بين حين وآخر وبين صحيفة وأخرى ، وبعد أن ذهب الطاغية إلى غير رجعه ، يطل علينا وجهاً من تلك الوجوه ، التي كانت تعج بها ساحات المهرجانات و مسارح الاحتفالات وشاشات فضاء التلفزة وأثير الإذاعة ومطابع الصحافة والكتب ، التي أصبحت لهم وحدهم ، في ترتيل ما ينتجوه من ثقافة العنف التي سارت على خطى أيديولوجية الحزب الفاشي الحاكم لمدة خمس وثلاثون سنة . تلك الثقافة التي يشهد عليها شاهد حي ومن أبناء حزب البعث ومن بقي في العراق ألا وهو الشاعر "علي الحلي " حيث يقول في جريدة الصباح الصادرة عن سلطة الاحتلال (لم تقتصر الحركة التعبوية الشاملة في تجنيد جميع وسائل الإعلام المقروءة منها والمسموعة والمرئية في خدمة سلطة الفرد الفاشية بالترغيب والترهيب معاً، وانما تحولت في المرحلة اللاحقة إلى تسخير أدوات الثقافة والفن والفكر. من المطبوع الشعري وانتهاء بالمجلات الحكومية المحسوبة على قطاع الثقافة الرصينة كمجلة ”الأقلام “ ووصولاً إلى مجلة سياسية، اجتماعية، عامة أسبوعية مثل ”ألف باء“ التي بلغ فيها التردي المعرفي، والثقافة السوقية درجة متدنية من السوء والاستهلاكية التافهة لدعاية المشاريع الكبرى الكارتونية في الميادين الزراعية والاقتصادية والمعمارية بلا أسس!. .)
هؤلاء مازلوا يصرون على الإطلالة بعدة أشكال من هنا وهناك لا ككتاب قصة وقصيدة ومسرحية ، وإنما يطلون علينا كمنظرين لهذه المرحلة العويصة، مستحوذين بهذا القدر أو تلك على المشهد ، بحكم ما يمتلكوه من خبرة أيام الممارسة اليومية في إذابة فكرهم الذي إعتنقوه ضمن مجالات الأبداع المتنوعة ، وهم يحاولون الآن وقد نجحوا بعض الشيء هنا ، في دس أنوفهم لتقديم أنفسهم وكأنهم وحدهم الدعاة الحقيقيون للحرية العراقية والديمقراطية العراقية والتعددية الحزبية ، والحوار المتكافئ في مهرجانات قادمة ، إنهم يقفون على مستوى يغمزون به ويلمزون ، على إنهم الثوار الأحرار والرجال القادمون من سوح النضال ضد الدكتاتورية والحروب ، وهذا ما حاول الجهر به ورفع صوته أعلى من الجوقات نوعما الشاعر " فاروق سلوم" حيث قال في مقاله الأخير ...( وتعلى لافتات أدباء الخارج وهم في غربتهم الخضراء أو في مكاتب مجلس الأعمار ممن جاؤوا مع السيد بريمر ومساعديه .. منقطعين عن الحياة الساخنة.. الآن ومن قبل..لذلك نتساءل هنا.. الأعتذار لمن..والمكاشفة مع من ..مع التشكيلات السياسية التي تخاف المثقفين.. أم مع الأحزاب التي آثرت أن تأتي برفاق النضال لتكرر خطأ الدكتاتوريات الستالينية والصدامية.. وخريف البطريرك..)
