أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عزيز رضى - نقد الأسس الأيديولوجية و السياسية للنهج الديمقراطي















المزيد.....



نقد الأسس الأيديولوجية و السياسية للنهج الديمقراطي


عزيز رضى

الحوار المتمدن-العدد: 2476 - 2008 / 11 / 25 - 09:26
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


المناضل فؤاد الهلالي أحد مؤسسي منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية بالمغرب و عضو سابق بالكتابة الوطنية للتهج الديمقراطي و هو معروف بمواقفه الثورية ، إنسحب من المؤتمر الثاني للنهج الديمقراطي في يوليوز الماضي و كتب هذه الورقة التي تعتبر نقدا للنهج الديمقراطي من جهة و نقدا ذاتيا من جهة أخرى ، و لتعميم المعرفة بما يقع داخل النهج الديمقراطي إرتأينا نشرها لما لها من أهمية في الصراع الأيديولوجي و السياسي في أوساط الماركسين بالمغرب.

إلى كافة مناضلي ومناضلات النهج الديمقراطي


انعقد كما هو معلوم المؤتمر الوطني الثاني للنهج الديمقراطي بتاريخ 18، 19 و20 يوليوز 2008 بالدار البيضاء، وقد كانت لحظة الافتتاح مميزة وناجحة ولا يفوتني إلا أن أنوه بدائرة العلاقات الخارجية ولجنة تنظيم الافتتاح بالمجهود المبذول لتكون جلسة الافتتاح لحظة مميزة من حيث الحضور الوازن للقوى السياسية الدولية ومن حيث الأداء الفني.
لقد وضعت الظرفية الدولية والوطنية النهج الديمقراطي أمام لحظة سياسية ونظرية بامتياز لرفع رهان التحديات المنتصبة أمام مسيرته النضالية. ورغم أننا لا نهدف هنا إلى تقييم شامل للمؤتمر، فإن المتتبع لأطوار أشغاله قد يتوقف عند العديد من الملاحظات تمس سير أعماله كما هو الحال بالنسبة للتسيير وتدبير الوقت وما تركاه من انعكاسات على برنامج ونتائج المؤتمر.
كان بالإمكان رد ذلك إلى أسباب تقنية محضة، لولا أن نظرة معينة صاحبت المؤتمر منذ انطلاق أعمال التحضير له. ومن انتظروا لحظة المؤتمر كالتجاء أخير لتصحيح تلك النظرة قد خابت آمالهم، ومنهم من جاء من مناطق نائية متكبدا مشاق السفر دون أن تتوفر له الفرصة للإدلاء بدلوه في القضايا المطروحة أمام المؤتمر.
ونستطيع الآن، بعيدا عن صخب الجلسات وما تولده من توترات أن نؤكد أن المؤتمر الوطني الثاني من خلال نظرة مهندسيه قد زاغ عن هدفه لأنه ببساطة انعدم فيه الحد الأدنى من الديمقراطية الضرورية للنقاش وإبداء الرأي والإقناع والاقتناع. وووجهت طلبات النقاش المتكررة بلغة الخشب لأن "التوجيهات" أرادت الإبقاء على الأمر الواقع ما دام المؤتمر له صبغة تقنية واحتفالية ليس إلا. وكان للتسيير "الحديدي" في مختلف لحظاته أن يطبق تلك التوجيهات. وليس التمطيط في الوقت الغير المبرر، والتلاعب في الخلاصات والتقلبات المصاحبة للتصويت وغيرها إلا وسائل للهروب من النقاش عبر امتصاصه ومحاصرته وتطويقه.
وللبعض أن يطمئننا بالنجاح – ولا نصادر حقه – ولكن نوجه انتباهه إلى أن الديمقراطية كانت الغائب الكبير، وقد تم التنكيل بها ومحاصرتها عبر خلق أجواء تذكرنا بما يجري داخل إطارات جماهيرية وسياسية لا تنتمي لقيمنا ومبادئنا. وإذا كان البعض قد اعتقد أنه بالإمكان تحويل المؤتمر إلى حلبة اقتتال بين الرفاق فقد أخطأ لسبب بسيط هو أننا متمسكين بسلاح النقد ونميز التناقضات كما يجب ونكن الاحترام لكل ذي رأي مهما اختلفنا معه.
ومما حصل، نستخلص المسؤولية التي تحملتها قلة تعتبر نفسها فوق الهياكل ومؤتمنة لوحدها على النهج الديمقراطي. اما الذين نفذوا خطتها - بوعي أو بدون وعي – حسب الحالات، فقد سقطوا في فخ ما كان لهم السقوط فيه. وعليهم تصحيح نظرتهم للأمور.
وأما القلة التي أحبكت خيوط المؤتمر بتلك الطريقة الفجة فبكل صراحة عليها تقديم نقد ذاتي للرفاق.
ولأنني لاأقبل بالإهانة، وأفضل "السباحة ضد التيار" على أن تمس حقوقي الأولية كمناضل، فقد قررت إيصال موقفي إلى كل المناضلين والمناضلات بدون استثناء. والصفحات التالية هي تركيز لمواقفي من القضايا التي كان لازما أن يبث فيها المؤتمر الوطني الثاني للنهج الديمقراطي.
فما أحوجنا جميعا، مناضلين ومناضلات، أن نتحلى ببصيرة تاريخية وفكر ثاقب ونفاذ إلى جوهر الأشياء المتوارية وراء أحجبة "الملموس المزيف"... لنتقدم بخطى تابثة وعزيمة لا تلين نحو الأفق المنشود الذي سقط من أجله شهداؤنا الأبرار. وعلى حد تعبير لينين: "كل من يخشى المجهود يحرم نفسه من إمكانية الوصول إلى الحقيقة".







بصدد نظرية "السيرورات الثلاث" :
المنطلقات والانزلاقات
بقلم: فؤاد الهيلالي

"لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية"
لينين
"وحدها الحقيقة دائما ثورية"
جرامشي
"كل من يخشى المجهود يحرم نفسه من إمكانية الوصول إلى الحقيقة" (1)
لينين


تقديم:

