أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جلال القصاب - بومبو وتوكتو وبدرو














المزيد.....

بومبو وتوكتو وبدرو


جلال القصاب

الحوار المتمدن-العدد: 2481 - 2008 / 11 / 30 - 07:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا أدري عن أجيالنا الراهنة إن كانت تعرف "بومبو"، لكن أيّامنا وبدرس الجغرافيا غزت قاموسنا ثلاثةُ أسماء غريبة كانت بمثابة أبجديّة تَحسّسِنا العالمية مع "أوادم" غيرنا بمعرفة أحوالهم، من أفريقيا حيث الطفل الأسْود "بومبو"، فالإسكيمو حيث الطفل الأبيض "توكتو"، إلى أمريكا الجنوبيّة حيث الحنطي "بدرو"، لم تعلّمنا المدرسةُ ما دينهم ولُغتهم، فقط أحوال حياتهم القاسية المشابهة لأحوالنا آنذاك.

وكما قال المناضل الشهيد مارتن لوثر كينغ قبل 45 سنة حين عرّفنا "بالإنسان" متجاوزاً اللونَ والدينَ والعرقَ، ونادى بحقّ جميعِه بالحرّية والكرامة والمساواة: "لدي حلمٌ بأنّه بأحد الأيام سوف تنهض أمّتنا وتُحيي المعنى الحقيقي لعقيدتها التي تقول: إنّنا نلتزم بهذه الحقائق ليتّضح بجلاء أنّ الجميع خُلقوا متساوين.. بهذا الإيمان، سوف نستطيع أن نحوّل النشاز المزعج في أمّتنا إلى سيمفونيةِ أخوّةٍ جميلة"!
هذه الأخوّة السيمفونية شهدناها في أمّتنا يوم لم تُوجد بيننا أضغانٌ طائفية ومذهبية وأضيق منها، ونشهدها عموماً بمواسم الحجّ -وهو على الأبواب- حين نتساوى جميعاً بلا ألوان ومذاهب، ونتّشح بالأبيض شعاراً لسلام الأخوّة، فلا سيّد وعبد، ولا أبيض وأسود، ولا سنّي وشيعي.

لا أدري أيّ لوثة حمقاء ضربت الإنسان فأقنعته ليميّز نفسه استكباراً بالألوان وباللغات، وهو يرى أخاه كنفسه، لا يختلف عنه إيماناً وجهداً وذكاءً ومشاعر، هل قشّر جلده ليرى الدونيّة تحته؟ هل راجع المستشفيات ليرى لديها علاجٌ خاص للبيض دون السود، وللعرب دون العجم؟ هل جهازه البيولوجي والسيكولوجي أفضل؟ أم فصيلة دمه أندر؟ أمشاعره عند الفرح والحزن والفجائع والآلام فوق مشاعرهم؟ هل أثبت التاريخ والعلم (دعك من تحريفات دينية) جنساً متفوّقاً بالفعل؟ وعشيرة وديناً ومذهباً يستحقّون الشرف والتصفيق لجميع مجاميع منتميهم دون غيرها، بحيث أنّ وضيعَهم وتافههم أفضل من شرفاء وفضلاء الآخرين؟!!
لا، ليس شيئا من ذلك السَّفَه، فلذا جاءت الأديان وأرسى العقلاءُ العهود والشرائع لإنهاء آثار هذه الحماقات التي أشاعتْ التمييز والظلم والعدوان، لتُقطع هذه الشجرة الخبيثة، وتُغرس مكانها أخرى طيبة ومنطقيّة تجعل الأفضلية لفضيلةِ "التقوى"، التي لا تعني مذهبًا بعينه وشعائر، بل مشاعر وأخلاقًا إنسانية تختزن الخير للآخر وتنفي شرّ النفوس.
لو جرّدنا البشر من كلّ الإضافات؛ مِن ثيابه، ومن وضعه الاجتماعي وشخصيّته، من لونه ولغته، من إرثِه وأملاكه، من قبيلته وفصيلتِه، من أشياعِه وأتباعه، من جنسه واسمه، من شكله وشهادتِه، من دينه وطائفته، كأنّنا نحشره كيوم القيامة مقطوعاً من كلّ الملحقات، فقد حشرنا "الإنسان"، ولن يبق أمامنا منه إلا المشاعر والنوايا، أيْ ما يختزنه قلبُه السليم أو السقيم، أمّا تلك الزيادات التي تفاخرنا بها وتكاثرنا وتنافخنا وتباغضنا، فقد كانت وسائط لتحسين إنسانيّتنا أو لتشويهها، و"إنسانيّتنا" محلُّها القلب، حيث تتفاوت أخلاقه مِن: "امتنان، حسد، حقد، بغض، حبّ، رحمة، حياء، تواضع، تكبّر، رضا، سخط..."، هذا هو جوهرنا الحقيقي الذي به يُكرم إنساننا أو يُهان.

