حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 2479 - 2008 / 11 / 28 - 09:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يسود ميناء هونغ كونغ حركة سريعة في نقل البضائع ولاعجب في ذلك فان نصفها هي صينية الصنع متجهة الى الغرب والبالغة بحدود 23مليون حاوية سنويا , فالاقتصاد الصيني يضج بالحركة واذا قارنا النمو التجاري لالمانيا الذي هو بحدود 2,5% فان المعدل في الصين هو 9%.
70% من العاب الاطفال ,60% من الدراجات , 75% من اجهزة الاستنساخ , اجهزة التسخين (الميكرو) واجهزة التسجيل DVD , الكاميرات الحديثة , التلفونات , التلفاز والاحذية كلها تصنع في الصين .فهي الآن في عداد خامس دولة قوية اقتصاديا في العالم .
كيف يمكن تحليل هذا الوضع في الصين والتي اصبحت قبلة العولمة الراسمالية ؟
مجلة (دير شبيغل ) الالمانية تساءلت ( هل تقوم الشيوعية بوظيفتها حقا ؟)
الحكومة الصينية تجيب على هذا السؤال بنعم.ففي عام 1992 سيطر رسميا نظام (شيوعية اقتصاد السوق )فالتطور الهائل لنمو الاقتصاد الصيني لايعني ان الراسمال المتصاعد هناك لايحقق ارباحا بل ان بعضا من اليساريين يرون في الصين مثالا فهذا يواخيم بيشوف يدافع عن اشتراكية اقتصاد السوق الصينية بحجة ان الدولة هي التي تسيطر على الاقتصاد , والحزب الشيوعي الصيني هو الذي يقود الدولة ويرى بيشوف مع ذلك ان تكييف الاشتراكية على الطريقة الصينية يشوبها عدم مساواة اجتماعية هائلة طابعه عجز في الديمقراطية لكنه من جانب أخر يعتبره نموذج لاشتركية اقتصاد السوق ذو التطور الهائل من اجل مكافحة الفقر وخلف هذه ا لامنية تقف فكرة واسعة هي ان ملكية الدولة لوسائل الانتاج تعني في نفس الوقت اشتراكية المجتمع .
هذا المفهوم عن الاشتراكية هو مع ذلك موضع خلاف ,فقد انتقد كارل ماركس وفريدريك انجلز وكذلك روزا لوكسمبرغ مايسمى ( اشتراكية الدولة ) حيث رفضوا ذلك من ان هذا المفهوم ينسحب على ( ادارة الموظفين ) والحجة في ذلك ان الاشتراكية تعني في الجوهر ديمقراطية الانتاج واكدوا انه يجب على الطبقة العاملة ان تحرر نفسها كحركة سياسية حيث تعمل كاكثرية لصالح الاكثرية .
فالدولة الراسمالية يجب ان تتحطم في العملية الثورية من خلال التركيبة الديمقراطيةللشعب العامل الذي عليه استلام السلطة ( فلا اشتركية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون اشتراكية ) حسب روزا لوكسمبرغ . والمجتمع الديمقراطي بهذا الشكل هو اليوم بعيد عن الصين كما هو حال الدول الصناعية الغربية , رغم ان الجزء الكبير من الاقتصاد الصيني هو تحت سيطرة الدولة , لكن المجتمع الاشتراكي كوجود يقرره السؤال التالي : من يسيطر على الدولة ؟
في الصين توجد تقاليد تشبه الراسمالية من خلال سيطرة فئة صغيرة من الموظفين والمختصين .
ان مركز السلطة هو الحزب الشيوعي الصيني الذي يسيطر على المرافق الاساسية للدولة . فالمسائل السياسية الاستراتيجية لاتقرر عن طريق الدولة وانما في اللجنة المركزية وعلى رأسها المكتب السياسي البالغ عددهم تسعة اشخاص .وفي نظام الحزب الواحد فان الترابط ليس فقط بين النخبة كالجنرالات والموظفين الكبار فحسب بل مع رؤساء المصانع الكبيرة ومع الاغنياء جدا , ففي دراسة لاكاديمية العلوم الاجتماعية في بكين ان الاكثرية من مجموع 65مليون عضو حزبي يتمتعون بحياة معاشية مرفهة .
