حال فلسطين بعد أربعة سنوات من رحيل عرفات

زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 2471 - 2008 / 11 / 20 - 10:01
المحور: القضية الفلسطينية
    

"الإنسان مدعو على طول وجوده إلى وضع إمكانياته في العالم الذي قذف فيه قيد التنفيذ"
تمر الآن أربعة سنوات على رحيل عرفات وغزة غارقة في الظلام والضفة محرومة من حق ممارسة النشاط التضامني والاجتماعي المعتاد والفصائل متناحرة والمخيمات مهددة وحق العودة في جدول أعمال الإسقاط والحذف والهدنة مع الكيان الغاصب مستمرة رغم ما يتخللها من تعديات واختراقات.
ربما يكون هذا الزعيم الفلسطيني من القلة الذين يؤسف على ترجلهم ويفتقد باستمرار لأنه واحد من الذين تمنى الجميع استمرارهم في الحياة لا لكون الموت جاءه على حين غفلة وفي لحظة غير مناسبة وفي وقت مازال شعبه متعلق به وقضيته تحتاجه فحسب بل لكون الذين يريدون رحيله هم الذين يريدون قبر القضية الفلسطينية إلى الأبد وهم أنفسهم الذين استقدموا له الفناء وبرمجوا له الإزاحة بطريقة غير إنسانية.
لكن لو عاد بنا الزمان إلى الوراء خاصة بعد إعلان الدولة الفلسطينية في نزل الصنوبر بالجزائر أين وقع التخلي عن شعار فلسطين من النهر إلى البحر ودخلت فتح في مفاوضات سلام مع إسرائيل من أجل الفوز بسلطة على بعض الأرض العربية المتبقية من الاستيطان الإسرائيلي أثناء حرب 67 لكان التعاطف مع عرفات وفتح آنذاك تهمة والاتصاف بلقب عرافاتي يرمز إلى الانبطاح والاستسلام والخيانة. بينما كان الأصح والشرعية الثورية تقتضي مساندة المنظمات الفلسطينية الراديكالية غير المساهمة في الحوار والتفاوض مع الكيان الغاصب وخاصة الحركات اليسارية والقومية والوطنية.
لكن صعود أسهم تيار الإسلام السياسي وخصوصا ظهور حركتي الجهاد وحماس وأخذها مشعل قيادة المشروع التحرري الفلسطيني وتفجر الانتفاضة الثانية المباركة وبروز زعامات جديدة لم يضعف من الحضور الكارزماتي لأبي عمار بكوفيته الشهيرة وابتسامته المتفائلة بل زاد إشعاعه واقترب من قلوب محبي العدل عندما رفض الاستيطان وتمسك بحق العودة لفلسطيني المهجر والشتات وأصر على ألا تسقط القدس كعاصمة لدولة فلسطين من المفاوضات وطالب بتدخل أممي لحماية الشعب الفلسطيني من جميع الانتهاكات والتحرشات وأحرج بذلك سلطة الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية لما يلقاه من مساندة شبه مطلقة من جميع الدول والأنظمة الرسمية ومن كل الهيئات والمنظمات غير الحكومية فصار رمزا لحركات للتحرر الوطني في العالم وصار العلم الفلسطيني يرمز إلى مناهضة العولمة والاحتلال.
من هذا المنطلق زاد عدد الداعين له بالمزيد من الحياة وطول العمر وشهدت القضية الفلسطينية زمن جولاته وصولاته تعاطفا كونيا لا مثيل له ولكن أعداءه التقليديون في الداخل و في الخارج كان لهم رأي آخر وسارعوا بالتعجيل بموته للتخلص منه وتصفية القضية الفلسطينية التي تلبست به وتلبس بها.
إن رحيل عرفات ترك الكثير من الحسرة واللوعة في قلوب جميع محبيه ومناصري القضية الفلسطينية في العالم وساد تخوف بأن فلسطين خسرت فارس من أهم رجالها وأن القضية يمكن أن تصفى وتقبر باستشهاد رمزها التاريخي وما عزز هذا الموقف هو حالة الفوضى والانفلات السائدة في الساحة السياسية الفلسطينية ودخول جميع الرفاق والأخوة في صراع محموم من أجل الريادة والزعامة وتكالب كل الفصائل على السلطة والانتهاء إلى حالة من الانقسام والصراع الدموي وكأن العلامات الأولى توحي بأن فلسطين ضاعت وأن ما ناضل من أجله عرفات ورفاقه وقع التفويت فيه بجرة قلم وفي برهة من الزمن.
