثيرة خلت، هو موضوع الإصلاح وأداته وغايته فلا يكون الإصلاح عندئذ جزئيا أو مجزأ، بل كليا وشاملا. 2- في سورية افتقد نهج السلطة الإصلاحي منذ البداية إلى النظرة الشمولية، وجاء بالتالي بلا فلسفة محددة، بل جزئيا ومجزأ ركز في البداية على الإصلاح الاقتصادي وفشل، لينتقل بعد ذلك للتركيز على الإصلاح الإداري وفشل، متجاهلا ضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي. وأكثر من ذلك جاء نخبويا عاكسا وجهة نظر السلطة وليس وجهة نظر المجتمع ممثلا بقواه الحية المجتمعية والاقتصادية والسياسية. وحتى عندما حسم المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث الحاكم خياره الاستراتيجي باتجاه ما يسمى" باقتصاد السوق الاجتماعي" استمر التركيز فقط على الجوانب الاقتصادية والإدارية للإصلاح وتلك الجوانب القريبة منها من الناحية التقنية مثل إصلاح المنظومة التشريعية والقانونية، وتم تجاهل الإصلاح السياسي. 3- يبدو لي أن السلطة في سورية لا تزال مترددة بالنسبة لحسم خياراتها الإستراتيجية المتعلقة بالإصلاح وقضاياه وموضوعاته، وهي بالتالي تفتقر للإرادة الإصلاحية الجادة يبرهن على ذلك ضعف حساسيتها بالزمن، وبالمتغيرات الدولية العميقة التي جرت وتجري تحت راية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مما جعلها تضيع ثمانية سنوات من عمر العهد الجديد الذي رفع راية الإصلاح في خطابه السياسي، كما ضيعت السنوات العشر الأخيرة من عمر العهد السابق الذي تسربت إلى خطابه بعض الأفكار الإصلاحية تحت ضغط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أخذت تتفاقم في المجتمع السوري. ويكفي لتأكيد ملاحظتنا السابقة أن ننظر في مؤشرات تقارير التنافسية الدولية، والعربية، بل وفي مؤشرات التقرير الوطني للتنافسية حيث تراجعت أغلبية مؤشرات الاقتصاد والمؤسسات والمجتمع، وبقيت سوريا ضمن المجموعة الأخيرة من البلدان التي شملتها هذه التقارير(128 دولة). فحسب تقرير التنافسية العالمي لعام 2007 وتقرير التنافسية العربي لعام 2007 أيضاً تراجعت سورية استنادا إلى أداء الاقتصاد الكلي خلال سنتين فقط( 2006-2007) من المرتبة 61 إلى المرتبة 98، وتراجعت استنادا إلى مؤشر هدر الأموال العامة من المرتبة 43 إلى المرتبة 114، وتراجعت أيضا استنادا إلى مؤشر الصحة والتعليم من المرتبة44 إلى المرتبة 69. ومن حيث مؤشر قوة أنظمة المحاسبة والرقابة كنا في المرتبة 124 أصبحنا في المرتبة 120 وبالطبع من أصل 128 دولة!!!. 4- ينظر البعض(من في السلطة) إلى الإصلاح على أنه إصلاح ميكانيكي، هناك آلة(الاقتصاد تحديداً) معطوبة تحتاج إلى تزيت هذا المفصل أو تغيير هذه القطعة..الخ. السلطة لا تعتبر المجمع ولا الفاعل الاجتماعي فيه وهو الإنسان معطوبا، مع أن الواقع والحقيقة تقولان أن الإنسان نفسه هو المعطوب وبالتالي مجتمعه وآليات اشتغال هذا المجتمع ومنه بالطبع الجانب الاقتصادي فيه، وأن الذي أعطبه هو الاستبداد. إصلاح الإنسان لا يكون إلا بإعطائه حريته الذي حرم منها لعقود وأجيال، وخلق البيئة القانونية لممارسة هذه الحرية بأعلى درجات المسؤولية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية لا بد من الاعتراف بوجود مصالح( اقتصادية واجتماعية وسياسية) متباينة لهذه الدرجة أو تلك وان من حق أصحابها العمل من أجلها والدفاع عنها، في إطار الكل المجتمعي والوطني بالطرق السلمية والقانونية. هذا يعني إعادة بناء السلطة والمؤسسات المجتمعية، والبيئة القانونية والتشريعية وغيرها بما يسمح باستقصاء هذه المصالح بصورة تنافسية. بكلام أخر(وهذا ما نقوله باستمرار منذ سنوات) لابد من العمل لنقل المجتمع والدولة والسلطة من نير الاستبداد إلى فضاءات الحرية والديمقراطية، وبدون ذلك لن ينجح أي إصلاح. 5- فيما يخص الديمقراطية طرحت أفكار عديدة تتعلق بجملة من القضايا مثل العلاقة بين التعليم وبين تعزيز فرص الديمقراطية، أو العلاقة بين تحسين الواقع المادي للناس والديمقراطية..الخ. وركز البعض على أهمية الاستفادة من النماذج الديمقراطية في البلدان التي تتشابه ظروفها مع سورية، في حين ركز آخرون على الخصوصية السورية أو على المخاطر والضغوطات التي تتعرض لها سورية وعلاقة كل ذلك بالتحول نحو الديمقراطية..