تحالف الأستاذ والتلميذ : يخطئ من يسارع إلى تبرئة منظمات الإرهاب السلفي الأعمى من مجزرتي اليوم المروعتين في مدينتي الكاظمية وكربلاء حيث تم تفجير مواكب سلمية طقوسية في يوم عاشوراء الذي يستعيد فيه المسلمون الشيعة ذكريات مذبحة "الطف " قرب كربلاء التي ارتكبها جيش الدولة الأموية بحق الأسرة النبوية المحمدية وراح ضحيتها العشرات من آل البيت النبوي وفي مقدمتهم الإمام الحسين بن علي ، سبط النبي محمد عليهم جميعا السلام ، ويخطئ أيضا من يجعل من تلك العصابات السلفية المتشنجة والمتخلفة الطرف الوحيد الذي ارتكب مجزرتي اليوم إذ أن في ذلك تبرئة لطرف من طرفين والغين كلاهما في دماء شعبنا المنكوب بالاحتلال وعملائه بعد عاش منكوبا بحمامات الدم الصدامية البعثية لأكثر من ثلاثة عقود .
ولما كان من المستبعد منطقا أن تتحالف المنظمات الإرهابية السلفية علنا وصراحة مع عدوها اللدود والذي أطلقها خلال الحرب الباردة كما يُطلق الماردُ الشيطاني من القمقم الأفغاني الإدارة الأمريكية ، ولما كانت العمليات التفجيرية التي تستهدف المدنيين الأبرياء تحقق لكلا الطرفين – السلفي والوهابي والأمريكي الإمبريالي - نتائج تصب في مصلحتهما فإن من الممكن الحديث عن وجود تحالف موضوعي أو تحالف أمر واقع يجمع بين الطرفين . فالسلفيون يتحركون على أساس فهمهم الخاص والمتحجر لمجموعة من العقائد الدينية الطائفية ، وأيضا على أساس أفكارهم التكفيرية لجميع المسلمين الذين يخالفونهم في ذلك الفهم العقائدي الخاص ، وفي مقدمة هؤلاء المختلفين نجد المسلمين الشيعة فيقتلون المدنيين منهم حتى لو كانوا في مواكب عزاء دينية فينفسون عن أحقادهم الطائفية و يطبقون نظريتهم السوداء القائمة على قتل وشطب وإلغاء المختلف والمخالف موفرين في المقابل وضعا أمنيا مترديا يجعل المحتل الأمريكي بعيدا عن دفع فاتورة احتلاله ودوسه لكرامة الشعب والبلاد ، كما يجعله في موقع القوة التي يضطر إلى السكوت عن وجودها الجميع لضمان الحد الأدنى من الأمن .
إن من السهل تماما إحصاء نقاط التقاطع التي يجدها المرء مبثوثة على خطي حركة المشروع الاحتلالي وحركة الخطط السلفية فعلى سبيل المثال توفر عملية خلط الوراق الطائفية وزج العراقيين في حرب أهلية طائفية فوائد جملة للسلفيين الذين يريدون إثارة أهل السنة ضد الشيعة وضد الاحتلال معا كما انه يوفر للمحتلين السند التبريري لبقائهم كما هم الآن أو كقواعد عسكرية منتشرة في العراق والدول المجاورة له لحماية نظام عميل لهم .وهي أيضا تنهك العراقيين في اقتتال مجاني يستنزف قواهم ويضعفهم فلا يعودون يشكلون مصدر تهديد للاحتلال ذاته على المدى المنظور . ولما كان السلفيون وأسيادهم المحتلون لا يقيمون أدنى اعتبار للدماء والأرواح البشرية البريئة العراقية ، سنية كانت أم شيعية ، فإن من المرجح أن يستمر سفك الدماء العراقية في غياب أو ضعف أداء قطب وطني ديموقراطي يخرج الناس والبلاد من هذه الدوامة .
