سوميه حنون
الحوار المتمدن-العدد: 2481 - 2008 / 11 / 30 - 00:26
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
تقديم
قطع المغرب اشواطا مهمة في ترسيخ اللامركزية منذ السنوات الاولى للاستقلال , وبهدف تعميق مسلسل اللامركزية والتنمية البشرية المحلية , تم اعتماد ميثاق جماعي جديد سنة 2002 , يتضمن مقتضيات ترمي على الخصوص الى تعزيز الاستقلالية المعنوية والمالية , وتحسين وضعية المنتخب وشفافية تدبير الشان العام المحلي , وتوضيح اختصاصات المجالس المنتخبة .
كما تهدف هذه المقتضيات الى تخفيف جهاز الوصاية , باعتماد مراقبة بعدية (قضائية) , وتقليص الاجال والاعمال والقرارات الخاضعة للموافقة , وتفويض سلطة الوصاية وتعليل اجراءاتها .
غير انه لابد من الاشارة الى ان هذه التجربة الطويلة وهذه المحاولات الرامية الى تعزيز دينامية الحكامة الترابية , لم تحققا دائما النتائج المرتقبة ; فالانحرافات ظلت تشوب المسلسلات الانتخابية , وما يطبع التحالفات الحزبية المحلية من ظرفية وانعدام استقرار, وتفاوت التكوين لدى المنتخبين , وسوء التدبير, والتقطيع الترابي , الذي ليس دائما مرضيا , وكلها عوامل اضرت بالتنمية البشرية في العديد من الجماعات القروية والحضرية في الوقت الذي ينسف عجز اللاتمركزامكانيات الحكامة الترابية الفعالة والمنسجمة , وان كانت تشهد (الحكامة) نقائص كبيرة على المستويين الاداري المركزي واللامركزي . (1)
من هنا كان ظهور مفهوم الالتقائية في الوقت الحالي ضرورة ملحة لتفعيل وتطبيق هذا المفهوم عند تسييرالشان العام المحلي , وحل انجع يكمن في فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نفسها وفي الثقافة الجديدة التي ارست دعائمها ; والمثمثلة في اعطاء الاولوية للمبارات المحلية عن طريق تمكين المسؤولين عن المصالح والادارات المحلية من سلطة اتخاذ القرارات الملائمة والمنسجمة مع برامج قطاعاتهم وبرامج المبادرة. وكذا وضع برامج متعددة السنوات يمكن اعتبارها نموذجا لتطبيق التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة , والتي تؤكد على ضرورة العمل على التقائية تنفيذ السياسات الحكومية مع برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
____________________________________________________
-1 لمفهوم الحكامة عدة تعريفات اثارث الجدل حول طبيعة ومحتوى هذا المفهوم , والبنك الدولي كان سباقا بوضع اول تعريف له سنة 1989حيث اعتبره:" اسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من اجل التنمية" . للمزيد من التفصيل انظر: شعراوي(سلوى),"مفهوم ادارة شؤون الدولة والمجتمع اشكاليات نظرية", مجلة المستقبل العربي , عدد 249 , 1999 , ص112 .
1
هكذا شكل خطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005 الاساس والمبدا لظهور مفهوم الالتقائية ببلادنا , والذي يقول فيه نصره الله : " فاننا نعتبر ان التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق الا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل , وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الابعاد السياسية والاجتماعية , والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية".
اذن يمكن القول , ان المرحلة التي نعيشها اليوم تتطلب اسلوبا جديدا في تدبير الشان الاجتماعي , يتمثل في العمل على تحقيق الالتقائية والتنسيق بين البرامج والتدخلات العمومية , خاصة في المناطق الفقيرة الاقل حظوة والمستهدفة .
ولا يخفى علينا الفائدة التي يكتسيها هذا التوجه والاهمية الكبيرة التي يحظى بها هذا المفهوم في تطوير العمل الاجتماعي بالبلاد , اذ يعمل على ربط سياسة اللامركزية باللاتمركز ويمثن تلازمهما باشراك الانسان كراس مدبرة مسيرة ومستفيدة في مسلسل التقرير الوطني والمحلي , من خلال مزاوجة الحكم التمثيليgouvernement représentatif بالحكامة التشاركية gouvernance participative التي لن تتاتى الا بتبني ثقافة تضامن الجماعات المحلية فيما بينها . (1)
ولعدم وجود تعريف محدد لمفهوم الالتقائية نظرا لانيته , فيمكن ان نعرفه ب : " تقنية تتوخى ربط علاقة بين عدة مراكز لاتخاذ القرار( مصالح خارجية – جماعات محلية – مجتمع مدني..الخ) , والتي تتدخل في مجال متطابق في أفق تطوير جودة العمل التنموي المشترك من خلال المشاريع والبرامج المنجزة والمرتقب انجازهاعلى المستويين المحلي والوطني بغية الخروج بمشروع واحد , مندمج ومنسجم وذو نتائج ايجابية " .
ذلك ان الغاية من الالتقائية خلق تناسق تام فيما بين المشاريع القطاعية والمحلية وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية انطلاقا من حاجيات الساكنة.
فالى أي حد يمكن اعتبار الالتقائية لبنة من لبنات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , و حلا اكيدا في نجاح المشاريع التنموية البشرية على المستويين المركزي واللامركزي ببلادنا ؟
____________________________________________________
1-Theys(Jacques),"La gouvernance , un concept utile ou futile?" in économie et humanime,n360, mars 2002,P:6 .
