أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد يونس خالد - تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 1-2















المزيد.....



تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 1-2


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 763 - 2004 / 3 / 4 - 09:26
المحور: القضية الكردية
    


 تأسيس تركيا الكمالية وإحتلال كردستان
 
بعد إنتصار الحلفاء وهزيمة الأمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تحررت الولايات والأقاليم العثمانية التي كانت قابعة تحت حكم العثمانيين في حين  بقيت الولايات العثمانية الكردية (كردستان الجنوبية والشمالية والغربية) مسرحا للصراع، حيث قاد كمال أتاتورك، وكان جنرالا عسكريا في الجيش التركي، الحرب لجمع شمل الترك. وإتسعت حركة أتاتورك عام 1919، ونجحت في تأسيس "جمعية الدفاع عن حقوق الأناضول الشرقي" في الإجتماع المنعقد في أرضروم. وساهم ممثلون كرد في الإجتماع، للعمل سويا من أجل حصول الترك والكرد على حقوقهم القومية. ففي إجتماع المجلس الوطني في أنقرة عام 1920 حضره 72 نائب كردي ممثلين عن كردستان، للتعاون من أجل الحرية. وفي نفس العام، وقَّعت تركيا على معاهدة سيفر التي كانت جزءا من معاهدة فرساي، حيث وقعها السلطان التركي من جهة، وكل من بريطانيا العظمى وفرنسا واليونان وإيطاليا ورومانيا ويوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا وبولونيا وبلجيكا واليابان والحجاز وارمينيا الطاشناكية من جهة ثانية. واعترفت الإتفاقية بالحقوق القومية الكردية في القسم الثالث، المواد 62، 63 ،64. وكانت المادة 64 أهم هذه المواد بصدد الإعتراف بحق الشعب الكردي بتشكيل دولته المستقلةعلى أرض وطنه كردستان. حيث نصت على مايلي:
 
               وإذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الإتفاقية أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها 
               المادة (62) الى عصبة الأمم قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الإستقلال عن تركيا، وفي
               حالة إعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا
               الإستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة. وستكون
               الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لإتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء
               وبين تركيا. وإذا ما تم تخلي تركيا عن هذه الحقوق فإن الحلفاء لن يثيروا أي إعتراض ضد قيام
               أكراد ولاية الموصل (كردستان الجنوبية) بالإنضمام الإختياري إلى هذه الدولة الكردية.
 (أنظر هوبر، العراق وعصبة الأمم، باريس، 1928، ص ص 99-100, نقلا عن قاسملو، كردستان والأكراد، 1970، 59-60).

      ولكن بعد هزيمة القوات اليونانية عند نهر ساكاري في حربها مع تركيا عام 1921 ، اصبحت الابواب مفتوحة للجيش الأتاتوركي ببسط سيطرتها على تركيا وكردستان، وبذلك ألغى كمال أتاتورك السلطنة العثمانية في الأول من تشرين الثاني عام 1922. وفي يوليو/ تموز عام 1923 عقد مؤتمر لوزان الذي جعل تركيا الطورانية تحتفظ بكافة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الكمالية، وأصبحت كردستان مستعمرة تركية.

إحتلال بريطانيا العظمى لولايتي بغداد والبصرة وإلحاق كردستان الجنوبية (ولاية الموصل) بهما لتأسيس الدولة العراقية