ومن هنا أتفق مع الكاتب "فرات المحسن " في رده على مقال "فاروق سلوم " الذي إقتبسنا منه مابين قوسين أعلاه ، لكن مما قاله سلوم يكشف الكثير من التجني وصورة لها ظلال ممارسة " ثقافة العنف " التي كان أحد رجالها الأبرار في المسؤولية والكتابة والنشر والتنظير خلال الندوات والأماسي وما غيرها ممن إرتدوا حينها ثياب المهام الزيتونية . في مقاله أجمع الشاعر فاروق سلوم بأقواله على إن إدباء الخارج جميعا هم مع المشروع الأمريكي ( جاؤوا مع السيد بريمر ) أو هم أولئك الذين لا يستاهلوا المكاشفة لأنهم مع تشكيلات سياسية ( آثرت أن تأتي برفاق النضال لتكرر خطأ الدكتاتوريات الستالينية والصدامية ) ومصطلح الصدامية أظنه مقحماً هنا . وبذلك يكون قد ألغى جمهرة كبيرة جداً في الوسط ثقافة المنفى التي هي مستقلة ولا تلتقي مع الأحزاب السياسية العراقية إلا في الهموم الوطنية العراقية التي أنتجها النظام الحاكم قبل سقوطه من خلال ممارساته اليومية والتي جيشت الجيوش العسكرية والأعلامية ، حيث كان يفتخر ( لطيف نصيف جاسم ) بوزارته للأعلام والثقافة ومعه فيلقاً آخر ، كان يحارب في مسخ العقل العراقي . فالنظام الذي ولى لم يكن وزارتي الدفاع والداخلية بل له كل الوزارات بما فيها وزارة الثقافة والأعلام لأهميتها . وهنا ليس فخراً القول ( نحن الذين بقينا من أجل الحق القليل .. والظلم الكثير طيلة العقود الكابوسية..) أيّ حق قليل وأيّ ظلم كثير الذي أصابه ، وهو السيد الشاعر " فاروق سلوم" العضو الفعال ضمن مؤسسة حزبية فكرية كانت يؤمن بها وينتج ويؤدلج لها عبر مهام مطروحه ، فلم يصبه مما جرى وما حصل من ذلك الخراب العظيم الخراب الذي قدم خلال سبعينات القرن الماضي ، عندما شنت الحرب على القوى الديمقراطية العراقية والدينية وكذلك عندما شنت الحربين على الجارتين إيران والكويت ، حيث هدمت روابط الأخوة العربية والأسلامية ، وهذا ما قاله من إنه لم يكن خارج تنظيمات حزب البعث إلا عند عام 1993 ، فعليه فهو كان ضمن الجوق المادح الصادح في التصفيق والتكوين ، فما كان يفعل قبل هذا تاريخ 1993 وما قدمه من إمور الطاعة والترويج ، وهذا ما حاول فضحه الشاعر"علي الحلي " في جريدة الصباح فيذكر( من ثقافة الأمس الموات.. هناك عيّنة شعرية عن”غراب البين!! “ كتبها الشاعر الرقيق”فاروق سلّوم “، نشرتها جريدة”القادسية “ في عددها المرقم:”10327 “ الصادر في يوم السبت 12/ 7/ 2000، سوف نستلّ منها بعض الدلالات الكونية الآلية، والمعاني الخارقة المستقبلية عن ولي نعمته، فماذا يقول عنه: فقلنا بأنك..”.... “. صوت الحقيقة. منذ الخليقه. صوت المؤذن في شاهقات المآذن. تنطفئ الشمس. يأتي ضياؤك. عبر هلالك. رسمناك فوق شفاه الصغار. نشيداً. جئت بتموز. تضفي على جمعنا. ما حبا الربُّ ذاتك.. أحلى الصفات!!!.. “ واخزياه يا فاروق! ومن ثقافة الابتذال والانحلال.. والارتحال.. كتابات اتسمت بالضحالة، وفقدان الذوق الشاعري، وطفح التهريج، وانتفاء الرؤية النيّرة، وجدة الفكرة.. المهم.. ان ينشر الكاتب، وهو بحالة هرولةٍ ونقرٍ على الطبل.. أيّ مسفوحٍ من الثناء الصنمي، والمديح الوثني، كي يقبض مقابل الكذب المنمق، والتدليس الفج والنفاق المهراق، وشهادة الزور المجانية.. بضعة آلافٍ من دنانير، أو دولارات لابد ان تجد لها طريقها في إحدى المصارف العربية بشمال أفريقيا.. أو في مكان آخر..نشر”حميد سعيد “ يوم الثلاثاء في جريدة”الجمهورية “ وبتاريخ 3/ 3/ 1992 ما نصه:”ان أهزوجة “ بوش.. بوش.. اسمع زين.. كلنا نحب”غراب البين!! “ وخزة ونداء في آن واحد، وانهما الوخزة والنداء لا تخصان الرئيس الأمريكي.. وحده بل تخصان كل الخائبين، والخونة، وباعة الضمير. وان هذا الحب.. مصدر عذاب”بوش “ وعملائه الصغار، ومؤجج أحقادهم على العراقيين.. وبطلهم الوطني! أجل.. يا حميد سعيد.. أيها الفرّار مثل صاحبه الذي سلم عاصمة المجد العراقي في سويعات معدودات لقوات الاحتلال الأجنبي فور سقوط تمثاله في ساحة الفردوس وانسلّ هارباً إلى أحد جحور الأرض، يقتات عفونة العار، ولعنة التاريخ ).
بذلك قد تسنى لفاروق سلوم الصعود نحو مراكز المسؤليات التي ذكرها له الكاتب" فرات المحسن" في مقاله المنشور يوم 28-2-2004،. أما التعكز على ( إن عمي هو الفريق طاهر يحيى آخر رئيس وزراء البلاد قبل إنقلاب البعث عام 68 ...) ، فهل هو لتذكير العراقيين من إن " طاهر يحى " كان رجل الديمقراطية العراقية وباني نهضتها الفكرية والعمرانية وداعية حقوق الأنسان وبذلك قد فقدنا صرحاً من رجال النضال...؟ أم إن " طاهر يحى " له صورة أخرى لم تكن تشبه جلادي العراق ، ألم يكن جنرالاً ضمن جوقة جنرالات الحكم الذين تعاقبوا حيث غلبه صحبه عام 1968.
