|
لجنة التفتيش بسجن أصيلة.. بين الشجيرة والبطيخة..
حسن نارداح
الحوار المتمدن-العدد: 2475 - 2008 / 11 / 24 - 09:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لجنة التفتيش بسجن أصيلة.. بين الشجيرة والبطيخة..
بعد انتظار طويل، وحالة استنفار قصوى وسط الموظفين قادها واستسعرها مدير المؤسسة.. زارتنا اللجنة المرتقبة بالسجن.. لجنة لا يعرف أدوارها وأهدافها سوى الموظفون، بقيت غامضة وسرية يحيطها التكتم حتى لا يعرف السجناء أيا عن أهدافها ومكوناتها وتاريخ زيارتها.. وكأن اللجن السابقة أنصفت أو التفتت لشكاوي المعتقلين المغلوبين على أمرهم.. أو تكلمت معهم حتى!.. وعشية الأربعاء الفارط، كان يومه 12 من نونبر، دقائق بعد إغلاق أبواب العنابر القضبانية.. انطلقت صيحات الحراس "احترام، احترام.." وهو إعلان يسبق عادة قدوم المدير أو أحد الموظفين ممن هم أعلى مرتبة منه.. فتحت الأبواب وولج المدير ومن معه من أعضاء اللجنة غرفتنا.. وكان من "نباهة" عضو اللجنة وفطنته" أن لاحظ بطيخة معلقة في سقف الغرفة، ليتساءل عن ذلك الشيء الغريب المعلق، بلهفة وكأنه اصطاد الممنوع.. إنها مجرد بطيخة، هكذا أجابه النزلاء، بعضهم ببرودة وآخرون باندهاش.. ليأمرهم بنزعها حالا.. وبحركات مسرحية نمت على أن اللجنة تقوم بواجبها "المقدس" في التفتيش، بالمستوى المطلوب وبالحظر اللازم، غادرت اللجنة العنبر في اتجاه العنابر و"الفضاءات" الأخرى.
ما أثارني وصعقني، وما تعجب له كافة النزلاء هي "قوة الملاحظة" عند لجنة التفتيش التي رمقت البطيخة دون أن تلاحظ وعلى بعد شبر منها صفحات من البلاستيك علقها النزلاء بسقف الغرفة لحمايتهم ووقايتهم من قطرات المطر المتسربة من السقف. لقد عاشت أغلبية الغرف محن هذه التسربات لمدة أسبوع أو أكثر ومنهم من قضى الليالي البيضاء ومنهم من تحدى البرك والبرد والبلل.. وجميع مضاعفاته الصحية وسط "التيتانيك الغارقة" حسب تعليقه.. وها قد مضت أيام ولم ترقع السقوف، لتبقى أحوال السجن والسجناء على ما هو عليه، إلى حين الزيارة المقبلة للجنة أخرى، حولاء كسابقاتها، لترمق البطيخة وتتجاهل التسربات والشقوق بأسقف وحيطان السجون الآيلة للسقوط. ومما زاد في دهشتنا هو انه في الصباح الموالي وبعد خروجنا للساحة، وأية ساحة، ممر لا يتعدى طوله 30 مترا وعرضه 5 أمتار، لنجد أن اللجنة أمرت بإعدام شجرتين صغيرتين، مصدر الخضرة الوحيد داخل السجن كله، لا يتعدى طولها المتر ولا قدرة لها على حمل حتى القليل من ثياب السجناء.. فالإعدام تم تقريره على حسب ما راج، من طرف اللجنة بعد ملاحظتها "القيمة والحذرة"، طبعا، حرصا على أمن وسلامة السجن والسجناء!.. فأمام الأوضاع المزرية التي يعرفها السجناء النزلاء بسجن أصيلة، والتي لا تتوفر فيه أدنى الشروط التي يمكنها أن تساير الادعاءات المعلنة من قبيل التربية من أجل الإدماج، فالسجن وعلى صغر بنايته وقلة عدد نزلائه.. يعرف الاكتظاظ لدرجة الإحساس بالاختناق والضغط القاتل.. فخلال الشهر الفارط، وفي أقل من أسبوع توفي سجينين من أصل مئة وعشرين سجين.. الأول مات بعد أن صدم رأسه بقضبان العنبر احتجاجا على أوضاع السجن المزرية، والثاني اختناقا جراء الإهمال الذي عانى منه، وهو