هناك 3220صيني يمتلكون بحدود 10 مليون ايورو , منهم 2932 من كوادر الحزب العليا ,85% من هذا الكادر هو صاحب القرار في المرافق الاقتصادية المهمة كالمالية , التجارة الخارجية , سوق الاوراق المالية , مؤسسات التصاميم الكبيرة .
فلا عجب ان التوزيع في هذا المجتمع يتجه لصالح مجموعة واسعة من اصحاب الامتيازات . 10% من الشعب يمتلك 45% من مجموع الملكية .المدراء في الدولة والقطاع الخاص يكسبون من 20الى 50 بالمئة اكثر من العمال رغم ان التصنيع والنمو الاقتصادي جعل المجتمع اكثر غنى والفقر انخفض بشكل عام .
ففي عام 1990وحسب الامم المتحدة كان معدل الفقر بحدود 32% , عام 2002 وصل الى 16% ومع هذا فان انخفاض الفقر من خلال التصنيع لايعني وجود الاشتراكية كما هو الحال في دول النمور الاسيوية وبالاخص جنوب كوريا الذي اخذ نفس هذا التطور لكن اقتصاده ليس اشتراكيا .
ويلاحظ في الصين وجود استقطاب واضح بين الاغنياء والفقراء , فعددالمليونيرية عام 2007 زاد من 8 الى 20 بالمئة .فقائمة الاغنياء الخارقين تقدر ملكيتهم بحوالي 30مليون دولار ,يقابل هؤلاء الملايين من البشر الذين يحصلون على دولار واحد في اليوم حيث يعيش في الصين اكثر من 700 مليون انسان حالات فقر شديدة في بيوت دون ماء ومرافق صحية .
فا لعمال والفلاحون هم في النقيض كما فهمه ماركس( من تحويل وسائل الانتاج الى ملكية اشتراكية )
فالعاملون والمستخدمون هم في الصين كما هو في الدول الصناعية الغربية بعيدون عن السيطرة على وسائل الانتاج ولايملكون القرار حتى ولو كانو ا يعملون في المصانع المملوكة للدولة ودون ان يتخلصوا من الاستغلال .
لقد المح فريدريك انجلز ان ملكية الدولة بنفسها لم تستطع التخلص من علاقات راس المال بل ان ذلك قد يؤدي الى حصره في القمة وهذه هي نقطة الجرح حيث يجلس هؤلاء على دفة القيادة ويعني ذلك ان تشكيلا اخر من الاستغلال قد ظهر ولاعلاقة له بملكية الدولة التي تعني ملكية الاكثرية .
فالتطور الاقتصادي لايتجه حسب مشيئة ورغبات الشعب بل لاصحاب ذوي الارباح العالية المتنافسين كي يصلوا الى هدفهم وهو السوق العالمي .
ولهذا فلاعلاقة للصين بالاقتصاد الاشتراكي وحسب ماركس فان (الحياة الاقتصادية لاتخدم التراكم رغبة من اجل التراكم ) بل لاجل رغبات الناس .
واذا كانت الصين ليست اشتراكية فماذا تكون ؟
في تقرير عن الصين ل (دويتشه بنك ) الالمانية يقول ( الوضع السياسي في الصين اخذ يتحسن في جوانب كثيرة , فهي اخذت باجماع واضح في تكوين اتجاه نحو اصلاحات اقتصاد السوق يظهر من خلالها ان الجمع بين الاشتراكية والمساواة في الاتجاه الايديولوجي يفقد معناه وهذا ما يفرح قلوب مدراء البنك الالماني )
ومايحدث في الصين قد جاء نتيجة عمليات مستمرة وطويلة حيث بدات عام 1978 بالانفتاح على اقتصاد السوق وخاصة بعد عامين من وفاة ماوتسي تونغ ونتيجة الضغط من خلال الازمة الاقتصادية للصين اواسط السبعينيات التي قام بها تنغ هسياو بنغ بالانفتاح على السوق العالمي حيث قال (لايلعب دورا ان كانت القطة سوداء ام بيضاء مادامت تصيد الفئران فالمهم انها قطة جيدة )
بكلمة اخرى لاتهم الخطة او اقتصاد السوق , الاساس هو ان الاقتصاد ينمو .فالحزب الشيوعي الصيني اتخذ قرارات لاصلاحات في مجال اقتصاد السوق بدأت اولا في المجال الزراعي ثم الصناعي , فالملايين من الفلاحين تملكوا قطع اراض خاصة وبهذا استطاعوا بيع الفائض الحاصل اضافة الى رفع الدولة لاسعار الانتاج الزراعي وفتحت الحكومة الاقاليم الساحلية في الجنوب والشرق للاستثمار الخارجي وحتى عام 1992 استطاعت ترخيص 13 منطقة للتجارة الحرة اضافة الى 260 اخرى والتي اعفي الاجانب فيها من دفع الضرائب وتحت هذه الشروط تصاعد الاستثمار الاجنبي المباشر الى 11مليارد دولار عام 1992 ووصل الى 33مليارد عام 1994 ,2007 امتصت الصين 75 مليارد دولار في الاستثمار الاجنبي .
