|
حينما تصبح القدس عاصمة للثقافة العربية ..
يونس العموري
الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 03:35
المحور:
القضية الفلسطينية
هي الدعوة للحياة ... وهي الدعوة للفرح وسط كل أشجان وأحزان القدس ... فأن يتم اعلان القدس وبشكل استثنائي وغير مسبوق كعاصمة للثقافة العربية في العام 2009 وفي ظل الاحتلال، فهو الإعتراف المباشر ومن الكل ان للقدس واجب الحياة في محاولة لإستنهاضها من الخراب والتخريب، وسط كل هذا التشويه، الذي يطال ما يسمى بالوطن، هذا الوطن الذي صار ساحة لممارسة اعتى اشكال العهر السياسي والفجور الكلامي، فالقدس اليوم تحاول ان تستنهض العزائم من خلال الدعوة للفرح بألوان قرمزية تعكس اساطير حكاياتها، فقد ظلت تنتظر فرسانها منذ ان تربعت على عرش المدائن، في محاولة منها لإختلاس الفرح وممارسة الحياة ان استطاعت الى ذلك سبيلا، والقدس لم تتوقف عن صناعة الحياة بفرحها وصخبها وتناقضاتها. وخفافيش الليل في حضرة القدس يمعنون اليوم في تشويه الصورة ومحاولة قلب حقائقها، فمنذ ان كان اغتصابها، وصرخاتها ترتد عن جدران ازمانها في محاولة منها لإستثارة عزائم الأحرار وصوتها يدق نواقيس صناع القرار، وعجوز ما زالت رابضة بالمكان تأبى الا ان تسطر حكاية اخرى من حكايا عجائز المدينة، وطفل يلهو بزقاق المعبد يصرخ ضاحكا عابثا فقد دعته للهو في ظل امتزاج الدمع والقتل وهدم البيت الآمن صانع حياة الحب .... للقدس ان تنطق بأسم الثقافة العربية منذ ان كانت وتكونت وتشكلت معانيها، فهي بأتون التاريخ شاهدة على عروبة كنعان وايقونة العذراء، نقشت مزامير اسفار تكون ابجديات العدنانية بلغة الضاد على معابرها وبمعابد يذكر بها اسمه، واختزلت المسافة ما بين الأرض والسماء وكان للنبي العربي جولات بترتيل كلام الله، من القدس كان الصعود للقاء كل انبياء الله ليتقدم العربي الصفوف اماما مصليا بمحراب المسجد العتيق منذ ان هبط ادم الأرض واعلن عن لغة الكلام بحضرة الانسان ... يكون القرار بأن تجوب شوارعها عند اول الصبح وتشفق على نفسك من مسيرة العبور نحوها، ولكنه الشوق الذي يدفعك للإنتظار، فأنت على موعد مع اسوارها ورائحة عطرها المتطاير مع نسائم العليل، فللقدس روائح معتقة وكأنها المتفاعلة وبخور العود والعنبر وعظماء من سكنوا حواريها ومن صلوا تضرعا للرب في معابدها، وكأنها قد ايقنت ان للتاريخ كلمة في مسيرتها فأطلقت العنان لحجارتها ولإرصفتها بإنبعاث هذا العبق الذي لا يتكرر الا في قدس الجلجلة. تحاول ان تكشف عن اسرارها ولما كل هذا العشق والدم المسفوك على جوانب هوامش تاريخها...؟؟ وتعجز عن ايجاد التفاسير لمكنوناتها، وبلحظة تجدك مستسلما لإرادتها ... في القدس انت مسلوب الإرادة ولا حول ولا قوة لك الا انت تمضي مستسلما بالسير خلف كواليسها لتكتشف عظمة اريجها، وتحاول ان تكشف عن عظماء عبروا ونقشوا ايقونات ابداعاتهم بتاريخها وسطروا ملاحم فقراء كل العصور فكان لهم الخلود كطعم النبيذ المعتق في خوابي صوامع أديرتها.... هي حاضنة ملوك الشعر ومن الهمتهم بالمفرادت، وصور عشاقها يمرحون متربعين على عرش اسوارها، وهي من قالت الف مرة (اللا) في وجه جبروت الشيطان فكانت ان تمترست خلف متاريس احلام شجعانها، ورجال سكنوها فسكنتهم وامتزجت أسماءهم باسمها وكان لهم ان يكونوا العظماء حينما غنوا القدس في دفاتر اشعارهم .... ان تكون القدس عاصمة للثقافة العربية فهذا يعني التتويج لتاريخ ثقافة العرب، واضافة فعلية لكل من نطق حرفا عربيا في مدماك صناعة اساطير ثقافتنا. وهنا لابد لنا ونحن نحتفي بثقافة العرب في القدس ان نخترق جدران الصمت الذي ساد ونمارس ضجيجنا وصراخنا، فالصراخ بصحاري تيهنا، صراخا مكتوما مرتدا نحو حناجرنا ... فبكل لحظة نكتشف اننا في القدس امام التيه ذاته .. واننا ندور في الحلقات المفرغة .. بفعل الإنهيار لكل البنى التي كانت قائمة في قدس ثقافة العرب .. لا لأننا نمارس فعل الفشل ... وليس ذلك ما يدلل علينا ونحن من يصنع للقدس صمودا وفعلا عروبيا. يا سادة القوم ممن يعتلون منصة عالم الثقافة بأسم القدس لابد ان تعوا ان للقدس استحقاق الصراخ والاحتجاج حيث انها قد صنعت انجازاتها وكانت العصية على فعل الغزاة ... فهل تعلمون ما تريد القدس وما هو السبيل للعبور نحو القدس، وما هي متطلبات القدس بكل الظروف ..؟؟ فككوا معادلة القدس، وارجعوها الى ارقامها البسيطة .. وهي بالفعل بسيطة، بقليل من الحب، وبشيء من الصمود، وبممارسة فعل الصراخ هنا وهناك، وعدم الإستكانة لما يقولون، وببلسمة الجراح ومحاولة بناء ما تهدم، والحفاظ على ما هو قائم ورسم معادلة التحالفات على الأرض، وكيف من الممكن ممارسة اقسى درجات الضبط بلحظات معينة، وممارسة اقسى درجات الإنفلات من عقال العقلنة وممارسة الجنون بظروف اخرى .. ومتى تكون القدس بحالة الزهو وتنتظر رجالها القادمين بفرح اللحظة، ومتى تكون حزينة منتظرة لبواكيها ... نستيطع حينها ان نرتقي لمستوى تتويج ثقافة العرب باسم القدس. لابد ان نعايش نبضها ونتعرف على احساسها الأتي من تفاعلات بشرها وحجرها .. ونتعلم لغة عشاقها ومجانينها ... ونفهم زقزقة عصافيرها ونتمتم صلواتها بخشوع الحمام ... لابد ان نعي متى نعبر ازقة وشوارع القدس ونعلم متى ترغب القدس عن ان تتوارى عنا غضبا فنكون طائعين لرغبتها ... وحينما نتحدث عنها فلابد ان نتحدث وكأننا نتحدث عن العروس الأتيه من شرق الشرق لتسافر وايانا نحو غرب الجنون ... هو الحلم بقدس خالية من حقدهم ومن خفافيش ليلهم، ولن نكتفي بالحلم وحده بل لابد من ان نمارس شيئا من وقائع الواقع، في محاولة بأن نصنع ممالك وجزر مقدسية لا تنطق الا لغة رصينة كنعانية، ونشدوا وسكانها غناء وتواشيحا مهللة لعبور مواكب الزائرين ... فنحن ابناءها وسادتها وفقراءها ونساءها واطفالها ان أغضبتنا نسكنها أكثر، ونعيش بثناياها اكثر، وان أفرحتنا نزهو بأزقتها ونمارس شطحاتنا على اعتاب ساحاتها ... ايها السادة وانتم على اعتاب الإحتفاء بالقدس لابد ان تعرفوا كيف من الممكن ان يصير حب القدس ممكنا وسط تعقيدات الحب ذاته .. وكيف نصبر على متطلباتنا في العيش في كنفها ... وكيف نعبر كل الأنفاق المظلمة التي تزداد حلكة وسوادا في ظل مسيرة الألف ميل ... ان تكون القدس عاصمة للثقافة العربية فهذا يعني ممارسة فعل الإختراق للجداران العالية وكيف نُسمع صوت القدس وأهات القدس لمن لا يريد ان يسمع او لمن كان يتجاهل السماع ... وكيف سنفرض حقيقة القدس وفرض صوت القدس وحضور القدس ...
يا سادة الثقافة العربية، القدس امامكم تنتظر فعلكم لا صلواتكم فقط .. وتنتظر حرثكم وزرعكم ... وحينها فالقدس ستمطر رذاذا من السماء وستنبت زرعا وقمحا ذهبيا وزيت الزيتون سيعرف غارس شجيراته حينما تشترون أزمانا في القدس ... يا سادة الحرف واللغة وممارسي فعل الكلام الموزون لابد ان تسكنوا القدس (والسكن هنا له علاقه بفعل الدلالالة والتعرف على شجونها وهمومها ... وبواطن جمالها ومكامن اعداءها ... وكيف يخططون لسلبها قدسيتها ورمزيتها ...) جوبوا كل اصقاع المعمورة، وبكل مدائن العالم حطوا ترحالكم، واحكوا حكايا زوايا القدس فلكل الشعوب حصة بالقدس ولكل المدائن زوايا ومكائن بالقدس ... فالقدس اليوم تلقي على كواهلكم خطاب من نوع اخر بكل لغات البشر فاعرفوا كيف تخاطبون العجم بلغة يفهموها وكيف تخاطبون العرب بلغة كانوا قد نسوها ... احكوا كل الحكايات لهم وزمجروا ايضا بوجه اعداءه فعلا بليغا على ارضها.
#يونس_العموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة لفهم منطلقات انعقاد الملتقى العربي الدولي لحق العودة ..
...
-
حينما يصبح الأسود رئيسا لأمريكا ....
-
ان لم تتفقوا فلا تعودوا ....
-
مرحلة المصالحات ... ضربة اخرى للسياسات الامريكية الاسرائيلية
...
-
في الدعوات للمشاركة في الإنتخابات لبلدية القدس ...
-
قراءة في الورقة المصرية للحوار الفلسطيني ....
-
لعيسى قراقع .... ( دور يا كلام على كيفك دور) ....
-
كرنفالية لعكا ...
-
تراتيل في نداء مطران القدس كبوتشي ....
-
المصالحات الفتحاوية لابد ان تكون على اساس الإصلاحات اولا ...
...
-
تعويذة مقدسية بحضرة الفتنة من جديد ...
-
مطالعة نقدية لواقع حركة فتح وسبل استنهاضها ...
-
ابعاد الغضب الأمريكي من لقاء عباس بالقنطار ...
-
على متن الفراشات كان رحيل محمود درويش ....
-
الكل يتحمل مسؤولية المأساة ....
-
بالرحيل او الهروب ... لم يعد هناك الكثير من الفرق ....
-
القدس تتوحد مع غزة
-
حينما يصبح التناقض الثانوي رئيسي واساسي في الحالة الفلسطينية
...
-
حينما يعود الشهداء ....
-
لفقراء الوطن كلمة ايضا ...
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|