|
مَن هم الرافضون للاتفاقية الامنية
سليم سوزه
الحوار المتمدن-العدد: 2471 - 2008 / 11 / 20 - 09:02
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
اغلب المقالات والكتابات التي كتبت من قبل المعارضين للاتفاقية الامنية كانت لا تخرج عن اطار الرفض الاستباقي لكل ما يأتي من الولايات المتحدة الامريكية دون النظر الى نقاط تلك الاتفاقية او المصالح التي من الممكن ان يجنيها العراق فيما لو مررها البرلمان.
فالاغلبية المعارضة لم تخرج عن حالة الفوضوية الفكرية في مواجهة الاتفاق المزمع توقيعه رغم وجود بعض من حاول سيما من الكتاب المثقفين التركيز على الجوانب السلبية منها والظهور بمظهر المنتقد لفقراتها لا لاصلها ومبدئها.
الارث الايديولوجي التاريخي والجذور الفكرية لاغلب المعارضين كانت هي الحاكمة على توجهاتهم، ومن المفيد القول بان حتى الذي حاول ان يظهر بمظهر العلمي في معارضته وانتقاده للاتفاقية، لم يكن منصفاً مع نفسه وقرّاءه حينما اعتمد لي عنق الاحداث وتشويه الوقائع التاريخية التي تخص عقد الاتفاقيات المشتركة محاولة للتأثير على ذوق المواطن العراقي واستمالته باتجاه الرفض ....
فعلى سبيل المثال اجتمع الاسلاميون المعارضون للاتفاقية الامنية مع اليساريين (وهذه ليست المرة الاولى التي يجتمع فيها الطرفان عبر التاريخ نظراً للتشابه الكبير في استخدامهما للادوات الدعائية المنشطة للديماغوجية الجماهيرية ضد كل مَن يختلفون معه) في رفض اتفاقية لا بديل لهم عنها، على الاقل في فترة الثلاث سنوات القادمة والتي ستكون المحطة الاهم في تحديد مستقبل العراق، بل والمنطقة برمتها. ولا ادري لماذا ينسون او يتناسون بان العراق هو الطرف الخاسر في الحرب الاخيرة.
نعم، العراق هو الطرف الخاسر في الحرب واميركا هي المنتصرة ومهما تفلسف بعضهم في ان السقوط كان لصدام وليس للعراق، فسوف لن يغيّر من هذا الواقع شيء، فهذا القول هو قول سفسطائي يشبه الى حد كبير تبريرات ابن اخي الصغير كلما رسب في امتحانه الدراسي ليكون لسانه حاضراً ويذكرني بعبارته المملة تلك (آني مجاوب بس المعلمة سقطتني لان تكرهني).
سادتي الافاضل .. ايها المعارضون لهكذا اتفاق:
يجب ان نعترف بان العراق قد خسر الحرب ولسنا هنا في موضع شرح من هو المعتدي او ماهي الاسباب وراء تلك الحرب، المهم النتيجة... العراق هو الطرف الخاسر. ومن حتميات المعادلة العسكرية القائمة والتي لا يمكن لنا ان نضع رؤوسنا في التراب ونتغاضى عنها، هي حصول الطرف المنتصر على بعض المكاسب والمصالح التي تخدم بلده لقاء انتصاره على الغريم كمحصلة نهائية لاي حرب، وهو ما يفرزه العقل والمنطق السليم في كل زمن وعصر. اما الطرف الآخر الخاسر في الحرب فلابد له ان يناضل وينازع المنتصر للحصول على اعلى درجة ممكنة من المكاسب والتنازلات ضمن امكاناته ووضعه المحلي والاقليمي، وهو ما فعلته الحكومة العراقية فعلاً، وقد حصلت على شيء ممتاز في مفاوضاتها، ونحن ان قلنا بفائدة توقيع الاتفاقية ذلك لاننا نعتقد بانه لا بديل عنها في هذه الفترة، خصوصاً في ظل وضع متشظي وغير مستقر، بل ربما سنشهد كارثة امنية جديدة، ان لم يصادق البرلمان العراقي على تلك الاتفاقية باسرع وقت ممكن.