لعل القارئ سيفاجأ بوجود نظرية بهذا الإسم. وبالفعل قراءة بسيطة لأوراق النهج الديمقراطي قد تدفعه إلى الشك في هذا الادعاء. ومن جهتنا، ومن حيث الشكل، سنؤكد له أن لا وجود لنظرية تحمل هذا الإسم. بل أكثر من هذا لا وجود لمؤلف أو وثيقة سواء شخصية أو جماعية تدعي لنفسها رسميا ذلك.
ودون لف ولا دوران، نعتقد أن القراءة المتأنية لمشاريع أوراق المؤتمر الوطني الثاني للنهج الديمقراطي المدعمة بسابقاتها المقررة من طرف مؤتمره الوطني الأول، وباستحضار التجربة المتراكمة لسنوات، وبالبحث عن الخط الفعلي لممارسته وليس المعلن فقط، ستجعلنا في الأخير نؤكد وجود مثل هذه النظرية.
إن القراءة التحليلية –التفكيكية- للنصوص المقدمة إلى المؤتمر الوطني الثاني، ثم إعادة تركيب المفاصل والمحاور وبعد استعراض أهم التفاصيل، سمحت لنا بعزل الأطروحات الأساسية والبحث في علائقها ومنطقها الداخلي، ومن ثمة استخراج نواتها المركزية وتسليط النقد عليها. إنها مهمة ليست بالسهلة أو الهينة، ذلك أن تلك النواة لا تفشي بجوهرها وتظل محفوفة بتمظهرات تختفي وراءها.
إن نظرية السيرورات الثلاث (حسب هذه النظرية: نضال النهج الديمقراطي يندرج ضمن ثلاث سيرورات : 1- سيرورة المساهمة في بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين 2- سيرورة تطوير وتوسيع الحركة النضالية عبر بناء وتطوير وتنويع تنظيماتها الذاتية المستقلة 3- سيرورة بناء تحالف الطبقات الشعبية عبر المساهمة في بلورة برنامج يركز مهام التحرر الوطني والبناء الدمقراطي وتلتف حوله أكبر قوة سياسية واجتماعية ممكنة) (2) هي تلك الصيغة المختصرة لأهم الأطروحات السياسية والإيديولوجية والتنظيمية للنهج الديمقرطي، هي النواة الصلبة التي تدور حولها كل تلك الأطروحات. ورغم تموجات السياسة وتقلباتها، وبالرغم من الفروق التي تظهر هنا أوهناك في النصوص، والتي قد تعود إلى المستويات المختلفة من الاستيعاب لدى المناضلين، أو للطابع الشخصي لأساليبهم الشخصية، تظل النواة الصلبة لهاته النظرية قادرة على التكيف والاستقرار والديمومة.
إنها مركز (مكثف) للأفكار الأساسية، وملتقى لنظريات فرعية (sous-théorie) آتية من آفاق مختلفة ترسبت في فكر وممارسة التنظيم والمناضلين وتسري في الجسم سريان الدم في العروق. إنها فلك تسبح فيه سياسة النهج الديمقراطي. ودون تغيير للسرعة فلا خروج من المدار !
إن إخضاع هاته النظرية وتفرعاتها للنقد هو الخطوة الأولى لتلمس سبل الخروج من الأزمة التي يتخبط فيها النهج الديمقراطي ومواجهة إعادة إنتاجها باستمرار (لا أحد اليوم يمكن أن يراهن بعدم وجودها). ولأن التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة، ولكون نظرية السيرورات الثلاث خاطئة في منطلقاتها، فالتنظيم يعاني من نتائجها السلبية (كل الاختلالات البنيوية للتنظيم تؤكد ذلك) لحد أنها أصبحت كابحا أساسيا لتطوره ونموه الطبيعي.
I- في الأسس النظرية "لنظرية السيرورات الثلاث" ونقدها :
1- حسب الصيغة المختصرة (formule) لهاته النظرية المقدمة في مشروع "ورقة حول الوضع السياسي ومهامنا"، فإن العلاقة بين للسيرورات الثلاث تقوم على "الترابط والتزامن"، مما يعني أن حركية السيرورات قوامها الترابط وتبادل التأثير من جهة، والسير في خط تطور متزامن، أي متساو ومستقيم من جهة أخرى.
وهكذا ومنذ البداية تم وضع وعاء فارغ لسيرورات مجردة، لأنها ببساطة أكدت على الترابط وتناست الانفصال، فأغفلت الخصوصية والفرادة التي تتمتع بها كل سيرورة، والتي تستمدها من ذاتية مصدرها الذي يحركه تناقضها. ولذلك بقيت أحادية الجانب وسقطت في نظرة ميكانيكية.
وعند معالجة خط التطور، وضعت النظرية السيرورات الثلاث على خط انطلاق واحد، أي أنها تتطور في وقت واحد وبشكل متساو.
إن ترتيب العلاقة على هذا الأساس يمحي بجرة قلم تراتبية السيرورات الثلاث، ويعدم البنية المحددة للعلاقات بينها ضمن السيرورة الموضوعية (سيرورة التحرر الوطني والدمقراطي ذو الأفق الاشتراكي) التي يحكمها التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي وتمفصلهما. فالسيرورة الأولى تنتمي إلى التناقض الأول، وإن أخذت مضمونها السياسي من التناقض الثاني، بينما تنتمي السيرورة الثالثة إلى التناقض الثاني، وإن تأثرت ضروريا بالتناقض الأول. إن السيرورة الأولى تنتمي إلى المضمون الأممي للاشتراكية، الذي يقتضي بناء حزب الطبقة العاملة وبناء الاشتراكية. بينما السيرورة الثالثة تعطي الشكل الوطني لهذا المضمون الأممي لانخراطها في عملية بناء جبهة الطبقات الشعبية، الأداة السياسية لتحقيق التحرر الوطني الديمقراطي وبناء الاشتراكية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها السياسي المستقل. وكل ذلك في احترام لطبيعة التشكيلة الاجتماعية المغربية.
إن بناء تحالف العمال والكادحين (كادحي المدن والبوادي) هو العمود الفقري للجبهة الشعبية. وفي قلب العملية يوجد الحزب الثوري للطبقة العاملة كمهمة للبناء ذات أولوية ومركزية. إن التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي يلتقيان ويتبادلان التأثير في سياق ما تسميه النظرية بالسيرورة الثانية. فبين معرفة الحاضر واستشراف المستقبل هناك علاقة جدلية تحققها الممارسة الاجتماعية الثورية المرتكزة إلى فلسفة البراكسيس الثورية.
إن النظرية الجدلية تمسك بالحاضر في حركته. وصيرورة (devenir) التحرر الوطني الديمقراطي كما نراها (أي في أفقها الاشتراكي) يحكمها التناقض الأساسي الذي يفعل في العمق. والاختلاف بين نظرتنا ونظرة الإصلاحيين هي سقوطهم الدائم في اعتبار التناقض المحرك للفترة هو بين البورجوازية المتوسطة والصغيرة وبين الطبقات السائدة. إن الأوهام الإصلاحية تقوم على إمكانية تحقيق مجتمع رأسمالي وطني في ظل تشكيلات اجتماعية تعاني من التبعية الاقتصادية والسياسية للإمبريالية، متجاهلة العجز البنيوي (الاقتصادي والإيديولوجي) للبورجوازية الصغيرة والمتوسطة عن تحقيق مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. لقد أثبتت اللينينية أن عصر الثورات البورجوازية الكلاسيكية قد انتهى بدخول الرأسمالية مرحلتها الإمبريالية.
لمواجهة المنحى الإصلاحي لهاته الطبقات، نؤكد دائما على أهمية النضالات الجماهيرية التي يدفع بها إلى الأمام التناقض الأساسي. وهذا غير ممكن دون العمل في الفترة الراهنة على تركيز قيادة البروليتاريا للنضالات الجماهيرية.
إن التقدم في إنجاز المهام لن يكون إلا إذا تم إدراك أن النهج الدمقراطي في مفترق طرق تتقاطع فيه ظرفيتان : الاولى سياسية والثانية نظرية. وهو ما يعني ضرورة بلورة نظرية لعمله السياسي تقوم على التفكير الذاتي (auto réflexion) وتطوير الأداء السياسي للتنظيم. إن تحليل الظرفية في التقليد الماركسي هو تركيب لمجمل التناقضات الفعلية في تشكيلة اجتماعية، في لحظة من تطورها، تعبر عن نفسها من خلال الصراع الطبقي المتعدد الأشكال (اقتصادي، سياسي، إيديولوجي، ثقافي) بين الطبقات الاجتماعية. ويكون هذا التحليل في خدمة العمل السياسي.
وكما سنرى فشل مشروع التحليل السياسي المقدم إلى المؤتمر الوطني الثاني للنهج الديمقراطي في تحقيق ذلك.
2- خطأ "نظرية السيرورات الثلاث" أنها في نظرتها السانكرونية قد جعلت من السيرورات أعلاه منظومة واحدة تلغي الخصوصيات والشروط الملموسة، ومن ثمة تأكيدها فقط على التأثيرات الخارجية المتبادلة (الترابط)، وهي نظرة ميكانيكية وأحادية الجانب.
إن السيرورات حسب تلك النظرية، تتطور في خط مستمر ولا تتأثر بقانون التطور الغير المتساو، والذي يعني وجود لحظة انقطاع في هذا التطور. مما يعني الانتقال من لحظة إلى أخرى أو من فترة إلى أخرى ومن مهمة إلى أخرى. إن علاقة السيرورات هي علاقة تناقض، وشمولية التناقض المشخص للوحدة تعني في نفس الوقت الاستمرارية والانقطاع. دون ذلك تنطلق مهام التحرر الوطني، التي تلخصها نظرية السيرورات الثلاث، في مكان وزمان سوسيوتاريخي متصل ومتجانس. إن التقاطع بين السيرورات قائم. ولكن هذا لا يمنع من التمييز بين السيرورات، ومن ثمة كذلك التمييز بين التناقضات المختلفة، وتحديد الخط الفاصل بين الفترات والمراحل، بين الأصدقاء والأعداء الضروري لأية استراتيجية.
3- لا شك أن قارئ الورقة قد بدأ يدرك لماذا ترفض "نظرية السيرورات الثلاث" الإقرار بأولوية السيرورة الأولى بشكل عام. ولكن التمعن في الأسس النظرية التي تقدمها لمشروع التحرر الوطني الدمقراطي والاشتراكي يجعله يدرك أكثر لم ترفض القبول بفكرة الحزب (حزب الطبقة العاملة)، وكيف تفهم "صيغة التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة". وللتذكير ظل العديد من المناضلين يستعملون صيغة "الأداة السياسية"للطبقة العاملة" التي تم نقدها خلال الإعداد للمؤتمر الوطني الأول. وإذا كان من حسنة يقدمها التحليل االسياسي هو أنه يظهر لماذا هذا التشبث برفض صيغة الحزب؟
وإذا وضعنا جانبا مجموعة من العموميات حول الاشتراكية، وبالاستناد إلى أسئلة أربع حول فشل الاشتراكية تحمل في طياتها أجوبة –حسب مشروع التحليل السياسي- ، سنجد نظرية السيرورات الثلاث تنهل من اشتراكية تقول عنها أنها غير دولنية، ولا تقوم على حزب طليعي يمتلك المعرفة ... وتشكك في مجموعة من الاختيارات (أنظر الأسئلة الأربع) ولا تقدم جوابا عنها. وإن كان الجواب في فقرة سابقة. هناك تخلي معلن عن أي دور للدولة في بناء الاشتراكية، كما أن الحزب الذي يمتلك المعرفة هو الآخر لا حاجة لنا به.
وعلى القارئ أن يدرك أن الدولة هي دولة الطبقة العاملة (دكتاتورية البروليتاريا) والحزب هو حزب الطبقة العاملة. وإذا كنا نتفهم –ولا نقبل- رفض نظرية السيرورات الثلاث للينينية، فإننا نتساءل عن مدى ماركسية هاته النظرية؟
لقد كان لسقوط التجارب الاشتراكية، ولا شك، أثره الكبير على الخوف الذي ينتاب أصحاب هاته النظرية، كلما دعا الأمر إلى تحديد المفاهيم وضبطها. ولكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد من السطحية، فإنه لأمر غريب من قبل مناضلين ما لبثوا يكررون أنهم ماركسيون.
لقد سقطت نظرية السيرورات الثلاث في فراغ نظري ملفت نتيجة فقدانها للبوصلة وصارت تبشر بطوباوية فوضوية.
4- بعد الإخفاق في تحديدها للأسس النظرية للمشروع الاشتراكي، ارتجلت نظرية السيرورات الثلاث مجموعة من العناصر المتنافرة لإعطاء أسس لمشروع تحررها الوطني والديمقراطي.
وعلى القارئ أن يبحث عنها في مجموعة من الفقرات (مرحلة التحرر الوطني والدمقراطي، نقد مفهوم الانتقال الدمقراطي، اختيارنا الدمقراطي). ولتكتمل الصورة، على القارئ أن يعود إلى الجزء من وثيقة التحليل السياسي الخاص بالنظام العالمي والقوى المناهضة للرأسمالية، وكذلك السياق الوطني للتحليل السياسي إضافة إلى وثيقة "البرنامج العام للتغيير الديمقراطي الجذري".
عند تناول وثيقة التحليل السياسي وضعية الحركات المناهضة للرأسمالية ومهامها (وضمنها حركات التحرر الوطني)، غاب عنها أي تحديد بنيوي طبقي لهاته الحركات. ومن ثمة عدم توفر أية إمكانية لاستنتاج طبيعتها ومضمونها (خاصة بالنسبة لحركة الطبقة العاملة وحركة التحرر الوطني). وقد بلغ الخلط مداه عند إدماج التناقضات المابين إمبرياليات ضمن الحركات المناهضة للرأسمالية.
ولذلك جاء التحليل مغيبا للمهمة المركزية بالنسبة لحركة الطبقة العاملة عالميا، وهي إعادة بناء وحدتها بارتباط مع إعادة بناء أحزابها الثورية. وذلك من خلال استيعاب دروس تجاربها، ورصد التطورات الجديدة وتحليلها، بارتباط مع إعادة بناء النظرية الثورية الماركسية اللينينية.
وعند تناولها لحركات التحرر الوطني، انعكست لديها تلك البنية التحليلية فسقطت في الغموض وانعدم لديها تصور للعلاقة مع حركة الطبقة العاملة (عالميا) ككل، العلاقة التي يجسدها الشعار الأممي "ياعمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا".
ولا غرو أن يأتي تحليل السياق الوطني هو كذلك مرتبكا وعائما وتلفه جوانب غامضة. فجاء تحليل المشروع المخزني وتوزيع القوى الاجتماعية والسياسية بالمغرب دون مستوى حتى التحاليل السابقة للنهج الديمقراطي. فالمشروع المخزني – حسب الوثيقة - تعاني منه كذلك شريحة داخل الكتلة الطبقية السائدة، ومعها أوسع فئات البورجوازية المتوسطة. والاستبداد هو في خدمة المافيات المخزنية تحديدا. وعلاقة الكتلة الدمقراطية بالنظام المخزني هي علاقة اختراق الأول للثانية وإقناعها بشعاراته وهي نفس العلاقة الحاكمة لعلاقة النظام بالحركة النقابية (هي الأخرى اقتنعت بشعاراته وكفى الله المؤمنين شر التحليل !) وحركة المجتمع المدني (اختراق ورشوة). والأهم أن التاريخ قد أصدر حكمه على "الكتلة الديمقراطية" ومشروعها السياسي.
أما الحركة الجماهيرية فهي شبه مغيبة من التحليل في وقت تتكلم فيه الوثيقة عن بداية نهاية المشروع المخزني، دون أن تتطرق للمشروع النيومخزني الذي يتطور الآن أمام أعيننا. وبالإضافة إلى هذا وذاك هناك إشارات إلى البديل، ولا إشارة لطبيعة القوى الاجتماعية التي يرتكز إليها، خصوصا وأن فئات من داخل الكتلة الطبقية السائدة – حسب مشروع التحليل السياسي - هي الأخرى متضررة سياسيا واقتصاديا من المشروع المخزني.
ويغيب عن التحليل أي مفهوم نظري واضح لحركة التحرر الوطني. وبموازاة ذلك، لا تحليل للطبقات الوسطى (المسماة بورجوازية وطنية) وأوضاعها الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية (ثوابتها ومتغيراتها). أضف إلى ذلك تغييب الحركة الجماهيرية (العمال والفلاحون الكادحون رغم النضالات والانتفاضات ...). وهذا التغييب الأخير تتشاركه مع الأوراق الأخرى.
هناك فراغ تركته "الكتلة الدمقراطية" وحان الوقت لملئه من طرف "اليسار المعارض". ولكن ضمن أي مشروع؟
الإجابة تتطلب تركيبا لأفكار الورقة حول مجموعة من الموضوعات :
(1) على المستوى النظري: نقدها لمفهوم الانتقال الديمقراطي.
- انعدام نقد نظري، لدى الورقة، لمفهوم الدولة الرأسمالية ولتناقضاتها (تناقض السياسي والاقتصادي والاجتماعي ونتائجه : الدمقراطية البورجوازية) كمنطلق عام ومقارنة ذلك بالتشكيلات الاجتماعية التابعة واستخراج القوانين العامة لهاته التشكيلات.
- إن أهمية هذا النقد النظري ذات راهنية قصوى لليسار الثوري، إن هو أراد دراسة المستجدات، وفي مقدمتها إدراك المعنى والمضمون الرجعي "للدمقراطية النيوليبرالية" (وإيديولوجيتها الداعية إلى تفكيك الدولة القومية أي العودة إلى ما قبل الدولة القومية خاصة بالنسبة لشعوب "العالم الثالث") والتعامل مع الشعوب كطوائف، كإثنيات، كديانات كلها في علاقة مع السوق وفي سياق هاته الدمقراطية النيوليبرالية تسوق كذلك للعالم الثالث أنواع من "الديمقراطيات" كالديمقراطية المسماة L I D أي Less Intensive Democracy والتي تسوقها مراكز القرار الأمريكية.
- إن تأكيد هذا الطرح يبقى ضروريا لاستيعاب طبيعة المرحلة التاريخية من وجهة نظر السياسة الأممية. إن النضال من أجل "الدمقراطية" لا يتعارض والطرح الدعائي والاستراتيجي "للديمقراطية الشعبية" أو "لديمقراطية الجديدة" كبديل استراتيجي "للديمقراطية المخزنية" و"الديمقراطية الاشتراكية" كبديل "للديمقراطية البرجوازية".
- لهاته الاعتبارات أعلاه، افتقدت الوثيقة لأية أسس نظرية سواء لنقد "الديمقراطية المخزنية" أو ما أسمته "المشروع الوطني للطبقات الوسطى". فغاب أي نقد من الداخل "للبنية المخزنية" لدولة الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار والمافيات المخزنية في علاقتها مع التشكيلة الاجتماعية المغربية التابعة. ونفس الأمر ينطبق على أحلام وأوهام الطبقات الوسطى بالنسبة لما تسميه الديمقراطية، والانتقال الديمقراطي...
إن تعويض المنهج الماركسي بالمنهج المقارن والمعياري (normatif) (على أهمية الاستفادة منهما) لا يملأ الفراغ النظري الذي تعاني منه الوثيقة.
- حسب الوثيقة، وبتحديداتها الدستورية، النموذج المتوخى هو الديمقراطية السياسية، والنظام المناسب هو نظام دمقراطي دون تحديد للشكل. وشرط تحقيق ذلك هو وجود مناخ دمقراطي، الذي لن يتوفر بدون إضعاف البنية المخزنية، وعزل المافيات المخزنية ودمقرطة الدولة.
والسؤال الأول الذي يطرح نفسه حتما هو : هل الدمقراطية السياسية هي أقصى ما يتوخاه إنجاز مهام التحرر الوطني الديمقراطي؟ أما السؤال الثاني فهو : هل هذا الطرح يبقى تاكتيكيا؟ وفي حالة الإيجاب ما تكون هاته الاسترايجية؟
(2) على المستوى السياسي : الشعارات وأساليب النضال والنموذج :
- في سياق البحث عن أجوبة للأسئلة أعلاه، لايزيدنا شعار المرحلة المقدم من طرف وثيقة التحليل السياسي (قيادة حازمة لنضال التحرر الوطني والبناء الدمقراطي ذي الأفق الاشتراكي) إلا غموضا. بحيث لم يتم توضيح طبيعة هاته القيادة، أهي قيادة استراتيجية ام أنها تاكتيكية؟ وبلغة أخرى أهي جبهة طبقية شعبية تقودها الطبقة العاملة؟ أم أنها تحالف تاكتيكي أو تحالف سياسي لقوى سياسية؟ ونعتقد أن الأمر يتعلق بتحالف سياسي خاصة وأن شعار الفترة سياسيا هو "عزل المافيا المخزنية" حسب الوثيقة.
وفي كلا الحالتين لا وجود لطبيعة القوى الاجتماعية والسياسية التي ستقود أوستنضوي تحت لواء هاته القيادة الحازمة. إن شعار "عزل المافيات المخزنية"، بالاستناد إلى تحليل الوثيقة لتناقضات الكتلة الطبقية االسائدة، قد يهم الفئات "المتضررة" من استبداد المخزن والمافيات المخزنية. وبلغة السياسة "القيادة الحازمة" لن تكون إلا جبهة بإحدى المعاني التي سطرناها أعلاه. فلأي جبهة ستنضم الفئات المتضررة من الكتلة الطبقية السائدة. وهل ستتم تعبئة الجماهير بشعار سياسي واحد وإن كان هو "عزل المافيات المخزنية"؟
ولانعدام رؤية نظرية واضحة للتحرر الوطني ببلادنا، وغياب أي تلمس للتناقضات الحقيقية ببلادنا، نكاد نجزم أن مشروع التحرر الوطني لا يعني سوى حل تناقض البورجوازية الصغيرة والطبقات الوسطى والفئات المتضررة من الكتلة الطبقية السائدة مع المافيات المخزنية. ومما يؤكد طرحنا تبني الوثيقة لشعار "دمقرطة الدولة". إن شعار "دمقرطة الدولة" له تاريخ مع الحركة الماركسية اللينينية المغربية. كما أن شعار "عزل المافيات المخزنية" بالمضمون الذي تقدمه وثيقة التحليل السياسي يذكرنا بشعار آخر كانت منظمة إلى الأمام قد انتقدته وهو شعار "عزل النواة الفاشية". إن الشعارات يجب أن تطرح بمضمون دقيق، وعن تحليل ملموس، وبدون القفز على القوانين الأساسية التي تحكم التشكيلات الاجتماعية التابعة. فعزل المافيات المخزنية لن يغير طبيعة الدولة المخزنية لأنها بنيويا معادية للدمقراطية ودكتاتورية. ووهم التحاق الفئات المتضررة من الكتلة الطبقية السائدة بتحالف سياسي لن يحقق الديمقراطية.
إن الدولة المخزنية هي التعبير السياسي عن مصالح الكتلة الطبقية السائدة في شموليتها. وما تتجاهله الوثيقة هو طبيعة الشريحة المهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة، ولعلها شريحة الرأسمال الكمبرادوري الاحتكاري ...
- إن استراتيجية التحرر الوطني والبناء الدمقراطي ذي الأفق الاشتراكي، حسب وثيقة التحليل السياسي، تقوم على نهج أسلوب رئيسي هو أسلوب النضال الديمقراطي الجماهيري. ويعني ذلك أن استراتيجية التحرر الوطني ذات طبيعة "سلمية". وتؤكد الوثيقة على إمكانية نجاحها. لا نريد هنا مناقشة هذا الطرح بل الاطلاع على خلفياته ولكننا بحثنا في الوثيقة عن هاته الظروف الؤاتية فلم نجدها. وعلى كل حال، أمامنا تاريخ طويل وعريض وكل اختيار وراءه اختيار !
أما عن أسلوب النضال البرلماني فقد تم تناوله بصيغ مبهمة نعتقد أنها سترشحه ليصبح على الأقل الأسلوب الثانوي. ولعل هذا الطرح، حتى وهو يناقش الموضوع، متناسيا الأسس النظرية لمناقشته، قد تجاهل أن الماركسيين، في قضايا التاكتيك، يميزون بين "البرلمانية الثورية" و "البرلمانية الإصلاحية". وهذا بغض النظر عن أسلوب المشاركة أو المقاطعة وللحديث بقية.
وفي الأخير، ولأن مشروع التحرر الوطني والبناء الديمقراطي يستحق أن تكون له نماذج يقتدى بها، فقد وجدتها وثيقة التحليل السياسي في "حزب الله" (الجمع بين النضال التحرري والديمقراطي !!) والنموذج الصيني (أي رأسمالية بحكم "شيوعي").
وللقارئ أن يتأمل في ذلك وعليه أن لا يتعجب عندما تدعوه الوثيقة إلى مساندة السودان وإيران والنضال من أجل عالم "متعدد الأقطاب" (أي متعدد الأقطاب الإمبريالية). وتلك نتيجة حتمية لعدم توفر الوثيقة السياسية على تحليل للرأسمالية المعولمة، في طورها الحالي، خاصة مع تغييبها لمجموعة من القوانين الأساسية التي تحكم تطورها، كقانون التطور الغير المتساو للرأسمالية، ولتعاملها المجرد والغير التاريخي مع قانون القيمة. فلا مجال لإدراك التحولات التي تعرفها أوربا، ولا الأزمة الحالية للإمبريالية الأمريكية ولا تطورات أمريكا اللاتينية إضافة إلى موقع الصين والهند وروسيا، إن لم يدرك اتجاه التطور العام للرأسمالية في المرحلة الراهنة. دون هذا الإدراك، فلا نستطيع استيعاب مهامنا الأممية ولا تحديد مضمون التحرر الوطني. أما ادعاء تجديد الاشتراكية فيصبح من قبيل الأوهام.
II- نظرية "السيرورات الثلاث" بين التنظيم والعمل الجماهيري :
إن "التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة، بين الهدف والعمل في سبيل الوصول إليه" (لوكاش). وعند لينين "لا يمكن فصل المسائل السياسية ميكانيكيا عن مسائل التنظيم"
لقد أدركنا عمق "نظرية الاشتراكية" كما تتصورها نظرية السيرورات الثلاث. ومن خلال التحليل تبينت لنا كذلك الممارسة السياسية التي تدعو إليها، من خلال قراءة مشروعها واستراتيجيتها للتحرر الوطني والبناء الدمقراطي كما تحددها طبيعة المرحلة. وعلينا أن نرى كيف تتصور الوصول إليه من خلال نظرتها للتنظيم والعمل الجماهيري. إن موضوعاتها حول التنظيم والعمل الجماهيري ذات صلة بالسيرورتين الأولى والثانية. وفي الحقيقة لا تمثل ما تسميه السيرورة الثانية سوى ميدان التقاء الأولى والثالثة أي حقل الصراع الطبقي حيث تعتمل التناقضات الطبقية المختلفة.
ولكن نظريتنا المذكورة القائمة على الفصل بين السيرورة الأولى والثانية – وهذا أحد تناقضاتها - تسقط في منزلق الفصل بين السياسي والاجتماعي. ولذلك تنهل كل من الورقة التنظيمية والورقة حول العمل الجماهيري من "النظرية الأم" القائمة على الترابط والتزامن بين السيرورات الثلاث (هنا السيرورة 1 والسيرورة 2) فالسياسي والجماهيري مساران مختلفان، -وبالطبع مستقلان- يلتقيان ويتقاطعان ويتبادلان الدعم ليس إلا. العمل الجماهيري والعمل السياسي حسب وثيقة العمل الجماهيري هما حلقتان تتداخلان وتتكاملان ضمن سيرورة النضال من أجل التغيير الدمقراطي الجذري.
ففي كل الحالات حتى عند الاعتراف بأولوية السياسي تظل بنية التفكير هاته قائمة في كل شئ لأنها ببساطة قائمة على الفصل بين السياسة والجماهير، بين التنظيم والجماهير، بين العمل السياسي والعمل الجماهيري، بين الأطر السياسية والمناضلين الجماهيريين.
ولأن السيرورة الأولى تؤكد على "بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين" كان لابد من توضيح هذا الأمر الذي يستعصي على الفهم. ورغم أن هاته الصيغة تعود إلى المؤتمر الوطني الأول، فعموما ظلت الصيغة الأكثر انتشارا هي صيغة "الأداة السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين". وواضح أن الصيغة الأولى هي صيغة توفيقية بين دعاة الأداة السياسية ودعاة الحزب. لكن هذا التوفيق المرتجل قد فشل على أرض الواقع، وأصبح لازما تحت ضغط الواقع القيام بعرض نظري للتصور السياسي والتنظيمي للصيغة التي جاءت بها السيرورة الأولى. فكان على ورقة المقرر التنظيمي أن تقوم بذلك.
لا يتناقض الطرح الاستراتيجي العام لمفهوم التنظيم – حسب "مشروع المقرر التنظيمي" - مع الأسس النظرية للاشتراكية التي يقدمها التحليل السياسي. وهو تصور في جوهره يرفض الطرح اللينيني دون الإعلان عن ذلك. ولكن الورقة تحول النقاش إلى مستوى تاكتيكي، لتعلن أن نظريتها في التنظيم هي تركيب لعدة تجارب، دون الإفصاح عنها، ودون إعطاء ما تم تركيبه من خلالها. وهذا التنظيم المنشود سيكون تنظيما شبه جماهيري ( انظر الورقة الما قبل الأخيرة ونعني بها مشروع الورقة التنظيمية الأولى المقدمة إلى اللجنة التحضيرية) في إشارة واضحة لرفضها التنظيم الطليعي اللينيني. كما أن هاته الصيغة حسب الورقة تعتمد على التنظيمات الذاتية، مكان الالتقاء بين المسارين السياسي والاجتماعي اللذان يتقاطعان. ولا يغير في الأمر استعمالها الصيغة الجديدة لاستقطاب طلائع العمال والكادحين للمنظمات الجماهيرية بدل الصيغة الأولى التي كانت تقوم على استقطاب طلائع المنظمات الجماهيرية.
ودعت الورقة إلى بناء هذا التنظيم التاكتيكي في مدة أقصاها أربع سنوات. ومن تحليلها السياسي تبين لديها ضرورة مثل هذا التنظيم، الذي أصبح بالتدريج ينتقل من طابع تاكتيكي ليصبح هو نفسه التنظيم الاستراتيجي المنشود. وبصيغة أدق فالفصل بين الديمقراطية والاشتراكية تدعو إلى مثل هذا التنظيم. وحين تتحقق أهداف المرحلة قد يصبح ممكنا الكلام عن التنظيم بالمعنى الاستراتيجي. لكن البناء النظري يوحي بأن هذا التنظيم التاكتيكي هو الصيغة النهائية ليس إلا.
وهكذا دون الدخول في التفاصيل تعبر الورقة بالملموس، برفضها لأي نظرية في التنظيم، وبالترميمات التي تقوم بها، عن نظرية تجريبية للتنظيم تحاول الانتقاء من هنا وهناك دون أن يحالفها ولا يمكن أن يحالفها التوفيق ...
وحصدت "مشروع ورقة العمل الجماهيري" كل الأخطاء السابقة، فجاءت مغيبة لمفهوم التجذر، متجانسة في نظرتها للحركة الجماهيرية، ممأسسة لها (لا حركة جماهيرية خارج الإطارات الجماهيرية) غير قادرة على تحديد سماتها الرئيسية ومختزلة مطالبها في مطالب الإطارات الجماهيرية. أما واجهات النضال الجماهيري فلا تخضع لأي تأطير منهجي، يحدد بنياتها وعلاقاتها انطلاقا من تحديد طبقي، يستمد مضمونه من تحليل المرحلة وطنيا، قوميا، وأمميا.

الجزء 1 : قراءة نقدية في "مشروع ورقة حول الوضع السياسي ومهامنا"
I - العام والخاص
1- الرأسمالية العالمية :
-أ- التحليل المقدم :
- اعتماد التحليل على قانون "الانخفاض الميولي لمعدل الربح" "كقانون أساسي" ووحيد ومجرد وخارج السياق التاريخي ومراحله.
- السياسات الاجتماعية والاقتصادية المطبقة لمواجهة آثار هذا القانون مدمجة في الجزء الخاص بهذا التحليل كقوانين موضوعية للرأسمالية.
- النظام العالمي يتشكل من تشكيلتين (مركز – أطراف) :
• تشكيلات المركز تقوم على تراتبية.
• تشكيلات الأطراف تقوم على تراتبية كذلك.
العلاقة بينهما : خارجانية لا تحكمها علاقات موضوعية (نظام عالمي مندمج = الإمبريالية)
- فيما يخص التطورات الرئيسية للرأسمالية العالمية :
يتطرق هذا الجزء إلى العوامل المساعدة للسيطرة الرأسمالية عالميا ويختزلها في فشلات أوضعف الحركات المناهضة للنظام.
تلكم هي أهم الأفكار الواردة في الجزئين الأولين من التحليل. فما هي السمات المميزة لهذا التحليل ؟
-ب - افتقاد التماسك النظري:
الأسباب:
• تجاهل قانون القيمة "المعولم" : قانون أساسي يحكم النظام العالمي (تحوله عالميا).
• تجاهل قانون آخر ذو قيمة تاريخية : "قانون التطور الغير المتساو" للرأسمالية ونتائجه : تقاطبية النظام وتناقضات قطبيه.
• عدم إدراك أن تشكيلات النظام العالمي تحكمها علاقات الاندماج والتوسع والتبعية، وليست علاقات خارجانية (هذا الطرح هو نتيجة حتمية لأسس التحليل المقدم المعتمد على نمط الإنتاج الرأسمالي بشكل مجرد. لذلك تظهر علاقات التراتبية كما لو أنها غير خاضعة لقوانين موضوعية تحكمها.
= السقوط في نظرة أروبيو مركزية للماركسية تعيد إنتاج النظرة الاشتراكية الديمقراطية لقانون القيمة.
• الخروج عن الفهم العلمي عند اعتبار السياسات الاجتماعية والاقتصادية المطبقة لكبح تأثير قانون الانخفاض الميولي لمعدل الربح قوانين موضوعية للرأسمالية.
• لا وجود لرصد التطورات الرئيسية للنظام حاليا، بل هناك فقط كلام عن عوامل مساعدة على السيطرة عالميا.
النتيجة : لا وجود لأساس نظري لفهم تطور الرأسمالية الحالي وتناقضاته لانعدام منهجية ماركسية : ضرورة الربط بين التحليل النظري العام للرأسمالية (تحليل نمط الإنتاج الرأسمالي) واستقصاء القوانين التي تحكم الرأسمالية كنظام عالمي، ووضعها داخل حقل أوسع (حقل المادية التاريخية) وإعطاء القيمة للصراعات الطبقية على الصعيد العالمي.
ميزة الطرح اللينيني : كونه وضع قضايا المادية التاريخية ضمن إشكالية الصراعات داخل النظام الإمبريالي وليس الرأسمالي فقط.
وقد واجهت الماركسية الثورية طرحان :
1) الطرح الاقتصادوي : الاقتصار على بلورة القوانين الاقتصادية لاشتغال الاقتصاد العالمي. وذلك لفهم ثمن البضائع المتبادلة عالميا، معدلات الربح، ثمن قوة العمل، مداخيل الطبقات الاجتماعية المختلفة ... هناك تحديد موضوعاني.
2) الطرح السياسي (السياسوي): رفض صلاحية أية قوانين اقتصادية حاكمة للاقتصاد العالمي واعتماد خطاب سياسي على الصعيد العالمي (تمفصلات الصراعات والتحالفات الطبقية عالميا). وهنا الوقوع في اللاتحديد.
أما الطرح الماركسي المستمد من اللينينية فيضع المقولات الاقتصادية في حقل المادية التاريخية (الصراع الطبقي).


-2- الحركات المناهضة للرأسمالية : المفاهيم والتناقضات.
- الملفت للنظر هو غياب أي تحديد بنيوي طبقي لهاته الحركات، مما جعلنا غير قادرين على استنتاج طبيعتها ومضمونها. ذلك أن التحليل غير مبال تماما بأهمية هذا الأمر. وسيكون لذلك نتائج وخيمة على الخلاصات بسبب غياب منطق داخلي، رابط بين هاته الحركات يجعلنا نتلمس علائقها وخصوصياتها. وبالإمكان تبيان مكامن ذلك :
1) هناك سقوط في الخلط بين حركة الطبقة العاملة باعتبارها نتاج موضوعي للصراعات الطبقية من جهة وتعبيراتها السياسية المحددة تاريخيا من جهة أخرى.
2) السقوط في تحليل لاتاريخي لحركات التحرر الوطني ودور الطبقات الوسطى (لا وجود لتحيين التحليل على ضوء المعطيات الجديدة لمزيد من الفهم والتدقيق) نعني بذلك تدقيقا ملموسا، تاريخيا، لمفهوم التحرر الوطني، وبالتالي إدراك دعائمه الإيديولوجية، السياسية والاجتماعية (الطبقية) ضمن سياق تاريخي محدد عالميا (الثورة الاشتراكية) ووطنيا (التحرر الوطني الديمقراطي ذو الأفق الاشتراكي).
3) لقد بين لينين الطريق للماركسيين حيث أقام فرقا واضحا بين:
- الحركات البرجوازية الديمقراطية الإصلاحية.
- والحركات الوطنية الثورية.
على هذا الأساس استعار مفهوم التحرر الوطني أصله، أي من التمييز اللينيني.
4) الغريب أن التحليل أدمج التناقضات الما بين الإمبرياليات وتأثيراتها ضمن الحركات المناهضة للرأسمالية. وقد يتساءل المرء بحسن نية عن أسباب ذلك ؟
هل هي عودة جزئية غير واعية لنظرية "العوالم الثلاث" لصاحبها Deng xua Peng؟ مجرد سؤال !
5) بالنسبة للنيوليبرالية وتطبيقاتها في المراكز والأطراف سنقف على أطروحة مخالفة تماما للحقائق الملموسة.
هكذا سنجد أن السياسات النيوليبرالية تطبق في المراكز والأطراف حسب موازين القوى (وهذا ليس خاطئا تماما) لكن الأمور تنقلب حين نجد أنفسنا أمام طرح للأمور كما يلي :
- في المراكز المتقدمة هي أقل تطبيقا (موازين القوى !؟ )
- في الأطراف المتخلفة هي أكثر تطبيقا (موازين القوى !؟)
ولأننا لا نمسك برأس الأفعى تنقلب الأمور إلى الأسوأ. والنتيجة عملية قلب للأمور بين المركز والأطراف داخل النظام الرأسمالي العالمي. هكذا قفزت الأطراف إلى المركز، وتدحرجت المراكز إلى الأطراف. وهذا سقوط في خطأ نظري فادح، لتجاهل التحليل حقيقة تفقع العين : إن المركز هو نقطة انطلاق الهجوم النيوليبرالي الذي تم الإعداد له إيديولوجيا (النيوليبرالية كإيديولوجيا ماضوية، نظرية ما بعد الحداثة ...) وسياسيا واقتصاديا.
6) حول مهام الحركات المناهضة للرأسمالية :
تعاني هاته الفقرة من العيوب السابقة، أي غياب تحليل شمولي للنظام الإمبريالي ولتناقضاته المتحكمة في مسار تطوره الراهن. لأن بدون ذلك لا يمكن أن نتوفق في تحديد مهام القوى المناهضة له. من هنا تتم الاستعاضة بالعموميات.
والنتيجة لا وجود لبنية للحركات المناهضة لنظام الإمبريالية، انطلاقا من تمفصل مختلف تناقضاتها وتعبيراتها حول التناقض الأساسي للرأسمالية (رأسمال – عمل) وحول التناقضات الرئيسية من داخل التشكيلات الاجتماعية المحددة تاريخيا.
-أ- بالنسبة للمركز :
- هناك تغييب للمهمة المركزية : إعادة بناء وحدة الحركة العمالية بارتباط مع مهمة إعادة بناء أحزابها الثورية.
- عدم استيعاب تجارب فشل الحركة العمالية والحركة الاشتراكية وإدراك أهمية إعادة بناء النظرية الثورية (الماركسية اللينينية).
- لغياب التدقيق المنهجي يقع السقوط في الخلط بين الحركات المناهضة للرأسمالية والحركات المناهضة للنيوليبرالية (الرأسمالية المتوحشة). وكمثال على ذلك، الخلط بين الحركات المناهضة للحرب، وجزء كبير من الحركات المناهضة للعولمة بحركات مناهضة للنظام الرأسمالي. ونفس القول ينطبق على جزء مهيمن داخل الحركة الإيكولوجية ...
-ب- بخصوص حركة التحرر الوطني :
نفس العيوب المسطرة سابقا تنطبق على هذا الجزء.
هناك شعار طرحته الحركة الشيوعية العالمية يكثف المهام ويظل سديدا "يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا".
-ج- السياق العربي والمغاربي :
- هناك محاولة لتحليل أسباب فشلات حركات التحرر الوطني العربية. بالنظر إلى ذلك، وحين يتم التطرق إلى مكوناتها، سنجد أن التقييم يتم في غياب أي طرح لمهامها العامة، بارتباط مع المرحلة التاريخية المحددة لمضمونها ولقواها الاجتماعية. ومن ثمة تقييم فشلات مختلف الاستراتيجيات التي حملتها قوى طبقية وسياسية مختلفة، دون نسيان تدقيق الوضعية الحالية وما عرفته من تحولات طارئة على حركة التحرر العربية.
- من هذا المنطلق يكون التجزيء المنهجي للحركة والتطرق لمكوناتها مشروعا، وصولا إلى الربط بين المنطقي والتاريخي، وتحقيق التركيب، لمعرفة الخصائص الراهنة لحركة التحرر العربية، وتحديد موقعنا ومهامنا داخلها.
1) حركة التحرر العربي والقيادات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة :
القاسم المشترك حسب التحليل هو الطبيعة الطبقية لهاته القيادات، وغياب الديمقراطية لديها. أضف إلى ذلك قطريتها (القيادات البورجوازية التقليدية) أو طرحها الشوفيني القومجي واللاديمقراطي للوحدة العربية (البورجوازية الصغيرة)
2) الأحزاب الشيوعية العربية :
عدم إدراك أهمية المسألة الوطنية بمبرر أولوية الصراع الطبقي وباسم أممية مجردة وانتشار داخلها لنظريات مثل "نظرية التطور اللارأسمالي" التي سوقتها القيادة السوفياتية، ثم تبعيتها للأنظمة القومية البعثية والناصرية، وأخيرا تحولها إلى أحزاب اشتراكية ديمقراطية.
3) اليسار الماركسي اللينيني العربي :
قام تأسيس هذا اليسار على نقد الأطروحات التحريفية وعلى استراتيجية مواجهة ثالوث الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية.
وتعود أسباب فشل هذا اليسار الماركسي اللينيني حسب وثيقة التحليل السياسي إلى العوامل التالية :
عدم قدرته على التجذر وسط الطبقات الاجتماعية الأساسية، وذلك لغياب عمل صبور وطويل الأمد وسط الطبقة العاملة، ونهج أساليب مواجهة فوقية ضد الأنظمة والقوى الإصلاحية والتحريفية. ويعود ذلك لغياب طول النفس لدى قاعدته الاجتماعية، المشكلة من الشبيبة المدرسية. وهذا هو سبب عزلتها وقمعها إضافة للدور الذي قامت به أنظمة الخليج في إرشاء المثقفين. وعالميا دور المرحلة التاتشيرية والريغانية.
عبثا إذن البحث في التحليل ( وهذا أمر غريب بالنسبة للماركسيين) عن استعمال مفاهيم تحليلية من قبيل التناقض الأساسي، التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. وكمثال على ذلك إدماج التناقضات المابين إمبريالية ضمن منظومة الحركات المناهضة للرأسمالية، إضافة إلى إسقاطات قديمة على أوضاع راهنة، وقس على ذلك ...
نعتقد أن شعوب العالم العربي خلال القرن العشرين قد وضعت ضمن حدود ثلاث حكمت مسارها التاريخي الحديث وهي :
1) اندماج تشكيلاتها الاجتماعية في النظام الإمبريالي من موقع تابع.
2) المعاناة من الاضطهاد القومي الاستعماري ومن التخلف والتجزئة ومن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
3) معاناة الطبقات الأساسية (عمال وفلاحون) من الاستغلال المكثف للكومبرادور والرأسمال العالمي.
ثلاث حدود لإشكالية مركزية : وحدة شعوب العالم العربي بشعارات ثلاث : الاستقلال الوطني، الديمقراطية، الاشتراكية.
وحول هذه الحدود والشعارات انخرط النقاش الدائم بين مكونات حركة التحرر العربي حول علاقة الطبقي والقومي (الوطني القطري كذلك) والأممي. ولعل القضية الفلسطينية بحكم موقعها الخاص قد استقطبت أكثر من غيرها هذا النقاش.
ودون الدخول في نقاش مستفيض، لا بد من استدراك أن الأحزاب الشيوعية التحريفية بسبب تبعيتها الإيديولوجية الفجة للاتحاد السوفياتي، وبحكم ستالينيتها وبيروقراطيتها وأحيانا عزلتها عن الجماهير، قد عجزت عن إدراك جوهر مهام التحرر الوطني الديمقراطي ذي الأفق الاشتراكي الوحدوي. واعتمدت استراتيجيتها على مفاهيم خاطئة، مثل مقولة الأمة بحسب الطرح الستاليني (هنا خطأها في قبول قرار تقسيم فلسطين وهو خطا قاتل) وتبنيها قياسا على ذلك لمفهوم "الثورة الوطنية الديمقراطية" أو "طريق التطور اللارأسمالي" – الخروتشوفية. وقد أدى بها ذلك إلى تبعية للبرجوازية العربية ولأنظمتها الوطنية لأن المرحلة تظل تحت قيادة البورجوازية لتحقيق وحدة السوق العربية، وتطوير قوى الإنتاج التي ستؤهل الطبقة العاملة لانتقال إلى الاشتراكية، عبر أحزابها الشيوعية (مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية). وبناء على ذلك تم السقوط في التحريفية بأبعادها الإيديولوجية والسياسية والاستراتيجية.
أما اليسار الماركسي اللينيني العربي –مع اختلاف التجارب- فرغم شعاراته السياسية حول الثورة العربية، القضية الفلسطينية، الاشتراكية، القيادة البروليتارية للتحرر الوطني إلخ، فسرعان ما تقوقع على نفسه، في عزلة مميتة عن الجماهير العربية وعن قضاياها العامة، وانخرط بدوره في القطرية، بل إن الكثير منه استعاد الأطروحات التحريفية قبل أن ينمحي أو يتحول إلى الاشتراكية الديمقراطية، فاسحا المجال لأسلمة حركات التحرر العربي على يد الحركات الإسلامية، المدعمة من طرف أمريكا وأنظمة الخليج البترولية. ولا يمكن إسقاط بعض التقييمات المحلية المغربية، كما يفعل التحليل في الورقة، لإيجاد الأسباب. وإن كان بعضها نتيجة وليس سببا. هناك عوامل عدة ساهمت في انحسار اليسار الماركسي اللينيني العربي، منها تكالب القوى الإمبريالية وتحالفها مع الأصولية، بدعم مادي ولوجستيكي للأنظمة الخليجية، مما أطال حالة انحسار المد الثوري في المنطقة، أضف إلى ذلك عدم الاستمرار في تعميق القطيعة مع التحريفية والإصلاحية بدل الاكتفاء بالنقد لمواقفها السياسية، مما كان يستوجب فهما عميقا للجذور الإيديولوجية والتنظيمية للتحريفية. دون ذلك تم السقوط في التجريبية التنظيمية والانتقائية والنظرة النخبوبة للعمل مع الجماهير ثم الانتقال إلى الاشتراكية الديمقراطية بالنسبة للعديد من المنظمات الماركسية اللينينية السابقة.
4) إن التقدم في طرح إشكالية وحدة شعوب العالم العربي مسألة يجب أن تحظى بالأهمية انطلاقا مما سطرناه. ولذلك انعكاسات اسراتيجية على المغرب.
إن أسئلة كثيرة تنطرح أمامنا :
• كيف نطرح شعار "القضية الفلسطينية قضية وطنية" الذي أصبح يرفعه الجميع الآن ؟
• لايجد القارئ للوثيقة ما يشفي غليله حين تخبره بأن تحرير فلسطين من مهام العرب والأمازيغ والأكراد والفرس.
• هل يعني هذا الانتقال من عروبة القضية الفلسطينية إلى إسلاميتها ؟
• وما دور إيران الإقليمي، البلد الذي يحتل مناطق عربية (عربستان، جزر خليجية)، وما مصالحها الاستراتيجية ؟
ما أن نخرج من هذه الأسئلة حتى نفاجأ بطرح حول "الحل الديمقراطي للمسألة اليهودية" بدل "الحل الدمقراطي للقضية الفلسطينية" أيهما نأخذ؟
كان أحرى بالتحليل أن يقدم نقدا للأسلمة التي تعرضت لها القضية الفلسطينية، ومسؤوليات الأنظمة العربية واليسار العربي والفلسطيني. وعموما تستدعي القضية الفلسطينية تدقيقا أكثر لتجاوز اللخبطة التي يعاني منها المناضلون في الميدان.
5) مغاربيا: فشل التحليل تماما في وضع الأصبع على الحقائق الاستراتجية في المنطقة وتناقضاتها. وهو بذلك يتأثر منطقيا بضعف التحليل العام للإمبريالية في الجزء الأول. ويمكن إجمال الملاحظات التالية :
• هناك تقليل من وزن الوجود الإمبريالي الأمريكي في المنطقة وبالمغرب خصوصا. ويتم التعامل مع هذا الوجود كمعطى خارجي فقط.
• بدرجة أقل تم التعامل مع الوجود الإمبريالي الفرنسي، حيث المواجهة معه لها اسباب سياسية مباشرة (حالة ساركوزي) ويتعلق الأمر بمواجهة "دفاعية" لها مبررات سياسية، مما ترك الغموض حول الطابع الاستراتيجي للمواجهة.
• هناك مصطلحات وجب تجاوزها مثل "الشرق الأوسط" و"الإمبريالية الرجعية" كما لو أن هناك إمبريالية تقدمية.

-ج- الحركات المناهضة للرأسمالية وأسباب فشلها :
لا يمكن الوقوف على تقييم موضوعي لأسباب فشل الاشتراكية، وكذا المكونات الأخرى، باعتبار النتائج أسبابا أو عوامل فقط مساعدة للسيطرة الإمبريالية عالميا. ومن هنا :
1) الغياب "الظاهري " لتفسير أسباب فشل وضعف الحركة الاشتراكية، ومن ثمة انعدام البديل. (سنعود لهذه النقطة في فصل آخر).
2) تفسير تراجع حركات التحرر الوطني بطبيعة قيادتها البورجوازية وغياب الديمقراطية غير مقنع، وقد نتحقق من معنى ذلك لاحقا.
المهم أننا أمام نصف تحليل أو لا تحليل !
الأسئلة الحقيقية المطروحة هي كالتالي :
- هل لازالت البورجوازيات المتوسطة (أو البورجوازية الوطنية) ثورية؟
- إذا كان الجواب بالإيجاب، هل الديمقراطية قادرة على لجم نزعاتها المعادية للديمقراطية.
- ما القول في حركات التحرر الوطني التي قادها شيوعيون (الصين، فيتنام، اللاووس، الكامبودج ...) ومع ذلك كان الفشل، - كمحطة أخيرة، رغم المكتسبات – في تحقيق الديمقراطية والاشتراكية على حد سواء.
إنه الإشكال الرئيسي والمركزي الذي يستدعي الجواب إذا أردنا التقدم في تحديد مفهوم التحرر الوطني بأبعاده الديمقراطية والاشتراكية. دون ذلك لا وضوح في الآفاق !
3) بالنسبة للاشتراكية الدمقراطية:
- منذ الانشطار التاريخي بين الحركة الشيوعية والاشتراكية الديمقراطية (الحرب الإمبريالية الأولى وثورة أكتوبر)، لا ندري منذ ذلك متى كانت هذه الحركة مناهضة للنظام الرأسمالي. إنه سؤال كبير ذو علاقة بالاستمرارية التاريخية (استمراريتنا نحن).
- أما أزمتها الراهنة فلا يمكن الاكتفاء بردها إلى علاقتها بالطبقة الوسطى. بذلك لم نقم بحل المشكل. هل بالإمكان إذن إيجاد تفسيرات أخرى؟
- من وجهة نظرنا بالإمكان ذلك إذا استحضرنا عدة عوامل :
• تاريخية : ارتباطها بالأرستقراطية العمالية بعد انتقال الرأسمالية إلى المرحلة الإمبريالية.
• إيديولوجية : فهمها للرأسمالية وتناقضاتها، ومن ثمة استراتيجياتها الإصلاحية للنظام المسماة اشتراكية.
• اختلال موازين القوى بين الرأسمال والعمل، وتجاوز صيغة التراكم الرأسمالي، وإعادة إنتاجه (لما بعد الحرب العالمية الثانية) (نهاية النموذج الكينزي ...) وانتقالها (أي الاشتراكية الديمقراطية) إلى صفوف الليبرالية والنيوليبرالية ...
4) حول الحركة النقابية :
لتقييم الأزمة التي تتخبط فيها الحركة النقابية العالمية، ووقعها على الحركة العمالية العالمية، ولتجاوز السطحية في التحليل، كان لازما ولو بتركيز الإشارة إلى العوامل التاريخية (انتقال الرأسمالية إلى الإمبريالية وبروز أرستقراطية عمالية كقاعدة للإصلاحية النقابية...)، وإيديولوجية (تأثير الاشتراكية الديمقراطية على الحركة العمالية والنقابية وانقسامها التاريخي ...)، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة من طرف الرأسمال لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تلك السياسات التي انخرطت فيها الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية التحريفية بحماس (سياسة الأجور، مأسسة العمل النقابي والبيروقراطية وغير ذلك ...).
استطاع الرأسمال في ظل ذلك (حقبة ما يسمى بالثلاثين سنة "المجيدة") أن يخضع ويدمج العمل النقابي في آليات الضبط من أجل إعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية. ويكفي التطرق للتحولات الحاصلة في علاقة الرأسمال – العمل (حاليا) لفهم الانعكاسات البنيوية.
-ج- السياق الوطني :
- تحليل المشروع المخزني وتوزيع القوى الاجتماعية والسياسية بالمغرب (حسب وثيقة التحليل السياسي).
التناقضات الداخلية للمشروع المخزني :
يقوم المشروع حسب الوثيقة على الأسس التالية :
سياسيا : الاستبداد في خدمة المافيات المخزنية.
اقتصاديا : الاحتكار والخوصصة والمستفيد الأول من ذلك "أونا".
هذا المشروع تتضرر منه الشرائح الضعيفة داخل الكتلة الطبقية السائدة وأغلب شرائح الطبقات الوسطية.
وتتمحور التناقضات وسط الكتلة الطبقية السائدة حول دور الملكية الاقتصادي، وتناقضه مع دورها السياسي(الملكية: حكم بين مختلف المصالح وسط الكتلة الطبقية السائدة ).
إذن شرائح متضررة (داخل الكتلة الطبقية السائدة) في تناقض مع العائلة الملكية والمافيات المخزنية. ويضيف التحليل وجود تناقضات وسط الشرائح المتضررة، مما يستدعي تدخل السلطة لضبطها.
وفي سياق نقده لأطروحة داخل اليسار الديمقراطي، والقائلة "بوجود اتجاه ديمقراطي متنور وسط السلطة والذي يجب حسب الأطروحة إفساح المجال له لتحقيق الإصلاحات الديمقراطية" يكون الرد كما يلي : "يتعلق الأمر بصراع بين الذين يحنون لعهد الحسن الثاني والذين يدافعون عن جوهر النظام المخزني مع تغييرات في الشكل".
إذا انطلقنا من الأسطر أعلاه، فهذا النقد غير بديهي.
القوى السياسية :
- الكتلة الديمقراطية :
هذه الكتلة تم كسبها من طرف النظام عبر شعاراته الإيديولوجية والسياسية وبدور من عناصرها النافذة.
أما الآفاق بالنسبة لها فقد أصدر التاريخ حكمه عليها. وما الصراعات داخلها إلا صراعات حول الاستفادة من المصالح التي توفرها المشاركة في الحكومة. إن التحليل كما يظهر يقوم على مقاربة تعتمد تحليل عنصر الوعي لدى هذه القوى وكيف استطاع النظام مخاطبته وإقناعه بشعاراته. فهل هكذا يكون تحليل ماركسي ؟
نعتقد أن المعطيات وفيرة حتى يتم التعاطي مع الموضوع من كل جوانبه. لربما العياء أخذ مأخذه من الوثيقة !
- المعارضة اليسارية :
تضم النهج الديمقراطي، كقوة ديمقراطية جذرية مع تأكيد الوثيقة على نضاليته، إلى جانب باقي مكونات اليسار المعارض الذي يعاني من عدة تناقضات.
لكن ما لا يقوله التحليل هو وجود وسط هذا "اليسار المعارض" أطروحات مخزنية جديدة، ومعاناته من عزلة مميتة وسط الجماهير، إضافة إلى كونه يخضع لعملية الفرز التي تخترق الطبقات الوسطى عموما. وحدث ولا حرج ...
- البيروقراطية :
هي الأخرى اقتنعت بالأطروحات الإيديولوجية والسياسية للنظام. وينطبق عليها ما جرى للمرحومة "الكتلة الديمقراطية".
المجتمع المدني :
هناك اختراق للمجتمع المدني من طرف النظام (شراء الذمم، الرشوة). لكن ما هو موقع "المجتمع المدني" في الاستراتيجية الجديدة للنظام وما هي أهدافها؟ لا جواب. أما الإضافات الجديدة للوثيقة فهي إدخالها لما يسمى "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان" ومؤسسات النظام الشهيرة ضمن مؤسسات المجتمع المدني... !!
مميزات المرحلة الجديدة :
هناك تراجع واسع للهيمنة الإيديولوجية (في الوثيقة = "الفكرية") وللشرعية السياسية للنظام وحلفائه. ويوافق هذا التراجع استعدادات نضالية للجماهير.
نحن الآن، مع الوثيقة بالطبع، نعيش بداية نهاية المشروع المخزني ومرتكزاته. وهي فترة قد تطول –من فضلكم- إذا لم يوجد بديل لهذا المشروع المأزوم. ولا ندري لماذا هذه السرعة الخارقة في إصدار أفكار دون تمييز ولا تمحيص؟
طبعا نشتم رائحة العفوية، ولكن وراء الأكمة ما وراءها! خاصة أن الساحة فارغة من كتلة ديمقراطية صدر عليها حكم التاريخ.
ولأننا في عطلة من التحليل (تحليل الخلاصات المقدمة) فلا داعي للسرعة!
- ملاحظات عامة :
إن التحليل أعلاه يفتقد إلى نظرة تستوعب مستوى الصراعات الطبقية في ظرفية سياسية محددة، حيث أطراف الصراع تتحرك على أرضية اقتصادية، سياسية وإيديولوجية واجتماعية، نستطيع من خلالها الإمساك بالحلقة المركزية، لنقيم عليها بناءنا السياسي والتظيمي.
هناك تناقضات على كل المستويات، والعوامل المختلفة تتبادل التأثير لكن دون تحديد بنيوي صلب (البنية الاقتصادية). في ظل هذا الغياب تكون السياسة مجرد صراع بين "الفاعلين السياسيين" عبر شعارات ومواقف سياسية (اختراقات وارتشاء من جهة، ومقاومة من جهة أخرى) بهكذا تحليل لا نستطيع الوصول إلى الحالة الملموسة للقوى المتصارعة (المتناقضة)، ولا إلى تحديد القوى المحركة داخل الظرفية المحددة، اللهم "النخب" المسماة "فاعلة" داخل ما يسمى "الطبقة السياسية". والنتيجة كما يتلمس القارئ المتوفر على حد أدنى من الحس النقدي وقوفنا على ما يلي :
- كتلة طبقية سائدة عائمة.
- حركة جماهيرية منسجمة.
- قوى سياسية مدمرة وأخرى تخترقها تناقضات مشلة.
- كلام عن بداية نهاية المشروع المخزني دون رؤية المشروع النيومخزني الذي بدأ يتبلور.
- كلام عن البديل دون تحديد طبيعته والقوى الاجتماعية التي يرتكز إليها.

II - حول الأسس النظرية لمشروع التحرري الديمقراطي ذي الأفق الاشتراكي:
1) الاشتراكية:
حسب وثيقة التحليل السياسي، هدف المشروع هو: بناء الاشتراكية كنظام يضع حدا للرأسمالية و"لاستغلال الإنسان للإنسان". (الشيوعية هي المعنية بذلك)
ومن البداية، هناك إعلان طموح : تطوير الماركسية وإسهامات لينين، ماو والقادة الشيوعيون الآخرون. ذلك أن هذا الأمر سيسمح بعودة المصداقية للمشروع الاشتراكي، وسيسمح بتوضيح هويتنا ومشروعنا الاشتراكي، والمسألة أساسية وذات راهنية. والمشروع كذلك يستجيب لحاجيات الطبقة العاملة لأنه، أي المشروع، "يسمح للعاملين الأجراء بالتحكم في مصيرهم، عبر التحكم في وسائل الإنتاج والمنتوج". وهو كذلك يستجيب لحاجة الاشتراكيين الحقيقيين "بشحد العزائم (عزائمهم) وترسيخ القناعات، وتقوية القدرة على العطاء والتضحية وإعطاء البوصلة". وهناك احتياج لهذا المشروع لأن البقاء في حدود الديمقراطية سيسقطنا في الديمقراطية الليبرالية.
وفيما يخص راهنية الاشتراكية نقرأ أن "الهوية والمشروع الاشتراكيين ليسا فضفاضين، بل هما كهوية ومجتمع بديل للرأسمالية، الذي يبنيه العاملون بواسطة أدوات تحررهم. إن هذه المسألة ليست مؤجلة بالعكس، إنها مسألة مطروحة بإلحاح وراهنية".
ولتلافي أي نقد ممكن لنواقص الطرح، وفي عملية استباقية، تأتي الفقرة التالية لتملأ الفراغات القائمة بمجموعة متسلسلة من العموميات، نترك للقارئ إمكانية استيضاحها إذا استطاع لذلك سبيلا.
هكذا نقرأ : "كما أن القول بأهمية وراهنية المشروع الاشتراكي لا تعني أننا سنتوقف عن النضال إلى أن تتوضح كل معالم هذا المشروع (وهذا لمن يهمه الأمر)، بل إننا نتوفر على الأسس العامة لهذا المشروع، التي وضعها القادة الماركسيون(عليك أن تبحث عنها بمجهودك الخاص) وعلى العديد من الدروس النابعة من تجارب بناء الاشتراكية، والتجارب الكفاحية للشعوب من أجل انعتاقها، وتجارب الحركة الاشتراكية، وحركة الطبقة العاملة، وحركات التحرر الوطني" (إننا أمام حصيلة لتجارب شعوب الأرض أي الأغلبية من ساكنتها، إنه لأمر مدوخ، أليس كذلك ؟)"
ولتستمر القراءة : "كل هذا الرصيد الهائل (ما هو؟) يوفر لنا بوصلة تساعدنا على النضال والتقدم نحو أهدافنا. ويطرح علينا المزيد من الاجتهاد لمعرفة واستيعاب دروس نضالات شعبنا وطبقاته الكادحة (وهل نقوم بذلك بالفعل؟)، وكذا نضالات الشعوب وبالخصوص الحركة الاشتراكية الماركسية".
ولا شك أن هذه "البوصلة " حسب التحليل ستسمح بمواجهة انحرافين هما التجريبية والحركية المفرطة والواقعية المبتذلة من جهة، والقفز على الواقع والشعارات الفوقية (الدوغمائية) من جهة ثانية. وفي هذا السياق "...أعطى النهج الديمقراطي أهمية قصوى لربط أفقه ومشروعه الاشتراكيين بالواقع، عبر تحديد التناقضات التي تفعل في مجتمعنا، والتي تفرض عليه المرور بمراحل محددة، سعى النهج الديمقراطي إلى توضيح طبيعتها وطبيعة المجتمع الذي سيتم بناؤه خلالها، والأدوات الكفيلة بإنجاز المهام المطروحة".
إن الكلمة المفتاح لهاته الفقرات مجتمعة هي الرغبة في تطوير الماركسية وتجديدها. وهل يستطيع ماركسي يحترم نفسه رفض ذلك؟ إن الأمر هو كيف وعلى أية أسس منهجية ونظرية؟ حتى لا ننضم إلى جوقة المنتقدين للماركسية تحت شعار "حرية النقد" ولنا في التاريخ وفي الواقع عبرة. لا نريد أن تختلط الأوراق وهذا طرح مشروع.
ولكن للقارئ الذي يئس من فك سر الألغاز المسطرة أعلاه، سنقفز به فوق الصفحات لنحط على أرضية فقرة أو فصل عنوانه : "تجديد الاشتراكية".
بعد الإشارة إلى ضرورة الانطلاق من إسهامات "إلى الأمام" والنهج الديمقراطي لإنجاز هذا التجديد، ستطلعنا الفقرة بما يعنيه فهمها للاشتراكية : "الفهم للاشتراكية كمشروع يصنعه المنتجون خلال سيرورة طويلة من تحررهم من الاستغلال الرأسمالي (لا بأس !) وليس كمشروع دولني (عن أية دولة؟) يسهر عليه حزب طليعي (لسنا في حاجة إلى حزب طليعي) يمتلك المعرفة (إذن إيانا والمعرفة !! علينا بتنظيمات للمستقبل بدون معرفة حتى لا تدمر المشروع الاشتراكي الذي يصنعه المنتجون).
من آليات المساهمة في هذا التجديد المرغوب فيه حسب الوثيقة السياسية هي الالتحاق بمنظمة للحركات الاشتراكية الماركسية. إنه لأمر محير فعلا، إذا كان للمرء حد أدنى من الاطلاع على واقع هاته المنظمات. فعلى قاعدة أي إعلان مبادئ سنلتحق؟
للقارئ أن يجيب، ولنا أن نستمر في القراءة لأن الوقت لا يرحم ! وهنا نكون قد وقفنا على بيت القصيد. وللقارئ أن يتأمل في أسباب انهيار الاشتراكية. وهي تأتي على شكل أسئلة قاسمها المشترك أنها أسئلة توقف الزمن عندها، ولا شك أن القارئ اعتاد على سماعها منذ زمن طويل. لماذا إذن هذا الإصرار على طرحها دون خطوة عملية واحدة للإجابة عنها؟ وبالإضافة إلى هذا وذاك فهي أسئلة غالبا ما رددها منظرو ومثقفو البرجوازية والبورجوازية الصغيرة لغرض في نفس يعقوب، لا نظن أن أصحابها "الشرعيين" غير مد ركين لكنهها. ولكن الأهم هو كونها غير مستندة على منهج مادي تاريخي يضع الأمور في نصابها الحقيقي.
ولنا الآن أن نذكر بالأسئلة الأربع التي ستساعد على فهم أسباب الانهيار حسب الوثيقة:
- سؤال أول : "هل الخلل في تبني فكرة اللحاق بالمعسكر الإمبريالي، وما آلت إليه من إنتاجوية، واستعمال التايلورية وما تكتسيه من استيلاب للعمال، وما تحمله من تراتبية سلطوية؟
- سؤال ثاني : "هل كان من الممكن تبني استراتيجية مغايرة في ظل التطويق الإمبريالي؟
- سؤال ثالث : "هل الخلل في الحزب الذي استلم السلطة بواسطة الانتفاضة، وتحول إلى حزب وحيد، وهمش المنظمات الجماهيرية، وألحقها به وما تعرض له من انحراف وبقرطة؟
- سؤال رابع : "هل الخلل في تحييد الجماهير في البناء الاشتراكي، وقيام الحزب-الدولة بذلك بدلا عنها؟
لنتفحص الأسئلة ولنر ما يختبئ وراءها؟
• السؤال الأول يضع القارئ أمام اختيار أول يتعلق بالمشروع الاقتصادي.
• السؤال الثاني يضعه أمام اختيار ثاني يتعلق بإمكانية استراتيجية أخرى.
• السؤال الثالث يضع القارئ أمام اختيار ثالث حول نموذج الحزب واستراتيجيته.
• السؤال الرابع يضع القارئ أمام اختيار رابع وهو مشتق من الاختيار الثالث، ويتعلق بدور الجماهير في بناء الاشتراكية.
وإذا قمنا بعملية طرح للأسئلة، سنجد الجواب، وهو الفقرة الخاصة بفهم الاشتراكية المذكورة أعلاه، ولا بأس من تكرارها حتى يترسخ لدينا الجواب : "الفهم للاشتراكية كمشروع يصنعه المنتجون خلال سيرورة طويلة من تحررهم من الاستغلال الرأسمالي، وليس كمشروع دولني يسهر عليه حزب طليعي يمتلك المعرفة ..."
وللقارئ الاختيار. فإما أن يرى أسباب الانهيار في كون المشروع الاشتراكي لم يدرك أن الاشتراكية تكون من صنع المنتجين، خلال سيرورة طويلة من تحررهم من الاستغلال الرأسمالي، وأنها ليست مشروعا دولنيا يسهر عليه حزب طليعي يمتلك المعرفة ...
وإما أن يحدد الاشتراكية إيجابا بكونها مشروعا يصنعه المنتجون خلال سيرورة طويلة من تحررهم من الاستغلال الرأسمالي (قد يفرض عليهم ذلك عدم التسرع في أخذ السلطة) دون الحاجة إلى الدولة (تكفيهم الدولة البورجوازية القائمة فليس بالإمكان خير مما كان) ولا إلى حزب طليعي يمتلك المعرفة ... إلى غير ذلك.
هنا إذن ارتفع الواقع الذي لا يرتفع، وسقط الحجاب عن الحجاب. فالأمر بين، هناك رفض لللينينية ولمقولاتها الأساسية حول الحزب كتنظيم طليعي وللدولة كسلطة للعمال (دكتاتورية البروليتاريا) ولأهمية الوعي الطبقي الثوري في إنجاز الاشتراكية.
وبعيدا عن النقاش حول علاقة اللينينية بالماركسية (ليس مكانه هنا)، علينا أن نسأل وببراءة، إذا تم تغييب دور الدولة والحزب في بناء الاشتراكية، ماذا بقي من الاشتراكية؟ وبجرأة أكبر ماذا تبقى من الماركسية؟
إن رفض أي دور للحزب وللدولة في بناء المشروع الاشتراكي، هو تخلي عن أبجديات السياسة الماركسية –سياسة المضطهدين والمستغلين- وسقوط (قد يكون غير واع) في طوباوية فوضوية، حاربها الفكر الماركسي (تجربة الأممية الأولى والثانية).
لقد بحثنا عن أساس نظري "للمشروع التحرري الديمقراطي والاشتراكي" من خلال فهم الوثيقة للاشتراكية، ولكننا لم نجده. أو إذا صح التعبير وجدنا أنفسنا أمام فراغ نظري سرعان ما تم ملئه بطوباوية فوضوية. ويعود الأمر في نظرنا أن أصحاب تلك الأسئلة –الأجوبة حول التجارب الاشتراكية لا يريدون القطع مع التأويلات الذاتوية السائدة حول تاريخ الاتحاد السوفياتي والتي تقدمه كما لو أته سوى نتيجة لقرارات حزب أو شخص واحد بدل إعطاء مكانة مركزية لتحليل مسار تاريخي موضوعي خاضع لحركة التناقضات، حركة الصراعات الطبقية....
2) مرحلة التحرر الوطني والديمقراطية:
يشكل هذا المحور، بما يتضمنه من أفكار ومقولات، الأساس النظري الثاني لمشروع "التحرر الديمقراطي والاشتراكي".
بدءا، هناك تقييم لتجارب الاستقلالات الشكلية التي تحققت بقيادات بورجوازية في المستعمرات وأشباه المستعمرات.
أول ملاحظة تثير الانتباه هي الخلط الذي وقع فيه التحليل، حيث لم يفرق بين مرحلتين في نضال التحرر الوطني، مرحلة الاستقلالات الشكلية وحقبة الاستعمار المباشر وكانت بقيادات بورجوازية وطنية، ومرحلة ثانية أعقبت الأولى تصدت فيها القيادات البورجوازية الصغيرة لمهام التحرر الوطني (أو استكمال مهام التحرر الوطني). وقد عرفت المرحلتين قممها التاريخية (مؤتمر باندونغ، منظومة دول عدم الانحياز ...). إن التقدير الدقيق لقوى البورجوازية "الوطنية" حاليا لن يكتب له النجاح، إذا لم يستوعب نهاية مرحلة تاريخية، واستنفاذ البورجوازية الوطنية لإمكاناتها التحررية، خاصة بعد دخول الرأسمالية العالمية مرحلة جديدة، من نتائجها التضحية بالبورجوازية المتوسطة كطبقة كانت تمثل بالنسبة للإمبريالية وأدواتها المالية والسياسية صمام أمان ضد ما كان يسمى بالمد الشيوعي. (هناك تزايد ضعفها البنيوي). علينا تحديد الثوابث (الواقع الحالي للطبقة)، والمتغيرات (السياسية والإيديولوجية الطارئة على مفاهيمها ومشروعها الطبقي)، قبل إصدار حكم ملموس وتاريخي، لأن ذلك ذو صلة بأي مشروع للتحرر الوطني بالمعنى الذي سطرناه أعلاه (أنظر الفصول السابقة ...). بعد هذا التقديم، سنتابع محاولة من طرف الورقة لتدقيق المفاهيم ذات صلة بالتحرر الوطني.
-أ- حركة التحرر الوطني والديمقراطية :
هناك تأكيد على ضرورة الربط بين لحظتين. وللوصول إلى توضيح العلاقة الضرورية بينهما سيعالج هذا الجزء من الوثيقة وبالتتالي أسلوب النضال، نقد مفهوم الانتقال الديمقراطي، الاختيار الديمقراطي، الفترة الراهنة والسيرورات الثلاث.
(1) حول اختيار الأسلوب الرئيسي للنضال :
فيما يخص الأسلوب الرئيسي، إنه "استعمال الأساليب الجماهيرية الديمقراطية لفرض التحرر الوطني والتغيير الدمقراطي ...". وهذا الأسلوب تم اختياره لأنه "أصبح يتوفر على حظوظ أكبر للنجاح". ذلك أنه سيسمح بدحض الخطاب المزيف للإمبريالية وعملائها حول الديمقراطية. كما سيمنعها من الاستفادة من التناقضات في صفوف الشعب.
- لا شك أن تغييب الديمقراطية في صفوف الشعب، وخوض النضال بأساليب غير ديمقراطية، قد أساء مرارا لحركات التحرر الوطني، وأوجد ثقوبا، وفتح نوافذا دخلت منها الإمبريالية وعملائها لضرب المشروع.
لكن اختيار أسلوب النضال مرتبط بالتاكتيك، والتاكتيك يتميز بالمرونة ولا ينفصل عن الاستراتيجية. إنها قضايا معلقة. ودون ذلك لا يرقى الاختيار إلى مستوى التحديد النظري والسياسي المطلوب.
- بعد اختيار الأسلوب الرئيسي للنضال، وجب البحث عن النماذج الممكن الاقتداء بها دعما للاختيار حسب الوثيقة. هكذا، بالنسبة لأساليب النضال، يقدم النموذج اللبناني كمثال "رائع" يمكن استلهامه : "المعارضة اللبنانية مثال رائع على الربط بين (1) مقاومة المحتل الصهيوني والنضال ضد القوى المرتبطة بالإمبريالية الأمريكية والفرنسية والصهيونية، (2) على الربط بين النضال التحرري والنضال من أجل الديمقراطية، باستعمال الوسائل الجماهيرية الديمقراطية الراقية".
لا شك أن القارئ سيصاب بصدمة وهو يعلم أن المعارضة اللبنانية (عنصرها الأساسي هو حزب الله) لا ينطبق عليها هذا التحليل. فحزب الله وحزب ميشيل عون جزءان من الطائفية اللبنانية. فكيف لنا بتصنيفها كقوى ديمقراطية أو مناضلة من أجل الديمقراطية. فحزب الله يجمع بين نضال وطني ضد الاحتلال الصهيوني لأرض لبنان، وتاريخ أسود من التصفيات للمقاومة الفلسطينية (إلى جانب حركة أمل) والمثقفين التقدميين المنحدرين من طائفة الشيعة (مهدي عامل، حسين مروة ...). ومن باب السذاجة القفز عن دوره في الاستراتيجية الإقليمية لإيران ولحليفتها سوريا. وهو دور قام على حساب المقاومة الفلسطينية بلبنان. إنه نموذج غير موفق ويحتمل عدة تناقضات يضيق الوقت للخوض فيها.
- تتخلل التحليل نماذج أخرى ولكنها بالأساس لإعطاء مضامين ناجحة لتجارب قائمة (تجارب تحرر وطني). إن إقحام النموذج الصيني والفيتنامي، في واقعهما الراهن، يوحي بنقيض ما يراد منه. أقل شيء هو وجود أنظمة غير دمقراطية أو ما يسمى الآن بنموذج "الرأسمالية بحزب شيوعي في السلطة" نعت ماو نماذجها، في أوج الثورة الثقافية الصينية، بأنظمة دكتاتورية وأحزابها بأحزاب دكتاتورية في إشارة واضحة لاستعمال الدولة والحزب من طرف البورجوازية بعد فقدان البروليتاريا لسلطتها السياسية. هناك إذن إخفاق في البرهنة . وبذلك تم توجيه ضربة قوية لنموذج التحرر الوطني. إنها انتقائية سببها غياب التدقيق النظري لمفهوم التحرر الوطني.
وفي محاولة أخرى لتوضيح معنى التحرر الوطني سيظل الارتباك والارتجال سيد الموقف. فلنقرأ : "إن معركة التحرر الوطني بالمعنى الذي طرحناه، والذي يعني فرض استقلالية القرار الوطني على كافة المستويات يتطلب :
- الربط الخلاق بين النضال السياسي من أجل الديمقراطية الحقيقية (الديمقراطية الحقيقية في مرحلة التحرر الوطني؟) والنضال الاجتماعي في مواجهة الاستغلال المكثف والنهب (نظرية التقاطع بين الحقلين سنعود لها فيما بعد).
- والنضال من أجل وحدة شعوب المغرب الكبير(سنضيف فقرة أخرى من داخل هاته لتتضح الصورة : "لا بد أن تقوم القوى الديمقراطية والتقدمية الحقيقية بمبادرات جدية لحل هذه النزاعات، بالضغط على الأنظمة القائمة وعلى المؤسسات العسكرية التي يستفيد بعض مسؤوليها من استمرار هذه النزاعات. وفي هذا الإطار لا مفر من إيجاد حل سريع وعادل لقضية الصحراء") والنضال الأممي ضد الإمبريالية". وفي تدقيق للنضال الأممي وأهدافه، فبالإضافة إلى مواجهة العدو الأكثر شراسة: الإمبريالية الأمريكية، سنجد أنفسنا مطالبين بالنضال من أجل عالم متعدد القطبية محل الأحادي القطبية (فهل هذا من مهام التحرر الوطني؟) كما يلزمنا موقفنا الأممي بالوقوف إلى جانب الصين، كوريا، إيران ... إذا كان الأمر يتعلق بإيجاد بوصلة لنضالنا الأممي فقد ضاعت البوصلة، وعلينا أن نعد النجوم وسنحتاج في ذلك ل"مرآة الهند" (مرايت لهند) كما يقول المغاربة !!
(2) نقد مفهوم "الانتقال الديمقراطي" واختيارنا الديمقراطي:
إن القراءة المتأنية لهذا الجزء، تدفعنا لتسجيل الملاحظات التالية :
- فيما يخص تقييم التجارب التي نجح فيها الانتقال الديمقراطي :
هناك اختزال من طرف الوثيقة السياسية للمحددات في العوامل الاقتصادية وإغفال الأسباب السياسية (مستوى الصراع الطبقي)، والعسكرية، والإطار القاري أو الجيو-استراتيجي للتجربة (اليونان، إسبانيا، البرتغال، جنوب إفريقيا).
- تحقيب التطور التاريخي للدمقراطية البورجوازية ليس مؤسسا بالقدر الضروري ومن ثمة :
- غياب نقد نظري لمفهوم الدولة الرأسمالية (البورجوازية) لتحديد التناقض "السياسي" في إطار الرأسمالية (ديمقراطية بورجوازية).
- أهمية ذلك لفهم المضمون الرجعي للديمقراطية النيوليبرالية، خصوصا هجومها على الدولة، وتكريسها للتراجع إلى ما قبل الدولة القومية = تعامل مع الشعوب كطوائف، كإثنيات، كأفراد مع ربطها بالسوق (دور إيديولوجيا ما بعد الحداثة post modernité).
عموما، هناك غياب نقد نظري "للديمقراطية السياسية" في مرحلتها الراهنة (الديمقراطية النيوليبرالية، الديمقراطية الأقل حدة بالنسبة للعالم الثالث "LID" Less Intensive Democracy). إن استيعاب طبيعة المرحلة من وجهة نظر السياسة الأممية يستدعي ذلك، حتى نقدم دعائيا واستراتيجيا شعار "الديمقراطية الاشتراكية للعمال" كبديل للديمقراطية البورجوازية وإعطاء مضمون شعبي لديمقراطيتنا في مواجهة الديمقراطية المخزنية.
- نقد الوثيقة لما يسمى "الديمقراطية المخزنية" عن طريق استعمال المنهج المقارن والمعياري normative غير كاف. ضرورة القيام بنقد داخلي للبنية المخزنية وربطها بخصوصية التشكيلة الاجتماعية المغربية.
- فيما يخص نقد المشروع الوطني للطبقات الوسطى، ينقصه تحليل وتركيز التحولات البنيوية، الإيديولوجية، السياسية والاقتصادية، التي عرفتها شرائح هاته الطبقات، مع تفسير الشرخ القائم بينها وبين تعبيراتها السياسية (ا ش ق ش، حزب الاستقلال، التقدم والاشتراكية). ويظل السؤال المركزي هو : هل لا زالت هذه الطبقة أو بعض شرائحها تتوفر على إمكانية القيام بدور تحرري، يتماشى مع طبيعة المرحلة في ظروف العولمة الإمبريالية، والتحولات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية بالمغرب؟
- بالنسبة للاختيار الديمقراطي :
1) النموذج الديمقراطي حسب الوثيقة:
بعد رفض الديمقراطية الشكلية، تؤكد الفقرة التالية معنى الديمقراطية التي سيتم النضال من أجلها : "ولذلك فإننا نجعل من أولى أولوياتنا النضال من أجل إقامة نظام ديمقراطي بلورة ومضمونا وتصديقا، وعلى انتخابات حرة ونزيهة على أساسه، وإلى توفير مناخ ديمقراطي عبر إضعاف البنية المخزنية، وعزل المافيا المخزنية (عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية، إخضاع الأجهزة الأمنية السرية للمراقبة الديمقراطية، جهاز قضائي مبني على أسس الاستقلالية والكفاءة والنزاهة".
2) الموقف من النضال البرلماني :
"إن إمكانية الاستفادة من الانتخابات متوفرة لكن محدودة لأن النظام يتحكم في الإعلام السمعي البصري، ولأن السلطة الحقيقية غير قابلة للتداول دستوريا، لذلك فإننا نضع على رأس أولوياتنا مسألة الدستور الدمقراطي ومسألة دمقرطة الدولة".
3) شعارات المرحلة :
 شعار مركزي للفترة : "عزل المافيا المخزنية".
 وشعار القيادة السياسية لها : "قيادة حازمة لنضال التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ذو الأفق الاشتراكي".
تلك هي المكونات السياسية للاختيار الديمقراطي حسب الوثيقة.
نحن إذن أمام :
1) نموذج ديمقراطي يقوم على الديمقراطية السياسية، وعلى نظام ديمقراطي دون تحديد للشكل. ولذلك جاءت التحديدات دستورية (البلورة والمضمون والتصديق والانتخابات الحرة) كما وضعت شروط تحقيق ذلك، منها توفير مناخ ديمقراطي بإضعاف البنية المخزنية وعزل المافيا المخزنية ... إلخ. إن أهم ملاحظة يمكن تقديمها تكمن في غموض هذا الاختيار، لأننا لا ندري هل الديمقراطية السياسية هي أقصى هدف يتوخاه إنجاز مهام التحرر الوطني الديمقراطي، أم هو طرح تاكتيكي يتوخى فتح الباب للانتقال إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية للتحرر الوطني الديمقراطي؟ إن غياب مقترح استراتيجي للمضمون السياسي للمرحلة وأهدافها يشوش على ذهن القارئ، لأن حتى ولو كان الأمر تاكتيكيا فأين الاستراتيجية؟
2) حول أسلوب النضال البرلماني :
هناك إقرار بإمكانية الاستفادة من الانتخابات (متوفرة ولكن محدودة) ومحدوديتها تعود لعاملين :
- تحكم النظام في الإعلام السمعي البصري.
- كون السلطة الحقيقية غير قابلة للتداول دستوريا.
إن تحليل البنية الداخلية للفقرة (أنظر أعلاه) يقول بعكس تصريحها الأخير المعلن ("لذلك فإننا نضع على رأس أولوياتنا مسألة الدستور الديمقراطي ومسألة دمقرطة الدولة") (دمقرطة الدولة !!؟)، لكون العامل الأول والعامل الثاني ينتميان إلى مستويان مختلفان من حيث كثافتهما ودرجتهما في حقل السياسة العامة، فالعامل الثاني منتمي لنقطة عقدية (Nodal) في الحقل السياسي : إشكالية السلطة. بما أن الهدف هو الوصول إلى أن تصبح السلطة الحقيقية قابلة للتداول (نواة صلبة سياسيا) وبما أن التحكم في وسائل الإعلام السمعي البصري من السياسات القابلة لبعض التنازلات بسهولة أكثر مقارنة مع النقطة (2)، هكذا يصبح تدريجيا أسلوب النضال البرلماني قابلا للاستفادة منه، وقد يحتل مرتبة ثانية بعد الأسلوب الرئيسي: النضال الديمقراطي الجماهيري.
إن الوصول إلى النتيجة بهاته الطريقة مرفوض ويشكل تراجعا عن أوراق المؤتمر الوطني الأول.
3) عن شعارات المرحلة :
(1) "قيادة حازمة لنضال التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ذو الأفق الاشتراكي".
(2) شعار الفترة السياسي "عزل المافيا المخزنية".
إن الشعار الأول ذو طبيعة استراتيجية يمتد لمرحلة بكاملها يفترض التقدم في بناء حزب الطبقة العاملة الثوري وبناء جبهة التحالفات الطبقية الشعبية، وليس تحالفات سياسية وقتية بين بعض المكونات السياسية (وثيقة الجبهة الوطنية أوضحت الأمور ولا حاجة للتكرار) لأن الجبهة هنا، هي القيادة السياسية الشعبية للتحرر الوطني، وهي نواة السلطة السياسية الاستراتيجية للمرحلة، وهي قائمة على تحالفات طبقية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها السياسي. وإلا فلا مجال للكلام عن قيادة حازمة. إن طرح الشعار يعاني من غياب الدقة المفاهيمية، ومن التحديد الواضح للمرتكزات الطبقية للجبهة، خاصة في فقرات سابقة من التحليل، التي يرد فيها أن شرائح من الكتلة الطبقية السائدة متضررة هي الأخرى من سياسات المافيا المخزنية ... إضافة إلى أغلب شرائح الطبقات الوسطى. فهل ستضم الجبهة عناصر من هذه الفئات (المتضررة والمنتمية إلى الكتلة الطبقية السائدة) أو على الأقل تقيم نوعا من التحالف معها؟ هذا ما يوحي به خطأ التحليل السابق ثم ماذا تطور منذ المؤتمر الوطني الأول وشعاره: "صمود، مقاومة استمرارية وحدة في النضال مساهمة في بناء التنظيم السياسي للعمال والكادحين سبيلنا لتحقيق: التحرر والديمقراطية والاشتراكية، هل حصيلة عملنا تبرر هذا الانتقال إلى شعار جديد؟ لا نحصل على جواب أو على الأقل بداية جواب"؟.
وشعار الفترة السياسي "عزل المافيا المخزنية" بحذفه لمواجهة الرأسمالية المتوحشة (خلافا لكل وثائق النهج الديمقراطي) هو الآخر يلقي بمزيد من الغموض. فأين نحن من شعار الجبهة الوطنية (انظر وثيقة الجبهة الوطنية).
هكذا إذن تبنى القيادة الحازمة، وهكذا ستقاد الجماهير بشعار سياسي أعرج، مادام يترك جانبا المطالب المادية الاقتصادية والاجتماعية للجماهير. إنه نوع من السياسة وفهم لها !!
(3) حول السيرورات الثلاث :
إذا استثنينا حذف التنظيمات الذاتية من السيرورة الثانية (لعله سهو!!) هناك تأكيد لفهم العلاقة بين السيرورات الثلاث على أساس الترابط والتزامن. بعبارة أخرى حركية السيرورات (ديناميتها الذاتية) مصدرها التأثير المتبادل (الترابط) وخط تطورها متساو ومستقيم (التزامن).
إن نظرية السيرورات الثلاث تعاني من خلل كبير بسبب كونها تعتمد وعاءا فارغا وضعت نفسها فيه. إن الخروج من ذلك غير ممكن بدون النظر إلى التحديدات المختلفة التي تقف وراء السيرورات في فرادتها وفي علاقاتها، في انفصالها وترابطها وفي خط تطورها الغير متساو بالضرورة. فماذا يعني ذلك؟
(1) وجود تحديد استراتيجي يتمثل في تبني استراتيجية التحرر الوطني الدمقراطي ذو الأفق الاشتراكي. وتقوم هاته الاستراتيجية على الجمع بين التناقض الرئيسي والتناقض الأساسي. إن السيرورات المتكلم عنها لا يمكنها القفز عن هذا التحديد.
(2) مرحلة التحرر الوطني والديمقراطي تحتمل سلسلة من السيرورات تتطور باستمرار، لأن التناقضات المختلفة تتطور بدورها. فتتغير المهام والتاكتيكات ولكن ضمن خط استراتيجي.
(3) لا يمكن التعامل مع حلقات السلسلة ( سلسلة السيرورات) على قدم المساواة لأن ذلك غير ممكن وغير جدلي. لا بد من الإمساك بالحلقة المركزية التي تسمح بالتحكم في الحلقات الأخرى.
(4) إن مرحلة التحرر الوطني والديمقراطي ذو الأفق الاشتراكي في تحديد مضمونها ومهامها التاريخية تحتكم بالضرورة إلى تناقضان استراتيجيان (التناقض الأساسي الذي يمكن الإقرار به ضمان السير بالمرحلة إلى نهايتها المنطقية (الحزب الطبقي للبروليتاريا والقيادة السياسية الطبقية للتحرر الوطني الديمقراطي ...) (التناقض الرئيسي المحدد للمرحلة الذي يسمح بعدم حرق المراحل وضمان قيادة سياسية للمرحلة تقوم على تحالف طبقات الشعب كطرح استراتيجي) وإذا كانت السيرورة الأولى تنتمي لسلسلة المهام المرتبطة بالتناقض الأول، فالسيرورة الثالثة تنتمي لسلسلة المهام المرتبطة بالتناقض الثاني.
(5) إن الصراعات الطبقية هي حقل تبادل التأثير والتحديد التظافري (surdétermination ) بين التناقض الأول والتناقض الثاني. فماذا يعني "المساهمة في توحيد وتطوير وتوسيع وتجذير الحركة النضالية الجماهيرية"؟
ببساطة، الانتقال من الوعي الطبقي الموضوعي (مطالب مادية ...) إلى الوعي الطبقي الثوري (جدلية الاقتصاد والسياسة). وعي للطلائع البروليتارية بضرورة قيادة الطبقة العاملة لمهام التحرر الوطني الديمقراطي، ووعي جماهير الشعب بضرورة إنجاز مهام التحرر الوطني الديمقراطي لتحقيق التغيير المنشود. ولذلك تحظى مهمة بناء الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة بالأولوية وهي مهمة لا تتم داخل وعاء مغلق، بل في معمعان النضال الطبقي الجماهيري الذي تكتسب فيه الخبرة السياسية الملموسة والقدرة على القيادة. والقيادة تعني التقدم في إنجاز مهام التحرر الوطني الديمقراطي ذو الأفق الاشتراكي، ببلورة التحالفات الطبقية والسياسية الضرورية لبناء جبهة وطنية موحدة كقيادة سياسية للتحالف. ولتشكيل التحالف لا بد من إيجاد الأسلوب المناسب لحل التناقضات الثانوية في صفوف الشعب ضمن برنامج عام للتحرر الوطني الديمقراطي.
(6) إن التحليل أعلاه يبين أن التقدم في السيرورتين الأولى والثالثة لن يتم إلا ضمن سلم أولويات واضح، تحتل فيه السيرورة الأولى الأولوية لأنها بالضبط تهيئ الشروط السياسية والإيديولوجية لتنامي السيرورة الثالثة، من خلال تنامي الوعي بمهام التحرر الوطني الديمقراطي، ضمن سياق احتداد الصراع الطبقي واحتلال التناقض الرئيسي لدوره المسيطر خلال المرحلة بكاملها.
إن تنامي الوعي الطبقي للطبقة العاملة لا يتم في وعاء مغلق. إنه بالضبط الوعي بمهام المرحلة ولذلك تتطور السيرورتين (الأولى والثالثة) بشكل غير متساو وتتبادلان التحديد والسيطرة خلال الأطوار المختلفة.

الجزء 2 : قراءة نقدية لوثيقتي مشروعي المقرر التنظيمي والعمل الجماهيري.

الوثيقتين : (1) مشروع مقرر حول التنظيم (الوثيقة الأصلية والوثيقة المعدلة).
(2) مشروع مقرر توجيهي حول العمل الجماهيري.
ملاحظة : لقد تم اعتماد الوثيقتين (الأصلية والمعدلة) لمشروع مقرر حول التنظيم. وذلك لدراسة الأطروحة التنظيمية الأصلية قبل أن تزيدها المحاولات التوفيقية غموضا، ثم التطرق للتعديلات لاكتشاف فشلها في التوفيق بين تصورين متناقضين.
(1) الأطروحة التنظيمية : (حسب الوثيقة الأصلية) : نعني بها مشروع الورقة الأولى المقدمة إلى اللجنة التحضيرية.
- في طبيعة التنظيم :
أ‌) المحددات الاستراتيجية للتنظيم والمهمة التنظيمية الاستراتيجية :
ترتبط هذه المحددات بالنسبة للتصور التنظيمي ب:
- الأفق الاستراتيجي لبناء الاشتراكية.
- طبيعة المرحلة الراهنة : التحرر الوطني الديمقراطي ذو الأفق الاشتراكي.
- طبيعة التشكيلة الاجتماعية (هيمنة رأسمالية تابعة) مختلفة عن تشكيلات المركز الرأسمالي.
مما سبق، تكون مهمتنا الرئيسية والاستراتيجية على المستوى التنظيمي هي :
- المساهمة في بناء "التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة والكادحين".
هناك شرطان لتحقيق ذلك :
- البناء الذاتي للنهج الديمقراطي.
- توحيد الاشتراكيين الماركسيين (توحيد الاشتراكيين و"القوى الاشتراكية" مهمة معقدة وطويلة الأمد تتطلب : بلورة خط سياسي إيديولوجي ماركسي يعتمد على معرفة عميقة للمجتمع المغربي، مما يستدعي تشجيع كل المبادرات وأشكال النضال المشترك بين المكونات الاشتراكية).
- شكل التنظيم في المستقبل :
لا يمكن الحسم بين شكلين :
(1) جبهة للتنظيمات الماركسية.
(2) تحالف أحزاب تمثل فئات مختلفة من العمال والكادحين.
ملحوظة : بالإمكان القبول بتسمية الحزب لأسباب تعود للدعاية وأسلوب التواصل مع الجماهير.
ب‌) المحددات التاكتيكية :
تطرح الوثيقة التنظيم كإشكالية تاكتيكية (بمعنى غير قار). هذا الطرح التاكتيكي للتنظيم المحدد بالاعتبارات السابقة وباعتبار الفترة الراهنة (الشرعية) يجعلنا نرى أن : التنظيم الممكن (موضوعيا) هو بناء النهج الديمقراطي كتنظيم سياسي، صلب، منسجم للعمال والكادحين. وهذا السعي حسب الوثيقة طبع ممارسة النهج الديمقراطي منذ تأسيسه.
وصفات التنظيم المتوخى هي :
- سيكون تنظيما شبه جماهيريا.
- سيكون تنظيما منفتحا نسبيا.
- لن يكون تنظيما للأطر.
ولإعطاء أسس نظرية لهذا الطرح :
تعتبر الوثيقة أن هذا التصور هو تركيب لعدة تجارب لأنه يعتمد على :
- طلائع التنظيمات الجماهيرية.
- التنظيمات الذاتية للجماهير (التي ليست courroie de transmission)، حقل الالتقاء بين الاجتماعي والسياسي كل من موقعه.
- الفعالية والاحتياج الضروري لأطر يركزون عملهم في المجال السياسي.
- للتأقلم مع هذه المحددات تقوم البنية التنظيمية على التبسيط وعلى الديمقراطية.
- الوحدة الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية تتطلب تطبيق مبادئ الديمقراطية وتعني بالضرورة حدا أدنى من المركزية، الذي سيتم تقليصه إلى أقصى حد ممكن (أبعد الحدود). وكذلك الانضباط والنقد والنقد الذاتي والمحاسبة.
ت‌) فترة الإنجاز والهدف الرئيسي :
إن هذا الهدف الرئيسي هو لفترة تمتد إلى حدود 2012 (المؤتمر الوطني الثالث) وتلخص الوثيقة ذلك : "وهذا الهدف المرحلي إن هو تحقق، سيساهم لا محالة في خلخلة موازين القوى لصالح الطبقات المستغلة، وسيمكن شعبنا من انتزاع مكتسبات ديمقراطية، تسمح له بالتقدم نحو مستويات أرقى أو أعلى من النضال في اتجاه التخلص من النظام المخزني والطبقات السائدة، التي يستند إليها وفك الارتباط مع الإمبريالية. كما سيطيح بتهافت شعار البعض حول "الحزب الاشتراكي الكبير" بحجة أن مكونات اليسار الديمقراطي غير فاعلة في الساحة السياسية نظرا لحجمها وعزلتها عن الجماهير. وهي كلمة حق يراد بها باطل. كما سيحدث تقاطبا فعليا في المشهد السياسي وسيتعزز موقع النهج الديمقراطي، كتنظيم يساري ديمقراطي جذري واشتراكي. وسيمكن أيضا من التقدم على مسار توحيد القوى الاشتراكية".
لقد قمنا بتلخيص لأهم أطروحات الوثيقة حول التنظيم، حتى يستطيع القارئ أن يستحضرها ونحن نناقشها بكل نزاهة وتجرد فكري.
ولنبدأ من حيث تنتهي الأطروحات.
إن بناء التنظيم حسب المحددات التاكتيكية مهمة رئيسية في الفترة الراهنة. وحتى يستقيم النقاش، تم تحديدها. فهي غير معلقة في الزمن، بل لها سقف هو 2012.
إن تحقيق هذا الهدف المرحلي سيساهم لا محالة في خلخلة موازين القوى لصالح الطبقات المستغلة، ويمكن من انتزاع مكتسبات ديمقراطية، وبها تنتهي الفترة (لقد وصلنا 2012). هكذا ننتقل إلى الفترة الثانية التي تستفيد من الفترة الأولى للتقدم نحو مستويات أرقى أو أعلى من النضال في اتجاه التخلص من النظام المخزني والطبقات السائدة التي يستند إليها، وفك الارتباط مع الإمبريالية. وفي سياق هذا التحول من الفترة الأولى إلى الثانية، سيتعزز موقع النهج الديمقراطي بحكم تقاطب فعلي في المشهد السياسي سيسمح بالإطاحة بشعار "الحزب الاشتراكي الكبير" وسيتم التقدم في مسار توحيد القوى الا شتراكية.
- ما وراء الفقرة وتناقضاتها الداخلية :
1) التناقض الأول :
تنظيم شبه جماهيري منفتح نسبيا سيقوم بخلخلة موازين القوى لصالح المستغلين، ويسمح للشعب بانتزاع مكتسبات ديمقراطية وفي حدود 4 سنوات.
إن خلخلة موازين القوى الطبقية تعني انتقال الجماهير أو بدأ الانتقال إلى وضع هجومي. ما لم يوضحه الطرح يتعلق بأمر أساسي : أدوات الهجوم المضاد للجماهير.
2) التناقض الثاني :
انفتاح الفترة الثانية بفضل هذا التنظيم التاكتيكي الذي يعمل بأكثر ما يمكن من الديمقراطية وأقل ما يمكن من المركزية، وستتقدم تناقضات الفترة وتنضج لتضعه على خط المواجهة مع النظام المخزني والطبقات السائدة وحليفها الاستراتيجي : الإمبريالية. ماذا لو افترضنا لحظة أن هذا السيناريو سيتحقق (وبنيته الداخلية توحي بأن ذلك ممكن لنقل في 8 سنوات)؟ إن جدلية السياسة بالفعل عائمة flottante ولكن إذا غابت البوصلة فلا أمل للسفينة بالنجاة.
تنظيم غير ممركز، شبه جماهيري، سيواجه دولة ممركزة إلى أقصى حد، ومدعمة بالإمبريالية كقوة حليفة استراتيجية، جد ممركزة ! إن تنظيما كهذا سيتحطم، وبسرعة فائقة، ما أن تبدأ العاصفة بالهبوب، لأنه ببساطة غير مهيأ لهذا الدور.
3) التناقض الثالث :
حاول الطرح الالتفاف على المحددات الاستراتيجية والاعتماد الحصري على المحددات التاكتيكية بسبب خطأ نظري (عزل التاكتيك عن الاستراتيجية)، وسياسي (فصل التحرر الوطني الديمقراطي عن الاشتراكية). والنتيجة إغفال مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وتعويضها ببناء النهج الديمقراطي كتنظيم شبه جماهيري...إلخ. وعدم إدراك الفارق النوعي بين النهج الديمقراطي (تنظيم ديمقراطي جذري قاعدته بورجوازية صغيرة بالأساس) وحزب الطبقة العاملة كتنظيم سياسي مستقل للطبقة العاملة والكادحين. هناك نوعيتان مختلفتان تعبران عن لحظتين مختلفتين نوعيا.
ولتعميق النقاش، نرى أن امتلاك نظرية واستراتيجية يؤدي لدى الماركسيين إلى اعتبار المسألة التنظيمية جزءا لا يتجزأ من هذه النظرية ومن هذه الاستراتيجية. ("التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة، بين الهدف والعمل في سبيل الوصول إليه" لوكاش). فالتنظيم يرتبط كذلك بالخط السياسي "لا يمكن فصل المسائل السياسية ميكانيكيا عن مسائل التنظيم" لينين.
1) الطرح النظري :
تقدم الأطروحة التنظيمية نفسها كتركيب لعدة تجارب لأنها تعتمد في بنائها على :
- طلائع التنظيمات الجماهيرية.
- التنظيمات الذاتية للجماهير التي هي حقل الالتقاء بين الاجتماعي والسياسي كل من موقعه.
والحصيلة تنظيم شبه جماهيري وليس تنظيما للأطر. وتعود فتستدرك أن الأطر ضروريين لتوفير الفعالية، وعليهم تركيز العمل في المجال السياسي.
كان من اللازم، ولو من باب الإشارة، تذكير القارئ بتلك التجارب التي تم تركيب عناصرها المختلفة لتقديم تصور نظري للتنظيم.
وسنراهن بدورنا من خلال العناصر المؤسسة للمفهوم النظري، على أن الأمر يتعلق باسمان بارزان في تاريخ الفكر الماركسي، الذي سجل لهما التاريخ جدلهما الكبير حول المسألة التنظيمية، نعني لينين وروزا لوكسمبورغ.
فهل طلائع التنظيمات الجماهيرية (ولينين لم يقل بهذا) والتنظيمات الذاتية للجماهير (وهل هكذا يقدم الطرح اللوكسمبورغي؟) هي هذا التركيب المعلن عنه. في حدود ما قدم لنا، هناك استخفاف بالموضوع.
كل كتابات لينين وروزا لحظات في تبلور نظريتهما التنظيمية. ومنهج المعالجة يتطلب بالضرورة الانطلاق من وحدة النظرية والممارسة ومواجهتهما، ثم القيام بالتمييز الشمولي، والعرض في النظرية لكل منهما والمقارنة والانتصار لهذا الموقف أو ذاك، أو القيام بالتركيب بينهما. والحال أن الاطلاع على كتابات لينين وتجاربه ومواقفه (أكثر من 25 سنة من الإسهامات) وكتابات روزا الجدالية وغير الجدالية الموضوعة في سياقها التاريخي وعلى محك التجربة، كل هذا يدعونا إلى التساؤل عن مدى جدية النظرية التنظيمية التركيبية التي تقدمها الوثيقة.
والغريب أن الوثيقة لم تتذكر هنا أنها بشرت بتصور تركيبي لتجارب تاريخية. وكان عليها استلهام المبادئ التنظيمية العامة التي تشكل أركان النظرية الماركسية للحزب أو على الأقل صورة مركبة لما تختاره. لا شئ من هذا !!
وحين التطرق للشكل التنظيمي، لا يجد المضمون المقترح صيغته ويقع التردد بل والسقوط في نوع من الانتقائية المرتبكة والتبريرية. هكذا تخضع صيغة الحزب إلى الرفض لماذا !؟ لأننا لا نعلم "الغيب" فقد يكون هذا الشكل جبهويا : جبهة لمنظمات ماركسية. والحال أن مجموع منظمات ماركسية (جبهة) لا يشكل بالضرورة حزبا. فقد يكون مجموعا لتنظيمات بورجوازية صغيرة ترفع شعار الماركسية. وإذا كانت بالفعل ماركسية ومرتبطة بالطبقة العاملة ومشروعها التاريخي فلماذا لن تتوحد؟ والوحدة في كل الحالات ليست تجميعا عدديا بل قفزة نوعية لتأسيس حزب الطبقة العاملة. وهذا ما تظهره التجارب التاريخية سلبا وإيجابا.
أما "تحالف" أحزاب تمثل فئات مختلفة للطبقة العاملة كتعبير عن تعددية عمالية،فهو هنا بحث عن تعددية في مكان غير مكانها. فأن توجد تعددية فكرية وسياسية وسط الطبقة العاملة أمر بديهي وله أساسه المادي الاجتماعي، ولكن موضوعنا يتعلق بأحد أركان الفكر الماركسي : الطبقة العاملة ودورها التاريخي.
الطبقة العاملة مفهوم أساسي وجوهري ومركزي. هناك طبقة عاملة وهناك فئات وشرائح داخل الطبقة العاملة، ولا يقتصر ذلك على الطبقة العاملة فقط. الفئات العمالية هي نتاج تقسيم العمل داخل مسلسل الانتاج، ومستويات الوعي الذي يتطور بشكل غير متساو كنتاج لذلك وللصراعات الطبقية ( تعددية مستويات الوعي وضرورة حزب للطبقة العاملة (الحزب اللينيني). فالحزب يمثل هذا الجوهر (الطبقة العاملة).
والاختلاف في الفهم بين الطرحين يعود إلى منهجيتين مختلفتين:
- منهجية مادية جدلية وتاريخية.
- ومنهجية سوسيولوجية (لا وجود للطبقات بمعنى classes بل بمعنى strates، أو مجرد فئات إلخ).
ولأن "التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة ..." فبناء الحزب يحتاج إلى نظرية في التنظيم، وخط سياسي رابط بين الهدف والعمل في سبيل الوصول إليه. لذلك، مهمة التجذر وسط الطبقة العاملة هي ذات أولوية تتفوق على غيرها. وفي سياقها ينبني التنظيم ضمن خطة سياسية مركزية، تحددها المهام الاستراتيجية، وتجسدها الخطط التاكتيكية (أشكال التنظيم، أساليب النضال، الشعارات ...). وهذا هو السياق كذلك الذي تنبني فيه وحدة الاشتراكيين الماركسيين.
وبخصوص المحددات التاكتيكية، لا يمكن بناء التنظيم عن طريق الفصل بين التاكتيك والاستراتيجية. التنظيم هو مكان الالتقاء بينهما عبر توسط النظرية ورابط البرنامج. إن ما يتغير هو أشكال التنظيم والنضال، وليس طبيعة التنظيم بغض النظر عن السرية والعلنية. فلماذا إذن هذا الفصل بين المستويين؟
نعتقد أن هناك حاجة ما لهذا الفصل لدى البعض (لنتذكر لينين : "لا يمكن فصل المسائل السياسية ميكانيكيا عن مسائل التنظيم"). ولننقل أو لنطبق هذا الفصل في مجال السياسة، لنجد أن مرحلة الديمقراطية تحتاج هكذا تنظيم أي قائم على أسس تاكتيكية. وللمرحلة الاستراتيجية تنظيمها كذلك، أي القائم على أسس استراتيجية. هناك سقوط في "مرحلوية" (فصل بين المراحل) على مستوى استراتيجي وفي الفصل بين الديمقراطية والاشتراكية.
ومن الملفت للنظر أن التنظيم الممكن مرحليا هو تنظيم شبه جماهيري. ولأن البشرية حسب هذا التقسيم لاتعرف سوى تنظيمات ثلاثة مختلفة (ومنفصلة !!) أي :
1- التنظيم الجماهيري.
2- التنظيم الشبه جماهيري.
3- التنظيم الأطري.
يتنكر هذا الطرح لجدلية التصور اللينيني للتنظيم الذي يمفصل العمل بين هاته المستويات الثلاث في سياق خط سياسي جماهيري لحزب طليعي ثوري هو خط الجماهير الذي قام بتطويره القائد الثوري ماو تسي تونغ.
ولتسهيل النقاش، نضع الأمور في سياقها. هنا يمكن القول أن التنظيم الشبه الجماهيري هو تنظيم تاكتيكي يعمل لفترة مدتها أربع سنوات. ولنستحضر ما قلناه أعلاه لتتضح لنا الصورة.
إنه تنظيم تركيبي من الناحية النظرية لاعتماده على تجارب تاريخية. ولذلك يكتفي باستقطاب "طلائع المنظمات الجماهيرية" وتسنده التنظيمات الذاتية للجماهير التي هي مكان الالتقاء بين مسارين :
1) المسار السياسي.
2) المسار الاجتماعي.
ويجب ألا ننسى مع ذلك أننا في حاجة إلى أطر تقوم بالعمل السياسي.
وسيدار هذا التنظيم على قاعدة أقصى حد من الديمقراطية (مع تقليص الوسائط) وأقل ما يمكن من المركزية.
- تنظيم لطلائع المنظمات الجماهيرية أم "للطلائع البروليتارية"؟ لسنا في حاجة إلى جواب فالفرق واضح والأدبيات الماركسية تعج بذلك.
- التنظيمات الذاتية للجماهير كمكان لالتقاء السياسي والاجتماعي؟
الوثيقة واضحة وحاسمة، يتعلق الأمر بمسارين يتقاطعان داخل التنظيمات الذاتية للجماهير.
إذا شرحنا الأمور سنقف على ما يلي :
1- المسار الاجتماعي يقابله المسار السياسي.
2- التنظيمات الذاتية يقابلها التنظيم السياسي.
3- العمل الجماهيري يقابله العمل السياسي.
4- مناضلو الحركة الجماهيرية تقابلهم الأطر السياسية.
ولنطرح سؤالا رئيسيا :
• عن أي مسار سياسي تتكلم الوثيقة؟ (لا فصل ميكانيكي بين التنظيم وخطه السياسي).
• وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتم النظر إلى الاجتماعي (الجماهيري)؟
في الوثيقة السياسية الجواب يأتي واضحا : "إنه انتزاع مكتسبات ديمقراطية". وفي المقرر التنظيمي بناء التنظيم التاكتيكي أمامه أربع سنوات ليتحقق.
انطلاقا من ذلك، فما مضمون الاجتماعي (الجماهيري) أي الأولويات، أساليب النضال، أشكال التنظيم، البرنامج؟
لكل من المسارين موقعه وسيتم التقاطع بينهما في لحظة لاحقة من خلال تبادل الدعم بينهما. وفي انتظار ذلك، فلنتمسك بالصبر !
لعل هذه النظرية (نظرية الالتقاء والتقاطع ...) تستقي جذورها من النظرية الأم (نظرية السيرورات الثلاث المترابطة والمتزامنة في ذات الآن).
للتذكير :
(1) في التعامل مع السياسة يقر الماركسيون "بمركزية الصراع الطبقي" « Toute lutte de classe est une lutte politique » Marx. ويعني هذا تحليل التناقضات الطبقية (التناقض الأساسي، التناقض الرئيسي، التناقضات الثانوية ...) وتحديد البرنامج والمهام انطلاقا من ذلك.
(2) في نضالهم الاجتماعي (الجماهيري) يقر الماركسيون بأولوية السياسي (الاجتماعي يتضمن السياسي) ومن هنا أهمية الحزب السياسي وأهمية الهيمنة الإيديولوجية والسياسية للطبقة العاملة، ضمن السيرورة التاريخية لبناء الاشتراكية. ولذلك احتلت إشكالية الوعي الطبقي، بارتباط مع بناء حزب الطبقة العاملة، أهمية قصوى في الفكر الماركسي (انظر إسهامات لينين الأساسية): أهمية خطة سياسية دعائية تحريضية مركزية في خدمة بناء التنظيم البروليتاري. وخلافا لمناوئيه، أدرك لينين أهمية المركزية لا كمركزية تنظيمية تقنية بل كمركزية سياسية.
(3) فيما يخص علاقة التنظيمات الذاتية للجماهير بحزب الطبقة العاملة (التنظيم السياسي).
أهي علاقة تداخل وتبعية ؟
أم هي علاقة خارجانية (rapport d’extériorité) ؟
أو علاقة حياد ( فصل الخبز عن السياسة)؟
في نظرنا، استقلالية التنظيمات الذاتية تعني توفرها على استقلال القرار في مجال اختصاصها، علما أن التجارب التاريخية تثبت أنها تظل مطبوعة بالجزئية، الفئوية، المحلية، القطاعية، الشوفينية، الاقتصادوية والتجريبية ... أي بقاءها لقمة صائغة في يد الفكر البورجوازي (الإيديولوجية المسيطرة هي إيديولوجيا الطبقة المسيطرة)، إذا لم يناضل الماركسيون من أجل انتزاعها من تربصات الاستيلاب الاقتصادي والإيديولوجي، ومن أجل بسط الهيمنة السياسية والإيديولوجية لخط الطبقة العاملة وحزبها السياسي، ضمن سيرورة تنامي الوعي الطبقي السياسي داخل الجماهير. إن تكون الوعي البروليتاري سيرورة غير متساوية وغير متواصلة، لأنها انعكاس لسيرورة تاريخية غير متواصلة لتكون البروليتاريا ذاتها. الطابع الغير المتواصل لتطور الوعي الطبقي له شروط موضوعية (شروط العمل والعجز عن النضال على الدوام (ضرورات العيش) فبعد المعارك تكون العودة إلى منطق الفردانية (ما دمنا لم نتخلص بعد من الرأسمالية) ولكن في معمعان النضال تبرز العناصر الأكثر وعيا، نضالا ومقاومة لنزعة العودة إلى النضال من أجل الوجود (ضرورات العيش). إنها الطلائع البروليتارية. وتبرز هنا الحاجة الضرورية إلى الإعلام والتكوين النظري واحتلال النظرية لدور مستقل نسبيا في السيرورة التاريخية. هاته الحاجة أساسية لمواجهة التجريبية وتمظهراتها (وعي مجزئ، زائف، مستلب)، وللإمساك بطرفي الجدل : التجزئة والوحدة الطبقية.
في فترات التراجع تقوم الحاجة إلى ممارسة نضالية شمولية لقلة من الطبقة العاملة تتابع النشاط السياسي الاشتراكي المتواصل.
إن من لم يفهم الطرح اللينيني لا يدرك الأساس المادي للحزب الطليعي الذي يتماشى تماما مع جوهر النظرية الماركسية للمعرفة.
إن الحزب اللينيني وضرورته مستمدة من دوره كذاكرة جماعية للطبقة العاملة وكمثقف جماعي (ضمان تراكم الخبرات والوعي ولو في مراحل الجزر). إن المركزة هنا هي مركزة التجارب والخبرات، أي مركزة سياسية. وهذا ما لم تدركه روزا لوكسمبورغ. إن الطليعة البروليتارية المفهومة هكذا تستدعي تنظيما طليعيا. ولنتذكر جميعا الفرق الذي وضعه لينين بين الإصلاحي والثوري حين أكد على أن الثوري يتابع الدعاية الثورية والإعداد للثورة في المراحل الغير ثورية.
لا يسمح الوقت بالمزيد ولكن النظرية اللينينية كان وراءها 25 سنة من التجارب والخبرات ولا تختزل في كراسة "ما العمل؟" ولذا وجب المعالجة على هذا الأساس لنكتشف تدقيقات لينين المستمرة لجدلية الجماهير والحزب، ولجدلية الحزب والتنظيمات الذاتية للجماهير (المجالس العمالية، اللجان، المنظمات الجماهيرية ...). إن الهيمنة السياسية للحزب تتم عبر خطه السياسي، وقدرته على إقناع الجماهير، الشئ الذي أدركه ماو عندما أسس لخط الجماهير.
إن النظرة الدونية للعمل السياسي (رفض أولوية السياسي الطبقي) تسقط بشكل متلازم في :
(1) على مستوى العمل الجماهيري :
الانغماس في الحركية والعفوية والفئوية والنظرة المتجانسة، الغير الطبقية للحركة الجماهيرية ولتنظيماتها الذاتية، ومن ثمة فقدان البوصلة.
(2) على المستوى السياسي :
السقوط في الذيلية، النخبوية والنزعة الاستبدالية (الاستعاضة عن دور الجماهير السياسي). ذلك لأن السياسة هي اختصاص نخبة، أطر حتى ولو سميناهم "طلائع المنظمات الجماهيرية" أو أطر سياسية. إن أساس هذا الطرح نجده في عملية الفصل التي ذكرناها وهي تقوم على :
- للجماهير وتنظيماتها الذاتية دور اجتماعي واقتصادي.
- للتنظيم السياسي دور سياسي (في العمق سياسوي).
لقد كان ولازال هذا الطرح يسقط في وهمين ينتشران وسط الحركات الجماهيرية والحركات الاشتراكية :
- الوهم الاجتماعي :
وهو الاعتقاد بأن تغيير العالم ممكن بدون أخذ السلطة (ينتشر الآن وسط الحركات المناهضة للعولمة ...).
- الوهم السياسي :
وهو يقوم على إفراغ الديمقراطية من معناها التاريخي، الاجتماعي والطبقي، مما يفسر تضخم الخطاب حول الديمقراطية والفصل بين التاكتيك والاستراتيجية، الذي يقابله فصل التنظيم بالمعنى التاكتيكي عن معناه الاستراتيجي. بينما فصل النضال من أجل الديمقراطية عن النضال من أجل الاشتراكية يقابله فصل التنظيمات الذاتية للجماهير عن التنظيم والعمل الجماهيري عن العمل السياسي.
(3) على المستوى التنظيمي :
باستحضار البنية التنظيمية والخبرات المتراكمة للنهج الديمقراطي، وباستعادة النقاش المكرر حول علاقة السياسي والجماهيري، نعتقد أن الأزمة التنظيمية ستظل تراوح مكانها، لأن النهج الديمقراطي غير قادر على معالجة سلسلة من التناقضات. ولا نظن أنه في غياب امتلاك نظرية تنظيمية، بالإمكان الخروج منها. والدعوة إلى أكثر ما يمكن من الديمقراطية يكرس الإشكالية. فأعضاء اللجنة الوطنية لا يمثلون إلا أنفسهم في حين تبقى الفروع خارج دائرة القرار السياسي. فالقرارات التي لايساهم فيها الجميع ليست قرارات للجميع. وهذا ما يفسر الخلل القائم بين الهيآت الوطنية المقررة وباقي الهيآت المحلية ... وضع يجعل التنظيمات المحلية تعيش كما لو أنها في تنظيم قائم على لامركزية تنظيمية، في حين تجد نفسها مطالبة بتطبيق قرارات لم تساهم في بلورتها.
هذا حال المنظمات المحلية. فماذا عن واقع العمل الجماهيري والمناضلون ينتقلون من تنظيم "أكثر ديمقراطية" إلى تنظيمات أكثر مركزية (النقابات، الجمعيات...) وهذا يفسر لماذا يتباهى المناضلون الجماهيريون بتنظيماتهم الجماهيرية؟.
إن ما لم ندركه أن هذه الفرمولة تقوم بتأسيس تبعية السياسي للعمل الجماهيري، وهو ما يفسر الاستهانة بإطارات النهج الديمقراطي وعملها السياسي، الشئ الذي يكرسه كذلك رفض العمل بالخلايا وتفضيل الإبقاء على المجالس المحلية كصيغة فضفاضة وعائمة.
إن وراء الأكمة ما وراءها ! فوراء هذا الحال يختبأ تصور نخبوي للعمل السياسي وللتنظيم. لجنة وطنية كنواة مركزية بيروقراطية وفروع حائرة بين مركزية بيروقراطية من جهة (علاقة الوطني بالمحلي)، ولا مركزية تنظيمية سائبة على المستوى المحلي من جهة أخرى. لا علاقة للجزء بالكل، وإن وجدت فمن عل. أما التأكيد على الانضباط، المحاسبة والنقد والنقد الذاتي فأشياء لا محل لها من الإعراب في هكذا تنظيم... أما سياسة الأطر في ظل هذا التصور التنظيمي والسياسي والذي يتجاهل جدلية التنظيم الطليعي والتنظيمات الشبه الجماهيرية والمنظمات الجماهيرية، ويقوم على الفصل بين المحددات التاكتيكية والإستراتيجية في عملية بناء الحزب، فلا يعدو كونه تصورا بورجوازيا صغيرا وخطا داخليا في نظرته لتربية الأطر وتكوينها. ذلك أن تكوين الأطر في ظل تصور قائم على الفصل بين السياسي والجماهيري، بين النظرية والممارسة، لن يستطيع إدراك أن تربية المناضلين وتكوين الأطر هي أساسا مسألة إعادة صهر مفهومهم للعالم حتى ينتسبوا بالكامل للتنظيم على المستوى الإيديولوجي وكذلك السياسي. وأسلوب لتعامل مع إشكالية الأطر يقوم على المبادئ التالية:
1- وحدة النظرية والممارسة.
2- الارتباط الوثيق بالجماهير.
3- النقد والنقد الذاتي.
4- التركيز على الهوية الطبقية البروليتارية دون إغفال الطاقات الأخرى.
5- تغليب مقاييس الكيف على الكم وتغليب مقاييس الممارسة النضالية مع الجماهير.
لقد أدركت منظمة "إلى الأمام" مبكرا أن التنظيم السياسي يتأرجح من خلال قطبي الممارسة والنظرية بين العفوية والأطروية (cadrisme). والحال أن الانحرافان لهما منبع واحد: هو سعي المثقف البورجوازي الصغير ليكون مربيا فوق الجماهير. (انظر الأطروحة 3 حول فويرباخ).
(2) التعديلات وفشلها في التوفيق:
- فيما يخص الشكل التنظيمي للتنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة والكادحين، تم الإبقاء على رفض صيغة الحزب كمفهوم تنظيمي والاستمرار في اعتمادها كمفهوم دعائي فقط، لكن التعديل تراجع عن المبررات المقدمة في الوثيقة الأصلية، التي مفادها أن الشكل التنظيمي قد يكون تنظيما جبهويا لعدة تنظيمات ماركسية أو تحالفا معينا يجمع عدة أحزاب لفئات مختلفة من العمال والكادحين. هذا التعديل إذن لا يفعل شيئا سوى حذف كل ما يمكن أن يثير النقاش مؤجلا إياه إلى أجل غير مسمى، على الرغم من الاعتراف الشكلي بأهميته.
- رغم أن التعديل يقر أن شكل التنظيم هو الذي يتحدد بالاعتبارات التاكتيكية وليس طبيعته، فهذا لا يغير شيئا في الطرح النظري للورقة لطبيعة التنظيم المنشود، التي لا يخدم مهمة بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة انطلاقا من الاعتبارات الاستراتيجية (التحرر الوطني الديمقراطي ذو الأفق الاشتراكي).
- أما استبدال صيغة "تنظيم شبه جماهيري" بصيغة "تنظيم ذو عمق جماهيري" فهو غموض وهروب إلى الأمام في الغموض ...
- استبدال طلائع المنظمات الجماهيرية بطلائع العمال والكادحين في المنظمات الجماهيرية : يبقي هذا التعديل على الطابع النخبوي في الاستقطاب، ولو لعمال وكادحين. ولا يرقى إلى مفهوم الطلائع البروليتارية، الذي يتحدد بالوعي الطبقي بالمعنى التاريخي، والذي يتجاوز مباشرية الطبقة العاملة وانقساماتها، وليس بالوعي المجزأ (فئوي، قطاعي، نقابي، ...) الذي ينبثق من العمل الاقتصادي المباشر والذي تكرسه المنظمات الجماهيرية.
- استبدال المسارين المنفصلين : السياسي والاجتماعي بعلاقة "تفاعل جدلي دائم" بين التنظيم السياسي والتنظيمات الذاتية للجماهير. لكن "علاقة التفاعل الجدلي الدائم" هذه لا تجد مكانا لتجسيدها في البنية التنظيمية. إذ أن الخلية كآلية تنظيمية ل"علاقة التفاعل الجدلي الدائم" لاتحظى بالأولوية اللازمة في البنية التنظيمية للنهج الديمقراطي، بل تظل "إمكانية لا يتم إعدامها إذا توفرت الظروف المواتية". كما أن هذه البنية، ونظرا لحرصها على "تقليص الوسائط وتبسيط الهيكلة"، تعدم إمكانية بناء قنوات تنظيمية متنوعة ومتعددة بين التنظيم والجماهير. هذه القنوات التي يعود إليها دور إقامة "علاقة التفاعل الجدلي الدائم" التي يتحدث عنها التعديل.
- بالنسبة لمركزية السياسي، فخارج إطار العمل بالخلايا والقنوات التنظيمية الوسطية، التي يمكن العمل من داخلها على الربط الجدلي بين السياسي والاجتماعي، يصبح العمل السياسي سياسويا في العمق، وبالتالي يصير مضمون مركزية السياسي هو بالضبط ما تحذر منه الوثيقة (أي التعامل مع التنظيمات الذاتية كقنوات لتمرير الخطاب).
- فيما يخص المركزية الديمقراطية، فإن التعديل إذ يعترف بها كمنطلق نظري عام، يلتف عليها حين يتعامل مع مضامينها الإجرائية كمسائل خاضعة للظروف ولمراحل تطور التنظيم. وهكذا يتم التملص من تحديد تلك المضامين وانعكاساتها على العلاقات التنظيمية، ليتم اختزالها في فقرة لاحقة في تبني "مبادئ الديمقراطية والانضباط والنقد والنقد الذاتي والمحاسبة والوحدة التي تمنع وجود تكتلات أو تيارات بداخله".
إضافة إلى أن التعديل يتكلم عن المركزية الديمقراطية كمنطلق نظري يحكم العلاقات داخل التنظيم، ولا يذكر شيئا عن العلاقات بين التنظيم والجماهير. الشيء الذي يكرس استمرار أطروحة الفصل بين الجماهيري والسياسي.
إن المركزية الديمقراطية، بالمعنى الماركسي اللينيني، ليست مسألة تقنية بقدر ما هي مفهوم تنظيمي، يستقي جذوره من النظرية الماركسية للمعرفة، التي تنظر إلى تطور المعرفة باعتبارها تطورا حلزونيا عبر مرحلتين : مرحلة المعرفة الحسية (الممارسة) ومرحلة المعرفة العقلية (النظرية) التي تختلف نوعيا عن المرحلة الأولى، ثم العودة إلى الممارسة من أجل تطويرها واختبار مدى صحة النظرية. وفي كل دورة ترتقي النظرية وترتقي الممارسة (يرتفع مستواهما).
في اعتقادنا "الجدلية" ليست طريقة للاختزال، إنها طريقة إعادة إنتاج فكرية ومفاهيمية للواقع، طريقة تطور أو تفسير الظاهرات الاجتماعية انطلاقا من النشاط العملي والموضوعي للإنسان التاريخي.
فلإدراك الواقع لابد من مجهود (un détour). ولذلك يميز الفكر الجدلي بين تصور الشيء ومفهومه (Représentation et concept) ليس فقط كدرجتين في المعرفة ولكن وخاصة كنوعيتين للممارسة الإنسانية (Praxis) مما يعني أنه ليس هناك قطبان متعارضان ومتكاملان، الأول قطب يمثل موضوع المعرفة، التحليل، وقطب ثاني يمثل ذات مجردة للمعرفة في وخارج العالم، هناك إذن درجتان للممارسة تقابلهما درجتان للمعرفة.
على هذا الأساس فإن الدور الديمقراطي للمركزية الديمقراطية يكمن في تحليل المعطيات الحسية الغنية لمختلف تجارب الممارسة الاجتماعية للجماهير، لفهم الواقع الموضوعي والذاتي في جوهره وكلياته والروابط الداخلية التي تربط بين أجزائه (معرفة عقلية). الشئ الذي يقتضي نقاشا عميقا وحرا وواسعا، يتوج بإقرار رأي الأغلبية في بناء خط الحزب، مع احتفاظ الأقلية بحقها في الدفاع عن رأيها. وهو حق يوفر له الحزب جميع الإمكانيات لممارسته.
إن الديمقراطية بهذا المضمون تفترض تنظيما طليعيا أي منظمة أطر شيوعية قادرة على تحليل المعطيات الحسية التي لاتعكس سوى ظواهر الأشياء وجزئياتها وروابطها الخارجية، وتحويلها إلى معرفة نظرية أعمق وأصدق وأكمل للواقع الموضوعي والذاتي (بلورة خط الطبقة العاملة)، وليس تنظيما منفتحا نسبيا ومكونا من طلائع المنظمات الجماهيرية وإن كانوا عمالا وكادحين. فالتنظيم الطليعي للأطر الشيوعية وحده يضمن الحفاظ على استقلال الطبقة العاملة وسيادة خطها.
إن الديمقراطية، إذن، ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة فقط والهدف هو بلورة خط سياسي سديد. وتجدر الإشارة إلى أن احتفاظ الأقلية بحقها في التعبير عن رأيها يبرره كون ما هو جديد رغم صحته في العديد من الأحيان لا تدركه الأغلبية ولا يترسخ لديها إلا بعد جهود لإقناعها به وبعد خوضها تجارب تثبت صحته.
أما الدور المركزي، فإن أهميته تتجلى في كون النظرية (وبالتالي الخط السياسي المبلور انطلاقا منها) مهما كانت صحيحة وسديدة تصبح عديمة الأهمية ما لم تطبق في تطوير الممارسة (الموضوعة 11 حول فيورباخ). فمركزية التنظيم وحدها تسمح بتننسيق تدخل الطليعة في الحركة الجماهيرية العفوية قصد تطويرها. وفي غياب ذلك يكون التدخل مرتجلا وأحيانا متضاربا، وغير ذي فعالية في تطوير الحركة الجماهيرية. كما أن تقييم نتائج تدخل الطليعة المنسق يمكن من تصويب خط الحزب (عودة للنظرية في مستوى أعلى) مما يعني حركة لانهائية من التعلم من الجماهير وتعليمها. حركة تتجاوز المقابلة الشكلية بين طليعة مستنيرة حاملة للعلم وطبقة مبعثرة غارقة في وعي مباشر لا شفاء منه بل هي حركة تجعل لكل من الطليعة والجماهير دورا فاعلا وخلاقا.
من هذا المنطلق، ومما يؤكد أن المركزية الديمقراطية ليست قواعد إدارية للتسيير الداخلي لتنظيم ماركسي لينيني، تأخذ القيادة كطليعة شرعيتها ليس من كونها تم انتخابها حسب القواعد التنظيمية ولكن ما يؤسس شرعيتها هو صحة سياستها. وذلك مرتبط ب:
- مدى ارتباطها بالجماهير والتعلم منها ومركزة أفكارها لبلورة خط سياسي يستجيب لمطامحها.
- مدى خضوعها لمراقبة الجماهير وتشجيع النقد والنقد الذاتي.
إن المركزية كما يتبين لنا، ليست هي الأخرى سوى وسيلة أما الغاية فهي تطوير الحركة الجماهيرية وتوسيعها وتجذيرها.
توجد الديمقراطية في قلب المركزية والعكس بالعكس. إذ أن غياب حق النقد والتعبير عن الرأي يجعل من الانضباط خضوعا وعبودية ولا معنى لاعتباره ثوريا إذ أنه أصبح رجعيا (الانضباط البيروقراطي) أما بعد النقاش الحر، العميق والواسع فإن الانضباط يصبح الشكل الملموس للحرية (الانضباط البروليتاري) الذي يمكن الفرد والمجموع من النضال في سبيل إنجاز القفزة التي تحدث عنها إنجلز للانتقال من عالم الضرورة إلى عالم الحرية.
إن كلا الدورين : الديمقراطي (التحليل النظري للمعطيات الحسية للحركة الجماهيرية) والدور المركزي (تنسيق تدخل الطليعة في الحركة الجماهيرية) يشترطان علاقات وروابط متعددة ومتنوعة ومختلفة المستويات في الوعي لتربط التنظيم الطليعي بالجماهير، عكس ما تقترحه الوثيقة من تقليص الوسائط وتبسيط الهيكلة. فمن خلال هذه الروابط المتشعبة، تشكل سلسلة توالي الديمقراطية والمركزية سيرورة لالتحام الطبقة العاملة بطليعتها، عبر التقويم المتواصل والتطوير المستمر للخط السياسي والممارسة النضالية للتنظيم الطليعي. "الانطلاق من المعرفة الحسية للارتفاع على نحو فعال إلى المعرفة العقلانية لتوجيه الممارسة الثورية على نحو فعال من أجل تحويل العالم الذاتي والموضوعي، الممارسة والمعرفة، ثم من جديد الممارسة والمعرفة... وهذا الشكل الدوري لا نهاية له، وفي كل دورة يرتفع مضمون الممارسة والمعرفة إلى مستوى أعلى" في الممارسة: ماو تسي تونغ.
في هكذا تصور تنظيمي يتشكل حزب الطبقة العاملة في سيرورة يتمفصل خلالها مستويات ثلاث من التنظيم : التنظيم الطليعي كنواة صلبة من الأطر الشيوعية، التنظيمات الوسطية أو الشبه جماهيرية والجماهير المرتبطة بها، بروابط متنوعة ومتعددة والكل يشكل حزب الطبقة العاملة كجسد واحد لا ينفصل الرأس فيه عن باقي الجسد.
- هكذا إذن فشلت المحاولات التوفيقية في مسعاها. بل أكثر من ذلك، إن النزعة التوفيقية في حد ذاتها تمثل خرقا للدور الديمقراطي (أو لحظة الديمقراطية كما تسميها الوثيقة) لأنها تشكل عرقلة للبحث والسجال ومجابهة الأفكار من أجل تطوير خط الحزب. كما تمثل خرقا للدور المركزي (أو لحظة المركزية) إذ أن الغموض، الناتج عن التوفيق –بدون مبادئ- بين تصورات متضاربة، يؤدي إلى تعددية في التفسير وانحرافات في التطبيق.
(3) حول العمل الجماهيري :
• ملاحظات في الشكل :
يعاني النص من تفكك مفرط نتيجة غياب أي تصميم منطقي داخلي. ولذلك جاءت الأفكار متأثرة بانعدام بنية للفقرات المختلفة. فبالإضافة إلى الطول الغير مبرر، هناك تكرار وعموميات لا تفيد في إعطاء معنى للأفكار. فغلب المنهج الوصفي وانعدمت الدقة لتحديد المفاهيم.
• من حيث المضمون :
- في التقديم :
تمجيد التنظيمات الذاتية كحلول سحرية، أو كصمامات أمان ضد الهيمنة السياسية للدولة والأحزاب، بما يشي بفصل ميكانيكي ل"الاجتماعي" عن "السياسي"، علما بأن الحركات الثورية التاريخية للجماهير هي القادرة على صنع الحلول والبدائل.
إن بناء السلط المضادة لا يتم خارج أولوية "السياسي" (الحزب هو نفسه شكلا من أشكال السلط المضادة للدولة)، وخارج النضال من أجل بناء سلطة الجماهير الكادحة بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الثوري.
إن إشكالية العلاقة بين الحزب والتنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير والسلط المضادة لا يمكن مناقشتها خارج تحديد مراحل النضال السياسي، وخارج تحديد علاقة التاكتيكي بالاستراتيجي، وخارج تحديد المضامين الطبقية التاريخية لذلك. إن مفهوم الجماهير ومفهوم الشعب مفاهيم ذات طابع استراتيجي متحرك، ولذلك تأخذ التنظيمات الذاتية للجماهير وسلطها المضادة مضامين تحددها طبيعة المرحلة التي نعمل على اجتيازها. إن تعددية هذه التنظيمات أمر لا خلاف عليه لوجود عوامله الموضوعية والذاتية.
- في مفهوم وأهداف العمل الجماهيري :
تعاني الفقرة بشكل عام من غلبة الوصف وانعدام التحديد المفاهيمي، ولذلك تم التعويض عن النقص التحليلي بالعموميات بدون مضمون محدد. ولكن الأهم هو غياب اعتماد مفهومين مركزيين : مفهوم الطبقة العاملة ومفهوم الصراع الطبقي.
وحين تم تبني صيغة "الحزب المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين"، جاء مبتورا عن السياق الذي استعمل صيغ أخرى في فقرات لاحقة كصيغة "كادحون".
- في مفهوم التجذر وسط الجماهير الكادحة :
إضافة لغياب صيغة الطبقة العاملة واستمرار صيغة كادحون، ليس هناك مجال لتناول مفهوم التجذر نظريا، بل أكثر من هذا، لايترجم معنى التجذر إلى خطة سياسية وتنظيمية، بل يتم الاكتفاء بالإشارة لدور المناضلين.
ولم تختلف فقرة "في أهمية العمل الجماهيري" عن سابقاتها مؤكدة أن هذا الأخير "يمكننا من استقطاب القسم الأكثر وعيا من الناحية الطبقية وسط الكادحين وعموم الجماهير ...".
إن المنهجية الغير الطبقية تسقط في نظرة متجانسة للحركة الجماهيرية.
- واقع الحركة الجماهيرية في الفترة الراهنة :
عبثا سنبحث عن مميزات للحركة الجماهيرية في وضعها الراهن لغياب الهدف المحدد لذلك. إن تحليل واقع الحركة الجماهيرية يستهدف في نظرنا توصيف طابع المرحلة جماهيريا، للوصول إلى تحديد المهام والشعارات والأشكال النضالية والتنظيمية. ولن يكون ذلك دون تحديد القطاعات الجماهيرية الأكثر نضالية أو المتوفرة على أكثر الطاقات والإمكانات لتركيز العمل داخلها وبلورته. ومن ثمة الحاجة إلى تحديد طابع الحركة الجماهيرية في راهنها، عبر تحليل موضوعي وذاتي وبلورة خطة عمل دعائيا، تحريضيا وتنظيميا خدمة لأهدافنا السياسية.
- واجهات النضال الجماهيري :
لأن طابع المرحلة المحدد استراتيجيا هو : التحرر الوطني والديمقراطي. كان على الفقرة أن تستحضر طابع التشكيلة الاجتماعية المغربية التابعة (نظام رأسمالي تبعي) كإطار عام لتحديد الواجهات النضالية والربط فيما بينها.
فالواجهة السياسية أو ما يرتبط بها لا يحكمها إطار نظري مفاهيمي يسمح بالربط المنطقي بين قضايا وطنية وقومية وأممية. دون ذلك يتم اقتراح التضامن مع إيران، السودان، وسوريا دون أن ندري لماذا وكيف؟
أما واجهة النضال الاجتماعي فتعتمد مطالب ذات صلة بإطارات جماهيرية وليست خاصة بالتنظيم السياسي.
وعموما عند تناول واجهات النضال الجماهيري يتم السقوط في مأسسة الحركة الجماهيرية لحد يمكن القول معه أن الحركة الجماهيرية تساوي عدد المنخرطين في إطاراتها. والحال أن الحركة الجماهيرية أوسع بكثير من ذلك.
- حول علاقة العمل الجماهيري والعمل السياسي :
تنطلق الوثيقة من مبدأ سليم حين تؤكد على أولوية السياسي في علاقته بالجماهيري. لكن سرعان ما تتناقض مع نفسها حين تتناول الموضوع بالنقاش :
(1) تنقل الوثيقة النقاش إلى مستوى عام حين تتناول التأثيرات السلبية للتجارب الحزبية على العمل الجماهيري، وداخل المنظمات الجماهيرية. لكن أين نحن من هاته التجربة وما هي تجربة مسارنا في هذا الإطار؟ لاشيء وهذا أمر غريب بالفعل ! لأن الموضوع يعني النهج الديمقراطي أولا.
(2) تتوضح أسباب التناقض (المشار إليه أعلاه) لما تبحث الوثيقة عن تصور لهاته العلاقة، وهو تصور ينهل من "النظرية الأم: نظرية السيرورات الثلاث".
- في تعريف العلاقة :
العمل الجماهيري والعمل السياسي هما "حلقتان" تتداخلان وتتكاملان ضمن سيرورة النضال من أجل التغيير الديمقراطي الجذري. (هذا حسب الوثيقة طبعا)
- كيفية فهم العلاقة؟ !
يكون الفهم سديدا (حسب الوثيقة) إذا تم الربط جدليا بين "الحلقتين" وذلك عن طريق مراعاة خصوصية كل منهما ومن ثمة تمفصلهما وتقاطعهما. والنتيجة هي أن القوى الديمقراطية الجذرية تشكل المساند لنضالات الجماهير، بحيث تخلخل علاقات القوى عبر نضالاتها، الشئ الذي يؤثر على النضالات الجماهيرية. والعكس بالعكس، فتقدم النضالات الجماهيرية يؤثر على الصراعات الطبقية وهذا يشكل سندا للنضالات السياسية.
(3) لقد ابتدأنا بأولوية السياسي على الجماهيري، ولكن سرعان ما عاد التوازن والتكافؤ، لأن الوثيقة تنهل من "نظرية السيرورات الثلاث" المترابطة والمتزامنة. فهي بدورها تقوم على أساس من الفصل بين حقلين متقاطعين ومتوازنين داخل سيرورة النضال من أجل التغيير الديمقراطي الجذري. يتعلق الأمر بحقلين لسيرورة واحدة !
(4) حسب أبجديات الدياليكتيك، السيرورة تحتمل عدة تناقضات. لانستطيع الفهم إذا غيبنا حركة التناقضات المحددة للسيرورة وانعكاساتها على العمل السياسي الجماهيري. لا ندرك الجوهر دون إدراك جدلية البنية التحتية والبنية الفوقية المفهومة على أساس من الوحدة المادية في علاقتها بالصراعات الطبقية (العودة إلى المادية التاريخية والصراع الطبقي). فالاجتماعي (العلاقات الاجتماعية) بما فيه السياسي الذي لا ينفصل عنه يؤثر بعمق على الاقتصادي. والبنيات الفوقية بما فيها القانونية تحافظ على البنيات التحتية ليس كبنيات فوقية في حد ذاتها بل لأن بعض القوى الاجتماعية التي تخدمها تلك البنيات الفوقية هي التي تعارض تطور قوى الإنتاج. ومن خلال تفاعل الاجتماعي والاقتصادي وتناقضهما تولد القوى الاجتماعية التي تحل التناقض.
(5) هل يتعلق الأمر بعلاقة خارجانية (rapport d’extériorité) تجمع عاملين (Agents) لسيرورة موضوعية، كل منهما مستقل عن الآخر لكن يتداخلان ويتقاطعان؟
نعتقد أن الإقرار بذلك هو سقوط في "تفكير دائري" (raisonnement circulaire) لا يأخذ بعين الاعتبار وجود بنية محددة (structure à déterminante).
(6) غياب نظرية للوعي الطبقي أدى ويؤدي باستمرار إلى النظر للحركة الجماهيرية "ككل متجانس" يفتقد إلى أي تحديد طبقي. ودون ضبط علاقة الوعي الطبقي بالصراع الطبقي، والاحتكام إلى نظرية في تحديد حركة الجماهير ومنظماتها، يتم السقوط في الاقتصادوية والشعبوية والنظرة النخبوية المتعالية اتجاه الجماهير.
(7) لقد حدد الماركسيون الحركة الجماهيرية وتنظيماتها الطبقية انطلاقا من ثلاث مستويات للنضال :
- النضال الاقتصادي.
- النضال السياسي.
- النضال النظري (إضافة إنجلس).
ويعني ذلك أن التنظيم السياسي يمارس الدعاية والتحريض. وهما بمثابة تعيين حدود لنشاطه. فكل تعبئة سياسية أو مطلبية ينظر إليها كحلقة من حلقات موجهة ضد النظام الاقتصادي والسياسي القائم. وما يميز الشعبوية أنها لا تختلف عن سياسات الأحزاب البورجوازية والبورجوازية الصغيرة. لذلك نحتاج إلى تنظيم صلب وأهداف واضحة، مما يتطلب تحول التنظيم كذلك إلى مركز إشعاع فكري. إن الحط من النضال النظري (الفكري) يولد :
1) الحط من دور التنظيم وتحويله إلى مواقع أخرى قد تكون الشعبوية، العفوية، الحركية المفرطة ...
2) تقديس العفوية وجهل بقوانين الحركة الاجتماعية.
3) استبدال دور طليعي للتنظيم بمفاهيم شعبوية ضبابية، والسير خلف الجماهير (لعق دبر الحركة الجماهيرية كما يقول لينين).
4) عدم القدرة على الفهم والتحكم في قيادة النضال الجماهيري، من خلال وضع سلم للمهام المطلوبة، بدل التماهي دون بوصلة.
5) السقوط في العفوية والتجريبية (غياب أي نظرية عن التنظيم) كانعكاس للتجريبية السياسية والإيديولوجية. ويكون لذلك أوخم الآثار ومنها التلوث بالواقع الفاسد. إن النظرية التنظيمية هي شرط أساسي لوجود التنظيم السياسي الثوري، وإلا فالانتقائية في مجال التنظيم وانتشار النزعة التقنية (اعتبار المسألة التنظيمية مسألة شكلية وغير سياسية) وقد أكدنا منذ البداية أن التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والسياسة والممارسة.