خيار القتل المعمم : معروف أن المسلمين العراقيين الشيعة لم يكونوا المستهدفين الوحيدين في أعمال التفجيرات التي قامت بها وتبنتها المنظمات السلفية بل إن بعض أشدها فتكا طال المسلمين الكرد أيضا وهم من السنة ، ولكن الخطوط العامة التي تجري في سياقها الأحداث تعطي أهمية مضافة للنوع الأول من تلك الأعمال المدانة .
صحيح أن هذا الخيار – خيار تعميم الرعب والمجازر - ذو حدين وانه قد ينقلب على الاحتلال عند درجة معينة ولكنه يوفر له في الوقت الراهن أمرين مفيدين :
الأول هو انه يقلل من خسائره البشرية ويجعله سيد اللعبة على الأرض .
والثاني هو أنه سيقاتل المنظمات الإرهابية السلفية بفعالية ولكن بجثث المدنيين العراقيين .بمعنى انه سينجح في عزل وتسويد صفحة السلفيين ومن الحركة الوهابية الجديدة خصوصا ، ولكنه لن يدفع دماء جنوده ثمنا لذلك بل سيتولى المدنيون العراقيون الأبرياء تسديد الثمن . ولكن هل كانت تفجيرات اليوم مفاجئة ؟ الكل يجمع على أنها لم تكن كذلك ، فهل نحن بإزاء ملهاة دموية على مسرح اسمه أرض العراق ؟
قبل بضعة أيام من حلول يوم العاشر من محرم كرت مسبحة الخطابات ودعا الجميعُ الجميعَ إلى الوحدة الوطنية الصلبة وراهنوا على أن حربا أهلية لن تقع فالشعب العراقي أكثر نضجا من أن ينجر بسهولة لمحنة التقاتل والانتحار البطيء على الطريقة الأفغانية . ونشر الأمريكيون قبل فترة قصيرة رسالة منسوبة لشخص يدعى أبو مصعب الزرقاوي تتضمن خطة شيطانية ودموية لزج العراقيين في مذبحة طائفية بين الشيعة والسنة، و مع أن كاتب الرسالة كان يقطر سما وينفذ حقدا على أبناء كلا الطائفتين المسلمتين غير أن الصمت استمر " مدويا أيضا " عن المسبب الحقيقي لكل المصائب والكوارث التي انهالت على العراق والعراقيين ألا وهو المحتل الإنكلو أمريكي . صحيح أن السلفيين أثبتوا بالملموس أنهم الأصابع القذرة التي تضغط على زر التفجير المجهز أمريكيا ولكن الصحيح أيضا أنهم ليسوا الوحيدين في الميدان بل قل إن الميدان محكور أمنيا واستخباراتيا لسلطات الاحتلال ذاتها مقابل العجز و الهشاشة والعزلة يعيشها حلفاء الاحتلال المحليين . فلماذا يستغرب البعض أن ينشأ تحالف أمر واقع بين الإرهابيين السلفيين الذين كفروا الجميع عدا فرقتهم الخاصة ( الفرقة الناجية من النار كما يسمون أنفسهم ) واعتبروا أن أجلَّ عمل يقومون به هو أن يفجر الواحد منهم نفسه بين النساء والأطفال وسائر المدنيين فيترك خلفه تلا بشعا من الأشلاء الممزقة والهياكل المتفحمة .
مسئولية المحتل الأمريكي : لا يمكن لعاقل أن يشك ولو للحظة بمسئولية المحتل الأمريكي البريطاني عما يحدث في العراق إذْ أنَّ مجرد الشك ينطوي على إهانة لأرواح وعذابات الشهداء والأبرياء الذين أحرقهم العدو، ولأن مسئولية المحتلين عن كل ما حدث ويحدث في العراق من أعمال قتل وتدمير ثابتة بقرار من الأمم المتحدة فهم سلطة احتلال وبشكل رسمي وقد كرر هذه المقولة اليوم حتى بعض أعضاء مجلس الحكم المعين من قبل قوات الاحتلال . ولقد كان ممثل المرجع الديني السيد علي السيستاني واضحا جدا في تحميله المسئولية لقوات الاحتلال عن جريمة اليوم والتي -كما قال - رفضت توفير طائرات عمودية لتأمين المدينة وأغمضت العين عن حالة الانفلات الأمني الشاملة .كما حمل أحد الناطقين باسم حزب المجلس الأعلى سلطات الاحتلال فهل سيتوقف الأمر عند حدود الإدلاء بتصريحات مكررة بعد كل مجزرة مروعة ؟ ألا تفكر قيادات الأحزاب ببديل آخر أكثر فاعلية إن كانت فعلا تطمح لتحمل مسئولية الملف الأمني أم إنها عاجزة فعلا عن تحمل أية مسئولية ؟ أسئلة كثيرة تثيرها مجازر العراق المستمرة ، ولكن الأمر الذي لا مهرب لاحتلال منه هو أنه سيصدم إن آجلا أو عاجلا بجدار الواقع والحقائق الموضوعية جدار مطالبة العراقيين باستقلال بلادهم التام ورفضهم المطلق لبقاء ثكنة عسكرية واحدة على أرضهم .
