بعيد الاطاحة بأصنام الطاغية في التاسع من نيسان من العام الماضي، بدأت تدريجياً نشاطات ادعياء مقاومة الاحتلال ومعها بدأت تسمع انفجاراتهم لتدك المراكز المدنية وما تبقى من القاعدة الاقتصادية والعمرانية لبلادنا. ومع شروع اول العبوات المفخخة وسياراتهم المفخخة وضحاياها من العراقيين، شرعت اجهزة اعلام معروفة وقنوات تلفزيونية يمولها ويسيطر عليها المتطرفون بالاشادة "بفرسان المقاومة" التي تسعى "حسب زعمهم" الى تحويل العراق الى "فيتنام" ثانية و"مستنقع" لقوات الاحتلال الامريكية. وقتها صدق البعض في العراق وخارجه بأن القضية جدية والمستهدف هو الاحتلال ولهذا بدأت فتاوى بعض رجال الدين الذين جرى تعيينهم من قبل المخابرات العراقية البائدة تتعالى، وتتصاعد صيحات حملة كوبونات النفط في الخارج ليعلنوا دق طبول الجهاد عن طريق اطلاق العبارات النارية والويل والثبور العنترية لفلول النظام ممن يقوم بارشاد الضيوف الارهابيين العرب لانجاز مهامهم"الجهادية" وتحويل العراق الى دمار طالما وعد به رئيس النظام المنهار.
ولم يكن من السهل على غالبية العراقيين العارفين بخفايا الامور وحقيقة " المقاومة" ورموزها ان يقنعوا اخوانهم العرب بهذه الحقيقة لاسباب متنوعة. وراح هؤلاء الاشقاء بإتهام العراقيين بشتى الاتهامات دون الاصغاء الى تفسيرهم للاحداث. فغالبية وسائل الاعلام العربية كانت تنشر شرائط "للفرسان" الملثمين الذين تارة يحملون صورة رئيسهم المنبوذ وتارة صوراً لزعماء التطرف مع رشاشاتهم دون الافصاح عن هويتهم السياسية. ووجد هؤلاء السلاح المنثور في كل بقاع العراق والمال المتدفق من اثرياء الارهاب في شبه الجزيرة العربية علاوة على امدادات المتطرفين من ارض العرب الواسعة يمنية كانت ام سورية ام اردنية او فلسطينية ومن افريقيا الشمالية وحتى افغانستان. ولم تعد بالنسبة لهؤلاء مشكلة "الاحتلال" بل المستقبل السياسي للعراق. وقد عبر عن ذلك بوضوح احد الرؤساء العرب حيث قال ان مشكلتنا ليست في الاحتلال بل المشكلة في النظام السياسي القادم، والذي يتطابق مع ارادة العراقيين. ولم يتردد رئيس آخر للتنويه بما يسمى خطر قيادة العراق من قبل ممثلي الاغلبية.
الا ان الاداث سحبت البساط من دعوات هؤلاء ولم تعد عناك فيتنام ولا مستنقع للمحتلين. وبدأت ملامح "المقاومة" تأخذ شكلاً ومنحى واضح غير الذي كان يعلن في السابق. وأصبح استهداف العراقيين الشغل الشاغل لهؤلاء. ولم تعد الحملات بغالبيتها توجه نحو المحتلين، بل اصبحت تستهدف العراقيين ومؤسسات الكهرباء والماء وانابيب النفط والتجمعات السكانية والمنظمات الدولية الانسانية. وهكذا جرت حادثة الاعتداء على مرقد الامام علي في النجف والاعتداءات في كربلاء والاحياء الفقيرة في البصرة والديوانية والحلة والعمارة وكركوك واربيل والسيمانية...وحصدت بغداد العاصمة الجزء الاكبر من عمليات هؤلاء الاشرار. واتضح الامر بشكل اكثر عندما اخذت عناصر معينة من فلول النظام ومن "الضيوف" الارهابيين تفصح، سواء عن طريق الاعترافات او البيانات التي تنشر على شبكت االنترنت، عن جوهر نواياها في العراق. ان وريقة المدعو الزرقاوي تمثل ابشع نموذج على العقلية الشيطانية التي يحملها هؤلاء القتلة. فالمستهدف في الوريقة الشعب العراقي وأمنه وإزدهاره ولا أي شئ آخر. ومع ذلك راح بعض الصحفيين العرب بالتغطية على هذه الوثيقة الخطيرة الى حد اتهام المحتلين الامريكان بتلفيقها وفبركتها لتبرير سياستها في العراق.
ولكننا اذا رجعنا الى الوقائع التاريخية الحديثة او الغابرة فسنجد ان اقوال وافكار هذا الشرير هي قديمة وحديثة.إن إافعال يزيد بالحسين الشهيد وافراد عائلته تتضمن نفس الافكار والممارسات. ولا يمكن ان نفرق بين ما قام به المتكل بالله العباسي في ابادته لانصار الحسين ومسح قبره في كربلاء عن هذه الممارسات الشيطانية. وفي التاريخ الحديث لدينا الاخوان الرشيدية والوهابيين المتطرفين، اسلاف الزرقاوي ورهطه، قد نفذوا الحملات البربرية تلو الاخرى لنهب العتبات المقدسة واستباحة النجف وكربلاء في النصف الاول من القرن الماضي.
ان هؤلاء الذين لا يعرفون الا القتل وتربوا على العنف هم الذين بإستطاعتهم تنفيذ هذه المجزرة الرهيبة في كربلاء والكاظمين يوم عاشوراء المقدس. ولا يحتاج الامر الى الكثير من الفطنة لتوجيه اصابع الاتهام الى المافيا الارهابية التي لاتعرف ديناً لها الا دين الابالسة والشياطين. والا كيف يهاجم هؤلاء جموع الزائرين وكأنهم يهاجمون احد الثكنات العسكرية ويستبيحوا المدينة بشيوخها واطفالها ونسائها؟ أنهم قد تعرضوا لغسل الادمغة ليتحولوا الى وحوش ضارية لا تعرف اية قيمة للانسان. هكذا هو ديدنهم سواؤ في العراق والجزائر والسعودية ومصر وباكستان التي تعرضت اليوم لنفس الجريمة. ان زيارة الى مقرات هؤلاء في المساجد التي يسيطرون عليا في لندن كمسجد فنزبري بارك التي كان يتحكم به الارهابي ابو حمزة المصري وابو قتادة السوري والمساجد التي يسيطر عليها الباكستانيين وسلوكهم وكلامهم الهمجي والعنيف والشرير هو خير دليل على هوية من يقوم بهذه الاعمال الشيطانية في العراق وغير العراق. ان هؤلاء يتوجهون الى العراق بأموالهم وبدعم من بعض فلول النظام والمتطرفين في العراق الذين يعملون كأدلاء لتنفيذ افعالهم الشيطانية.
على العراقيين ان يعوا بأن وقف هذه الجرائم منوطة بتصميمهم وعزمهم قبل كل شئ. ولا مجال هنا للتردد بحجة الاحتلال لان هؤلاء لا يستهدفون الاحتلال. كما ان على بعض علماء الدين، واقصد هنا علماء السنة، ان ينتبهوا الى هذه اللعبة الشريرة التي قد تعصف بالاخضر واليابسة، وان يكفوا عن اثارة المشاعر والعمل على ردع وادانة هذه الاعمال بشكل صريح وقاطع لكي يساهموا في وضع لبنات العراق الديمقراطي المسالم الذي يحترم جميع المعتقدات الدينية وغير الدينية ويضع حداً للعنف الذي ساد منذ عام 1963 على وجه التحديد.
إن مجزرة كربلاء والكاظمين تطرح من جديد قضية حماية امن العراقيين التي لا يستطيع ان يوفرها الا العراقيين وبدعم شعبي قادر على لجم جميع اشكال العنف والتخريب. ان مجزرة كربلاء والنجف هي رد دموي من انصار الابالسة والشياطين على اتفاق الاطراف العراقية في مجلس الحكم على الدستور المؤقت وقدرة العراقيين على تجاوز اصعب المراحل في حياة بلدنا الحبيب والتوجه نحو انهاء الاحتلال.
وينبغي على العراقيين فضح كل الدعوات لحرف اصابع الاتهام عن مافيا الارهاب الدولي وتوجيه الاتهام للولايات المتحدة او غيرها والتخفيف عن القاتل الحقيقي. نعم كل اللوم للولايات المتحدة في اخفاقها في تأمين الامن للعراقيين واخطائها الفادحة في العراق، ولكننا لن نتجاهل ابداً تلك العصابات الشريرة التي تربت في اروقة التعذيب والامن واكاديميات القتل التي أنشأها النظام السابق والتي وزعت القبور الجماعية وضحايا السلاح الكيمياوي في كل ارض السواد. اننا لا نتجاهل ذلك التحالف الشيطاني بين فلول النظام السابق وبين عصابات التطرف والارهاب التي تزرع الموت ف افغانستان واندونيزيا والجزائر .. يجب العمل على تصحيح مسارنا الوجداني والديني في بلادنا العربية والاسلامية، هذا المسار الذي اختطف من قبل هؤلاء الاشراء. انهم سوف لا يمروا وسيعيد العراقيون البسمة على شفاه اطفالهم.