أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني والسياسي (16) ؟

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2473 - 2008 / 11 / 22 - 09:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

اعتبارا لطبيعة العلاقة التي تربط حزب العدالة والتنمية بحركة الإصلاح التوحيد والتي عبر عنها السيد الحمداوي في كلمته أمام مجلس شورى الحركة في دورته الثالثة كالتالي (أما على صعيد الهيئات الشريكة للحركة فإن النضج المسجل على مستوى إنضاج الرؤى المنظمة للعلاقة بين السياسي والدعوي ورغم الخطوات الهامة التي جرى قطعها على مستوى ترسيم التمايز في الوظائف والخطاب والرموز فإن رغبة الحركة في توثيق علاقتها مع الحزب في شراكة واضحة في التزامات كل طرف لا تزال قائمة خصوصا ما يتعلق بقضايا قبيل التدبير المشترك لبعض المجالات والملفات المشتركة والتعهد التربوي والتكوين المشترك والتنسيق بخصوص قضايا الوطن والأمة والجالية بالخارج) ؛ اعتبارا لطبيعة هذه العلاقة بين الحزب والحركة ، فإن تفعيل أطروحة المؤتمر السادس وأجرأتها سيظل محجوزا لما تواجهه من عوائق مذهبية تجعل وصاية الحركة على الحزب أمرا مطلوبا من كافة أعضائها . فالحزب يشكل الذراع السياسية للحركة التي تشتغل على مستوى المؤسسات الدستورية وتتخذها واجهة مركزية لتمرير تصورات الحركة وتوجهاتها . من هنا لن يخرج الحزب عن الإستراتيجية العامة التي وضعتها الحركة وتسعى لتنفيذها عبر كافة المستويات المتاحة ، وضمنها المجال الديني والمجال السياسي . فالحركة تتبع إستراتيجية محددة ترمي إلى تطويق النظام من كل النواحي حتى لا يجد بديلا عنها أو مهربا منها . ولست أفشي سرا إن ذكّرت بأن أحد مسئولي الحركة أكد لي صراحة هذه الحقيقة لما قال لي بعظمة لسانه " النظام بغى ولا اكره ما عندو لين على الحركة" . وجاءت عبارته هذه في سياق الحديث عن إستراتيجية الملك لهيكلة الحقل الديني . شخصيا أدرك هذه الحقيقة وأعلم بها من خلال الانتقادات التي كانت توجه لوزير الأوقاف السابق عبد الكبير العلوي المدغري لكونه دعم الخارجين على المذهب المالكي ويسر لهم التسلل إلى المجالس العلمية والتحكم فيها . ولا شك أن نسبة كبيرة من أعضاء المجالس العلمية ونظار الأوقاف وأئمة المساجد هم أعضاء في حركة التوحيد والإصلاح ومتعاطفين معها . وكل جهود الملك الرامية إلى إعادة هيكلة الحقل الديني ستصطدم بهذه الفئة من العلماء والفقهاء الذين لا زال الكثير منهم يحرض على كراهية الآخر ومعاداته والجهاد ضده ، بل منهم من لا زال يردد في ختام خطبة الجمعة دعاءه "اللهم اجعل أموال الكفار (= الغرب) ونساءه غنيمة لنا " . نعم يحلم بعصر الغزوات والسبي في زمن قيمه تنبذ ثقافة السبي وتجرم الاعتداء على المدنيين . فضلا عن الهجوم الشرس على الأحزاب والجمعيات التي يتهمونها بالكفر والتآمر على الإسلام . فحركة التوحيد والإصلاح تدرك أنها متواجدة في كل المؤسسات الدينية الرسمية ، وأن مشروع الإصلاح الذي يقوده الملك يتوقف على مدى انخراطها فيه . لهذا تسعى الحركة جادة إلى تقوية تواجدها وتفعيله بما تملك من سبل ووسائل . وفي هذا الإطار تأتي مناصرتها للمغراوي وانخراطها في تشكيل جبهة مناهضة لإجراءات الإغلاق التي همت الدور القرآنية المرتبطة عضويا أو إيديولوجيا بالمغراوي شيخ الوهابيين في المغرب . فالحركة تجعل من مسألة إغلاق دور القرآن هذه معركة دينية توهم بها الرأي العام الوطني أن الدولة المغربية تستجيب لضغوط التيار العلماني/الإقصائي بهدف محاربة الأحزاب الإسلامية والتضييق عليها . إنه ضغط واضح على الدولة بوسائل خسيسة لا تراعي إلاًّ ولا ذمة ، ومنها الحملة الإعلامية التي تشنها جريدة التجديد بصفاقة كما جاء في مقال بعنوان " بين دور القـرآن ودور السينما التجديد" المنشور بتاريخ 20/10/2008 حيث تم التعسف في الربط بين إغلاق دور الانغلاق من طرف وزارة الداخلية وبين إشاعة أن رئيس المجلس البلدي للدار البيضاء ـ الذي ليس عضوا في الحكومة ولا يمثلها ـ منح قطعا أرضية لإقامة قاعات سينمائية ، مما يوحي للقارئ أن الدولة تحارب القرآن وتنشر العهر والانحلال . هذا ما تفصح عنه الفقرة التالية من المقال إياه( في الوقت الذي تشن فيه وزارة الداخلية حملة قوية ضد دور القرآن وصلت إلى حد إغلاق ستين دارا للقرآن بدون موجب قانوني ولا تعليل مبرر، يقدم عمدة مجلس الدار البيضاء على منح صاحب شركة عليان للإنتاج المخرج السينمائي نبيل عيوش وعاء عقاريا تقدر مساحته الإجمالية بـأزيد من 5000 متر مربع، لإنجاز مشروع بناء ما سمي قاعات سينمائية شعبية .. فهذا التزامن في التوقيت لا يسمح بقراءة الحدثين بانفصال عن بعضهما البعض، خاصة وأن الذي منح هذا الامتياز تشهد أفلامه التي أخرجها خاصة لحظة ظلام وفيلمه الأخير لولا أنه يتبنى رؤية أحادية تجعل من تحطيم الطابوهات عنوانا لها، وتقدم تصورا لا يأخذ بعين الاعتبار المرجعية الحضارية الإسلامية للمغرب). إذن فالحركة تتوخى ، من جهة ، تكثيف الضغط على النظام والدولة ليتراجعا عن أهم فقرات وأهداف إستراتيجية هيكلة الحق الديني ، ومن جهة ثانية تقوية التحالف الذي يناهض هذه الإستراتيجية بغاية الاستفراد بالنظام . ولعل الإجراءات التي بادرت بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتوجيه من الملك وفي إطار الإستراتيجية الجديدة التي ترمي إلى دعم الطرق الصوفية والاستناد إليها لإنجاح هيكلة الحقل الديني ، أربك مخططات حركة التوحيد والإصلاح وأفسد عليها إستراتيجية تطويق النظام والاستفراد بالحقل الديني تحكما وتوجيها . إذ من الحكمة ألا يرهن النظام نجاح إستراتيجيته بانخراط الحركة وتفاعلها . لهذا جاءت مبادرة دعم الصوفية ورعايتها تكسيرا لهذا الطوق الذي تسعى الحركة لإحكامه على النظام . للحديث بقية .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات