منذ سبعين عاماً والحزب الشيوعي العراقي يناضل، مقدماً التضحيات الغالية الجسيمة، من أجل تحقيق شعاره الشهير: وطن حر وشعب سعيد، لترفرف في ربوعه راية العدالة الإجتماعية.. لبلوغ هذا الهدف النبيل لم يكتف بالنضال في سبيل الديمقراطية السياسية، كنظام للحكم يؤسس لسلطة ديمقراطية- منبثقة عن إنتخابات حرة ونزيهة، مجسدة لإرادة غالبية الشعب، وتكون مسؤولة أمام ممثليه في البرلمان المنتخب، في ظل فصل كامل للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. وإنما يواصل نضاله الوطني في سبيل تحقيق الديمقراطية الإجتماعية، الهادفة الى إقامة نظام العدالة والمساواة الإجتماعية،الذي يتحقق عبر الإصلاح الديمقراطي الشامل في علاقات الإنتاج، وفي حق العمل، والتعليم، والصحة، والتنظيم الأسري،لا مكان فيه لكل أشكال الإضطهاد والقهر والإستبداد العرقي والديني والجنسي والثقافي، ويقر بالمساواة التامة بين المواطنين، ذكوراً وأناثاً، كباراً وصغاراً، دون تمييز، وبحرية التعبير عن الرأي وإحترام الرأي الآخر، وإحترام حق الأقلية الى جانب حق الأغلبية، وحق تكوين المنظمات السياسية والإجتماعية والمهنية، وبقية حقوق الإنسان، المضمونة قانونياً ودستورياً.
في نضاله من أجل الديمقراطية، ببعديها السياسي والإجتماعي، ينطلق الحزب الشيوعي العراقي من رؤيته للإنسان بوصفه أثمن رأسمال، ومن تراث مؤسسه الرفيق الخالد فهد، الذي ربط بين تحقيق الديمقراطية ولقمة الخبز، ربطاً سليماً، حيث كتب: " إن قضية الديمقراطية، قضية تعزيز النظام الديمقراطي في العراق، قضية حرية الشعب وخبزه، في الحاضر والمستقبل، معناها ان يحيا حياة حرة موفورة لا تعرف عوزاً وجهلاً، وما يتبعهما من شوائب وكوارث"(" القاعدة"، العدد 7، اَب 1943).
ووفقاً لهذه الرؤية الصائبة تناولت مؤتمرات الحزب الواقع الراهن للطبقات والفئات الإجتماعية المختلفة، وبضمنها العمال والفلاحون والنساء والشباب والطلاب والمثقفون، وما طرأ عليها من تغيرات وفوارق وتمايزات، والحال الذي إنتهت إليه الأوضاع في قطاعات العمل، والسكن، والصحة، والبيئة،والتعليم، وكذلك الظواهر الإجتماعية غير الطبيعية، كمشكلات الجريمة، والفساد، والهجرة الى الخارج، وغيرها.
وثائق وأدبيات الحزب الشيوعي العراقي تجسد موقفه المبدأي الثابت من إشكالية الديمقراطية. لضيق المجال، لا يمكننا التوسع في متابعة مواقفه وطروحاته في هذا المضمار منذ تأسيسه ولحد اليوم. ولذا سنبدأ في تناولنا للموضوع من المؤتمر الوطني الخامس للحزب، عام 1993،الذي سجل إنعطافة جديدة في مسيرته النضالية الطويلة، بإعتباره مؤتمر الديمقراطية والتجديد.
المؤتمر الوطني الخامس
تأكيداً لمواقف الحزب الثابتة، ركز المؤتمر الوطني الخامس،عام 1993، في تقريره السياسي، شأنه شأن بقية مؤتمرات الحزب السابقة، على إشتداد معاناة الشعب نتيجة سياسات النظام الديكتاتوري، وحملاته الإرهابية الوحشية، وحروبه العدوانية، وإستهتاره بحياة المواطنين وحقوقهم الأساسية، وتبدبده للثروة الوطنية، ونتيجة للحصار الإقتصادي الدولي المتواصل، المفروض على البلاد، منذ عام 1990، والذي تحول الى عقوبة لشعبنا أكثر مما للدكتاتورية.
وصاغ المؤتمر مهمات الشيوعيين العراقيين في ظل المشاكل والتعقيدات والصعوبات القائمة، التي تطلبت منهم وقفة جادة للتمعن في مسيرة حزبهم النضالية، وتدقيق المنار الذي يهتدي به في هذه المسيرة، وبرامجة وأساليب عمله، ولتجديده لمواصلة السير لتخليص شعبنا ووطننا من المحنة التي يعيشها، ولبناء عراق ديمقراطي فدرالي موحد، يتمتع فيها أبناؤه جميعاً بحريتهم وحقوقهم الديمقارطية، ويتمتع فيه الشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره، والتركمان والآشوريين والكلدان بالحقوق القومية والثقافية والإدارية.ولتوحيد طاقات ابناء الشعب كلهم من اجل إعمار الوطن، والدفاع عن مصالح كادحيه.والنهوض بالإقتصاد الوطني لصالح الجميع، مع التمسك بخيار الشيوعيين العراقيين في النضال من أجل بناء مجتمع عادل، خالي من ألوان الإستغلال الطبقي والتمييز القومي والديني- هو المجتمع الإشتراكي.
الى هذا تناول التقرير السياسي للمؤتمر، بإسهاب، الجانب الإقتصادي وإستمرار تخبط النظام الحاكم في مواجهة الكارثة الإقتصادية، التي دفع البلاد اليها جراء الحرب العراقية -الإيرانية، وحربه الشوفينية ضد الشعب الكردي، وغزوه الكويت. وقد توقع الحزب بحق بأن التخبط، الذي يميز كل تصرفات النظام على الصعيد الإقتصادي، سوف يستمر مادام النظام مستمراً في الوجود.وهو عاجز عن حل المأزق الإقتصادي، الذي يعانيه الوطن، ذلك لأنه ليس مأزقاً إقتصادياً فحسب، بل هو تعبير مكثف عن أزمة النظام السياسية، ولا يمكن أن يجري حله إلا سياسياً، بإزاحة الطغمة المتحكمة بشؤون البلاد، ورفع الحصار الإقتصادي المفروض عليها، والتوقف عن تبدبد الطاقات في التصنيع العسكري، والشروع بالإستفادة من الإمكانيات المتاحة لوقف التدهور المروع في الوضع الإقتصادي، وتكريس الطاقات لمعالجة الوضع المعاشي لجماهير الشعب، وإبعاد شبح المجاعة عنها، وإعمار الوطن على أسس علمية، ووفقاً لأوليات مدروسة بعناية، تراعي بالأساس مصالح الجمهرة الواسعة من أبناء الشعب وبناء إقتصاد يخدم الأغراض السلمية، وتأمين العيش الكريم لمنتجي خيرات وطننا والعاملين على عزه وإزدهاره.
وقد ربط الحزب، في مهمات الشيوعيين العراقيين في الظرف السائد اَنذاك، بين الديمقراطية ومعاناة الجمهرة الواسعة من جماهير الشعب، حيث تعيش حياة قاسية، لم يسبق لها مثيل، موضحاً بأنها تعاني، الى جانب الحرمان من الحريات الديمقراطية، وفقدان الإستقرار، والآفاق المظلمة للمستقبل في ظل النظام الحاكم، من ضائقة معيشية خانقة، وغلاء فاحش، وتردي الخدمات في جميع المجالات، من صحة ونقل وتعليم وماء وكهرباء وغيرها.وقد وصلت الى الحضيض أجور العمال ورواتب الموظفين الصغار والمتوسطين، وكل ذوي الدخل المحدود، بسبب تردي قيمة الدينار، وإرتفاع الأسعار. وجرى حرمان فئات واسعة جداً من الطلبة في الأقسام الداخلية من المخصصات، والكثير من مكتسبات مجانية التعليم. وتعاني الأحياء الشعبية من الإهمال وفقدان الخدمات الضرورية، وتراكم الأوساخ والمياه القذرة، وتتعرض الى الأمراض والأوبئة.
حلول ومعالجات اَنية
الى جانب تناوله للمشاكل القائمة، قدم الحزب الشيوعي العراقي، كالعادة، في مؤتمره الخامس، الحل الذي يراه مناسباً. فقد جاء في الوثيقة البرنامجية للحزب، التي أقرها المؤتمر، وعنوانها:" من أجل إستنهاض شعبنا، ورفع الحصار الإقتصادي عنه، وإسقاط الدكتاتورية، وإقامة العراقي الفدرالي الموحد، والدفاع عن مصالح الكادحين"، مايلي: إن المهمة المركزية التي يتوقف على إنجازها تحقيق سائر المهمات، هي إسقاط الدكتاتورية، وإقتلاع جذور الإستبداد، ونزعة العسكرة، وإقامة عراق ديمقراطي فدرالي موحد. وإقترح تشكيل حكومة إئتلافية مؤقتة لأنجاز مهمة إقامة النظام الديمقراطي، وتصفية الديكتاتورية، وإنهاء الأوضاع الإستثنائية والشاذة الناتجة عنها.
ومن بين المهمات التي طرحها الحزب للتنفيذ، حال إسقاط الديكتاتورية، وتضمنتها الوثيقة البرنامجية:
* العمل فوراً لتأمين جميع المواد الضرورية لقوت الشعب والقيام بإصلاح وتشغيل جميع المرافق والمؤسسات والمشاريع التي تمس حياته اليومية، ومكافحة التضخم وإرتفاع الأسعار والنهب والسرقة، وضمان سلامة وأمن المواطنين.
* إزالة اَثار وعواقب حروب الدكتاتورية الداخلية والخارجية والحملات الإنتقامية ضد أبناء الشعب.وتصفية مظاهر التمييز والنزعات الشوفينية والتعصب القومي والديني والطائفي والعنصرية التي فاقمتها الحروب ونهج الحكم.
* تشجيع عودة المهاجرين والمهجرين في شتى أنحاء العالم، بسبب حروب الدكتاتورية وإرهابها، وكشف مصير المختطفين والمفقودين.
* إعمار البلاد وإعادة بناء الإقتصاد الوطني وفقاً للأوليات التي تمس حياة المواطنين، وحماية سائر المنتجين، وصياغة سياسة إقتصادية تتركز على تحقيق تنمية متوازنة ومستقلة للإقتصاد الوطني، وبالإستناد في الأساس على دور الدولة والقطاع العام في تنظيم النشاط الإقتصادي، وتطوير البنية الإقتصادية والإجتماعية في إطار عملية شاملة تستهدف تطوير القوى المنتجة وتحقيق تحولات ديمقراطية في المجتمع، وتشجيع القطاع التعاوني، وتوسيع القطاع المحتلط، ودعم النشاطات المنتجة والخدمية للقطاع الخاص، وإدخال منجزات الثورة العلمية التكنولوجية في عملية البناء، وضمان التوزيع الجغرافي للمؤسسات الإنتاجية والخدمية في جميع مناطق البلاد دون إستثناء، وبما يقلل من الفوارق الكبيرة بين العاصمة وبقية المدن.
* حماية الطبقة العاملة والشغيلة عموماً، بإصدار التشريعات الخاصة بقوانين العمل والتنظيم النقابي والمهني وحماية حقوقها ورفع مستواها المعاشي والدفاع عن مصالحها الإقتصادية والإجتماعية.
* معالجة الآثار السلبية التي ولدتها الحروب المتلاحقة للدكتاتورية ونهج عسكرة الإقتصاد على بنية الطبقة العاملة ومهاراتها.
* ضمان حق العاملات في الأجر المتساوي لقاء العمل المتساوي، وحقهن في حماية الأمومة والطفولة المنصوص عليها في القوانين.
* إشاعة منظومة شاملة للضمان الإجتماعي ضد البطالة والعوز والأضرار الناجمة عن العمل.
* تطوير القوى المنتجة في الريف عن طريق تشجيع الإستثمارات الصغيرة والمتوسطة الخاصة والمختلطة والحكومية الكبيرة، وحماية العمال الزراعيين.وإعادة إعمار الريف العراقي وتشجيع وتحفيز الفلاحين في العودة الى أراضيهم وتعويضهم وتقديم المساعدات والمنح والقروض ودعم النشاط الإنتاجي وإشاعة الأساليب العلمية الحديثة وتسريع التنمية الزراعية وبناء المرافق الحضارية في الريف،بما في ذلك بناء القرى العصرية الحديثة، وبما يؤمن تقليص الفجوة بين المدينة والريف.
* معالجة التغيرات البيئوية. ومكافحة التصحر ومعالجة ملوحة التربة وإستصلاح بساتين النخيل والأراضي الزراعية والغابات.
* حماية المستهلكين من إنفلات النشاط الطفيلي والمضاربة والإرتفاع الحاد في اسعار المواد الضرورية وإجور السكن والخدمات..
* ضمات تأمين الرعاية الصحية المجانية لجماهير الشعب، والإرتقاء بمستوى الخدمات الصحية وتوسيع شبكة المستشفيات والمستوصفات الحكومية في المدينة والريف.
* حماية جميع شغيلة الفكر ودعم حقهم في التنظيم المهني من أجل التخفيف من العواقب الإقتصادية والإجتماعية الناجمة عن الأزمة الإقتصادية التي تحيق بالبلاد.
* إحترام التعددية والتنوع القومي في الثقافة الوطنية العراقية، والتفاعل مع روافد الثقافة الإنسانية.
* الإرتقاء بدور ونشاط وحياة الشبيبة والطلبة ودعم حقوقهم الديمقراطية في التنظيم الطلابي والشبابي، وتشكيل النوادي والفرق الفنية والثقافية والرياضية، وإيلاء إهتمام خاص بالشبيبة العمالية.تحسين مستوى حياتهم، وضمات التعليم المجاني لهم، وتوفير الأقسام الداخلية للطلبة، وضمان فرص العمل لجميع الخريجين.
- يتبع-