عموماً دعوني اذكر فقط ما كنت قد قلته في مقالات سابقة حول الاتفاقية الامنية حيث استعرضت في آخر مقال لي عن نفس الموضوع، مواقف الكتل السياسية الرئيسية قبل ان توقع الحكومة هذا الاتفاق، فقد قطعت وجزمت بأن كتلة التوافق العراقية تتربص الموقف الحكومي الرسمي لتتخذ الموقف المعارض منه مهما كان .. لتبدو وكأنها الحريص على المصالح العليا، وفعلاً كان بالضبط ما قلناه، ففي الوقت الذي ابدت الحكومة شيء من الرفض في اطار المناورة السياسية للحصول على اعلى المكاسب في الفترة السابقة، دعمت الكتلة بشكل صريح على لسان الدكتور عدنان الدليمي التوقيع على الاتفاقية الامنية، حتى قبل تعديلها، وعدتها خطوة جيدة في طريق التخلص من القوات الاجنبية، لكن اليوم تغير موقفها وقالت بأنها ضد التوقيع، الاّ اذا اُخذت ملاحظاتها المتأخرة جداً بنظر الاعتبار ... تلك الملاحظات التي هي اشبه بالمطالب التعجيزية مثل عرض الاتفاقية على استفتاء شعبي عام، وضرورة اشتمالها فقرات تضمن التوازن الديمغرافي في الوزارات والمؤسسات الحكومية (محاصصة طائفية بلغة مؤدبة)، الى جانب قضية المعتقلين ومعارضة نقل شؤونهم وادارات سجونهم للطرف العراقي وهو ما يمس بلاشك السيادة العراقية التي يتباكون عليها امام الاعلام فقط.
القائمة العراقية برئاسة الدكتور اياد علاوي رجل (الليبرالية) العراقية المرتقبة قد دخلت هي الاخرى على خط المزايدات الوطنية، فبعد ان فرّط الدكتور اياد علاوي اثناء فترة حكمه بعيد انتقال السلطة للعراقيين نهاية فترة الحاكم المدني الامريكي بول بريمر، بالفرصة الذهبية العملاقة في التخلص من البند السابع واستعادة العراق لمكانته حينما طرحت انذاك في مجلس الامن الدولي وكان هو مَن دعا لابقاء العراق تحت هذا البند دون اي حجة مقنعة آنذاك، بل لربما الاغرب في حينها اصرار الصين وفرنسا جاك شيراك والمانيا شرويدر على اخراج العراق من تحت هذا البند واعطاء صلاحية فيتو عراقي على العمليات العسكرية الامريكية داخل حدود الدولة العراقية، لكن الرفض كان عراقياً علاوياً مفوتاً فرصة ثمينة لا تعوض اليوم في فرنسا ساركوزي والمانيا ميركل، (انظر مقالة الاستاذ صائب خليل على الحوار المتمدن: دور علاوي في فقدان سيادة العراق على العمليات العسكرية ووجوده تحت الفصل السابع، على هذا الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128701).
تصوّروا مَن اعترض على الاوربيين في محاولتهم لاخراج العراق من تحت طائلة البند السابع في الامم والمتحدة وارجاع سيادة العراق على اراضيه، هو مَن يعترض اليوم على التوقيع على الاتفاقية الامنية ويتحفظ على بنودها التي (تمس السيادة العراقية) حسب قوله!! اليس هذا التناقض المكشوف يبيّن لنا مدى رخص المعارضة العراقية الحالية واستهتارها بناخبيها وثوابتها الوطنية والاخلاقية؟ لكن لا عجب من ذلك، فالمُوقّع على الاتفاقية كان غريماً سياسياً ينتمي الى حزب غير حزب المعارضين، ولولا ذلك لطبّلت هذه الاطراف للاتفاق ولشجّعت عليه القاصي والداني.
لا استعرض موقف الكتل الرافضة لاصل الاتفاق مع امريكا فتبريراتها وحججها واضحة لاي (زعطوط) لا يفهم في السياسة، فهي لم ولن تخرج من اطار الرفض من اجل الرفض والمعارضة من اجل المعارضة، والاّ ماذا يُفسّر موقفها الحالي ضد ارقى واجلى جدولة انسحاب ممكن ان تتضمنها اي اتفاقية بعد ان كانت تطالب هي بجدولة شكلية حتى ولو بعد عشرة سنوات.
احمد الجلبي هو الآخر وصلت به حساباته الشخصية وتقديراته الخاطئة ان يركب موجة المعارضة للاتفاق، ربما بسبب سوء علاقته بالادارة الامريكية وحربه الاخيرة ضد جهاز المخابرات العراقي .. ولكي نكون منصفين مع انفسنا اولاً، لابد لنا ان نذكر بان الرجل في تصريحاته الاخيرة وهو خارج من بيت آية الله السيد السيستاني في النجف الاشرف كان اكثر اتزانا وواقعية، حيث شدد على ان المفاوض العراقي قد حصل على اعظم ما يمكن الحصول عليه من الولايات المتحدة الامريكية، وهو لعمري تبدل ب 180 درجة عن ما كان يقوله في السابق .. مَن يدري ربما لانه استطاع مؤخراً ان يستشف توجه السيد السيستاني، فبعضهم وللأسف لا يمكن له ان يفهم بسهولة ايحاءات المرجعية في الموافقة (رغم وضوحها جداً)، الاّ بعد ان يلتقيها وجهاً لوجه، ليقرر بعدها فيما اذا كان ضد او مع ميولها وارادتها.
