أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - زمان الطائفية















المزيد.....

زمان الطائفية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2486 - 2008 / 12 / 5 - 10:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رغم أن الجميع يبرئ نفسه من تهمة الطائفية، أو يحاول إلصاقها بالآخرين، أو نسبتها الى سلوك وتصرف فردي أحياناً، أو إيجاد ذرائع ومبررات تاريخية على المظلومية أو الحق في التسيّد وسعى لإحقاق الحق وتعويض الاجحاف والغبن، بادعاء تمثيل الطائفة أو النطق باسمها، مع تأكيدات بملء الفم بنبذ الطائفية أو استنكارها وفي أحيان أخرى اعتبارها “جريمة بحق الشعب والوطن”، لكن هذه الدعاوى وان اقترنت احياناً برغبات صادقة، الاّ أنها تعود وتصطدم بوقائع مريرة وقيود ثقيلة، تكاد تشدّ حتى أصحاب الدعوات المخلصة الى الخلف، إن لم تتهمهم، أحياناً بالمروق والخروج على التكوينات والاصطفافات المتوارثة.

ولعل بعض العلمانيين والحداثيين، انساقوا وراء مبررات أو تسويغات تحت شعار الواقعية السياسية والاجتماعية التي تقضي انخراطهم في اطار الحشد الضخم من كتل بشرية هائلة تذكّر بعصر المداخن، تحركها زعامات مستفيدة بإثارة نزعاتها البدائية إزاء الغير أو رغبة في الهيمنة.

ومثل هذا الأمر لمسته في العراق بشكل خاص ما بعد الاحتلال، وربما الى حدود معينة في لبنان، وإن لم يقتصر الأمر على هذين البلدين فحسب، بل ان اتجاهاً نحو التشظي الطائفي والمذهبي والاثني والتمترس الديني أصبح جزءًا من خصوصيات المرحلة، وقد تجلى ذلك بما تعرّض له المسيحيون في العراق مؤخراً وكذلك اليزيديون والصابئة وغيرهم.

وإذا كان الانخراط جزءاً من تبرير الواقعية وعدم العزلة، فهناك من استطاب بعض الامتيازات التي حصل عليها باسم الطائفة أو بزعم تمثيلها، أو التنظير لكيانيتها تحت أسماء مختلفة، سواء كانت أقاليم أو فيدراليات أو كانتونات لا فرق في ذلك.

وبودي أن أشير الى أن الطائفية تختلف اختلافاً جذرياً عن الطائفة، ذلك أن الأخيرة هي تكوين تاريخي وامتداد اجتماعي وإرث طقوسي تواصل عبر اجتهادات فقهية ومواقف نظرية وعملية، اختلط فيها ما هو صحيح ومنفتح، بما هو خاطئ وانعزالي أحياناً، لكنها تكوين أصيل وموجود وتطور طبيعي، وليس أمراً ملفقاً أو مصنوعاً، في حين أن الطائفية، هي توجّه سياسي يسعى للحصول على امتيازات أو مكافآت باسم الطائفة أو ادعاء تمثيلها أو اثبات تمايزات عن الطوائف الأخرى، حتى وإن كان بعضها فقهياً أو شكلياً، وأحياناً مفتعلاً واغراضياً بهدف الحصول على المكاسب، حتى وإنْ أدّى الأمر الى التباعد والافتراق والاحتراب، ناهيكم عن زرع الأوهام حول “الآخر”، بصورة العدو او الخصم، وبالتالي خلق حالة من الكراهية والعداء، في رغبة للاقصاء والالغاء، بعد التهميش والعزل، مروراً بالتحريم والتأثيم، وإنْ تطلب الأمر التجريم أيضاً، فتراه لا يتورع من التوّغل حيث تتحقق المصالح الذاتية الانانية الضيقة، وإن تعارضت مع مصلحة الوطن والأمة.

وبعض هؤلاء المنخرطين في البغضاء الطائفية أو الحقد والكراهية لا علاقة لهم بالدين، فهم غير متدينين، فكيف يتعصبون للطائفة إنْ كانوا غير متدينين أو حتى مؤمنين أصلاً، وهو ما أطلق عليه عالم الاجتماع العراقي علي الوردي “طائفيون بلا دين”.