رجل مسن مريض بالربو لم تجد له مندوبية السجون من مكان يأويه سوى سجن أصيلة الذي لا يبعد عن البحر سوى ببضعة أمتار، سجن تنعدم فيه المصحة والطاقم طبي في المستوى المطلوب. كان حريا باللجنة أن تراقب حالة المصحة وحالة المطبخ وقاعة الزيارة والحمام.. وحالة الغرف ليلا، أي بعد أن تملأ الأسرة والرفوف الإسمنتية وأرضيات العنابر الباردة.. يجب مراقبة المصحة في حالة اشتغالها، أو بالأحرى في حالة اللاشتغال. ممرض واحد بدون مداومة وطبيبة لا تسمن ولا تغني من جوع مصحة بدون الحد الأدنى من الأدوية والمعدات الضرورية، أقلها قوارير الأكسجين التي كان من الممكن أن تنقد آخر ضحايا الإهمال. أما المطبخ، فحالة لا تخرج عن حالة جميع المطابخ المؤسسات السجنية المغربية، سجناء يتكلفون أو يكلفون بالطبخ كما اتفق وبدون سابق تجربة.. لتحضير شوربات لا يستهلكها سوى الأقلية المعدومة من النزلاء . خلاصاتنا هي أن هذه اللجن ومثيلاتها، لن تنجح في تغيير أوضاع السجون والسجناء، ولن تكسب ثقة أية جهة من الجهات الجمعوية المهتمة والمدافعة عن حقوق السجناء.. فبمثل هذه الطرق المسرحية تتكرس نظرة السجناء لهاته اللجن باعتبارها لجن متواطئة وفاسدة لن تصلح الأوضاع في شيء، وبشكل خاص حين ترجع الأوضاع السابقة غداة رحيل اللجنة. فاللجنة لم تساءل أحدا عن أوضاعه، ولم تختلي بأي سجين ليدلي بشكاويه وملاحظاته بعيدا عن مسامع الإدارة والموظفين.. لم تبحث اللجنة عن المخدرات.. التي يمكن للمدمن أو المبتدئ ابتياعها من "بقالة" موجودة في قلب السجن.. لم تبحث عن الأقراص المهلوسة التي يستعملها أغلب السجناء للنوم ولتسريع وثيرة الزمن، في غالبية الأحوال.. لم تتساءل اللجنة عن اختلاط الأحداث مع كبار السن من السجناء في نفس العنبر.. لم تتساءل عن أسعار "الخدمات الامتيازية" في الزيارة والخلوة الحميمية والفسحة ودوش الاستحمام، خارج الأوقات المسموحة بها لكافة السجناء.. لم تبحث اللجنة سوى عن القشور والتوافه "لتستمر حليمة على عادتها القديمة" و"كفى المومنين شر القتال والسؤال"!.. فندائي، أمام هذه الأوضاع، للجمعيات ذات الاهتمام بحقوق السجين، لتكثيف الزيارات ولمساءلة السجناء مباشرة، بعد الاختلاء بهم بطبيعة الحال، وبالبحث عن طرف التواصل المباشر البعيدة عن أي ضغط وعن أية مضاعفات ومضايقات انتقامية ضد أصل ومنبع الشكايات.. أما الرهان على لجن مديرية السجون فهو رهان فاشل وفاقد لأية مصداقية. نداءي البسيط هذا، لا يدعي بأي شكل من الأشكال بان لجن المراقبة والتفتيش قد تغير من الطبيعة الجوهرية للمؤسسة السجنية، كطبيعة قمعية، ولا يرمي المسؤولية كلها على عاتق الجمعيات، فالرهان يجب أن يبقى دائما على السجناء أنفسهم وعلى تضامنهم واحتجاجاتهم مع تطوير أشكالها وقدراتها الجماعية والاتحادية، في شكل رسائل وبيانات وإضرابات عن الطعام وعن الزيارة وعن الاستشفاء..الخ مع الاستفادة من تجارب ونضالات المعتقلين السياسيين التي لا يمكن لأي سجين أن يشكك في مردوديتها وفاعليتها البينة.
حسن نارداح سجن أصيلة
#حسن_نارداح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لجنة التفتيش بسجن أصيلة..
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|