2
المحور الأول: الالتقائية من خلال نظامي اللامركزية واللاتمركز
تعتبر التنمية المحلية ميدان تتقاسمه وبنسب متفاوتة الوحدات اللامركزية والهيئات الغير الممركزة , فهي مجال لتدخل كل من الدولة والجماعات المحلية كل حسب إمكانياته والنطاق الجغرافي والقانوني المسموح له بالتحرك داخله , كما هي اختصاص تشاركي يسهم في النهوض به عدة فاعلين , حيث لايمكن الفصل بسهولة داخل الفضاء المحلي بين ما يعد من مسؤوليات الدولة وبين ما يعود إلى اختصاصات الجماعات المحلية . (1)
هذا التداخل في الاختصاصات ترتب عنه تعددية في المبادرات الغير المنسجمة , نتج عنها تبذير غير ذي فائدة , وجملة من الآثار السلبية التي حالت دون تحقيق التنمية المنشوذة , وتطبيق الحكامة المحلية الجديدة , والسبب في ذلك راجع لعدم تنسيق المجهودات العمومية المحلية المبذولة كي يتم تحقيق تنمية مندمجة ومتناغمة , بالرغم من كون أن اللامركزية لايمكن قيامها إلا في كنف المركزية تطبيقا لمبدأ تقريب الإدارة من المواطنين. (2)
أولا : الإطار القانوني والمؤسساتي للاتمركز الإداري
تطبيقا لسياسة تقريب الإدارة من المواطنين وتبسيطا للإجراءات الإدارية , مكن المشرع المغربي بمقتضى مرسوم 20 أكتوبر 1993, بشان اللاتركيز الإداري الحكومة من صلاحية تشكيل لجنة دائمة للسهر على تنسيق المجهودات الحكومية بين المصالح الخارجية في تنفيذ السياسة العامة للدولة , أطلق عليها اسم " اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري" , كما يلبي دور هذا التنسيق جهاز " اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم " المؤطرة بمقتضى ظهير 15 فبراير 1977 الخاص بسن اختصاصات العمال الذي يتربع على رأسها العامل الذي يعتبر المنسق العام لسياسة عدم التركيز الإداري . (3)
وتقوم اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم بمهمة دراسة جميع التدابير المتعلقة باللاتركيز الإداري , لا سيما منها إحداث المصالح الغير الممركزة اللازمة لتلبية حاجات المرتفقين لدى العمالة او الإقليم واقتراحها على اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري .
_____________________________________________________
-1 سرمك(هشام ) ," التنمية المحلية بين اللامركزية وعدم التركيز الإداري جماعة سلا تابريكت نموذجا" , رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام , كلية الحقوق اكدال , الرباط , 2001- 2002, ص 4.
-2 محرم( صبحي)/ الخطيب( محمد فتح الله) , "اتجاهات معاصرة في نظام الحكم المحلي" , دار النهضة العربية , ص 81 .
3- منشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 23 نونبر 1993, ص 2209 .
3
إن إحداث اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري لم يتعدى صفحات المرسوم المؤطر لها , فبقيت عبارة عن لجنة لاتشد عن القاعدة المغربية التي تقضي بإنشاء مؤسسات تهدف إلى تزيين الواجهة القانونية والمؤسساتية ببلادنا أكثر مما تهدف إلى تحقيق الأغراض التي من اجلها أحدثت .
لهذا جاءت توصية صادرة عن المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية التي كان شعارها "عدم التركيز الإداري لازمة اللامركزية" , والتي توصي بتفعيل دور هاته اللجنة وتفعيل آلياتها حتى تقوم بدور الضبط لسياسة عدم التركيز الإداري وضمان عدم اصطدامها بتوجهات الهيئات اللامركزية , فيسهل بعد ذلك نقل الاختصاصات المفوضة لمصالح عدم التركيز الإداري إلى الهيئات اللامركزية المحلية في حالة ما إذا لم تبني نظام لامركزي متقدم وموسع . (1)
كان هذا ما يتعلق بالإطار القانوني , أما الاطارالمؤسساتي لهذه السياسة فانه يتجلى في مؤسسة العامل باعتباره سلطة رئاسية لامركزية بالنسبة لرجال السلطة في إقليمه , وممثلا لجلالة الملك ومندوبا للحكومة في الإقليم , هذه الازدواجية الوظيفية جعلت العامل محركا لسياسة عدم التركيز , وفاعلا أساسيا في منظومة اللامركزية والتنمية المحلية .
و طبقا للفصل 102 من دستور 1996 :
" يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات , ويسهرون على تنفيذ القوانين وهم مسئولون على تطبيق قرارات الحكومة , كما أنهم مسئولون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية ".
إن هذه المسؤولية الجديدة التي خولت للعامل بمقتضى الدستور سمحت له بان يكون صاحب القرار الإداري المحلي الوحيد , وهو ما يعتبر مكسبا للإدارة الترابية والديمقراطية المحلية , عكس مايراه بعض المنتخبين وأحزابهم السياسية بان توسيع صلاحيات العامل تعتبر بمثابة إشارة عن تراجع سياسة اللامركزية , ليبقى الدورالاساسي للعامل متمثلا في إحداث تناغم بين جميع المتدخلين على الصعيد المحلي . (2)
_____________________________________________________
1- وزارة الداخلية : تقرير حول "عدم التركيز الإداري لازمة اللامركزية", المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية – الدار البيضاء 19-20 أكتوبر 1998 , ص3 .
2- Fikri(Mostapha),"Le changement administratif au Maroc a travers la révision constitutionnelle de 1996"; REMALD ,N18 janvier-mars ,1997 , P:82 .
4
ثانيا : الإطار القانوني للامركزية الإدارية وتجليات الحكامة المحلية
منذ السنوات الأولى للاستقلال انصب التفكير حول إيجاد صيغة لتنظيم إداري يستجيب للاكراهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , ولهذا الغرض تم إصدار ميثاق جماعي في 23 يونيو 1960 يتضمن توجيهات عامة كخطوة أولى في إطار النهوض بالتنظيم المحلي , غير انه لم يقم بدور يذكر في هذا المجال , لكونه لم يعطي اختصاصات مهمة للمجالس المنتخبة .
في المقابل وسع صلاحيات ممثلي السلطة المركزية , مما جعل هذه المجالس بعيدة كل البعد عن الممارسة الفعلية لتدبير الشأن المحلي , إضافة إلى تكريس وصاية مالية وإدارية للتضييق من هامش المبادرة المعترف بها للجماعات المحلية الحضرية والقروية . (1)
بعد ذلك تم وضع قانون لتنظيم العمالات والأقاليم بمقتضى ظهير 12 شتنبر 1963 الذي جعل العمالات والأقاليم بمثابة وسيط بين السلطة المركزية والجماعات المحلية لتكملة وتطوير اللامركزية , كما شكلت أهم التقسيمات الإدارية التي عرفتها البلاد خلال تلك الفترة طفرة نوعية سعت من خلالها إلى مراقبة وتاطير المجتمع لفرض سلطاتها الإدارية والسياسية على مجموع التراب الوطني , وكذلك لتجاوز الازدواجية المتمثلة في (المغرب النافع) و(المغرب غير النافع) , خاصة وان المدن الساحلية - محور الدار البيضاء , القنيطرة تستحوذ على أهم الأنشطة الاقتصادية في محاولة لتحقيق تنمية محلية تشمل مجموع التراب الوطني .
فانصب الاهتمام على الجهة كإطار أصلح لدمج كافة المؤهلات والإمكانيات المتوفرة من خلال ظهير 16 يونيو 1971, غير أن الممارسة قد أبانت عن وجود عدة اختلالات حالت دون تشجيع الأنشطة الاقتصادية والخدمات العمومية الضرورية للمواطنين .
هكذا تم إصدار ميثاق جماعي آخر بمقتضى ظهير 30 شتنبر 1976 الذي أعاد الاعتبار للجماعة المحلية كإطار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية , مشكلة بذلك قفزة نوعية لوضع النواة الأولى لإدارة اقتصادية واجتماعية محلية , ليتم في 02 ابريل 1997 إحداث قانون متعلق بالتنظيم الجهوي قانون رقم 47/96 بعد أن تم الارتقاء بالجهة إلى جماعة محلية بمقتضى التعديلات الدستورية لسنتي 1992و 1996, حيث انيطت بالجهة اختصاصات واسعة للبث في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بها .
_____________________________________________________
1- اللامركزية هي : (إحداث هيئات منتخبة يعهد إليها بتسيير وإدارة بعض القضايا المحلية في إطار استقلال نسبي عن السلطة المركزية التي تكتفي في هذه الحالة بممارسة الوصاية الإدارية عليها بعبارة أوضح نقل بعض الاختصاصات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي من الدولة إلى الجماعات المحلية) , انظر قاعدة: (محمد) ," اللاتمركز الإداري ودوره في الإصلاح الإداري " , بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة , كلية الحقوق اكدال , الرباط , 2002- 2003, ص 3.
5
وبما أن السياسة المتبعة في تدبير الشأن المحلي أثبتت قصورها عن بلوغ النتائج المتوخاة منها , اصدر المشرع المغربي قانونين جديدين قانون رقم 78-00المتعلق بالتنظيم الجماعي والقانون رقم 79-00 المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم . (1)
قانونين رسم من خلالهما المشرع المغربي صورة متقدمة للإدارة المحلية اللامركزية , المنتظر أن تحدث تغييرات نوعية في تدبير الشأن المحلي وتحقيق الحكامة الجيدة , خاصة وان بلادنا تستعد للموعد الدستوري سنة 2009 لإجراء انتخابات جماعية من اجل تجديد المجالس المنتخبة (الجماعية - الإقليمية - الجهوية) .
ونظرا لما تحضى به الجهة من أهمية ببلادنا , فان دورها لم يعد يقتصر على الوظائف السياسية والإدارية , بل تعداه ليشمل جميع جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وهي ظروف ملائمة ومساعدة على خلق جهوية متدرجة ومتقدمة . (2)
ونظرا كذلك لما للجهة من دور كبير في إنعاش الاستثمارات , حيث تم تبني في هذا الإطار سياسة جديدة لتدبير الاستثمارات كمؤشر عن تجاوز الأسباب الكامنة وراء تعثر السياسات الاقتصادية وتقليص حجم الاستثمارات , ويتعلق الأمر بالمراكز الجهوية للاستثمار , كما تم إحداث المجالس الجهوية للحسابات بهدف تحسين أساليب الرقابة العليا على تدبير مالية الجماعات المحلية بهدف تجاوز العراقيل التي تحول دون تحقيق التدبير الجيد للشأن العام المحلي .
كما حرص التنظيم الإقليمي وكذلك الجماعي على إعطاء دلالة جديدة للامركزية المحلية تتجه نحو تحسين وتطوير وظيفة العمالة والإقليم كوحدة تمارس فيها المصالح الخارجية اختصاصاتها , وتطوير كذلك وظيفة الجماعة وخلق نظام حكماتي جديد يستدعي إشراك فاعلين جدد في التدبير , رغبة في تحويل الجماعة إلى مقاولة ترتكز على مبادئ تحديد الأهداف وترسيخ قيم الشفافية والمحاسبة . (3)
_____________________________________________________
1 - الجريدة الرسمية عدد 5058 الصادرة في 21 نونبر 2002 .
2- خطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2008
3 - حركات( محمد ) ," دور المجالس الجهوية للحسابات في تفعيل التدبير الجيد للشأن العام المحلي ", مجموعة البحث حول الاقتصاد الحضري الجهوي والبيئة , الرباط, 2002, ص 6.
6
ثالثا : محدودية اللامركزية في ظل التبعية والارتباط بالسلطة
رغبة في تدعيم اللامركزية المحلية منح المشرع المغربي المجالس المحلية صلاحيات هامة , وحملها أعباء تنموية عديدة اقتصادية واجتماعية وثقافية . غير أن نجاح اللامركزية لايتوقف فقط على حجم المهام الممنوحة للمجالس والمسؤولية المنوطة بها , بل إن هذا النجاح يتوقف بالأساس على نطاق الوسائل المادية والبشرية المرصودة للجماعات المحلية .