لقد قال السيّد المسيح مرّة "إن لم تصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوتَ السماء"، الأطفال لا يفرّقهم لونٌ ولا مذهب، الأطفال "بدرو" و"توكتو" و"بومبو" كائناتٌ "إنسانية" على فطرتها، تشقى لمعائشها، ليس بينهم معارك وأحقاد شخصيّة وأيديولوجية، ولو تقابلوا لتعارفوا وتصادقوا.
والشعوبُ كالأطفال، لا يُوجد شعبٌ يشنّ حربًا على شعب، يُوجد زعيمٌ/نظامٌ سياسي (أو ديني) يهيّج شعبه ويسوقه لاجتياح شعوب أخرى، كما فعلت أوروبا قديما (باسم الصليبية ثمّ الإمبريالية) وأمريكا حديثا، و"الناس على دين ملوكهم" السياسيين والطائفيين والدينيين أشبه بالطفل لأبويه يهوّدانه ويمجّسانه أو يستلبان فطرته ووداعته، وإنّ أسوأ أكاذيبهم ونكباتنا أن يغرسوا فينا الشرّ باسم الخير، والفرقة والاستعلاء والتباغض باسم الدين، وغزو الأوطان باسم نشر الحريات، وسرقة الجيوب باسم الإصلاح الاقتصادي.

لقد اجتمعتْ أغنى اقتصاديات العالم، بقمّة العشرين التي شكّك محلّلون بنتائجها وقالوا "أنّها مليئة بالنوايا الحسنة وخالية من أيّة نقاط عمليّة لإنقاذ الاقتصاد العالمي"، وتهكّم عليها الفنزويلي شافيز لأنّ المُستضيف هو السارق الذي صنع الأزمة فكيف يحميها حراميها؟! أمّا جورباتشوف الرئيس السوفياتي السابق فأنحى باللائمة على أمريكا إذ: "أنّ أنانية حفنة أناس وفقدانهم لحسّ المسئولية تسبّبا بمعاناة الجميع" بحيث أنّ "36 مليار دولار كانت حصيلة مكافآت مسئوليّ كبريات مصارف وول-ستريت العام الفائت"!

أمّا في مؤتمر حوار الأديان بنيويورك، فاجتمع ملوك السياسة والدين السياسي، وبرّأوا ساحة الأديان من دنس الكراهية والإرهاب، وهذا أمرٌ نعرفه كشعوب، ولكن هل يستطيعون تبرئة الزعامات الذين ينطقون باسم الأديان ويلوون نصوصها لأهوائهم وعصبيّاتهم، وهم بعضُ نماذجهم؟ و"بوش" والصهاينة الحاضرون بأوزارهم هناك أبرز أمثلتهم؟ أولئك الساسة الذين يرعون مشايخ وحاخامات وأبواقاً هم الذين يسوقون شعوبهم للتباغض بألوية الشرائع، وبحروب صليبية ويهوديّة ومذهبية.
بوسعنا القول أنّ القوم الذين بغضوا أقواماً أخرى واستباحوها، كانوا سيصبحون أحسن حالاً لولا وجود زعاماتهم السياسية والدينية، لقلّت شرورهم ولعادوا لفطرتهم وللانشغال بكدّ معاشهم، ولما خُدعوا بتحويلهم إلى مجاميع غوغاء يُحشدون بنار الكراهية لاجتياح مختلفين عنهم بالرأي والمذهب واللون والعنصر والمنطقة من أمثال "بومبو" و"توكتو" و"بدرو" عليهم الرحمة.








#جلال_القصاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكم لله أم لشريعة المتعاقدين-1؟
- أفغانستان وجورجيا وترقّبنا المهديّ


المزيد.....




- كلمة مرتقبة لقائد الثورة الاسلامية بذكرى تأسيس منظمة تعبئة ا ...
- كلمة مرتقبة لقائد الثورة الاسلامية آية الله السيد خامنئي بمن ...
- إيران تنفي التورط بمقتل حاخام يهودي في الإمارات
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جلال القصاب - بومبو وتوكتو وبدرو