أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمعة الحلفي - قوة المثقف... هادي العلوي نموذجاً














المزيد.....

قوة المثقف... هادي العلوي نموذجاً


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 762 - 2004 / 3 / 3 - 09:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على المثقف أن لا يملك شيئاً كي لا يملكه شيء، فمن ملك شيئاً فإن ذلك الشيء ملكه. إمثولة الزهد هذه، التي كان يرددها على أسماعنا الباحث الراحل هادي العلوي، كلما ضعفت حيلنا على تحمل صعاب العيش ومنغصات المنفى، ليست من تجليات البسطامي أو الجيلاني، إنما كانت إمثولة العلوي نفسه، فقد كان، هو الآخر، نوعاً من حلاج معاصر، لم يكن بوسع أحد مجاراته في درجة زهده وقوة إيمانه وشجاعته وصبره على المجالدة، مثلما كان من الصعب أيضاً مضاهاته في أفق ثقافته وموسوعية علمه ومستوى حساسيته النقدية.
لم يكن هادي العلوي، في واقع الحال، زاهداً من جراء شحة ذات اليد أو من ندرة مال أو جاه، بل كان يؤمن إيماناً عميقاً وحقيقياً بإن على الفقيه (المثقف) أن يجوع لكي يشبع الناس، وهذه إمثولة أخرى تتجاوز، في قسوة تحملها، ماهو في حدود الزهد أو الترفع، لأنها تفترض الجوع افتراضاً وتحبذه كجوهر لا كغطاء، أو كقيمة لا كشعار. وفي كنف كثير من هذه الإمثولات العجائبية في راهن أيامنا، مضى العلوي يحيا كواحد من أكثر المثقفين جذرية ونقاءً وحساً إنسانياً، إلى درجة إنه كان يتسبب بالحرج، جراء صفاته الفريدة تلك، لأقرب أصدقائه، الذين كانوا يكنون له كل الاحترام، لكنهم لا يقوون على مجاراته بأقل درجة من درجات تعففه وزهده وصلابة موقفه.
لقد كان هادي العلوي، الذي رحل عنا  نهاية عام 1998 ودفن في مقبرة الغرباء، جنوب دمشق، من ألمع الباحثين العرب في التراث العربي ـ الإسلامي ومن أكثرهم إثارة للأسئلة و "الالتباسات" أيضاً، ذلك أن كشوفاته الجادة والجريئة في مجال التراث، كما في مجالات الحياة الفكرية والسياسية العامة، لم تكن تقتصر على البحث بمعناه التقليدي (الأكاديمي) فحسب بل تتعدى ذلك إلى النقد والتقويم والتحريض بكل ما في تلك العبارات من قوة الحجة وسعة الإطلاع وجذرية الموقف.
وإذا كانت تلك الميزات المعرفية من أسرار ألمعية العلوي، على هذا الصعيد، فهي كانت أيضاً من الأسباب التي أثارت الكثير من الجدل واللبس إزاء كتاباته واستنتاجاته الجريئة. وكما لا أزال أتذكر فقد كنا نحار في التوفيق بين مقدار احترامنا وإعجابنا بمعارف العلوي وسعة إطلاعه وجرأته النقدية، وبين تلك "الالتباسات" التي تخلفها بعض مواقفه ووجهات نظره القاسية في هذا الشأن أو ذاك، من شؤون الثقافة والسياسة. فهو ينفي، على سبيل المثال، صفة المثقف عن عامة المثقفين العراقيين ويعتبرهم أدباء فقط، لأنهم، كما يقول، لا يملكون الوعي الطبقي والمشاعي الكافي (وهي صفة المثقف الحقيقي برأيه) الذي يجعلهم يتحسسون هموم الحياة اليومية لجماهيرهم الجائعة والمسحوقة، ويؤهلهم بالتالي ليكونوا مثقفين. كما ينفي أيضاً دور الإبداع الأدبي في النضال السياسي ويقصر دور الأديب على مواجهة السلطة وجهاً  لوجه. ولأن المثقف، أو الأديب (العراقي أو العربي) لا يملك مثل هذه القدرة على المواجهة، فهو إذن لا يرقى إلى صفة المثقف، التي يجدها العلوي في شخصيات تاريخية مثل المعري والبسطامي والحلاج، أو في ماركس وتولستوي وغوته، ولا يجدها في طه حسين أو نجيب محفوظ أو ادونيس أو سعدي يوسف أو عبد الوهاب البياتي.
رحل هادي العلوي باحثاً لامعاً وزاهداً حقيقياً لم يضعف يوماً أمام جاه أو مال أو سلطة، ولم يترك لرفيقة دربه أم الحسن، سوى ثروة الأسئلة، أما  نحن فقد ترك لنا جواب الحلاج، عندما سُئل عن التصوف، وهو يصلب، فقال لسائله: أهونه ما ترى!



#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف عميلاً !
- بهدوء ... مع الأستاذ سعدي يوسف
- زنزانة رفعة الجادرجي !
- عن - أدب المنفى- وليس الخارج !
- كيف يمكن إعادة بناء الثقافة؟
- علي كريم سعيد... هل كان عليك أن تنتظر؟
- أزمة -العقل- أم -الفعل- العربي؟
- عشائر المثقفين!
- أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر
- بانتظار... المثقف!
- ثقافة الخرافة والتنجيم .. العربية!
- ثقافة المحاكمة والتخوين
- رسالة الى مهدي خوشناو


المزيد.....




- ترامب يعلن نيته الإبقاء على -أوباما كير- إذا أصبح رئيسا.. وي ...
- العقيد ماتفيتشوك يتحدث عن المعارك في منطقة كورسك
- حماس ترفض المشاركة في مفاوضات مع إسرائيل
- قتيلان جراء اصطدام طائرتين عسكريتين فرنسيتين
- مصر.. إيقاف لاعب قطري معروف بأمر -الإنتربول-
- خطوات أساسية في تناول الطعام لحرق السعرات الحرارية
- إسبانيا.. ظهور أول خروف معدل وراثيا!
- فوائد الجبن ومخاطر الإكثار منه
- إسرائيل متخوفة من فتح جبهة الأردن
- سلالة -إلهة الشمس-.. قصة صعود وسقوط -الإمبراطور الإله- في ال ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمعة الحلفي - قوة المثقف... هادي العلوي نموذجاً