فالاستقلال المالي المعلن عنه من قبل المشرع لايعكسه واقع الجماعات المحلية فحسب , فمن جهة موارد الجماعات ترتبط بالدولة في جزء كبير منها , ومن جهة ثانية فان الموارد الخاصة بتاطير الجماعات المحلية تظل دون المستوى المطلوب . اظافة إلى أن المستوى الثقافي للمنتخب وضعف تكوينه قد ينعكس سلبا على مصير اللامركزية والديمقراطية المحلية نفسها . وان كانت الجماعات المحلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري , فهذا لاينفي تبعيتها للدولة نتيجة التشدد في رقابة المجالس ونتيجة ضعف مواردها .
هذا بالاظافة إلى سياسة التقسيم المعمول بها منذ الاستقلال التي لم تعمل في حقيقة الأمر إلا على تكريس هذه التبعية , وذلك من خلال خلق وحدات محلية ضعيفة الإمكانيات تعتمد بشكل واسع على مساعدات وإعانات الدولة للقيام بمهامها , زيادة على تدخل السلطة المركزية والتوسع في رقابتها . وهنا تطرح مسالة أخذ القرارات التي تصاغ دائما بطريقة فوقية , أي من الأعلى إلى الأسفل . (1)
المحور الثاني : الالتقائية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية
"[...]إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليا , ولا برنامجا ظرفيا عابرا, وإنما هي ورش مفتوح باستمرار.
[...]
إن المبادرة التي نطلقها اليوم , ينبغي [...] أن تعتمد سياسة خلاقة , تجمع بين الطموح والواقعية والفعالية , مجسدة في برامج عملية مضبوطة ومندمجة . " [...] (2)
_____________________________________________________
1- السعيدي مزروع (فاطمة) ,"الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب ", الطبعة الأولى , مطبعة النجاح الجديدة , الدار البيضاء , 2003 , ص 131.
2- مقتطف من الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس , والموجه للشعب المغربي بتاريخ 18 ماي 2005.
7
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005 , بالإمكان اعتبارها حدثا مجتمعيا له أكثر من معنى إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي . فعلى المستوى السياسي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أصبحت البرنامج السياسي الرسمي المطلوب من الفاعل السياسي أن يتعامل معه بايجابية , لأنه يشكل سلم الاهتمام بإشكالات المعضلة الاجتماعية بالمغرب والمتمثلة في النسب المئوية التالية :
الفقر % 14.2 , الإقصاء %11 , الهشاشة % 17.02 , الأمية %42.7 , والإعاقة %7. (1)
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي , فان السياسات العمومية المعتمدة اتسمت بالمحدودية وبتعدد الفاعلين العموميين خاصة في المجال الاجتماعي , وبتعدد أشكال التدخل والدعم , مما أفضى إلى محدودية في النتائج وهدر في الطاقات والموارد , وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى انعدام الانسجام والتكامل فيما بين البرامج التنموية , ويدعو على الخصوص إلى تفعيل مبدأ الالتقائية وانجاز عملية التقسيم المرحلي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية , وتعزيز إستراتيجية القرب وتنفيذ مخططات للتكوين وتقوية القدرات , والاستمرار في تنفيذ المشاريع المبرمجة كما هي مقررة وفق مخطط عمل 2008 .
أولا : أسس المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
لقد جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كرهان للتأهيل المجتمعي على أساس مرجعي مفاده أن الإنسان هو أثمن رأسمال في التنمية . ومادام الإنسان هو محور تركيز جهود التنمية , فانه ينبغي توجيه هذه الجهود لتوسيع نطاق خياراته في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , فتتعزز خياراته حينما يكتسب الناس القدرات وتتاح لهم الفرص لاستخدامها... (2).
كما وقد جاءت المبادرة كحل عملي متكامل للمعضلة الاجتماعية تقوم على مجموعة من المرتكزات تؤطر للاليات والهياكل الداعمة لتحسين مؤشر التنمية البشرية بالمغرب الذي لا يزال يحتل المراتب الدنيا في مختلف التقارير المتعلقة بالتنمية البشرية , الا ان تعاطيه مع هذه المؤشرات يدفع في مرحلة اولى الى استحضار الاهداف العامة للمبادرة مع اعتماد اربعة برامج اجتماعية محضة .
_____________________________________________________
1- أرقام رسمية مواكبة للإعلان عن انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
2- اتلاتي (طارق) ," العدالة الانتقالية ومفهوم التنمية البشرية " , مسالك , العدد 5, مطبعة النجاح الجديدة , الدار البيضاء , 2006, ص 22.
8
يتمثل التوجه العام للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في العناصر التالية :(1)
- تقوية دولة الحق والقانون
- عصرنة الاقتصاد و الإدارة
- إنعاش حق المرأة والطفل والفئات الهشة
- تقسيم ترابي متماسك
- تنمية البنيات التحتية
هذه العناصر وغيرها تشكل المحاور الفرعية للمبادرة التي تستند على مرتكزين اثنين هما :
-1التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه الجماعات القروية المهمشة والجماعات الحضرية الفقيرة , عن طريق توسيع استفادتها من المرافق والخدمات والتجهيزات الاجتماعية .
-2تشجيع الأنشطة المدرة للدخل والمتيحة لفرص الشغل .
أما برامج المبادرة فتتجلى في :
أ- برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي
يستهدف هذا البرنامج 360 جماعة قروية من ضمن الجماعات الأكثر فقرا في المغرب . ومن اهدافه خلق الانسجام بين البرامج القطاعية وبرامج التنمية القروية المندمجة , تقوية الحكامة والقدرات المحلية , دعم الولوج إلى التجهيزات الاجتماعية والصحية والتربوية الأساسية بمعنى الاستفادة من الماء الصالح للشرب والكهرباء والتجهيزات الأساسية , ثم الرفع من نسبة الخدمات الصحية خاصة فيما يتعلق بصحة الأم والطفل .