لا ينبغي أن ننسى أن فلسطين قدمت العديد من الشهداء وزفت خيرة شبابها وكوادرها في جميع المجالات ورغم ذلك فان عطاءها لم ينقطع وأرضها ما تزال تنجب،العطاء امتد من الشعر والقصة إلى الفكر والعلم مرورا بالاقتصاد والسياسة وشهرة رجالها عانقت الكونية من غسان كنفاني إلى ادوارد سعيد وهشام شرابي مرورا بناجي العلي ومحمود درويش والقافلة طويلة.
المؤسف أن حال فلسطين بعد رحيل عرفات غير مرضي فهي مقسمة إلى إمارة في غزة وسلطة صورية في رمال وجدار عازل يقسم أوصالها بل حتى مشاريع التسوية بين فتح وحماس متعثرة و كل التفاهمات مؤجلة وتظل حبر على ورق بداية بمكة وصنعاء ونهاية بالقاهرة بل والأخطر أن تمنع تظاهرة في غزة تحيي ذكرى رحيل عرفات وأن تمتنع سلطة عباس عن إطلاق سراح ناشطين فلسطينيين معتقلين في سجونها رغم المبادرات والنوايا الحسنة من هنا وهناك قام بها نشطاء حقوقيين عالميين نظموا سفن سلمية لكسر حصار الجوع والفقر والظلام والحرمان عن غزة والتي انطلقت من اليونان وقبرص.
بيد أن فلسطين لن تمت بجرد رحيل عرفات وحتى في ظل غياب زعامة كاريزماتية فاعلة تحظي بالإجماع الأهلي والدولي وعلى الرغم من حالة الحصار التي تعاني منها عزة وحماس وحالة التشرذم التي تبدو عليها فتح وانعدام الأمن التي تعاني منها الضفة الغربية ولكن من المؤسف أن شخصية أبي عمار المرحة والمحببة للنفوس رمز الكفاح الفلسطيني والعقل المدبر لرحلة التحرر الوطني من نير الزحف الاستيطاني قد تحول بين عشية وضحاها إلى صورة كاريكاتورية ينبغي أن تحفظ في أرشيف بعض الجرائد وأن تعرض سيرته في بعض المتاحف. ثمة دلائل قاطعة على تربص الأعداء بالأمة وكل من يصتف إلى جانبها ويتخندق في صف المشروع الحضاري ولكن الأمل مازال قائما ومن الموت تولد حياة جديدة والإنسان ينبغي أن يتعود على الحياة بغض النظر عن إمكانية حتفه ومضي المقاومة في غزة والضفة في مشروعها على الرغم من الأخطاء والنزاعات والانقسامات وتمسك بعض الشخصيات الفتحاوية والحمساوية بخيار الحوار والتنسيق كلها أمارات على وجود بارقة أمل ومسلك نحو التوحد وتجذير الخيار الوطني.
صحيح أن القضية الفلسطينية الآن هي في مفترق طرق وأن بوصلة القيادة قد فقدت وأن الصراع على السلطة والتمثيل بلغ أروقة الأمم المتحدة أين اعتبر ممثل الحكومة حماس ميليشيا تنشط خارج القانون ولكن الأمل يظل قائما والمشروع الوطني التحرري ماضي قدما خصوصا أمام فشل المشروع الأمريكي في العراق وفشل التوسع الصهيوني في لبنان وغزة والضفة. ومن هنا فان غياب عرفات ترك فراغ رمزي في دفة القيادة وقلل من الوزن الاستراتيجي للحقوق الفلسطينية ولكنه لم يشطب هذه الحقوق ولم يؤدي إلى إلغاء القضية الفلسطينية.
من هذا المنطلق يمكن أن نقول أن أبا عمار حي يرزق في قلوب من يناصر قضيته وأن الموت لا يغيب إلا الذين حرضوا على الكراهية والبغضاء وفرقوا بين الإنسانية الواحدة وهددوا الحياة على الأرض أما من حرص على الإصلاح والفلاح ونادي بالمؤاخاة بين الناس فهو من طينة الإنسان الكامل الذي لا يلفه النسيان ولا يطمر في العدم لا لشيء إلا كون سعيه هو الذي جعل منه إنسانا كاملا.
عرفات استشهد ولم يركع وقاوم ولم يستسلم وفاوض ولم يوقع ولا ينبغي أن يسقط خلفه غصن الزيتون بل يجب أن يغرسه في تراب فلسطين لأن هذه أرضه وهذه هويته ووطنه والوطن ليس معدا للتحويل والاستبدال، فما قيمة وطن دون دولة وما قيمة سلام دون أرض؟ أليست العرافاتية اليوم أن تتوحد جميع الفصائل وخاصة فتح وحماس حول أجندة وطنية أساسها إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني بترك كل الخلافات جانبا وبتجاوز ميراث الماضي والاستلهام من تضحيات الرموز والأبطال من الجانبين؟

#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات