لا يخلو مجتمع إنساني من وجود مرضى نفسيين أو نفسانيين، وأشخاص معتوهين، والفاقدين عقولهم بالكامل ( وما أكثرهم في أمة يعرب ).. إضافةً إلى مختلف أنواع العاهات النفسية ، والعصبية..والذي فعلته المجتمعات المتحضرة في التعامل مع هذه الأنواع والحالات من الأمراض، امتاز بمسحة إنسانية، واهتمام عالي المستوى من قبل المؤسسات الحاكمة وهيئات المجتمع المدني.
ما دفعني لإثارة هذا الموضوع، هو ظاهرة البرامج التلفزيونية المتعددة التي يجري خلالها امتحان آلاف المتقدمين من مختلف الدول العربية، واكتشاف حقيقة جارحة وهي وجود أعداد كبيرة من بين المتقدمين إلى تلك الامتحانات يندرجون تحت الحالات المرضية المختلفة التي ذكرنا بعضها قبل قليل .. والذي يحدث دائماً، أنَّ أصحاب المحطات التلفزيونية، والمشرفين على هذه البرامج، يعرضون المقابلات الأولية التي جرى تصويرها بعناية فائقة، والتي تكشف عن تلك الحالات متضمنةً كل ما يلزم من سخرية وضحك عليهم..! وهي خطة مرسومة، ومدروسة تهدف بالدرجة الأولى إلى جذب المعلنين، وبالدرجة الثانية إلى جذب المشاهدين من خلال المتعة المتحصلة من الضحك على أولئك المرضى..!
من خلال تتبع بعض بروفات تلك المقابلات، يمكن تلمس القصدية الكاريكاتورية المبِّيِّتة عند القائمين على إنتاج هذه البرامج، وذلك لتعمدهم بث هذه المقابلات في أوقات مختلفة، والاحتفاء بها أكثر من المقابلات التي يكون أبطالها غير مرضى، ويملكون المواصفات الأولية التي تبرر اندفاعهم للاشتراك في هذا البرنامج أو ذاك.
وهكذا شاءت ظروف ومعطيات هذا العصر الحافل بالحروب، والثورات، والقفزات العلمية المدهشة، والهزائم العربية أيضاً..! أن نشاهد الشعب الياباني، وشعوب دول النمور الأسيوية على شاشات التلفزة يفخرون بالمعجزات التنموية والعلمية التي أنجزوها خلال نصف قرن..! وأن نشاهد في الوقت نفسه على نفس الشاشات التلفزيونية، الشعوب العربية وقد انقسمت إلى نصفين: النصف الأول: هواة الطرب، والغناء، والرقص الشرقي.. والنصف الثاني: مجانين من كلِّ الأصناف والأنواع..لكن، من المؤسف بل المحزن، أنَّ العرب وحدهم الذين يشهِّرون بمجانينهم على شاشات التلفزة..!
2/3/2004