ب- برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي في المجال الحضري
يستهدف 250 حيا على مستوى العمالات والأقاليم أي 15 مليون ساكن في المدن التي يفوق عدد سكانها 100.000 نسمة , و يتوخى تقليص نسبة الإقصاء الاجتماعي , وإعادة الإدماج والتلاحم الاجتماعيين . كما يستهدف في المجال الحضري الأحياء وضواحي المدن الكبرى التي تستفحل فيها ظواهر الإقصاء الاجتماعي بشكل خطير(البطالة – الانحراف – صعوبة الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية - انعدام البنيات والتجهيزات الحضرية) .
_____________________________________________________
-1جعفري (سعيد) وآخرون , " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , السياق العام , الأسس والآليات , القرارات والمهارات المطلوبة ", الطبعة الثانية , 2007 , الدار البيضاء , ص 47.
9
ج- برنامج محاربة الهشاشة والتهميش
يتوخى برنامج محاربة الهشاشة والتهميش , الاهتمام بالأشخاص المهمشين والموجودين في حالة صعبة كشباب دون مأوى وأطفال الشوارع المتخلى عنهم , والمختلون عقليا بدون مأوى والمعاقون بدون مورد...الخ .
يرمي هذا البرنامج إلى :(1)
* توفير ظروف إعادة الإدماج العائلي والاجتماعي للأشخاص المعنيين .
* تحسين جودة الخدمات المقدمة حاليا من قبل الجمعيات والهيئات العمومية , وذلك لتوفير مواصفات الجودة التي تضمن شروط الحفاظ على الكرامة الإنسانية .
* إحداث قدرات إضافية لاستقبال الأشخاص المعنيين في المناطق ذات الخصاص .
د- البرنامج الأفقي للمبادرة
هو برنامج وطني , لدعم العمليات ذات الوقع الكبير على التنمية البشرية على صعيد كافة الجماعات القروية والحضرية غير المستهدفة , وذلك من خلال اقتراح مشاريع على مستوى العمالات والأقاليم .
و يهدف البرنامج إلى تمويل : (2)
* المشاريع ذات الوقع الكبير على التنمية البشرية , خاصة بالنسبة للجماعات القروية والمراكز الصغرى والأحياء الفقيرة والغير مستهدفة , وذلك حسب مسطرة طلب مشاريع على المستوى الإقليمي , مفتوحة لفائدة الجماعات المحلية والنقابات والغرف المهنية والجمعيات وباقي المجموعات الفاعلة في مجال التنمية البشرية وكذا التعاونيات...الخ .
ثانيا : مرتكزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
يمكن تحديد المرتكزات في اربع معطيات أساسية تروم الأولى : العمل على تشخيص الإشكالية الاجتماعية , والمرتكز الثاني : يهدف إلى تبني سياسة عمومية مندمجة تتصف بالشمولية والتكامل , تم المرتكز الثالث : فينبني على معطى التعبئة الاجتماعية , أما المرتكز الرابع والاهم فيعتمد مفاهيم جديدة تجد اصطلاحها في نظام الحكامة المحلية الجديد .
_____________________________________________________
-1المملكة المغربية , المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , أرضية عمل , غشت 2005.
2- Circulaire n 36 , Orientations Méthodologiques pour la mise en œuvre de l INDH pour 2007.
10
ولأجل السهر على تطبيق برامج ومخططات المبادرة , رصدت العديد من الآليات والأجهزة التي تعتمد على مبادئ المجالية واللامركزية والاندماج والمشاركة , بالإضافة إلى تعبئة الموارد المالية الضرورية الكفيلة بانجاز البرامج والمشاريع المسطرة .
وتتوزع هذه الاجهزة بين ماهو مركزي يتجلى في اجهزة الحكامة المركزية المتمثلة في اللجنة الاستراتيجية للتنمية البشرية , ولجنة قيادة المبادرة وكلتاهما تقومان بكل ما يتعلق بتحديد الاطار المالي والتواصل المؤسساتي .
وبين كذلك ماهو لامركزي يتجلى في : اولا- لجنة جهوية للتنمية البشرية برئاسة الوالي , وتقوم بالعمل على خلق تكامل بين برامج الدولة والمؤسسات العمومية , تانيا - لجنة اقليمية للتنمية البشرية برئاسة العامل وتقوم بتنسيق الانشطة المشتركة التي تهم عدد من الجماعات القروية , ثم ثالثا - لجنة محلية للتنمية البشرية تضم ممثلي ومنتخبي الجماعات والمقاطعات الحضرية , تقوم بالتنفيذ العملي للمشاريع والاعمال المعتمدة على المستوى المحلي .
فالمرصد الوطني للتنمية البشرية الذي يضم الادارات العمومية , المجتمع المدني وممثلون عن البرلمان , ومن مهامه انجاز البحوث والدراسات الميدانية حول قضايا الفقر والهشاشة والاقصاء.
وبالنسبة للمرتكزات المالية فانها تتجلى في الاعتمادات المالية الكافية من الميزانية العامة للدولة قدرت في غلاف مالي يفوق 10 ملايين درهم , لمواجهة الحاجيات الملحة خلال الفترة الممتدة من 2006-2010 مع توقع ارتفاع تدريجي يبدأ ب 1.5 مليار درهم خلال سنة 2006 على أن يصل إلى 2.5 مليار سنة 2010.
وسوف يتم اعتماد هذا المبلغ من الميزانية العامة للدولة في حدود %60 , ومساهمات الجماعات المحلية في حدود % 20, ومن خلال التعاون الدولي في حدود 20 في المائة .
ثم سيتم تقسيم هذا المبلغ المالي إلى أربعة أقسام متساوية 2.5 مليار درهم ستخصص على مدى الخمس سنوات القادمة لتاطير كل برنامج من برامج المبادرة على حدة (البرنامج القروي - البرنامج الحضري - برنامج محاربة التهميش والبرنامج الأفقي ) أي 10 مليارات درهما على مدى خمس سنوات .