وعانت بلادنا العربية من هذه الظاهرة الطائفية الانقسامية، بسبب ضعف الثقافة الاسلامية من جهة وضعف الثقافة المدنية الحقوقية من جهة أخرى، وبسبب موروث تاريخي، وقراءة مغلوطة للتراث الاسلامي بفرقه وفقهه وجماعاته المجتهدة، بل إن هناك أوهاماً تاريخية تم إلصاقها ببعض مفاصل التاريخ بما فيها تاريخ الخلفاء الراشدين الاربعة وما بعدهم. وينسى هؤلاء أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (الفاروق) كان يردد: لولا علي لهلك عمر، لاسيما استشاراته في الكثير من القضايا القضائية وما يتعلق بالحُكم والسياسة ودلالاتهما وأبعادهما في ظرف ملموس.

ولعل المذاهب الفقهية الاسلامية نشأت متقاربة وانتقلت بعض الأحكام من هذا المذهب الى ذاك، تبعاً للظروف من جهة، ومن جهة أخرى للتأثيرات التي قد تقع عليها، فقد كان الفقيه والعالم الكبير أبو حنيفة النعمان تلميذاً نجيباً للفقيه الضليع الامام جعفر الصادق، وهما قطبان لمذهبين أساسيين في العالم الاسلامي، المذهب الحنفي (السني) والمذهب الجعفري (الشيعي الاثني عشري) حيث يشكل الاول أغلبية ساحقة، في حين يشكل الثاني أقلية متميزة، لاسيما في بعض البلدان التي يكون فيها أكثرية، أما المذهب الشافعي والمالكي فلهما حضور في شمال إفريقيا وبلدان أخرى، في حين أن المذهب الحنبلي هو خامس هذه المذاهب الاساسية.

وإذا كان الاصطفاف عقلياً واجتهادياً، فإن العلاقة التي ينبغي أن تسود بين المذاهب والطوائف ينبغي أن تكون هي الأخرى عقلية وسلمية وعلى أساس المشترك الانساني والوطني والعروبي والاسلامي، وليس وفقاً لمصالح سياسية أنانية ضيقة، تريد دفع الأمور باتجاه الافتراق الذي لا عودة فيه ولا امكانية لاعادة لحمته، ولعل بعض امراء الطوائف سيكونون المستفيدين من هذا الانقسام والتناحر، طالما يؤمن لهم زعاماتهم وامتيازاتهم، وحتى تفاهماتهم مع أمراء الطوائف في الأطراف الأخرى.

بين الطائفية والمواطنة فرق كبير وشاسع، والمواطنة ليست طائفية حتى وان انتمى المواطن الى طائفة، الاّ ان الاساس الذي يربطه بالمواطن الآخر هو الوطن والمواطنة والحقوق المتساوية، المتكافئة، والمشترك الانساني، وإذا ما أقرّ الجميع ذلك وفق دستور ينظم علاقة المواطن بالدولة، فالأمر يقتضي أن تكون هي المرجعية وليس غيرها، وهو ما يتطلب انزال أشد العقوبات بمرتكبي الطائفية (حسب قانون لتحريمها وتعزيز المواطنة) سواء بالدعوة اليها أو الترويج والتستر عليها او التهاون في مكافحتها أو اخفاء معلومات عنها.

إن الطائفية والتمذهب، يمكن أن يرتقيا الى مصاف جرائم الخيانة العظمى، لاسيما إذا اقترنتا بأفعال وأنشطة من شأنها أن تؤدي الى انقسام في المجتمع ونشر الفوضى والاضطراب، واستخدام العنف والقوة والتمرد، وقد تقود الى حرب أهلية، خصوصاً في ظل استفزاز المشاعر الخاصة، ودفعها باتجاه عدواني ضد الآخر، الأمر الذي قد يصل الى ما لا تُحمد عقباه.