     نجحت القوات البريطانية في إحتلال ولايتي بغداد والبصرة أو ما كانت تسمى بالعراق العربي عام 1917 وكردستان الجنوبية أو ما كانت تسمى بولاية الموصل عام 1918، ثم اصبح العراق تحت الحماية البريطانية بموجب معاهدة سان ريمو في 25 أبريل/نيسان عام 1920. وتمكنت بريطانيا من تنصيب فيصل الهاشمي ملكا على العراق عن طريق إستفتاء أجرى في 23 أغسطس/آب عام 1921 وهو العام الذي تأسست فيه دولة العراق. وفي 14 يوليو/تموز عام 1922 أيد الأنكليز عقد مؤتمر كردي في السليمانية وأعلن فيه الشيخ محمود الحفيد ملكا على كردستان إعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام. لكن بريطانيا العظمى ضربت حركة الشيخ الحفيد فيما بعد، واحتلت السليمانية عاصمة كردستان الجنوبية في 19 يوليو/ تموز عام 1924 وضمت كردستان الجنوبية إلى العراق.
   لابد هنا من الإشارة إلى أن لجنة تقصي الحقائق المكلفة من قبل عصبة الأمم، وكان يرأسها الوزير المفوض السويدي فيرسن، والتي تشكلت بموجب قرار عصبة الأمم في 30 يوليو/تموز عام 1924، قامت بتحريات في كردستان الجنوبية في كانون الثاني عام 1925 . وتوصلت اللجنة إلى الإستنتاجات التالية:
                  ليس الكرد عربا ولا اتراكا ولا فرسا، إلا أنهم قريبون من الفرس أكثر من الآخرين. وهم بعيدون
                عن العرب ويختلفون ويجب تمييزهم عن الأتراك، وهم بعيدون عن العرب ويختلفون عنهم أكثر
                ... وفي حالة إعتماد النواحي العنصرية وحدها اساسا للإستنتاج، فإنها تقودنا الى القول بوجوب
                إنشاء دولة كردية مستقلة. فالكرد يشكلون خمسة اثمان السكان. وإذا صار الإتجاه الى هذا الحل، 
                فإن اليزيديين، وهم من عنصر مشابه للكرد، يجب أن يدخلوا ضمن عدد الكرد، فتكون نسبة
                الأكراد حينذاك سبعة أثمان السكان.
 (أنظرQuestion of the Frontier between Turtey and Iraq, Leage of  Nations, Geneva  1925, p. 46,  نقلا عن قاسملو، كردستان والاكراد، ص ص -9291)

وهذا يعني ان المجتمع الدولي اعطى للشعب الكردي الحق في تشكيل دولته المستقلة على اساس ان الكرد امة لها مميزاتها الخاصة وخصوصيتها المستقلة.
     ولكن مع ذلك ضمت كردستان الجنوبية المعروفة بولاية الموصل الى العراق العربي (ولايتي بغداد والبصرة) بموجب قرار عصبة الامم عام 1925، رغم ان بريطانيا سبق وأن ألحقت كردستان الجنوبية بالعراق عمليا عام 1924.
   
 أما بصدد كردستان الغربية فقد ضمت إلى سوريا بموجب إتفاقية سايكس بيكو السرية بين بريطانيا وفرنسا عام 1916، وتم تنفيذها بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث بموجب هذه الإتفاقية التي وقعها الوزير البريطاني سايكس والوزير الفرنسي بيكو تم تقسيم منطقة الشرق الأوسط بينهما، بعد أن إنسحبت منها روسيا بعد ثورة أكتوبر الإشتراكية عام 1917 . 
  
الزواج الطوراني بين العلمانوية الكاريكاتيرية والإسلاموية التركية

كتب الدكتبور شاكر النابلسي في مقال بعنوان "ماالفرق بين علمانية أتاتورك والعلمانية العربية" المنشور في إيلاف (www.elaph.com) بتاريخ 18 سبتمبر 2003 مايلي:

               "لا شك أن الثورة العَلْمانية الكاريكاتيرية التي قادها كمال أتـاتورك في العام 1923 تركت انطباعا
                سيئاً في العالم الإسلامي، وجعلت المؤسسة الدينية تقف ضد كل ثورة عَلْمانية مقبلة في العالم العربي.
             فكمـال أتاتورك – كما هو معروف – جرح الكبرياء الإسلامي جرحـاً عميقاً، فيما اعتُبر أكبر
             إهانة لحقت بالإسلام في أرض الإسلام وفي دولة حكمت باسم الإسلام مدة تزيد على ستة قرون.
             فمصادرته للمساجد وتحويلهـا إلى متاحف للآثار، واقفاله للمدارس الدينية وإيقافه للحـج،
             وتغيير الزي التركي من الزي الإسلامي (الحجاب وخلافه) إلى الزي الغربي، وإلغاء التاريخ 
             الهجري، وإلغاء اللغة العربية، وإلغاء تدريس الدين في المدارس، وحلِّ وزارة الشؤون الدينية،
             وتقليص دور المحاكم الشرعية.. الخ، كـل هذا كان له أثره السيئ على رجال المؤسسة الدينية
             التي بدت العَلْمنة في نظرهم بعد ذلك ضرباً من الكفر الإلحـاد والشرك برب العبـاد. ومن هنا، 
             فإن أتاتورك قد أساء بشراسته الطولونية – من حيث لا يدري – إلى حركة العَلْمنة العربية ككل، 
             وسدَّ في وجهها الأبواب حيناً، وأصبح مسؤولاً عن هذه الانسداد مسؤولية تاريخية مباشرة". 

وعلى هذا الأساس فالعلمانية بذلك الشكل الممسوخ لا تؤدي إلى الديمقراطية، بل قد تؤدي إلى الإستبداد والدكتاتورية. وهنا أجد من الاهمية بمكان عرض الإختلافات الجوهرية بين العلمانية الإستبدادية والعلمانية الديمقراطية والعلمانية العربية، لأن فهم هذه الإشكاليات يساعد الكرد في إتخاذ موقف أكثر وضوحا من العلمانية والعلمانوية والإسلام والإسلاموية، حيث لازال بعض الكرد، يتخبط في فهم العلمانية والإسلام، ويختلط الأوراق الدينية والسياسية من منطلقات الجهل بالفكر السياسي والعقائد، وسوء فهم الممارسات الديمقراطية والعمليات الإرهابية للجماعات المتطرفة من قومية شوفينية وإسلاموية سياسية. وأعتقد بأن الدكتور شاكر النابلسي أبدع في بحث أوجه الاختلاف والائتلاف بين علمانية أتاتورك والعلمانية العربية، التي لا تزال تلهث في طريق الوصول إلى غاياتها في درب مليء بالأشواك الدينية الأصولية والمتطلبات القومية العربية.
    عرض  الأستاذ النابلسي هذه الأوجه في نفس المقال المذكور بالشكل التالي:
 
1-  كان أتاتورك شيوعياً عندما فعل بالدين ما فعله في تركيا، ولم يكن عَلْمانياً. ففرنسا مهد العَلْمانية الأوروبية، لم تصل إلى مرحلة الرفض الكلي للدين، واضطهاد الدين، ومنعه، كما حصل في أوروبا الشرقية الشيوعية. ومن هنا فقد كـان أتاتورك شيوعياً ولم يكن عَلْمانياً، كما قال محمد أركون ذات مرة. وفعل بالدين ما فعلته الشيوعية وليس ما فعلته العَلْمانية الأوروبية. في حين أن العَلْمانية العربية سوف تتمسك بالدين، وسوف تُبقي على معابـده وطقوسه. ولن تفعل ما فعلته الشيوعية من إنكار له، ومنع إقامة شعائره أو تعطيلها كما فعل أتاتورك أيضاً. وكما رفض العرب الشيوعية في السابق، فسوف يرفضون هدم الدين باسم العَلْمانية الأتاتوركية التي كانت تتعصب للقومية الطولونية.

 2- قامت عَلْمانية أتاتورك على فهم خاطئ للطبيعة البشرية ولتاريخ الأديان السماوية، ولم تدرِك أن الدين حاجة إنسانية. وأنه لا يوجد في التاريخ شعب لا يُقدِّس. أما العَلْمانية العربية فهي تقوم على فهم صحيح للدين، وهو أن الدين والتقديس عموماً موجود في كل المجتمعات البشرية، وأن الدين حاجة إنسانية رفيعة المقام.
 
 3-  قامت عَلْمانية أتاتورك في مجتمع إسلامي غير عربي، وكان الدين في هذا المجتمع يُدرَّس باللغة العربية، ويُكتب باللغة العربية، وكانت اللغة جزءاً من الدين. وقد ألغى أتاتورك اللغة العربية من دواوين الحكومة التركية تعصباً. في حين أن العَلْمانية العربية ستقوم في مجتمع إسلامي عربي. والعـرب أكثر حرصاً على كرامـة الإسـلام ولغته العربية من غيرهم، لأنه نـزل عليهـم وبلغتهم.
 
 4-  ركزّت عَلْمانيـة أتاتورك على "عَلْمنة الإسلام" وليس على "عَلْمنة الدولة". أما العَلْمانية العربيـة فستركز على "عَلْمنة الدولة" وليس على "عَلْمنة الإسلام" فقط.
 
 5-  جاءت العَلْمانيـة في المجتمـع التركي على إثر نظام حكم إداري وسياسي واقتصادي مطلق ومتعصب ومنغلق، وغير مُتطلِّع تجاه الحضارة والفكر الغربي. أما العَلْمانية فستأتي إلى العالم العربي وقد طبّق جزءاً منها، وهو منفتح إلى حد ما وأكثر من المجتمع العثماني في العام 1923 على الغرب وحضارته وثقافته.
 
 6-  كانت ثورة أتاتـورك انتقاميـة أكثر منها إصلاحيـة، نتيجة لعوامـل سياسيـة واقتصادية مختلفـة. وستكون الصبغـة العَلْمانية في أجزاء كثيرة من الوطن العربي تطبيعية وإصلاحية أكثر منها انتقامية.
 
 7-  كانت عَلْمانية أتاتورك سريعة وخاطفة سرعة الرسم الكاريكاتيري. ومن هنا أُطلق عليها "العَلْمانية الكاريكاتيرية" التي أخذت بالمظاهر ولم تغوص في الأعماق. وكانت هذه المظاهر تتمثل في إلغاء المحاكم الشرعية والمدارس الدينية، وإيقاف الحج، وتحويل بعض المساجد إلى متاحف، وإلغاء اللغة العربية، وتغيير طريقة الملبس وخلاف ذلك. ومن هنا لم تدم طويلاً حيث حصلت الردة الدينية بعد ذلك بسنوات. في حين ستكون العَلْمانية العربية بطيئة التطبيق متأنية. وهي بدأت بعد الحرب العالمية الأولى، وكان لها جذورها في التاريخ العربي القديم منذ عهد معاوية. وهمدت في العهد العثماني. وقامت ثانية في القرن التاسع عشـر. وهمدت قليلاً، ونهضـت ثانيـةً بعد الحرب العالمية الأولى وما زالـت مستمـرة إلى الآن. ولن تأخـذ بالقشـور التي أخذ بها أتاتــورك، ولن تُلغي، ولن تصـادر ما هو جـزء لا يتجـزأ من التاريـخ العـربي.
 
 8-  لم يكن في عَلْمانيـة أتاتورك الاختيار الحر بين المدارس الدينية والمدنية وبين المحاكم الشرعـة والمدنيـة، فأساس العَلْمانية في الغرب حرية الاختيار. وقد افتقد الترك هذه الحرية. وبدت عَلْمانيتهم ديكتاتورية. ولكن من الحكمة أن يكون في العَلْمانية العربية حرية الاختيار بين معاهد الدين ومحاكمه ومعاهد الدنيا ومحاكمها كما هو قائم الآن، شرط أن لا يُجبر أحد أحداً على ما لا يريد. فلا مصادرة لحرية الاختيار في المجتمعات العَلْمانية.

9-  جاءت عَلْمانية أتاتورك لتضع حداً وتزيل مجتمع الخرافة الذي كان يحكم الحياة التركية والذي لم يكن للدين الخالص أي دخل فيه، وإنما هو من صُنع رجال الدين المنتفعين بهذا المجتمع. فجاءت عَلْمانية أتاتورك لتزيل هذا المجتمع وتضع مكانـه مجتمـع العقل، وإن كان في آليات هذه الإزالة كثير من القسوة. في حين إن مجيء العَلْمانية العربية لهذا الغرض أيضاً، في مجتمع ما زالت تسوده الخرافات إلى الآن. منها أن هزيمـة 1967 كانت نتيجة لفراغ القلوب من الإيمان. وأن هناك مخلوقـات بثياب بيض كانت تحارب مع الجنود المصريين في حرب 1973 وكان ذلك سبب النصر، كما يقول يوسف القرضاوي في كتابه (الإسلام والعَلْمانية وجهاً لوجه، ص 95،96).
 
 10-   ارتكب أتاتورك جريمة تزوير تاريخية عندما أعلن الاستقالة من الشرق والإسلام، مستبدلاً الانحطاط الديني بانحطاط آخر قومي حتى أصبحت محنة التركي الحقيقية أنه أصبـح إنساناً بلا جذور في رأي معارضيه. كما يقول فهمي هويدي في كتابه ( القرآن والسلطان، ص88). أما العَلْمانيـة العربيـة فهي تُقرُّ بحرية المواطنين الدينيــة وتحتـرم الحـق الجوهـري لكل إنسان لاختيار الحقيقـة التي تنير حياتـه، ما دامـت لا تتعــارض مع النظـام العــام. كما يقول جوزيف مغيزل في كتابـــه( العروبة والعَلْمانية، ص21).
 