انسحبوا فانفجرت : إن مجازر اليوم الإجرامية في الكاظمية وكربلاء تنطق وبأعلى صوت بأسماء مرتكبيها . وفي حديث لإذاعة " الشرق " التي تبث من باريس في نشرة أخبارها الرئيسية باللغة العربية اليوم الاثنين حمَّل سماحة السيد محمد حسين فضل الله سلطات الاحتلال الأمريكية مسئولية التفجيرات الإجرامي التي حدثت اليوم في مدينتي كربلاء والكاظمية وقال إن ما يحدث هو مشروع خطير وكبير لإثارة فتنة طائفية وإشعال حرب أهلية بين الشيعة والسنة . وكشف السيد فضل الله أن سلطات الاحتلال تتحمل مسئولية مباشرة عن الانفجار الإجرامي الذي هزَّ مدينة الكاظمية وعلى مقربة من المرقد المقدس للإمام موسى الكاظم وأكد سماحة السيد نقلا عن مصادر عراقية وطنية ومرجعيات دينية على الأرجح أن سلطات الاحتلال منعت أهالي الكاظمية عن إدارة الشأن الأمني في المدينة بقواهم الذاتية كما فعلوا في مناسبات سابقة ثم انسحبت قوات الاحتلال الأمريكية فجأة من الحي ووقعت الانفجارات بعد انسحاباتهم مباشرة .
إن أصابع الاحتلال الأمريكي واضحة في هذه الجريمة التي ارتكبتها عصابات الإرهاب السلفي وهكذا فإن ثمة تحالفا موضوعيا من تحالفات الأمر الواقع بين الاحتلال الأمريكي الهمجي والعصابات السلفية الإرهابية . أما في مدينتي كربلاء والنجف المقدستين فقد ترددت ومازالت تردد فيهما أخبار ومعلومات عن إهمال مقصود من السلطات الأمنية المحلية التي تشرف عليها القوات الأمريكية المحتلة وعن إفشال محاولة جادة من ثلاثة من ضباط الشرطة العراقيين ( اثنان من مدينة الحلة وثالث من مدينة الديوانية ) حذروا السلطات المحلية قبل يومين فقط من خطورة الوضع الأمني وإنهم قدموا خطة لتأمين المدينة بمنع كافة أنواع المركبات والعربات من دخولها وتنقيب كافة مكبات النفايات والأماكن المهجورة وإن السلطات الأمنية المحلية أهملت هذه الخطة واكتفت بأنْ قالت لهؤلاء الضباط إن حركة العربات مستحيلة في يوم عاشوراء ولا داعي للخوف .
إن الجريمة التي حدثت اليوم هي واحدة من ثمار تحالف الأمر الواقع بين سلطات الاحتلال الأمريكي الهمجية التي تريد أن تجعل العراقيين بحاجة إليها دائما وبين عصابات القتل السلفية الوهابية المجرمة .