وإذا كان الانتساب الى الطائفة أمر طبيعي، مثل الانتساب الى الدين وهي فرع منه، أو الانتساب الى الوطن، أو الأمة، لاسيما وان الانسان غير مخيّر فيها، فقد يولد الانسان مسلماً أو مسيحياً وعربياً او غير عربي ومن منطقة معينة ومن طائفة معينة حسب الآباء والأجداد، ولم يسأله أحد عن رغبته وقد لا يجوز له تغيير ذلك لو أراد بحكم قيود وضوابط قد تؤدي الى هلاكه، لاسيما في ظل النزعات المتطرفة والمتعصبة السائدة، لكن التمترس وراء طائفته ومذهبه ضد الآخر وبهدف الحصول على امتيازات فهذا شيء آخر، خصوصاً إذا كان على حساب المواطنة والمساواة، بما يؤدي الى التمييز لأسباب طائفية، الأمر يلحق ضرراً بحقوق الطائفة ذاتها وأفرادها وبالوطن والأمة ككل، جماعات وأفراداً وبقضية حقوق الانسان ككل.

ولتعزيز قيم المساواة والمواطنة وتطويق الطائفية سياسياً واجتماعياً بعد تحريمها قانونياً، ينبغي حظر العمل والنشاط السياسي، وتحت أية واجهات حزبية أو اجتماعية أو مهنية أو نقابية أو ما شابه ذلك، إذا كانت تسعى لنشر الطائفية أو المذهبية (التمييز الطائفي أو المذهبي)، بصورة علنية أو مستترة، خصوصاً بحصر الانتساب الى ذلك الحزب أو المنظمة أو الجمعية أو تلك، بفئة معينة، بادعاء تمثيلها أو النطق باسمها أو التعبير عنها.

كما لا بدّ من منع استغلال المناسبات الدينية للترويج للطائفية أو المذهبية، بغية إثارة النعرات والعنعنات بين الطوائف وإضعاف مبادئ الوحدة الوطنية والهوية الجامعة المانعة، التي أساسها الوطن والانسان، ويقتضي ذلك أيضاً منع استخدام الطقوس والشعائر والرموز الدينية بما يسيء الى الطوائف الأخرى، خصوصاً من خلال الاعلام المكتوب والمسموع والمرئي والالكتروني، الأمر الذي يتطلب على نحو ملح إبعاد الجيش والمؤسسات الأمنية ومرافق الدولة العامة عن أية انحيازات أو تخندقات طائفية بشكل خاص وسياسية بشكل عام.

وإذا أردنا وضع اليد على الجرح فلا بدّ من حظر استخدام الفتوى الدينية لأغراض سياسية، لاسيما انخراط رجال الدين فيها، خصوصاً إذا كانت تتعلق بالشأن العام السياسي، وهذا الامر ينطبق أيضا على الجامعات والمراكز المهنية والاجتماعية والدينية والاندية الرياضية والادبية والثقافية، التي ينبغي أن تكون بعيدة عن أية اصطفافات طائفية أو مذهبية.

ان بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية واحترام حقوق الانسان وحقوق المواطنة كاملة، يقتضي وضع حد للطائفية السياسية تمهيداً لتحريمها ومعاقبة القائمين عليها أو الداعين لها أو المتسترين عليها، وهي الطريق الأمثل للوحدة الوطنية والهوية الجامعة- المانعة وحسب زياد الرحباني “يا زمان الطائفية.. خليّ إيدك على الهوية”!!.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أولويات الرئيس أوباما!
- استحقاقات أوباما
- الإرث الثقيل
- المعاهدة العراقية-الأميركية... من الاحتلال إلى الاحتلال! (1- ...
- ست حقائق أفرزتها الانتخابات الأميركية
- بغداد - واشنطن بين التبرير والتحذير
- المستقبل والمجتمع المدني
- سباق اللحظة الأخيرة بين بغداد وواشنطن
- هل المجتمع المدني شريك للحكومات؟
- أنغولا غيت!
- موريتانيا والديمقراطية إلى أين؟
- العراق منجم الخطر
- من المستفيد من استئصال المسيحيين في العراق؟
- المستوطنات الإسرائيلية: الصقور والحمائم!!
- حين يكتب رجل الدين قصائد الغزل!
- ثرثرة الديمقراطية
- كيسنجر وموعد الانسحاب من العراق!
- هل جاء دور أوكرانيا بعد جورجيا؟
- انها الرأسمالية.. يا صديقي
- هل ثمة يوم للديمقراطية؟!


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - زمان الطائفية