 11-  وأخيراُ، كان أتاتورك في عَلْمانيته: نظرية وتطبيقاً، ضمن إطار التبعية الشاملة للغرب الأوروبي فكراً وتراثاً. وللشرق الأوروبي تطبيقاً وممارسة. في حين لن تكون هذه العَلْمانية في إطار التبعية الشاملة للغرب، وإنما أبوابها مفتوحة لكل الرياح تأخذ منها ما هو مفيد وصالح لها.
 
 تناقضات التركيبة التركية المعقدة وعدائها للكرد

 تعيش تركيا حياة خاصة غريبة عن الأنظمة التي تحكم المنطقة، مما يجعلها تتردد بين العلمانية الإستبدادية والإسلاموية والإنتماء الشرق أوسطي الأوربية، وأوربا الشرق أوسطية، والديمقراطية الشكلية وحكم العسكر  الفعلي. الهوية الثقافية غير واضحة، والضعف الثقافي يجعلها تخشى من ظلها، وتخشى من التطورات التي تحدث في المنطقة بغض النظرعن إيجابيات هذه التطورات أو سلبياتها، وعدم قدرتها بالتعامل معها دبلوماسيا وحضاريا.
 
   تعرضت تركيا بفعل هذه التركيبة المعقدة إلى ضغوطات متناقضة من عدة جهات أهمها الولايات المتحدة الأمريكية بالسماح لحوالى 62 ألف جندي أمريكي مع معداتهم بالإنتشار في أراضيها لفتح الجبهة الشمالة بضرب العراق مقابل إمتيازات إقتصادية وسياسية وأمنية. كما تعرضت لضغط فرنسي ألماني برفض الطلب الأمريكي وإتخاذ موقف رفض الحرب ، وإغراء تركيا بمساعدتها بالإنضمام إلى الإتحاد الأوربي وتخفيض ديونها. وتعرضت أيضا لضغط من النظام العراقي المنهار ومنحها النفط مقابل رفض قرار الحرب، بينما وجدت تركيا نفسها قلقة إزاء طموحات الكرد في كردستان العراق بإحتمال تشكيل دولة كردية وتأثيرها على الشعب الكردي في كردستان الشمالية. وفي الداخل واجه النظام التركي معارضة شعبية قوية بعدم المساهمة في الحرب. كل هذه السيناريوهات إختلطت مع التردد الثقافي السياسي التركي، وصعوبة إتخاذ قرار حاسم، والتحول من قبول هذا القرار ورفض الآخر، والتراجع عن الموقف المتخذ إلى موقف آخر. والدول الجارة والأقليمية والأوربية وأمريكا والدول الأخرى تفهم بجلاء هذا التردد السياسي التركي تحت مظلة ضعف الهوية الثقافية الإجتماعية التركية. وفي كل الأحوال فإن المال والإمتيازات الإقتصادية قد تتحكم في الموقف بالتفاعل مع التردد الثقافي والخوف من الوعي المتنامي لدى القوميات الأخرى كالكرد والأرمن والآشوريين في كردستان الشمالية وتركيا، إضافة إلى الخوف من الفكر الديمقراطي وإحتمال تكوين عراق ديمقراطي أو كيان كردي مستقل يثبت بأن الديمقراطية التركية الحالية بحاجة إلى تطور بشكل تصبح ممارسة ديمقراطية بالمفهوم الحضاري وذلك بضرورة الإعتراف بحقوق الشعوب الأخرى المتواجدة في حدود تركيا المصطنعة اليوم. ناهيك عن خوف تركيا من التجربة الديمقراطية الكردستانية في كردستان العراق منذ عام 1992 وإحتمال تقسيم العراق، وتغيير خارطة المنطقة بشكل تؤثرعلى الدولة التركية ذات التركيبة المتعددة القوميات, وذات الثقافات المتناقضة والمعادية لبعضها البعض بحكم إنعدام الاسس الأساسية للديمقراطية والتي تتطلب الإعتراف بحقوق الشعوب والأقليات القومية وحقوق الإنسان. إن الديمقراطية لا تعني مجرد إجراء إنتخابات برلمانية، والتصويت في البرلمان في الوقت الذي يتمسك العسكر بمقاليد السلطة، وأن مسرحية التصويت فقط ليست إلا صورة مشوهة للديمقراطية.
   هناك في الحقيقة والواقع إشكاليات عديدة في الهوية الثقافية التركية وتركيب الدولة التركية المعقدة والتي تتضمن مجموعة كبيرة من التناقضات التي تحكمها، مما تجعلها معرضة للإنهيار أمام العواصف التي تجتاحها في العصر الحديث، وهذا ما يجعل تركيا تخشى من الجميع، وتخاف من الذات مثلما تخاف من الآخر. ومن الصعوبة تحديد جميع هذه التناقضات لكن يمكن حصر أهمها في ثلاثة خطوط رئيسية:

الخط الأول: على الصعيد الداخلي

هناك سوء فهم الديمقراطية، والخوف من ممارسة الديمقراطية، وتحريم جميع الشرائح القومية الغير تركية من ممارسة أبسط حقوقها كالتعليم بلغتها أو إستعمال ثقافتها وعاداتها وأعيادها الشعبية، والتعبير عن إرادتها. فالكرد والأرمن والآشوريون وغيرهم محرومون من أبسط حقوقهم الإنسانية، إلى درجة لا تعترف القوانين التركية بوجودهم، بل تعتبرهم أتراك. ومن هنا فقد أفرغت القوانين التركية، الممارسة الديمقراطية من مضامينها الأساسية، مما جعلها معرضة للنقد والرفض من قبل الدول الأخرى بما فيها الإتحاد الأوربي، ومطالبتها بإحترام حقوق الإنسان.
 
   من جانب آخر يجد المراقب بأن السلطة الحقيقية في تركيا بيد العسكر، أو ما يسمى بمجلس الأمن القومي الذي يقود الجيش والبيت التركي، في حين أن البرلمان والأحزاب السياسية هي واجهات تتحرك في إطار دائرة مرسومة لها من قبل مجلس الأمن القومي. وإذا ما خرجت تلك القوى من دائرتها فأن العسكر يتولون السلطة من خلال إنقلاب عسكري وهذا ما حدث مرات عديدة في تاريخ تركيا المعاصرة.

  المشكلات الأثنية الداخلية عديدة وخاصة مقاومة الكرد وحركتهم المسلحة ضد النظام التركي من أجل حقوقهم القومية، إضافة الى المقاومة الأرمنية ذات الطابع الأقل عنفا، ولكن ذات طابع سياسي قوي ومناهض للنظام التركي، في حين نجد المعارضة الآشورية شبه منظمة وبعيدة عن العنف، ولكن نشطة نسبيا في الخارج.

   إزاء هذه التناقضات الداخلية يعيش المواطن التركي في حالة إقتصادية مزرية. فتركيا اليوم إحدى أكثر دول العالم فقرا، وتصنف ضمن الدول التي لها أكبرعجز في الميزانية، والعملة التركية منهارة ولا تصرف في الأسواق العالمية بشكل مضمون لعدم الإعتماد عليها. كما أنها تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات الأمريكية والإسرائلية. ويخشى الإتحاد الأوربي قبولها كعضو بسبب إحتمال غزو العمال الترك لأراضيها بحثا عن العمل، وبسبب إحتمال إنهيار المنظومة الديمقراطية الليبرالية الغربية للإتحاد الأوربي فيما إذا دخلت تركيا هذه المنظومة بهذا الحال.