وبالتدريج اخذت مناطق السواحل الصينية بالتطور مطالبة دول العالم بالاستثمار في الصين , ومن زوايا السياسة الاقتصادية الجديدة هي تحويل ملكية الدولة الى القطاع الخاص حيث المصانع المملوكة للدولة والمصابة بالعجز اعلنت افلاسها عرضت للبيع او اندمجت مع مصانع اخرى .بعض المدراء استطاعوا تأجير هذه المصانع , اما الصغيرة منها فعرضت للبيع جميعها.
في عام 1996 كان هناك 127 الف مصنع تابع للدولة , عام 2003 وصل العددالى 34الف وفي نفس الوقت فقد بلغ عدد المصانع الخاصة 67 الف .وسمح الحزب الشيوعي الصيني وعلى خطوات ان تكون اسعار البضائع حرة وبهذا فان التقلبات في الاسعار اخضعت الى السوق الحرة وهذا الانفتاح الاقتصادي وجد طريقه اللاحق في الانضمام الى منظمة التجارة العالمية فتحولت الدولة الصينية من قائد لاقتصاد دكتاتوري متطور الى سلطة دولة المنافسة القومية ومن خلالها اخذت اقساما منها بالتطور الاقتصادي العالي التكنلوجيا وبكل قوة دون ان تاخذ بنظر الاعتبار الخسائر الاجتماعية و الايكولوجية . ولهذا يتحدث الكثيرون عن راسمالية غير كابحة دخلت الصين , هذا الوصف يطابق جوهر التطور فيها فهي لاتهتم بالاختلافات والموجودة اساسا في دول العالم الراسمالي الغربي , لكن المرافق المهمة في الاقتصاد هي في يد الدولة حيث ان سياسة الاصلاح بعد1978لم تعمل على اضعاف تاثير مؤسساتها ولهذا شكل الحزب لجنة لمراقبة مؤسسات الدولة المهمة ومنها الاتصالات , الخطوط الجوية , البتروكيمياويات وتراقب مصانع اساسية مثل السيارات ,تكنلوجيا المعلومات , مصانع الصلب و الاملاك والعقارات .
في المجتمعات التي تلعب فيها مؤسسات الدولة دورا مهما في المجال الاقتصادي والتي تجد نفسها في تنافس عالمي اقتصاديا وسياسيا ينطبق عليها تسمية راسمالية الدولة . والنموذج الكلاسيكي لهذه التسمية هي الدول التي ظهرت بعدالحرب العالمية الثانية ومنها دولة الاقتصاد الاوامري الستاليني حيث كان تدخل الدولة واضحا في هذه المرافق . فرنسا وكذلك المانيا والدول الراسمالية الاخرى كانت اكثرية ممتلكات الدولة تابعة لها .في بلد مثل كوريا الجنوبية والمعروف عنها عدائها للشيوعية فان اقتصادها كان مرسوما بخطة موجهة من عدة سنوات واخذت اليابان توجيه صناعتها المتصاعدة من خلال وزارة التصنيع .
المجتمع الصيني يكيف علاقات الاستغلال بين الاكثرية الكبيرة من العمال والاقلية الموجودة في المجال الاداري ورغم التخطيط الاقتصادي فان المالكين اصبحوا في العقود الاخيرة يتسلقون الى المراتب من خلال سيطرة ونمو البيروقراطية , ولم يعد اي اعتبار لثبات الاسعار بشكل قانوني نتيجة المنافسة في اسعار السوق والتي اخذت ترسم تدريجيا صورة الواقع الصيني ويمكننا القول ان التركيب الاجتماعي للصين هو شكل جديد من راسمالية الدولة تلعب فيها وكما يفهم ليبرالية السوق .
ياك بابست و ديفد ماين رايس
ترجمة حازم كويي
#حازم_كويي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