ابراهيم علاء الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2471 - 2008 / 11 / 20 - 10:01
المحور:
القضية الفلسطينية
في مشهد اعلامي درامي ظهر اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة وكلهم من قادة حماس في اجتماع على ضوء الشموع ، لكنها كانت شموع انيقة مرتبه جميلة اضفت على المشهد رومانسية "غير ثورية" لا اظن انها يسوف تسعف حماس في ايصال الرسالة المستهدفة من هذا المشهد وهي استقطاب تعاطف العالم ضد الحصار الصهيوني للقطاع، مما ادى ضمن نتائجه المتعددة الى قطع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة من القطاع.
ولا بد هنا من رفض وادانة الاجراءات التعسفية للعدو الصهيوني وصلفه العدواني على الشعب الفلسطيني عبر سلسلة الاغتيالات واستمرار عمليات الاعتقال للمناضلين وحواجزه العسكرية التي تقطع اوصال بلادنا وحصاره الظالم لقطاع غزة.ولا بد من التاكيد على ضرورة استمرار الصراع بكل سبله ووسائله بما تفرضه التطورات والوقائع على الارض حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق اهدافه المتمثلة باقامة دولته الوطنية الديمقراطية المستقلة على كامل الارض التي احتلت في العام 1967 وعاصمتها القدس.
ولكن لا بد من القول ان عقد جلسة على ضوء الشموع لا ينطلي على احد لان الجميع يعرف كم عدد مولدات الكهرباء التي تمتلكها حماس ومسؤوليها وقادتها، والكل يعلم ان انقطاع التيار الكهربائي لا يؤثر الا بالفقراء الذين يرسلوا ابنائهم الى الشوارع بحثا عن قطع من الاخشاب البالية والكراتين لطهي طعامهم المتواضع.
وعلى الرغم من كل محاولات حماس اظهار المعاناة الانسانية لاهل غزة فان الجميع يعرف الحقيقة وهي ان هذه المعاناة الناتجة عن اغلاق المعابر والحصار هي نتيجة لاسباب سياسية، وبالتالي فمهما حاولت حماس ان تمارس ضغوطها بالاعتماد على المعاناة الانسانية للمواطنين فانها سوف تفشل ولن يكون من نتيجة لسياستها الخرقاء الا المزيد من المعاناة والفقر والجوع والمرض.
فالواقع ان صواريخ القسام الاستعراضية تقصف فقراء غزة ولا تؤثر بالعدو الصهيوني، ويبدو ان قادة حماس سيكونوا بمنتتهى السعادة لو ان مئات من الشعب الفلسطيني يموتون يوميا لاستغلالها في حملتها الرامية لرفع الحصار ليس لاسباب انسانية بل لان رفع الحصار يعني نجاحها سياسيا ويثبت من امارتها الاسلامية في قطاع غزة.
والا فهل تقنعنا حماس ما جدوى صواريخها التي لا تختلف عن الالعاب النارية، وهل يمنها ان تقول لنا ما هو تاثيرها على العدو؟ فللاسف انها تطلق هذه الالعاب في الهواء وكانها تقول للعدو شدد حصارك، ولا تفتح المعابر وليجوع اهل غزة وليموت الاطفال من الجوع والمرض،
فبسبب هذه الصواريخ العبثية يتعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الى حالة مزرية يفتقد فيها ابسط مقومات الحياة العادية للانسان ، وتفاقمت الحالة الماساوية فازداد عدد الفقراء الذين يعيون تحت خط الفقر ليصل عددهم الى نحو 80 بالمائة من الاسر .
ومع ذلك يتبجح بعض قادة حماس بالقول ان الاسر في قطاع غزة هي التي تصرعلى تحدي الظروف المعيشية الصعبة التي تراكمت بفعل ممارسات الاحتلال وسياسته الهادفة إلى ابتزاز وتركيع أبنائها، وكان حماس استقتت الجماهير واستشارتهم عندما كانت تحضر للانقلاب او تستشيرهم عندما تطلق العابها النارية، او استشارتهم عندما افشلت المصالحة الوطنية، او انها اخذت رايهم عندما قامت قواتها بقتل وسحل واعتقال المناضلين..!!
لقد راهنت حماس على تحقيق نجاح مشروعها السياسي بتثبيت اركان دولتها الطالبانية على ثلاثة سيناريوهات الاول نجاحها من خلال اتفاق الهدنة مع العدو الصهيوني بما يؤدي الى فتح المعابر وخصوصا معبر رفح، وفشل الرهان، والثاني من خلال نجاحها بالضغط على الحكومة المصرية من خلال رفع الجانب الانساني والاوضاع المتردية للسكان، واستخدمت لتحقيق هذا الهدف اشكال عدة من الممارسات من صمنها هدم جدران معبر رفح، والتهديد باعادة الكرة من جديد، ولكن هذا السيناريو فشل ايضا، ام السيناريو الثالث فكان المراهنة على نجاح انقلاب جزئي في مدينة الخليل على غرار انقلاب غزة ومن ثم الاستيلاء على الضفة باسرها مما يفرض وجودها على طاولة المفاوضات مع العدو بديلا للسلطة الفلسطينية وهذا الخيار فشل ايضا عندما تمكنت قوات الامن الوطني من اعتقال قادة حماس المكلفون بالقيام بالانقلاب العسكري.