اما الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني فقد حسما امرهما بالتصويت على الاتفاقية الامنية وتخليا اخيراً عن عقدة ما تسمى (بالسيادة) التي تسبّب ارقاً كبيراً للكثير من السياسيين، لا اعرف لماذا؟ هل ان السيادة المنقوصة في اليابان حالت دون تقديم نموذج لدولة عملاقة ومسيطرة على الاقتصاد العالمي مثلما هي اليوم! دولة تسلسلها الثاني على العالم اقتصادياً بعد الولايات المتحدة الامريكية في قائمة الدول الثماني الصناعية الكبرى. اما المانيا ورغم عشرات القواعد الامريكية والحصانة العسكرية للجنود الامريكيين على ارضها، فهي تتربع على قمة عرش الدول الصناعية الكبرى في عدد غير قليل من الصناعات العملاقة خصوصاً في مجالات الآليات الضخمة والصناعات الثقيلة، فهل من تأثير يذكر لهذه القواعد على الاقتصاد الالماني او على قرارتها السياسية!! وهناك الكثير من النماذج الاخرى التي لا تتسع المقالة لذكرها باجمعها.
انا اعتقد ليس من مصلحة العراق ان يرفض البرلمان هذه الاتفاقية وكفانا تذكيراً بأن مَن يرفضها اليوم هو مَن له الذراع الاطول في العبث بأمن العراق واستقراره خصوصاً الجارتان ايران (الاسلام) وسوريا (العرب)، اذ ليس من المنطق والحكمة ان نتجاهل الدعوات المعتدلة حتى من قبل بعض شخصيات هذه الدول نفسها التي ايّدت التوقيع واعتبرت الاتفاقية في صالح الشعب العراقي .. ففي ايران صرح آية الله السيد محمود الشهرودي رئيس السلطة القضائية في ايران وهو مسؤول رسمي رفيع بان نسخة الاتفاقية الحالية في صالح الشعب العراقي، مخالفاً بذلك التصريحات الرسمية التي تصدر من افواه سياسيي ايران مثل رئيسها احمدي نجاد وعلي لاريجاني وغيرهم، التي تعتبر الاتفاقية وصمة عار على العراق. طبعا لا عجب من موقف الشهرودي العراقي الاصل والذي كان في صفوف المعارضة العراقية الاسلامية لنظام صدام آنئذ، اذا عرفنا بانه يترجم حالة من الاختلاف في رأي ايران السياسية وايران الدينية، فعين الشهرودي لم تبتعد عن مرجعية النجف السيستانية مخالفة ً بذلك السياسة الايرانية التي يرسمها فقهاء الولاية العامة والتي تبنى بالدرجة الاساس على مصالح الدولة الدينية القومية في ايران.
لقد مرّرت الحكومة العراقية الاتفاقية الامنية بالاغلبية الساحقة، فهل سيمررها البرلمان؟ هذا ليس ببعيد، اذا ما وضعت الكتل جميعها مصلحة العراق فوق مصالحها الحزبية والفئوية.
#سليم_سوزه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتفاقية الامنية وتردّد الكتل السياسية
-
لماذا يخالف السيستاني الاجماع في مسألة العيد
-
يالها من طامّة، الفيليّون محجوزون سياسيون وليسوا سجناء سياسي
...
-
ايّهما انتصر، اسلاميو 11 سبتمبر ام الامريكيون
-
هل تخلّى المجلس الاعلى عن فيدرالية الوسط والجنوب
-
رجال الثقافة، موهيكانز مهدّدون بالانقراض
-
نقطة نظام
-
منظمات المجتمع المدني في العراق
-
خطوة جيدة
-
الجمهورية الموريتانية الانقلابية
-
الخيار الجديد لجيش المهدي، خطوة متأخرة جداً
-
كركوك (قدس) كوردستان ام (كشمير) العراق؟
-
انقذوا النساء
-
قريباً البشير على طريقة صدام
-
(اتصالنا) نموذج آخر للنصب والاحتيال
-
نكتة (الحسم) مرة ً ثانية
-
الحريري في بغداد
-
اين هم معارضو الاحتلال الامريكي؟
-
يهودي في مؤتمر سعودي
-
هل باع المالكي العراق لتركيا؟
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|