|
أوباما والمهام الأمريكية القذرة
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2475 - 2008 / 11 / 24 - 09:32
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
حين تغولت الإمبراطورية الأمريكية وازدهرت الحياة الاقتصادية في العالم الجديد وبدت مظاهر النعمة والتخمة تظهر على طبقات وشرائح واسعة من المجتمع الأمريكي بدأ التفكير، وكعادة كل المجتمعات الغنية والمزدهرة في التاريخ، في التوسع والخروج إلى النطاقات الإمبراطورية الأوسع، واستعمار واسترقاق الناس واستعبادهم لاستخدامهم في الأعمال الدونية و"القذرة" التي يأنف الأغنياء من القيام بها. وتوجهت الأنظار على الفور صوب المستعمرات الأفريقية الفقيرة لسرقة شعوب وقرصنتها والإتيان بها إلى العالم الجديد للقيام بتلك الأعمال والمهام الدونية و"القذرة"، التي كانت ممارستها تعتبر عارأً ومهانة على الأغنياء والميسورين وكانت حكراً على، وتقتصر، في الواقع على الفقراء المنتوفين أوالعبيد "المسروقين" من أوطانهم الأصلية. ومن هنا بـُذرت البذور الأولى للعبودية والعنصرية التي ازدهرت في أمريكا إلى حد كبير في وقت ما، وما زالت بعض من آثارها، وتداعياتها تتجلى، حتى اليوم، بهيمنة بعض المفاهيم العنصرية لدى البعض، وبوجود جماعات النازيين الجدد العنصرية وعصابات البيض الفاشية الأخرى كالكو كوكس كلان.
وفي الواقع فقد عولمت السياسات الأمريكية و"أبطرة" الكيان الأمريكي الكثير من الأعمال القذرة كشن الحروب، ونهب الشعوب، والقتل وممارسة إرهاب الدولة المنظم على أوسع نطاق، ومن الصعوبة بمكان في هذا الحيز إحصاء الحروب التي خاضتها أو شاركت بها الولايات المتحدة وإن كان الرقم يفوق المئتي حرباً منذ استقلالها في الرابع من يوليو 1776كما تورد الكثير من المصادر. وقلما أعفيت أو استراحت إدارة من الإدارات المتعاقبة من شن أو خوض أو التورط بحرب هنا أو هناك. وإدارة بوش " الصغير" لم تكن استثناء من هذا القانون الطبيعي الإمبريالي الذي يحكم ويتحكم بالسياسة الأمريكية. غير أن إدارته ربما تكون قد بزت كل الإدارات السابقة على الإطلاق بـتولي القيام بـ"المهام القذرة" جهاراً نهاراً وعلناً، وبلا "مستحى"، وربما بسبب عمق وإيلام الجرح المهين الذي أصيبت به جراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر فكانت أكثر وحشية وعدوانية وتغولاً سافراً من سابقاتها من الإدارات في تنفيذ "مهام غير نظيفة" فاقت التصور والخيال. فقد حولت سياسات بوش الإجرامية والعدوانية وبدعة حروبه الاستباقية السياسة الخارجية الأمريكية، وسمعة أمريكا في عيون الناس، إلى واحدة من المهن والمهام المصنفة والموسومة فعلاً بالقذارة. فلا أدري إن كان هناك من يعتقد أن قتل مئات الآلاف من المدنيين والأطفال الآمنين، وسجن الناس بدون محاكمات، ومعتقلات أبي غريب وغوانتانامو باي، والكذب والتزوير والتلفيق كما حدث في تبرير غزو العراق، والسجون السرية الطائرة في أوروبا وغيرها، ونهب ثروات بلد تحت الاحتلال وارتكاب جرائم يومية بحقه، ودعم الاحتلال الإسرائيلي، وفرض حصار همجي ضد شعب تحت الاحتلال في غزة، والسياسات الاقتصادية الإمبريالية في إفقار الشعوب وسرقتها وتجويعها، والتحالف المزمن مع أنظمة استبدادية قروسطية شريرة، يمكن إدراجه تحت أي بند من بنود الأعمال النبيلة أو الراقية والنظيفة على الإطلاق، وإن لم تكن هذه هي عين القذارة بذاتها، فما عساها أن تكون عندئذ؟
وربما من هنا، فقط، كان اعتذار كولن باول وزير الخارجية السابق في إدارة بوش، الجامايكي الأصل، عن الاستمرار في حقيبة الخارجية بعد الفضيحة الشهيرة حين مناقشة ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية في مجلس الأمن في شباط 2003 وتخللتها تلك المشادة مع دوفيلبان، والتي أودت لاحقاً بمصداقية وسمعة كولن باول إلى الأبد لم يجد معها سوى العزوف عن القيام بتلك "المهمة القذرة"، ليس كمهرب ومروج مخدرات، أو قاتل محترف كما جرت العادة، كلا ولا سمح الله، وألف حاشى، ولكن التمنع والترفع عن ممارسة مهنة ووظيفة لم تعد بريئة مطلقاً، كمنصب وزير الخارجية الأمريكي الـ Secretary Of State. وهل من قبيل المصادفة المجردة أن تتولى الحقيبة من بعده سمراء أخرى كانت حتى وقتها تشغل منصب مستشارة للأمن القومي؟ وكان قد انسحب بنفس الطريقة ربما، ومن إدارة سابقة، الوزير وورين كريستوفر واعتذر عن الاستمرار في ولاية بيل كلينتون الثانية، ربما تحفظاً على بعض المهام القذرة التي قامت بها إدارته، لتتبوأ المنصب من بعده اليهودية التشيكية الأصل مادلين أولبرايت التي يبدو أنها لم تكن قد أنفت بعد من مزاولة هذه المهام المحرجة بقدر ما هي مؤرقة.