ولكن هل اتعظت حماس بخراقة منطقها السياسي وبعدم ملائمته للعصر والظروف والواقع؟ انه كما يبدو ماضية في غيها وفي صلافتها وفي تحميل 5ر1 مليون فلسطيني بقطاع غزة نتائج سياستها الحمقاء.
ولا يصير قادة حماس توجيه صواريخها الى امعدة وامعاء فقراء غزة الذين باتوا عاجزين عن الحصول على السلع الغذائية الاساسية بسبب ندرتها وارتفاع اسعارها الناتج عن جشع التجار المتتحالفين معها واحتكارهم للسلع والتحكم بالاسعار التي ارتفعت عدة اضعاف منذ الانقلاب حتى الان.
فالصواريخ العبثية تؤدي الى تشديد الحصار ومنع دخول نحو 20 بالمائة من السلع التموينية بما فيها القمح فتراجع انتاج الطحين مما ادى الى اضراب المخابز وارتفاع سعر رغيف الخبز وهو الغذاء الرئيسي للسكان، والى ارتفاع جنوني بالاسعار الاساسية ، مثل الدقيق والسكر والزيت الحليب وحفاظات الأطفال والألبان والسكر واللحوم والدواجن وغيرها.
إن القيود الإسرائيلية تسببت في انهيار اقتصاد القطاع، والذي أدى بدوره إلى انتشار واسع للبطالة والفقر، الذي نتج عنه تحول 80% من سكان غزة إلى الاعتماد الكلي على المعونات الغذائية من الخارج.
ان هذه الأوضاع المزرية والمأساوية في غزة تعني أن الناس أصبحوا محرومين من الحياة الكريمة بحدها الأدنى .
وكل ذلك من اجل الاستعراض الاعلامي لقادة حماس المتشددون منهم والمعتدلين متجاهلين تماما ان اسباب الحصار ودوافعه سياسية وليست انسانية، ودون ان يرف لهم جفن يمواصلون تضليلهم والتغني بصمود اهل غزة الذين يموتون ببطء ويفقدون ابسط مقومات الحياة الانسانية ويواصل معظم قادتهم تكرار العبارات العاطفية عن المقاومة والقتال وبان العدو لا يفهم غير لغة القوة، وكان لدى حماس من القوة ما يجبر العدو على تفهمها ولكنها تكون هي الي بحاجة الى من يفهمها بان "صواريخ" القسام ومن المعيب ان نطلق عليها لقب صواريخ هي التي ستفهم العدو وتجبره على الاعتراف بحقوقنا الوطنية.
ان الاوضاع المؤلمة حتى البكاء لحالة الناس في غزة تتطلب من كل من لديه حس انساني او وطني ان يساهم بتخفيف الحصار ومن ثم رفعه وانهاءه ، وهذا لن يتحقق من خلال اطلاق الصواريخ على فقراء غزة وتقديم خدمات غير مسبوقة للتجار الاحتكاريين مقاولوا انفاق التهريب ليستغلوا ببشاعة البطون الخاوية، بل بالجلوس الى طاولة الحوار والاتفاق على المصالحة الوطنية واعادة الوحدة الجغرافية والسياسية والديمغرافية للوطن والشعب، والخضوع للشرعية والاحتكام لمؤسسات السلطة الوطنية، واتباع سياسة واقعية عقلانية، والتخلص من الاوهام والالتزام باجندة انظمة اقليمية ، والايمان الحقيقي بالديمقراطية باعتبارها وسيلة لتداول السلطة وليس الوصول الى السلطة لالغاء الديمقراطية.
ويجب على الفور توقف اطلاق "الصواريخ " الالعاب النارية ومنع الاطفال من الظهور على شاشات الفضائيات ليكرروا عبارات ممجوجة عن الرد المزلزل الذي سيهز الكيان الصهيوني.
هذه السياسة التي بمقتضاها يفتح معبر رفح لان السلطة الوطنية الفلسطينية هي المسؤولة عن المعابر وبوجود ممثليها فقط عليها تفتح وتنساب البضائع وتغلق انفاق التهريب، ويتم كسر احتكار التجار واستغلالهم للمواطنين، وبمقتضاها يمكن اعادة الحياة للاقتصاد الفلسطيني لان الاقتصاد لا يزدهر الا في ظل الامن والسلام والاستقرار وسيادة القانون، ورسوخ الحياة الديمقراطية التي هي وحدها القادرة على محاربة الفساد والمفسدين.
فيا اهل غزة عليكم ان تقولوا رايكم وعليكم ان توقفوا الصواريخ الموجهة الى صدوركم واحلامكم وامالكم، فانتم كما هي بقية شعوب الارض لكم الحق بان تعيوا بامن وسلام واستقرار، ومن حقكم ان تحصلوا على حقوقكم الانسانية، وعليكم ان توقفوا سيل التضليل فلا الالعاب النارية ولا سفن التضامن الاعلامي ولا مناورات قادة حماس قادرة على كسر الحصار.
#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