|
مناظرات أم مهاترات...؟
كريم الشريفي
الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 03:35
المحور:
الصحافة والاعلام
(( أرسل خليفة المسلمين القاضي ابو بكر المتّطبب ليناظر دهاة البيزنطينيين بمعجزات الرسول محمد ـ ص ـ وكان حاضراً احداها الملك البيزنطي نفسه .قال البيزنطي تّدعون ان في معجزات نبيكم انشقاق القمر .كيف حدث هذا عندكم ؟ المسلم نعم حدث ان انشق القمر في عهد الرسول حتى رأى الناس جميعاً ذلك. سأله الملك البيزنطي ..كيف رآه الناس جميعاً ولم نراه نحن جيرانكم . .. هل بينكم وبين القمر نسبةٌ وقرابة؟ ولم يرى ذلك لا المجوس جيرانكم ولا اليهود ولاالبراهمة ،ولا أهل الإلحاد .. انما فقط انتم رأيتموه؟)) السكوني (عيون المناظرات) . خلال مشاهداتنا لقنوات الفضاء المفتوج والرسائل التي تؤديها هذه القنوات نجد الكثير من الأسفاف والتّطير على حساب الرصانة والموضوعية. ولكي نكون منصفين نرى أحياناً برامج تستحق الأعجاب لمضمونها الفكري ورسالتها الأعلامية (النزيهة) بتحفيز الصور الذهنية لاستدعاءات ثقافية مفيدة تمس مشاعر وضمير المتلقي. لكن البعض الآخر من البرامج بالحقيقة هي محاولة للإيثارة الباهتة لدق الأسفين بين المتحاورين لغرض التهريج المقصود استغفالا بالمشاهد والمتلقي .بطبيعة الحال هناك لكل مالك قناة أو مالكين قنوات اهداف ومصالح وأجنده تحقق لهم سياستهم التي يتم انتقاء البرامج والأخبار التي يختارونها للعرض. ولهم الحق بذلك.لكن عندما تختار هيئة ادارة القناة المواضيع التي تسيئ الى ذوق المشاهد والمستمع بحجة الأفحام لهذا المتحاور او التقليل والأساءة الشخصية لذاك المتحاور خصوصاً عندما تكون حجته اقل صواباً من زميله يبدا التهاتر والتنابز، والتهكم والأستخفاف والأستهجان وبتحرض من مقدم البرنامج في كثير من الأحيان..بالحقيقة هذا يسئ الى ذوق المتلقي وفي الغالب يكون المشاهد أوله . يبدو لدينا شرخ عريض في بنيتنا الثقافية والفكرية ، والتراثية لمناقشة الأفكار والأفكار المضادة خصوصا تلك التي يحدث بها تعارض مختلف ومتباين يصل الى عدم القبول في عرض الصور والأفكار والأشكال ومناقشتها امام المللأ لان المتحاورين يتحولون الى مجادلين وكأنهم في ساحة حرب كلٌ يريد مواجة الخصم بكل شكل وإظهار الخطأ في رأي الخصم مهما تكن طبيعته. وهنا تنطبق وجوه التوحيدي السبعة على المتناظر الذي تحّول الى مُجادل ومن ابرزها ((بأن لايذكر العلة، ومنها أن ينقض العلة، ينهي الكلام الى محال،يجيب عن غير ما يسأل،يتنقل بين القول ونقيضه، وان لايعترف بالعجز). المهم هو اظهار جهل الخصم وعجزه وبالتالي عدم الأستفادة مما لديه من علوم . بالرغم من محاولة بعض المفكرين الذين تنبهو الى هذه المثلبة في مناطراتنا إلا انهم لن ولم يستطيعون تجبير الفجوة بهذا الخصوص رغم تأكيدهم على طرح الأفكار للمناقشة بهدوء وعلمية للوصول الى نتائج مثمرة يستفيد منها المشاهد .فنحن للأسف نرى على منصات الكثير من القنوات الفضائية تهريج، وصراخ،وعويل ، واحياناً سب وشتيمة لافحام الأخر بقوة الصرخة وبالتهديد العضلي كما رأينا في قناة الجزيرة والمستقلة مايؤكد هذا حقيقةً. ان هذا السلوك للمتحاورين يكشف عن سطحية المتحاور الفكرية عندما يبدأ الصراخ امام الكاميرات يشعر المشاهد بالقرف خصوصا اذا كان مسؤول جلسة الحوار يتعمد الإثارة ويتقصد الأسقاط الذي ينال من أحد الخصوم المتحاورين لسبب ما . عند هذه المشاهد من الصراخ تتجلى واضحاً البرهنة على ان اللغة اصبحت عاجزة التعبير عن الأفكار لدى المتناظرين الذين يتوقع المشاهد منهم الفائدة والأضافة المعرفية للقضايا المطروحة للتحاور والمناقشة . الأهم من ذلك ان البعض من المتحاورين لديهم فقر واضح باستخدام اللغة كتعبير عن الأفكار . بدليل اننا نرى خلط واضح في استخدام وسائل ومفاهيم تختلف عن بعضها البعض في انواع وجناس الأصطلاحات في المحاورة الواحدة.. والحال ان المناظرة تختلف عن المحاورة والمناقشة، والمقابسة ،والمماحكة .ان التهريج الذي نشاهده في ما يسمى بالمناظرة هو نوع من أنواع الخطاب الأحتجاجي في كثير من الأحيان.رغم ان الخطاب الأحتجاجي بالضرورة هو وسيلة اقناع بهدف تغيير رأي في قضية من القضايا وهذاالتغيير يحتاج الى وسيلة بأعتبارها جوهر المناظرة وهذه الوسيلة بالضرورة تكون كلمات وجمل يجب استخدامها بفنّ للتعبير عن الفكر.بهذا الفهم يكون الخطاب الأحتجاجي هو اداة للتأثير في الفكر ووسيلة للأقناع . كلنا نعرف ان اجادة وسائل التعبير تولد لدى المتلقي ايحاءات معرفية و تأثيرات جمالية مرتبطة بالتناغم .لكن الذي نشاهده عبارة عن حوارات مفخخة سلفاً ومقصود منها التجني والإثارة والأستفزاز . يستطيع المشاهد ان يلمس بلا عناء هذا التفخيخ في المناظرة التلفزيونية بسهولة من خلال حدة الصوت ولهجة الأنفعال والتهديد من خلال الحركات التعبيرية للجسد عموماً والوجه خصوصا حيث التبدلات الفيزيولوجية هي تعكس الأنفعالات الداخلية . فالخطاب الأحتجاجي يرتبط بالبيان كما تُعّرفه المعاجم أي هو (فنّ الكلام) وهو يعني الحديث بشكل مقنع أمام الجمهور بأستخدام لغة مهذبة ذات مدلول حضاري يعكس فكر وثقافة المتحاور وحقيقة الرؤى التي يريد ترويجها بعد اثبات صحتها بالأدلة المقنعة لتصبح البرهنة على تأكيد الرأي أمر محتوم لتلك الحقيقة . فالمناظرات الأحتجاجية تقوم صحتها من عدمه على تأثيرها بالمتلقي وهذا كما يقول ـ ارسطو ـ يعتمد على شكل الخطاب الذي يريده القضائي او الأستشاري أو التحريضي ( فالقضائي يكون المتلقي فيه قاضياً على حدث مضى، والأستشاري يصبح المتلقي فيه حكماً على المستقبل ، أما التحريضي يكون المتلقي فيه شاهداً على مواهب المتكلم ).وهذا ما نراه اليوم يدخل في خانة التناطر الأحتجاجي بعيدا عن جوهر الأقناع العقلاني لغرض هدف معرفي يحتاجه المشاهد. فالتناظر الأحتجاجي عند الأخرين اذا صح التعبير يساهم المتكلم فيه بتقديم وعرض الحجج، ويعارض فرضية الخصم المطروحة للمناظرة مُبيّناً خطأها والتشكيك بعدم صوابها ، بطريقة السعي الشفاف الغير متعّصب الذي يقود الى ايجاد افضل الطرق للوصول الى حلّ المشكلة المطروحة للمناقشة .وهنا تبرز مواهب المتحاورين بشكل ودي وحضاري الى دحضْ فرضية الخصم والبرهنة على عدم صوابها .هذا معروف ومتبع بالعالم المتحضر.
كريم الشريفي
#كريم_الشريفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ولادة بلا فرح
-
للنبّيذ أوان..
-
شجن الأثير
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|