الخط الثاني: على الصعيد الأقليمي

تشعر تركيا بأنها تنتمي إلى أوربا بحكم موقعها حيث يقع جزء صغير منها ضمن الخارطة الأوربية، في حين أنها من الناحية الثقافية بعيدة كل البعد عن الحضارة الأوربية. فتركيا لم تترك ورائها آثار أية حضارة حتى عندما كانت الأمبراطورية العثمانية تحكم أجزاء من أوربا مثل أسبانيا والنمسا إضافة إلى الشرق الأوسط والعالم العربي كله. وهذا ما جعل الكاتب الروسي (راسبوتين)  يقول "لاتنبت العُشب في الأرض التي تطؤها قدم التُرك".
   يقع الجزء الأكبر من تركيا جغرافيا ضمن خارطة الشرق الأوسط لكن تركيا لاتنتمي إلى ثقافة المنطقة بشكل منسق رغم أنها كانت قائدة للأمبراطورية العثمانية المسلمة. فالولايات العثمانية المسلمة من عربية وكردية، والولايات الغير مسلمة من أسبانيا والنمسا وغيرها قاومت الأمبراطورية العثمانية وطالبت بالتحرير والحرية. وهنا تكمن الحقيقة التي مفادها أن الولايات المسلمة رفضت حكم الترك العثمانيين ثقافيا وسياسيا ودينيا، بسبب الإختلافات في الطبيعة السيكولوجية والمعلوماتية والممارسات التي لم تكن تلائم العقليات الغير تركية حتى لقبت الأمبراطورية العثمانية بالرجل المريض مثلما يلقب اليوم تركيا بالرجل الغريب. أي أن طبائع الشعب التركي غريبة في ممارساتها إلى درجة ترفض دول الشرق الأوسط إعتبارها دولة شرق أوسطية، مثلما لا تتقبل الدول الأوربية إعتبارها دولة أوربية.
   لجأت تركيا مؤخرا إلى إسرائيل وعقدت معها إتفاقيات عسكرية وأمنية، كما أن يهود الدونمة لهم دور كبير وفعال في النظام التركي. وتجري تركيا مناورات عسكرية مشتركة مع القوات الإسرائيلية، كما أنها نسقت جهودها مع الموساد الإسرائيلي بخطف عبد الله أوج آلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، والعمل بالقضاء على الحركة التحررية الكردية. وترفض تركيا وحدة قبرص، وتتدخل في الشؤون القبرصية بحجة الدفاع عن الأقلية التركمانية هناك.

إسرائيل تحكم العالم لذاتها وتركيا تعجز في حكم نفسها

يتصرف النظام التركي كيفما يريد بشكل يجعل تركيا أكثر إنعزالا. ويبدو أن تركيا تريد أن تقوم بممارسات من منطلق القوة كإسرائيل، لكن تركيا تقع في الهاوية في ممارساتها الإستبدادية، كما أن إسرائيل واقعة في مستنقع العدوان. فإسرائيل بحكم قوتها الإقتصادية الكبيرة في حكم إقتصاديات العالم، وتنظيمها السياسي والمخابراتي وقوى الضغط الموزعة بشكل منظم في الدول صاحبة القرار تعطيها القوة الكافية لإختيار رؤساء دول، والتأثير على الأحداث العالمية، ومناهضة قرارات الأمم المتحدة، ودورها المأثر على السياسات الأمريكية، ومع ذلك فإنها عاجزة في توفير السلام لشعبها لعدم قدرتها في الإعتراف بحرية الآخرين. فإسرائيل ليست صديقة لأحد سوى مصالحها. وحلف تركيا العسكري مع إسرائيل هو في خدمة إسرائيل وليس في خدمة تركيا. وتركيا تعجز في حكم نفسها ولذلك لا يمكن مقارنة تركيا بإسرائيل في التأثير على الأحداث على المدى البعيد. وقد تربح تركيا معركة معينة لكنها تخسر الحرب في النهاية.

د. خالد يونس خالد
باحث وكاتب صحفي مقيم في السويد



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لجان الإستفتاء تنظم مَظاهرات من أجل إستقلال جنوب كردستان
- أفكار في مواجهة الرصاص - الكرد يطالبون بتشكيل دولة كردية في ...
- قراءة جديدة للقضية الكردية في مواجهة الإرهاب
- رسائل تعزية
- زواج الأضداد
- ماذا تعلم الكرد من التاريخ؟ لا حل للقضية الكردية في العراق ب ...
- العراق وأزمة العقل العربي 2/2 - صدام حسين في الأسر وأكذوبة أ ...
- العراق وأزمة العقل العربي 1/2
- قريتي
- إشكالية تسييس الإسلام وعلمنة المجتمع
- مشوار في جنينة الحوار المتمدن
- نحو النور
- مقدمة الديوان الشعري -رفات تناجي ملائكة السلام
- مقدمة كتاب دراسات حول القضية الكردية ومستقبل العراق
- الحيرة الذهنية
- الوعي واللاوعي بالتراث
- طفلتي الصغيرة
- التعصب يمزق جدرانه فإلى أين ينتهي بنا التفكير؟
- الطفل المعجزة
- مشوار منفى الروح في القرى الكردستانية


المزيد.....




- السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق ...
- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4 ...
- فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان ...
- أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد يونس خالد - تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 1-2