11
أما بخصوص الشطر الثاني لسنة 2005 , فسيتم تخصيص 2050 مليون درهم من ميزانية الدولة و100 مليون درهم لكل من الجماعات المحلية وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من اجل تمويل البرنامج المخصص على المدى القصير, والموجهة أساسا إلى محاربة التخلي عن الدراسة , دعم الصحة وإطار عيش السكان , حيث سيتم تخصيص 160 مليون درهم للبرامج الحضرية والقروية التي ستوزع على أساس ترابي بمعدل 1.5 مليون درهم للعمالة أو الإقليم ومن 2 إلى 5 مليون درهم لمقرات الجهات .
فيما سيتم تخصيص 80 مليون درهم لبرنامج محاربة التهميش موزعة حسب المشاريع المقدمة من طرف الجهات لتأهيل المراكز الاجتماعية مع إعطاء الأولوية للمشاريع التي تهم أطفال الشوارع والمتسولين والمتشردين , ليتم بالتالي , تخصيص 10 ملايين درهم الباقية للبرنامج الأفقي . (1)
فيما يتعلق بمساطر التنفيذ بالنسبة لنفقات المبادرة , فان سقف سندات الطلب حدد في 200.00 درهم لكل عملية وليس ببند الميزانية , أما بالنسبة للنفقة في إطار الشساعة فسقف الصندوق يحددها في مليون درهم مع إمكانية اللجوء إلى الاستشارة المحددة بالنسبة للعمليات التي تقل عن مليون درهم , وتقليص اجل الاستشارة إلى 10 أيام بدل 15 يوما , فيما ستكون تأشيرة مراقبة الالتزام بالنفقات مصحوبة بملاحظة غير موقوفة الالتزام والأداء , كما سيتم اعتماد آجال مختصرة لكافة مراحل النفقة . (2)
ولضمان الشفافية والمراقبة فيما يتعلق بقنوات النفقات , سيتم تنظيم عمليات افتحاص مشتركة مابين المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية , فضلا عن إمكانية اللجوء إلى القطاع الخاص للقيام بهذه العملية .
ولكي تتم عملية اجراة ميزانية المبادرة بشكل فعال , تم الاعتماد على الخريطة الجماعية للفقر لسنة 1994 , وكذا على معطيات حول السكن الغير اللائق لتحديد المجال الترابي بالنسبة للبرنامج ألاستعجالي .
كما تم تحديد معايير لانتقاء المشاريع المعروضة على تمويل المبادرة الوطنية , تراعي مدى مساهمة المشروع في تأهيل المواطنين وتحسين مؤشر التنمية البشرية لديهم , ومدى ملائمتها للمشاريع المدرة للدخل القار.
____________________________________________
-1المملكة المغربية , المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , أرضية عمل , غشت 2005 .
-2مرسوم رقم 1017-05-2 صادر في 12 جمادى 1462 (19 يوليوز 2005) يتعلق بمساطر تنفيذ النفقات المبرمجة في إطار الحساب المرصود لأمور خصوصية , صندوق دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
12
ثالثا : تفعيل الالتقائية من خلال برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
يمكن اعتبار الية تفعيل الالتقائية وكذا متابعتها من ابرز تجسيدات الحكامة المحلية ببلادنا , فالترابط الموضوعي بين ادوار مختلف المنتمين للقطاع العام او الخاص والدور المركزي لمختلف مكونات المجتمع المدني والامكانات المفتوحة امام الفاعلين الجمعويين , ستمكن من الدفع الموضوعي بالحركية المجتمعية , ليس فقط في اتجاه الحد من الاثار السلبية للمعضلة الاجتماعية بل بتنمية المجتمع التي يقصد بها عملية تنظيم جهود افراد المجتمع وجماعاته .
ولتحقيق الانسجام بين التدخلات العمومية واهداف المبادرة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , نرصد اليتين رئيسيتين يتم الاعتماد عليهما في تنفيذ المبادرة هما المقاربتين التشاركية والمندمجة , لما لهما من دور كبير في تدعيم الحكامة الرشيدة للمبادرة ونجاح وسائلها المادية والبشرية , ولما لهما من دور كذلك في ادماج المواطنين بشكل مباشر في التنمية المحلية وتقرير السياسة العمومية المحلية . (1)
اما اليات المتابعة , فهي تكمن اولا- في الحكومة التي تقوم بنهج خطة عمل ترتكز على مبادئ حسن التدبير من مسؤولية وشفافية وقواعد احترافية , وتانيا- في السلطة المحلية التي تقوم باعتماد التخطيط الاستراتيجي التشاركي الذي يعطي الاولوية للمشاريع التي تستجيب لانتظارات السكان , ثم ثالثا- المجتمع المدني بصنفيه القطاع الخاص الذي هو اهم شريك في المبادرة ويتكفل بمشاريعها والاستثمار فيها , وكذلك النسيج الجمعوي الذي هو حاضر بقوة في جميع برامج وهيئات المبادرة , اذ يقوم بمتاعة انجاز التشخيص التشاركي .
فلماذا الالتقائية سنة 2008؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من الإحاطة بالمعطيات السابقة التي ميزت السنوات الأولى لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى يومنا هذا :
أ- سنة 2005 (سنة الانطلاقة) : يعتبر البرنامج الأولي برنامج انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , ذلك انه يرتكز على التحديد المباشر للمشاريع ذات الوقع القوي على المستوى الإقليمي بتنسيق مع الجماعات المحلية المعنية والجمعيات المحلية .
