يعتبر الزواج الاسلامي، بالنسبة للمرأة، زواجا كاثوليكيا دائميا، إذ أن الطلاق بيد الرجل. فالعصمة بيده الا فيما ندر من الحالات الاستثنائية، و بعض شيخات الخليج مثلا على هذا الإستثناء. أما الرجل فيستطيع التطليق متى ما شاء، و على المرأة أن تتحمل كل مآسي الطلاق و نتائجه.
للرجل، في مجتمعنا، الحق باتخاذ أكثر من زوجة، و ليس على الزوجة إلا التحمل و الصبر و الصك على أسنانها لكي لا تُظهر غيرتها، فغِيرة المرأة كفرٌ كما يقولون، أما غِـيرة الرجل فهي الإيمان بعينه.
و واقعنا العراقي، في زمن حزب البعث الدموي، أعطى للنساء المتزوجات العراقيات مشكلة أخرى، ألا و هي فقدان الزوج لأسباب عديدة:
*بسبب الحروب التي شنها الطغاة البعثـفاشيون و عدم العثور على الأزواج أحياء أم أمواتا،
*بسبب اختطاف مئات الآلاف من الرجال العراقيين و زجهم في السجون و فقدانهم هناك دون العثور عليهم و عدم معرفة مصيرهم.
*كذلك فإن الآلاف من العراقيين الذين فقدوا في أعماق البحار و في سفوح الجبال و في رمال الصحاري في محاولاتهم الهروب من جحيم الإرهاب الدموي البعثي، لم يعثر عليهم.
* أو في غيرها من الحالات التي لا تعرف الزوجة مصير زوجها.
في كل الحالات يجب على الزوجة التحمل و الصبر و إنتظار فرج الله، فلا يرجع الزوج و لا تستطيع الحصول على طلاق و إلغاء زواجها لبناء حياتها من جديد. إن الرجل الذي لا يعرف مصير زوجته يستطيع بناء حياته من جديد، وكيف لا !،و يستطيع الزواج بأكثر من واحدة في نفس الوقت.
و قد يقول البعض أن للمرأة الحق في الانفصال عندما يُفقد زوجها ، و لكن كم سنة يجب عليها أن تنتظر لكي تحصل على الطلاق؟
و أتذكر الآن قصة شابة عراقية تزوج بها أحد أقربائها الذين هاجروا الى أستراليا، و من هناك أعادها زوجها بحيلة الى منطقتنا و لكن بدون أن يطلقها، و هي الآن بحيرةٍ فزوجها لا يريد منها أن ترجع الى أستراليا و هو في نفس الوقت لا يريد تطليقها، لكي تبني حياتها من جديد مع شخص آخر.
و يذكر إبن الأثير في تاريخه أن يحيى بن الأشعث بن يحيى الطائي، تزوج ابنة لعمه أبي النعمان، و كانت ذات يسار و لسان، ثم تركها بسمرقند، و أقام ببغداد، و اتخذ السراري، فلما طال ذلك عليها أرادت التخلص منه، و بلغ رافعا (بن الليث بن سيار) خبرها، فطمع فيها، و في مالها، فدسَّ إليها من قال لها: إنه لا سبيل الى الخلاص من زوجها إلا أن تُـشهِد عليها قوما أنها أشركت بالله (أي أصبحت "كافرة" غير مسلمة)، ثمَّ تتوب، فيفسخ نكاحها، و تحل للأزواج، ففعلت ذلك، و تزوَّجها رافع.
فبلغ الخبر يحيى بن الأشعث، فشكا الى الخليفة الرشيد ، فكتب الرشيد الى علي بن عيسى بن ماهان يأمره أن يُفرق بينهما و أن يعاقب رافعاً و يجلده الحد و يقيده و يطوف به في سمرقند على حمار، ليكون عِظة لغيره، ففعل به ذلك و لم يحدَّه، و طلَّقها رافع و حُبس بسمرقند.
لم يأمر خليفة المسلمين بحل مشكلة الزوجة بل على العكس فإنه أمر بأن تستمر في مأساتها.
محيي هادي - أسبانيا
آذار 2004