على سبيل الخاتمة :

أمام لحظة تاريخية وظرفية نظرية بامتياز، فإن النهج الديمقراطي، باعتباره تنظيما سياسيا يقف على خلفية تاريخية لنضاله، ويستمد مرجعيته الإيديولوجية والسياسية من تجربة طويلة للحركة الماركسية اللينينية المغربية ومنظمة إلى الأمام، ومن مواكبة راهنة للأوضاع الوطنية والدولية الحالية، يجد نفسه مطالبا برفع التحديات والاستعداد النظري والسياسي لمواجهة مهامه التاريخية. ذلك أن التفاعل مع مجريات الأحداث يخضعه، كجسم حي، لتأثيرات إيديولوجية وسياسية غير منفصلة عند استقبالها، عن تركيبة قاعدته الاجتماعية. هكذا يجد نفسه وسط محيطه المباشر والغير المباشر في وضعية سفينة تتقاذفها الأمواج. تلك الأمواج التي تتولد داخل معترك من الصراعات وطنيا، عربيا وعالميا. فالعديد من المناضلين والمثقفين، عربا ومغاربة، قد سقطوا تحت وقع الصدمة التي ولدها انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا، في عديد من ردود الأفعال، جعلتهم إما يتنكرون لماضيهم ويدعون أن الدخول في التجربة الاشتراكية كان خطأ تاريخيا، وإما يظلون حبيسي نظرة دوغمائية عمياء تختزل الانهيار كله في مؤامرة دولية وخارجية ضد التجربة الاشتراكية. في هذا السياق العام، تظهر الأحداث المتتالية إلى الآن كما لو أنها نهاية للتاريخ وقدرا محتوما : والقدر الذي لا مفر منه هو الرأسمالية.
وفي العالم العربي، نظر العديد من المثقفين للوضع عن طريق: إما العودة للخطاب الليبرالي (الديمقراطية السياسية، حقوق الإنسان) وإما الدخول في طريق البحث عن حقائق جديدة مزعومة، بالانخراط في التيارات الإسلامية. وكانت النتائج مدمرة بالنسبة للثقافة التقدمية العربية ولليسار العربي على حد سواء. هكذا انتقل العديد من المثقفين العرب من الفكر العلمي إلى الفكر الغيبي، ومن مشروع مجتمع اشتراكي إلى مشروع مجتمع ثيوقراطي، ومن الفكر المادي الجدلي إلى الفكر الوضعي، ومن الاشتراكية إلى الليبرالية، ومن الإنسية الشيوعية إلى الإنسية البورجوازية. وفي ظل سياقات فكرية متنوعة، آمن العديد بوعي أو بدون وعي بنهاية التاريخ. وكان عليهم أن يضربوا بعرض الحائط بكل قيمهم النضالية السابقة. فلا حاجة إلى الثقة بالجماهير، لأن ليس لها أي دور في تحقيق التغيير. فالتغيير تصنعه القوى الاقتصادية العمياء : قوى السوق (اليد الخفية). وفي تساوق مع إيديولوجية نيوليبرالية، أعلنوا موت الشعب، الجماهير والوطن. من هنا، غير العديد من المناضلين والمثقفين، يساريين حتى أمس قريب، جلدهم وتحولوا إلى منفذين لمهام إيديولوجية وسياسية لحساب الإمبريالية، والشركات المتعددة الاستيطان، والرجعية، وأحيانا دعاة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وإلى جانب جوقة هؤلاء، تحرك بعض قدامى الماركسيين تحت شعار "حرية النقد" و"الدفاع عن الماركسية"، ليزرعوا وينشروا العديد من الأفكار قامت وتقوم بتكريس الغموض الإيديولوجي. وهؤلاء هم الأخطر بالنسبة للماركسية الثورية.
ومن أخطر أفكارهم ادعاءهم أن الماركسية تحافظ على قيمتها فقط كيوتوبيا، وأن إشكالية الحزب والوعي الطبقي قد تم تجاوزها لأن المعرفة أصبحت في متناول الجميع بفضل شبكة الأنترنيت، وبالتالي فإن دور الحزب كوسيط قد تم تجاوزه. أما الدولة فلم يعد بالإمكان الكلام عن اضمحلالها، كما تنبأت به الماركسية. ذلك أن "الدولة الحديثة" قد أصبحت منفتحة على المجتمع ومنبنية على النزاهة و"الحكم الرشيد"، وهذا هو الهدف الوحيد للإنسانية. إذن تقادم مفهوم الدولة الطبقية، وحان الوقت للعودة إلى الليبرالية. وتدعي هاته الأطروحة حصول تقارب وتكامل الدولة مع المجتمع، في أفق تقاسم السلطة والثروات، ضدا على احتكارهما. وبمعنى آخر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وبذلك ادعى العديد من أشباه الماركسيين أن الوقت قد حان للقيام بمصالحة تاريخية بين فكر ماركس وروح الثورة الفرنسية.
ويتناول هؤلاء المدافعون المزعومون عن الماركسية مواضيعهم بذكاء، فينتقون ما شاؤوا من الماركسية، ويطيحون بما لا يتطابق مع إيديولوجيتهم الجديدة. فتراهم، وهم في فلك الليبرالية سابحين ومسبحين، واضعين فارقا مطلقا بين العلم والإيديولوجيا، وداعين إلى نزع الإيديولوجيا عن الفكر والفلسفة، وإلى فصل النظرية عن المنهج. والهدف هو نزع الطابع الطبقي عن النظرية الماركسية، تحت شعار العلم في مواجهة الإيديولوجيا. وفي ظل هاته الإيديولوجية الوضعية البورجوازية، ينمحي الفارق النوعي بين إيديولوجية طبقة ثورية وأخرى رجعية، أي الدعوة إلى التصالح الطبقي. هكذا يقوم "العلم" بنفي الصراع الطبقي كمحرك للتاريخ (وللعلم نفسه). وبالتالي تصبح ماركسية هؤلاء إيديولوجية حداثوية لاطبقية تخدم الجميع. إنها روح الإنسية البورجوازية، وإعلان على دخول المجتمع مرحلة "ما بعد الصناعية" و و و... إن إفقاد مركزية الصراع الطبقي لقيمتها الموضوعية هو إلغاء للتناقض الأساسي لنمط الإنتاج الرأسمالي. وانطلاقا من ذلك، ندرك مدى الشراسة التي يهاجم بها هؤلاء الطبقة العاملة والمفهوم الذي تنبني عليه، ساعين لنزع سلاحها الإيديولوجي وهو نزع من طرف واحد لسبب بسيط هو أنهم أصبحوا خداما جددا لسيدهم الرأسمال.
وفي محاولة لإعطاء ضربة استباقية لخصومهم، يقوم هؤلاء "الماركسيون المجددون" بنعت كل من لم ينح نحوهم ويلف لفهم ويسير على شاكلتهم بالدوغمائية. فهم المجددون والآخرون غارقون في أعماق الدوغمائية البليدة. ولأن كل من يدعي التجديد ليس بالضروري مجددا، فعلينا أن نذكر (لعل الذكرى تنفع بعض هؤلاء) ببعض القضايا التي تقوم عليها النظرية الماركسية :
ترفض الماركسية الثورية الفصل بين المنهج والنظرية، وتؤكد على الوحدة العضوية بين الدياليكتيك والمنطق ونظرية المعرفة. وعلى هذا الأساس لا يكون التجديد نفيا عدميا، بل طرحا دياليكتيكيا، يقوم على دراسة التجارب التاريخية، والنضالات الجارية أمام أعيننا. ولذلك يؤكد الماركسيون الثوريون على الصراع الإيديولوجي والمواجهة كأداة للتجديد المستمر والانفتاح الانتقادي. خارج هذا، كل ادعاء للتجديد يفقد شرعيته. ولذلك أخطأ مدعوا التجديد حين يزعمون أن الماركسية ليست نظرية، والقول بالعكس هو جمود عقائدي، معتقدين أن التفريق بين منهج ماركس المادي الجدلي والنظرية الماركسية هو نقطة افتراق بين الجمود العقائدي والتحرر الفكري. وحجتهم في ذلك أن المنهج هو مولد النظرية.
ومن جهتنا نؤكد أن العودة إلى مصادر الفكر الماركسي وسياق تطوره النظري يثبت أن الماركسية قد استفادت من البرهنة التي قام بها هيجل على صواب النظرية القائلة بوحدة الدياليكتيك (المنهج والمنطق) ونظرية المعرفة. وقد أخذ كل من ماركس وإنجلز بهذا الدمج بين النظرية والمنهج ووضعاه على أسس فلسفية مادية. هكذا اعتبرا أن وحدة النظرية والمنهج والمنطق انعكاس للعالم الموضوعي في فكر الإنسان. وبإدخالهما المادية الدياليكتيكية (المنهج والنظرية والمنطق) إلى دراسة المجتمع البشري، تم إنتاج المادية التاريخية. وأصبحت الصبغة الثورية للنظرية والمنهج لا تكتفي فقط بتفسير العالم بل تؤكد على ضرورة تغييره. وكمثال على اندماج المنهج والنظرية، انطلاقا من بلورة نظرية الصراع الطبقي كمحرك لتطور التاريخ، تم تأسيس نظرية زوال الطبقات والدولة وبناء المجتمع الشيوعي.
وفي مجال العلوم، لا توجد نظرية علمية لا تحمل معها منهجها وأداة تحقيقها. ذلك أن كل نظرية بلا منهج تظل عقيمة، بينما العكس يحول المنهج أداة سائبة بلا هدف. وضد كل طرح ميتافيزيقي، عدمي، يؤكد تاريخ تطور النظريات العلمية بأنه لا يمكن قطع الصلة بين النظرية السابقة واللاحقة، وبين ماضي كل نظرية ومستقبلها، فالمعرفة سلسلة متصلة الحلقات. الشيء الذي تؤكده المبادئ المنهجية السائدة في تطور العلوم (مبدأ التوافق = correspondence principle لصاحبها الحاصل على جائزة نوبل Bohr 1913). وهذا المبدأ يؤكد على وجود الفارق والتواصل في المعرفة كسلسلة متصلة الحلقات. مما يؤكد قانون نفي النفي الدياليكتيكي الذي يعني الاحتفاظ والتجاوز.
لقد ذكرنا في البداية أننا أمام لحظة تاريخية وظرفية نظرية بامتياز. بما يعني أننا أمام منعطف حاسم يدعونا إلى إدراك أن أزمات الماركسية كانت دائما محركا لتطورها، انطلاقا من مفهومها الدياليكتيكي للضدية (négativité). وتمتاز الأزمة الراهنة عن سابقاتها بأنها أزمة تراكمية، أزمة عقدية (nodale)، نتاج سيرورة تاريخية موضوعية، حيث طبقات اجتماعية ودول طبقية تواجهت منذ ثورة أكتوبر 1917، حول مشاريع مجتمعية وأنظمة اقتصادية مختلفة ... مما يضعنا اليوم أمام مسؤولية فكرية جسيمة لاستخلاص الدروس (دروس الهزائم والانتصارات) على قاعدة منهجية مادية تاريخية، وباعتماد الماركسية اللينينية كنظرية ثورية وتبني خط الجماهير القائم على خدمة للمشروع الثوري للطبقة العاملة والجماهير الكادحة. وخلافا لادعاءات خصوم الفكر الماركسي، فقد كانت الماركسية وستبقى في خدمة البحث الحر والعلمي. وعلى هذا الأساس وجب الانخراط في نقاش واسع وعميق حول ست إشكاليات مركزية:
(1) طبيعة الماركسية وعلاقتها باللينينية.
(2) النظرية الاشتراكية على ضوء التجارب التاريخية.
(3) مسألة الحزب الثوري وإشكالية الوعي الطبقي.
(4) قضايا التحرر الوطني والقومي والأممي.
(5) الفكر الماركسي وحقوق الإنسان.
(6) اللغة، الثقافة وإشكالية التحرر الوطني الديمقراطي ذي الأفق الاشتراكي.



هوامش :
1- « Quiconque redoute l’effort se prive lui-même de la possibilité d’accéder à la vérité » Lenine
2- المرجع: وثيقة الإطار المرجعي للمؤتمر الوطني الأول للنهج الديمقراطي (المرجعية السياسية فقرة 27).
3- التحليل السياسي نعني به التحليل المتضمن في مشروع وثيقة حول "الوضع السياسي الراهن ومهامنا".



#عزيز_رضى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رجل يتسبب في انهيار جليدي ويدفن شقيقه تحت الثلوج.. شاهد ما ح ...
- تحليل: كيف يمكن للتضليل الإعلامي الذي يمارسه الكرملين أن يخف ...
- -راديو الأشباح-... إذاعة عسكرية روسية من عهد الحرب الباردة ت ...
- رئيس وزراء العراق: بشار الأسد لم يطلب من بغداد التدخل العسكر ...
- الحرب على غزة: الجيش الإسرائيلي يحرق مستشفى كمال عدوان ويسته ...
- وزارة الداخلية السورية: بدء استقبال طلبات المنشقين عن النظام ...
- صحيفة: إسرائيل تواصلت مع نظام الأسد عبر رسائل -واتساب- ووسطا ...
- إحالة21 عسكريا أوكرانيا إلى المحكمة بتهمة -ارتكاب عمل إرهابي ...
- باكو: دلائل تشير إلى تعرض الطائرة المنكوبة لهجوم خارجي
- تصاعد دخان كثيف بعد حرق الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان ( ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عزيز رضى - نقد الأسس الأيديولوجية و السياسية للنهج الديمقراطي