____________________________________________
1- Abbadi(Driss),"Gouvernance participative locale au maroc" ,Edition 2004 , imprimerie de fédala mohammedia , P:17
13
كما أن أجهزة الحكامة خلال هذه السنة لم تفعل بشكل حقيقي , فتم التعجيل بالبرنامج ألاستعجالي من اجل تحقيق المكتسبات المرسومة بهذا البرنامج الذي حقق انجازا مميزا تمثل في انجاز أكثر من 1100 ألف مشروع . (1)
أ- سنة 2006 (سنة البناء) : تم إعطاء انطلاقة عمليات خلق الانسجام بين البرامج القطاعية على الصعيد الجهوي , خاصة في المناطق الأقل حظوة , فكان المنطلق الأول لبروز مفهوم الالتقائية ببلادنا خطاب صاحب الجلالة , و الملتقى الحكومي المنعقد بمدينة بني ملال بتاريخ 22 شتنبر 2006 , والذي تمت من خلاله مطالبة الجماعات المحلية بالعمل على تحيين مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية , والحرص على انسجام البرامج المسطرة في إطارها مع أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتدخلات العمومية . هذا إلى جانب ظهور المعالم الحقيقة لأجهزة الحكامة . (2)
ج- سنة 2007 ( سنة الاحترافية في التنفيذ) : عرفت هذه السنة انطلاق إستراتيجيتين أساسيتين في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , تتعلق الأولى : بالتكوين وتقوية الكفاءات , حيث تم تكوين مايزيد عن 18.000 مستفيد في ميادين متعددة كالهندسة الاجتماعية والتقييم والتتبع والتدبير المالي للمشاريع .
أما الثانية , فتتعلق بتواصل القرب , وتهدف إلى تشجيع الفاعلين المحليين على المشاركة في إعداد وانجاز المشاريع , وذلك من خلال وضع مخطط وطني موازاة مع مخططات إقليمية للتواصل .
د- سنة 2008 (سنة تعزيز الالتقائية بامتياز) : تم خلال هذه السنة وضع مخطط عمل لتفعيل الالتقائية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , ابتدأ العمل به شهر يناير الماضي , حيث يتطلب من كافة القطاعات الحكومية اتخاذ ما يلزم من التدابير لتعزيز وتوسيع مسؤولية المشرفين على المصالح الخارجية في اتخاذ القرارات الإدارية والمالية وتمكينها من الوسائل الضرورية لضمان استعمال أنجع للموارد المتاحة بغية ملائمة برامجها , وتحقيق الانسجام والتلاقي فيما بينهما .
____________________________________________
1 - مذكرة توجيهية لانجاز مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالنسبة للفترة الممتدة من 2006 الى 2010 , دجنبر 2005, ص 3.
2 - المملكة المغربية , المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , أرضية عمل , غشت 2005 .
14
كما ويلزم جميع القطاعات الحكومية باتخاذ التدابير الكفيلة بتعزيز مشاركة النساء والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة , في إعداد وانجاز هدا المشروع المجتمعي , وتعزيز أجهزة الحكامة ضمن مقاربة تشاركية تتبنى التخطيط المتعدد السنوات كمنهج علمي للعمل يتوخى إلزامية النتائج عن طريق تفعيل التدبير المالي .
هذا إلى جانب عقد العديد من الملتقيات الجهوية على الصعيد الوطني حول الالتقائية بكل من مدن (طنجة – أسفي- سلا – الجديدة) .
وفيما يلي تفعيل الالتقائية على صعيد الجماعات القروية والأحياء الحضرية
تفعيل الالتقائية على صعيد الجماعات القروية المستهدفة برسم 2008. (1)
يتمظهر تفعيل الالتقائية على صعيد الجماعات القروية ببلادنا من خلال عدد المشاريع التنموية التي يستفيد منها الوسط القروي , والتي بلغت حوالي 4934 مشروعا بمساهمة مالية بلغت 2.704 مليار درهم أي بنسبة 82.5 في المائة من التكلفة الإجمالية لانجاز المشاريع, وذلك حسب القطاعات تبعا للجدول التالي :
القطاع عدد المشاريع المساهمة المالية
الفلاحة والصيد البحري 473 192 443 998
التنمية الاجتماعية 166 13 482 00
الماء والبيئة 94 627 595 600
التعليم 248 360 451 08
التشغيل والتكوين المهني 24 1860 000
الطاقة والمعادن 3770 123 248 812
التجهيز 40 458 234 000
السكن والتعمير 55 93 223 600
الصحة 64 26 766 389
المجموع العام 4934 2 482 305 704
___________________________________________
-1انظر اللقاء الإقليمي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية المنعقد بالجديدة وسلا يوم الاثنين 31 مارس 2008, حول موضوع: " الالتقائية في إطار البرمجة المتعددة السنوات" .
15
تفعيل الالتقائية على صعيد الأحياء الحضرية المستهدفة برسم سنة 2008
موازاة مع تفعيل الالتقائية على صعيد الجماعات القروية , فالأحياء الحضرية بدورها تستفيد من 267 مشروعا بمساهمة مالية بلغت 569 مليون درهم أي بنسبة 17.5 بالمائة حسب القطاعات الحكومية , وذلك وفقا للجدول التالي :
القطاع عدد المشاريع المساهمة المالية
الفلاحة والصيد البحري 1
7 000 000
التنمية الاجتماعية 73
8975 000
التعليم 53
77 075 600
التشغيل والتكوين المهني 8
1320 000
الطاقة والمعادن 17
6937 318
السكنى والتعمير 68
448 753 184
الصحة 47
19 013 516
المجموع العام 267
569 074 618
16
تجدر الإشارة , إلى أن اغلب التدخلات القطاعية تدخل في إطار البرامج الوطنية للتنمية البشرية , كبرنامج تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب وبرنامج كهربة العالم القروي , والبرنامج الوطني للطرق القروية , وبرنامج مدن بدون صفيح بغلاف مالي بلغ 2.9 مليار درهم لتنفيذ حوالي 4021 مشروعا , وذلك تبعا للجدول الموالي :البرنامج عدد المشاريع المساهمة المالية
برنامج تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب 94 627 595 600
البرنامج الوطني للطرق القروية 40 458 234 000
مدن بدون صفيح 123
541 976 784
برنامج كهربة العالم القروي 3764
1 229 448 812
المجموع العام 4021
2 857 255 196
يمكن القول , أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية برسم الفترة 2005-2007 قد مكنت من برمجة أكثر من 12000 مشروعا لفائدة 3 ملايين مستهدف من خلال المبادرات المحلية للتنمية البشرية , التي أنجزت في إطار تشاركي وتشاوري .