مسئوليات خطيرة أخرى : لقد لمح بعض المسئولين في مجلس الحكم وغيرهم إلى مسئولية محتملة تقع على بقايا النظام الصدامي الشمولي المطاح به وسارع البعض في حركة خبيثة لخلط الأوراق لتحميل مسئولية المجزرتين الأخيرتين للمقاومة العراقية الوطنية المسلحة ويمكن هنا أن يسجل المراقب والعارف بممارسات نظام صدام الذي سقى شعب العراق كأس المر والعلقم طوال فترة حكمه وخلف وراءه عشرات المقابر الجماعية لأبناء الرافدين من جميع الطوائف والقوميات حقيقة أن من غير المستبعد أن تتورط فلول النظام مباشرة أو غير مباشرة – كتقديم الملاذ والمأوى والعبوات الناسفة للإرهابيين السلفيين – في ما حدث اليوم ، ولكن مسئولية وشرف البحث عن الحقيقة تجعلنا ندعو جميع المخلصين إلى تركيز الضوء على أطراف أخرى هي المنظمات السلفية المتسللة والجهات المخابراتية الأمريكية والصهيونية . ويمكن لنا أن نذكر هنا بمثال مهم غاية الأهمية ودليل ملموس يؤكد للجميع عدم إمكانية وضع جميع فصائل المقاومة العراقية المسلحة في سلة واحدة فبعد انفجار عبوة ناسفة قبل بضعة أسابيع في مسجد "أحباب المصطفى" في بغداد سارع بعض الناس إلى اتهام جهات إسلامية شيعية بأنها وراء الحادث ، على اعتبار أن المسجد المستهدف يعود لمسلمين ُسنة ، وقبل أن يهاجم أولئك المسارعون إخوانهم العراقيين العرب المسلمين مثلهم ، أصدرت إحدى فصائل المقاومة العراقية المسلحة بيانا مختوما تعلن فيه عن أسفها لحدوث انفجار لعبوة ناسفة كانت في طريقها إلى هدف من أهداف القوات المحتلة وتعرب قيادة ذلك الفصيل العراقي المقاوم عن تعازيها ومواساتها للضحايا وتعلن أيضا عن تحملها لمسئولية ما حدث .
هذه ليست إشاعة ولا هي قصة ملفقة بل حادثة مشهورة هزت بغداد في حينها ، وقد استمع إليها كاتب هذه السطور مباشرة من فم السيد زاهر الخفاجي أمين عام الجبهة الوطنية الإسلامية على قناة العالم الإيرانية الناطقة بالعربية بعد عدة أيام على حادثة ذلك الانفجار المؤسف . ومما يزيد من مصداقية السيد الخفاجي هو إنه لم يعرف عنه أي تأييد أو تعاطف مع المقاومة العراقية المسلحة وهذا مجرد مثال وهناك المزيد .
غير أن هذا المثال وغيره لا يعفي فصائل المقاومة العراقية الوطنية وبجميع مشاربها وانتماءاتها الإسلامية والقومية واليسارية من مسئولية إعلان الموقف الواضح والسريع والصريح من مجزرتي اليوم . وليس هذا فحسب ، بل إن تلك الفصائل العراقية مطالبة اليوم وغدا أمام شعبها بالقيام بواجبها الوطني في تعقب ومعاقبة المجرمين السلفيين المسئولين عن ارتكاب تلك المجازر بحق المدنيين العراقيين . كما و تتحمل الأسر والأشخاص الذين يقدمون لهؤلاء المتسللين المأوى والطعام والسلاح فقد أتضح كل شيء وفاض الدم البريء في شوارع المدن المقدسة ولن يحترم الشعب العراقي من يؤوي أو يتستر على من يفجر جسده القذر بين صفوف المواكب الجنائزية والمناسبات الطقوسية الدينية . إن واجبا خطيرا يُلقى اليوم على عاتق المقاومين العراقيين الاستقلاليين الشرفاء ألا وهو تعقب وعزل ومعاقبة الإرهابيين السلفيين الجبناء الذين يستهدفون الأبرياء ويتفادون المحتلين وعلى هؤلاء المقاومين قبل غيرهم تقع مسئولية إنقاذ أرواح عراقية بريئة قد يكون القاتل الآن يخطط في وكره السري لإزهاقها وإن من يتهاون في أداء هذا الواجب إنما يساعد المحتل على قتل المقاومة العراقية ومعها الشعب والمستقبل .