فهل أتى وقت صار الجميع يأنفون فيه حتى من ممارسة وظيفة رئيس أمريكا مع انتخاب أوباما؟ وباعتبارها تحولت إلى واحدة من المهام والمهن القذرة إياها التي أوردناها في المقال على يدي طيب الذكر جورج بوش؟ وهل كان الدفع بـ" الإفريقي" الأصل أوباما للقيام بهذه المهمة، وتوريطه، يندرج في هذا السياق، بل ربما يتجاوزه إلى القضاء على أية مضامين، إنسانية، أو نضالية اقترنت بتاريخ، ووجود الأفارقة في أمريكا؟
ونحن، وإن كنا لا نزال ننظر بعين الوقار والإعجاب والاحترام إلى فوز أوباما باعتباره فتحاً عظيماً في مجال الحقوق المدنية ومناهضة العنصرية والفاشية والتمييز في أمريكا، غير أننا لا نريده، في نفس الوقت، أن يكون توريطاً لمكون طبقي وعرقي أمريكي في سياسات ومهام قذرة باتت السمة الرئيسة للسياسة الأمريكية، وربما صار الأمريكي "الأبيض" العادي "يأنف" من ممارستها ولا يحب أن ينسبها، أو أن تنتسب إليه، كما كان أسلافه البيض المؤسسون يأنفون من ممارسة الكناسة وغسيل الأطباق وخدمة الأسياد.
إنها مجرد رؤية أخرى من بين ركام الرؤى التي رافقت هذا الصعود الصاروخي والأسطوري للمسلم المرتد أيضاً بركة حسين "أبو عمامة"، كما جاء في أحد المصادر في ترجمة أصل كنيته. فهل يقبل أوباما أن يكون واجهة لتنفيذ تلك المهام والسياسات "القذرة" التي صارت سمة ملازمة للسياسة الأمريكية؟ أم يكون، كما انتخابه، نقطة تحول هامة في هذه السياسة وإن كنا نقر بصعوبة تحقيق أي اختراق، أو تحول جوهري، في هذا الاتجاه، وبما يتوفر من معطيات وتوجهات.
وقد تمكن إعادة صياغة السؤال على نحو مختلف، هل نحن في طور عنصري أمريكي جديد، بعيد كل البعد عن كل تلك الأجواء الاحتفائية الكاذبة التي رافقت انتخاب أوباما كأول رئيس أسود في أمريكا، وذلك بعد أن توسعت الإمبراطورية إمبريالياً وكثرت أعمالها "القذرة" حول العالم إلى الحد الذي أوجب بـ"تعهيد" وإسناد تلك المهام والأعمال القذرة، مرة ثانية، للأفارقة والمهاجرين، وبعيداً هنا بالطبع عن أي تلميح وتضمين عنصري من قبلنا، وبعد ما مل تلك "الأعمال" وضاق الجميع، ذرعاً بها، بما فيهم من السكان البيض الأصليين؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الدفاع عن الباطنية
-
ما قال ربك ويل لمن سكروا، بل للمصلينا
-
رسالة إلى جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود
-
حوار ديني أم تطبيع سياسي؟
-
لماذا الخوف من غزو ديني؟
-
تضامناً مع أقباط المهجر
-
I don’t have a dream
-
الأوبامية وهزيمة ثقافة
-
محاكمة إعلان دمشق: محاكمة لمرحلة
-
القرضاوي: وباطنية شيوخ الإسلام
-
سحقاً لهمجية الأمريكان
-
وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي
-
القرضاوي:هل هو خوف من تشيع ديني أم سياسي؟
-
نهاية فوكوياما
-
من هي الدول الفاشلة؟
-
حول طائفية إعلان دمشق
-
العنصرية وعرب الخليج الفارسي
-
عبد الرزاق عيد: ويل للعقلانيين!!!
-
عار السعودية الأبدي
-
سحقاً للقتلة والجبناء
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|