الخ. إن اشتراط مستوى معاش عال لكي تصبح الديمقراطية ممكنة، أو اشتراط تعميم التعليم على جميع المواطنين لكي يستطيعوا ممارسة الديمقراطية، أو التذرع بالخصوصية السورية لا تستقيم من الناحية النظرية، وتفند صحتها خبرات وتجارب العديد من الدول التي بدأت الحياة الديمقراطية من مستويات منخفضة بالقياس إلى الواقع السوري، ومنها دول إسلامية وعربية. أما فيما يخص الضغوطات والمخاطر التي تتعرض لها سورية وهي مخاطر وضغوطات حقيقية وعلى درجة عالية من الشدة، فإنها على العكس يفترض أن تعزز مسيرة سورية نحو الديمقراطية. تفيد تجارب التاريخ أنه للوقوف في وجه هكذا مخاطر وضغوطات وتهديدات لا بد من تأمين أوسع مشاركة جماهيرية لتحصين الوضع الداخلي ضد الاختراقات المحتملة، ولدعم ومساندة الدولة في تصديها لهذه المخاطر والتهديدات. باختصار لا بد من العمل على الانتقال من وضعية الأمن العالي إلى وضعية الأمان العالي. في الحالة الأولى يمكن تحقيق أمن السلطة وغالبا في مواجهة شعبها، أما في الحالة الثانية فيمكن تحقيق أمن الدولة والمجتمع في مواجهة القوى الخارجية والداخلية التي تحاول المس به. أما بالنسبة للاستفادة من النماذج الديمقراطية في الدول التي تتشابه ظروفها التاريخية والراهنة مع سورية، فهي بلا شك مسألة في غاية الأهمية لإثراء الرؤى الثقافية والفكرية العامة حول قضية الديمقراطية، وقد تكون مفيدة أيضا في مجال استلهام هذه التجربة أو تلك أو هذا الجانب أو ذاك من التجارب الديمقراطية، لكنها في مجمل الأحوال ليست للتبني كنموذج جاهز. الديمقراطية ليست معيارية، أي ليس هناك نموذج ديمقراطي يصلح لكل الظروف ولكل البلدان، بل هي مميزة دائماً. ثمة مبادئ وثقافة ديمقراطية عامة لكن ليس هناك نموذج ديمقراطي عام. بناء على ذلك فإن طريق سورية نحو الديمقراطية هو الطريق الذي يشقه ويعبده السوريون أنفسهم، وإن النموذج الديمقراطي المناسب لسورية هو النموذج الذي ينبثق عن حوارات النخب السورية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في السلطة والمعارضة أو من المستقلين، ويحوز على موافقة الغالبية الساحقة من السوريين، ويعبر عن مصالحهم. 6- نتيجة للاستبداد المزمن في سورية حصلت تشوهات كثيرة في الشخصية السورية غابت بنتيجتها حساسيات كثيرة مثل الحساسية بالقانون، والحساسية بالاختلاف، والحساسية بقبول الآخر المختلف، والحساسية بالمسؤولية، والحساسية بالواجب، والحساسية بالدولة، والحساسية بالكل الاجتماعي..الخ، ونمت بالمقابل حساسيات أخرى مثل الحساسيات الجهوية والطائفية والمذهبية، والحساسيات العشائرية والعائلية، والحساسية بالخضوع، والحساسية بالسلطة، والحساسية بالفساد والرشوة، وحساسية التحايل على القانون، والحساسية بتكفير الأخر أو تخوينه..الخ. باختصار غابت الحساسيات المكونة لمفهوم المواطنة ولشخصية المواطن، ونمت الحساسيات المكونة لمفهوم وشخصية الرعية. سورية بحاجة ماسة لقلب هذه المعادلة، فبدون مواطنة ومواطنين لا تبنى الدولة الحديثة، ولا تحصل التنمية، ولا يتحقق ازدهار وتقدم، وإن الطريق الوحيد الصالح لتحقيق ذلك هو طريق الحرية والديمقراطية.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة المالية العالمية ونذر الركود
-
السوريون ومفاوضات السلام مع إسرائيل
-
بحثا عن المناقبية في العمل السياسي
-
الليبرالية الجديدة
-
في الاختلاف والتسامح والحرية والحوار....أو في العلمانية والد
...
-
العنف واللاعنف في التاريخ
-
مؤشرات الحكم الرشيد في الدول العربية
-
الحكم الرشيد – الشفافية والمساءلة.
-
الحكم الرشيد - سيادة القانون
-
الحكم الرشيد-المشاركة
-
مبادئ الحكم الرشيد
-
البيعة الثانية والأمنيات الأولى
-
التحليل السياسي بلغة طائفية
-
أمريكا لا تريد الديمقراطية في الوطن العربي
-
الكراهية المؤسسة للسياسة
-
السقوط في الهاوية
-
ثقافة الخوف
-
المعارضة السورية ومزاد الإعلانات
-
بمثابة مشروع برنامج سياسي
-
سورية تودع عاما صعبا وتستقبل عاما أصعباً
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|