من هنا فأن الدعوة إلى المحبة تأتي ممن مارسها لا من كان جلاداً للعقل العراقي عبر الممارسات الثقافية التي يرسمها مكتب الثقافة والأعلام التابع لحزب بعث العفلقي العقود عدة ، فلا يمكن مجئ المحبة عبر القول ( كنت ببلاهة الشاعر.. وسذاجته أحاول إقتراح المحبة.. ) فمن هنا تكون الدعوة أولاً لممارسة الأعتذار للطفل العراقي منذ عقديين و أكثر ، و مما مورس خلالها من تعسف ثقافي مسبق مبني على الشوفينية والعسكرة ومحو الشخصية العراقية. أما تسطير الكتابة هكذا إلى حد السخرية وكأن الأمر لا يمكن مكاشفته وتفتيت تكويناته التي أرست نتاجهم المتلون في ليّ أعناق الحقائق ، وعليه أدعو الشاعر " فاروق سلوم " الرجوع لكتاب الباحث والروائي العراقي " سلام عبود " والمعنون بـ" ثقافة العنف " حيث كان جهده الكبير في كشف ما كان مستتراً تحت أغطية من اللافتات الوطنية المتعددة وهي تجر نفسها نحو غايات الخنوع العظيم ، حيث مازال مترسباً بكل قوة في ممارسات الثقافة اليومية ممن كانوا أدوات لأعلام النظام السابق ، حيث أسس بذلك " سلام عبود " محوراً في كشف المكشوف ومما لم يكشف عنه ، لغياب دعوات الكشف عن ركام نتاج مؤسسة ثقافة النظام الدموي المستورة نظراً لقوة علاقات المحاباة والتدليس والمحسوبية والشليلة النفعية هنا في المنفى أو هنالك في الوطن المحتل ، من خلال بهرجة نجومية دعاية وزارات النظام الهارب ، فليس من المعقول إنهم قد إنسلخوا سريعاً ، مع سقوط الصنم ، من التكوينات والممارسة الحية في خنوعها ، وهذا ما ذكره الكاتب الشاعر" فاضل السلطاني" في مقال له في جريدة الشرق الأوسط اللندنية :( لا ديكتاتور بدون قطيع، ولا قطيع بدون خنوع، هذا الخنوع الذي يصبح مع الزمن، كما تشخص بصواب ليلى نعيم في تقديمها لترجمة رواية (الخنوع): «شخصية اجتماعية ليست متفردة أو خارجة تركيبتها عن المألوف، بل هي وكما حددها أريك فروم، شخصية تحمل في داخلها صورة كاملة لنظم مجتمع ومسلكيته، شخصية تجسد في أخلاقيتها نظماً اجتماعية موجودة، وسلطة تسعى لتثبيت هذه في نفوس الافراد..".)
وختاماُ أنوه للأخ العزيز" رزكارعقراوي " محررجريدة الحوار المتمدن ، من إن الصحيفة يسارية تقدمية ، فعليه فهي صحيفة واضحة المعيار السياسي والفكرة والتفكير والموقف ، فكيف لها هنا أن تجمع مابين سطورها كتابات لمن ليس إلا أن يكون يمينياً فكراً وممارسة والنفع الوظيفي ، بحكم إن الوظيفة هي توظيف الأمكانيات وترسيخها خدمة لصاحب الوظيفة. فكيف لنا أن نفسح المجال لمن شركاء في دولة مافيا أن يصبح بين ليلة وضحاها مابين ظهرانينا وهو ينشئ ويفلسف ويؤدلج ويعطي القياسات والمقاييس والأصول في قراءة المستقبل وهو يدنو شيئاً فشيئاً نحو التقدم في حمل اللواء في المسيرة ، دون ان يتناسى ، أن الأفضل له الأهتمام بقصصه أو قصائده ، دون الأقتراب من ساحة التنظير حول الديمقراطية وحقوق الأنسان والحقوق المستلبة ، فليس من حق هتافي السلطة اللاعادلة في إمتلاك عذابات الضحايا والجلوس على منصة الأستحاقات والمتاجرة بها وتسويق الردح الجديد وإستحواذ كراسي الصفوف الأولى . إذن من يعطي ومن يأخذ... ؟ ومن هو الجلاد ومن هو الضحية ...؟ ومن يكشف المكشوف ، ومن يعتذر ، صاحب السلطة ومروجيها أم الرعية وشهدائها...؟