فالمشاريع المنجزة أو في طور الانجاز تمت عبر منهجية تصاعدية عكست الحاجيات المعبر عنها من طرف الساكنة , هذا من جهة . من جهة ثانية , يمكن القول أن سنة 2008 تعتبر سنة تفعيل الالتقائية من لدن القطاعات الوزارية عبر برمجة 5201 مشروعا تنمويا يخص البنيات التحتية بمساهمة مالية بلغت 3.3 مليار درهم , إلى جانب مساهمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ 2 مليار درهم كاعتمادات للأداء , ومليار واحد كاعتمادات للالتزام .
وبالتالي , هذه المشاريع ستمكن عند انجازها بانسجام مع المبادرة الوطنية من :
* فك العزل و تحسين الخدمات الصحية .
* توسيع قاعدة الولوج للخدمات الأساسية ( الماء - الكهرباء) .
* تحسين التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي والأمية .
17
وعليه , فتحديث الحكامة المحلية بالمغرب يتطلب منا أن نخطو خطوات جريئة وشجاعة إلى الأمام . وهذا يقتضي إرادة سياسية واضحة في التعبير , والحكامة هي المحك الأساسي لهذه الرغبة القوية .
لذلك فالحكامة الجيدة في أي مجتمع وأي مؤسسة حكومية كانت أو غير حكومية , تبقى من أهم الضروريات لإنجاح المشاريع التنموية , إلا أن تطبيقها يتطلب سيادة جو تسوده الشفافية والمسؤولية ودولة الحق والقانون والمشاركة واللامركزية , لان الحكامة الرشيدة لا تعدوا أن تكون سوى أداة لتبسيط التوجهات الإستراتيجية الكبرى للإدارة الترابية التي بدأت تعتمد أسلوبا جديدا في تدبير الشأن الاجتماعي يتمثل في العمل على تحقيق الالتقائية والتنسيق بين البرامج , والتدخلات العمومية التي تعد الالتقائية قواما لها , والقالب الذي تشتغل فيه من اجل إخراج مشاريع وبرامج تنموية ذات طابع اقتصادي , اجتماعي و ثقافي ثم بيئي إلى الوجود , شرط أن تكون مبنية على مشاركة ايجابية للمواطنين ومعتمدة على مقاربات جديدة في التعاطي مع قضية التنمية , كالمقاربة التشاركية , وسياسة القرب , والمقاربة الترابية , وتثمين مجهودات الفاعلين المحليين ودعمهم , ماديا وتقنيا , قصد بلوغ الأهداف المشتركة وغيرها من المبادرات والجهود .
إلا أننا نسجل غياب التنسيق بين الجهات المهتمة على اعتبار التنمية وحدة متكاملة لا تقبل التفييء , وتستدعي تعبئة الطاقات والموارد المادية والبشرية , لأجل إنجاحها . هذا إلى جانب بعض الاكراهات التي تعترض تطبيق الالتقائية والمتمثلة في :
* عدم استقلالية المصالح الخارجية في اتخاذ القرارات (البرمجة المالية) .
* عدم وجود ضمان الاستمرارية للبرامج المسطرة مسبقا .
إن مساهمة المؤسسات العمومية في الإستراتيجية الوطنية للدولة , في المجال الاجتماعي , يتطلب أساسا القيام بالدراسات اللازمة , وإعداد خبراء التنمية – نموذج وكالة التنمية الاجتماعية - و الفاعلين التنمويين المتخصصين , وتسهيل عمليات بناء الشراكة مع الفاعلين الآخرين كالجماعات المحلية , وجمعيات المجتمع المدني , والقطاع الخاص , بالاظافة إلى رصد الاعتمادات المالية وتيسير التمويل للقيام بالمشاريع التنموية المدروسة .
18
ولتجاوز تلك الاكراهات , نقترح ثماني توصيات في هذا الشأن , نتمنى أن تفعل على ارض الواقع , خصوصا وما تتطلبه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من تكاثف الجهود , وتعبئة دائمة بين مختلف الإدارات من مصالح خارجية أو مؤسسات عمومية أو جماعات محلية أو مجتمع مدني لأجل إنجاح هذا الورش الوطني الكبير .
– توسيع مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين , وفك العزلة عن العالم القروي .
– تقوية دور وقدرات المجالس الجهوية للحسابات على مستوى المراقبة البعدية بالنسبة للجماعات المحلية .
– إعادة النظر في المخططات الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية وجعلها منسجمة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
– تكوين لجنة إقليمية تضم الكفاءات من مسئولين وفاعلين جمعويين وطلبة باحثين لتتبع صيرورة الالتقائية .
- الانتقال من التدبير المركزي إلى التدبير اللاممركز عبر تفويض مزيد من الصلاحيات والاختصاصات للمصالح الخارجية .
- الانتقال من التدبير القطاعي إلى التدبير ألمجالي عبر إقرار سياسة مجاليه مندمجة وتقسيم ترابي منسجم يتم فيه اتخاذ القرار بشكل أفقي فيما بين المتدخلين في المجال الواحد , لتحقيق الالتقائية والانسجام بين مختلف المشاريع وفق رؤية واضحة وموحدة .
- تفعيل جهوية متقدمة ومتدرجة مبنية على تناسق عمل كافة المتدخلين على المستوى الترابي الجهوي.(استنادا لخطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2008).
– إعطاء صلاحيات واسعة لأجهزة الحكامة المحلية في اتخاذ القرارات الملائمة والمناسبة للتنمية المحلية.
19
#سوميه_حنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