|
ابناء الاقليات الدينية في العراق واشكاليات ممارسة حلف اليمين ( القسم )
عربي الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 2471 - 2008 / 11 / 20 - 09:07
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
( اقسم بالله وبكتابه هذا ان اخدم وطني ومليكي والوصي على عرش مليكي خدمة صادقة في الجو والبري والبحري وان امتنع عن تنفيذ امر مخل بالقانون ... والله ) هذه هي صيغة القسم التي يجب ان يؤديها خريجو طلبة الكلية العسكرية ايام الحكم الملكي ، لكي يمنحوا الرتبة العسكرية وان يكونوا ضباطا بالجيش العراقي برتبة ملازم ثاني . لقد كان من نصيبي انا الصابئي المندائي ان اواجه هذا الاشكال يوم تخرجي من الكلية سنة 1949 ، والحقيقة انا شخصيا لم يخطر ببالي هذا الموقف المحرج ، بقدر ما هو موقف محيًر ومهم غاية الاهمية بالنسبة لؤلئك القادة المسؤولين آنذاك في المعهد المذكور هكذا كانوا يتصورون !! . في اليوم المعين والساعة المعينة حضر الوصي عبد الأله ونوري السعيد رئيس الوزراء ومزاحم الباجه جي وزير الدفاع مصحوب بكبار موظفي وزارة الدفاع واقسامها المختلفه الحركات ، الاستخبارات ، الاداره وغيرها كذلك حضر معظم قادة الجيش ، والوزراء الاخرين ، والضيوف الاجانب من سفراء وملحقين عسكرين كما حضر مراسلو الصحف لهذا الحفل وخصيصا بهذه المناسبة بالذات !! ، هذه المناسبة التي كان لها وقع وطابع مميز اشبه بالتحدي ، ذلك لتزامنها ووقف اطلاق النار في حرب فلسطين ونكبة الجماهير العربيه ، والمتمثل بانسحاب الجيوش العربيه من جبهات القتال ومن ضمنها القطعات العراقيه بمعنويات بائسه مهزوزه تشعر بالانكسار والهزيمه وقد خيبت امآل الجماهير العربيه في كل مكان ، لم يكن ذلك قصورا من القطعات بتأدية واجباتها القتاليه ، بل جراء سياسة حكام العرب العميله والمرتبطه عضويا بسياسات ومصالح الدول الاجنبيه ، وعلى رأسها الحكومه البريطانيه آنذاك الضامنه لآقامة الدوله الاسرائيليه . وبعد ان اصطف الطلبة الخريجين منتسبي الصف المتقدم ( كما كانوا يسمونه ) للدوره 25 والصفان المتوسط والمستجد في الحديقة الوسطية لمبنى الكلية الكائن في الرستمية جنوب معسكر الرشيد على نهر ديالى . وكان الجميع جاهزين لبدء المراسيم وتأدية حلف اليمين المقرر الا ان اجراءآت مراسيم التنفيذ قد تأخرت وطال الانتظار ؟ مضت عشرة ، عشرون، ثلاثون دقيقة ولم تبدأ الاحتفالات ، وبدأت الهمهمة واللغط والتساؤل بين الطلبة وبين الحضور انفسهم ، ولا احد يعرف السبب حتى نودي عليً ، فحضرت انا المسكين ابن الخايبه امام العقيد الركن عبد الوهاب ..... معاون آمر الكلية ومعه آمر السرية الرئيس الاول ( الرائد ) رشيد مصلح التكريتي والرئيس الاول احمد حسن البكر التكريتي والعقيد الحقوقي عبد الخالق الدروبي مدير الدائره القانونيه لوزارة الدفاع ، وحال وقوفي امامهم فاجأني آمر السرية سائلا اين كتابكم ؟ فقلت له اي كتاب تقصد يا سيدي ؟ و بعد تكرار السؤال مره واثنتين ، عرفت مقصده اذ هو يعني الكتاب المقدس للصابئه المندائيين حيث لم يرد بخلدي حتى تلك اللحظه ان القضيه تشكل خطورة بهذا الحد !! . فأجبته يا سيدي الكتاب لدى رجال الدين وليس معي . فقال قل لي كيف نحلفك اليمين ؟ فقلت له يا سيدي احلف لكم بالله ألا يكفي ذلك ؟ او أليس هو لكل البشر والمؤمنين به !! . و كان هناك كتابين مقدسين موضعين على الطاوله الاول القرآن والثاني الانجيل ، فقال يؤيده في هذا الرئيس الاول احمد حسن البكر آمر صنف المشاة للدوره ، لا ! نريد منك كتابكم تضع يدك عليه وتؤدي القسم ... فطلبوا حضور مدير ادارة وزارة الدفاع فحضر الرئيس الاول مدحت السيد عبد الله وكيل المدير ، واشترك معهم بالحديث والنقاش الذي ما انفك دائرا ، وانا واقفا بحالة الاستعداد كما يقضي الضبط العسكري ، وكأني شخص مذنب مرتكبا جرما تجري محاكمته ، او شخص غير مرغوب به هكذا كنت اشعر حينها ، وبعد الجدل والنقاش الذي جرى بين المجتمعين وموقف الضابطين المتصلب ، وحلا للأشكال اقترح مدير الدائره القانونيه .. ان يؤدي جميع الطلبة الخرجين القسَم المطلوب بشكل جماعي ويرددون معا صيغة القسم ، برفع اليد اليمنى لكل منهم فقط . وهكذا جرى حل عقدة حلف اليمين بعد ساعة من الزمن من نقاش حاد وجاد ، وانتهى الموضوع الشائك بالنسبة لتلك العقول المتحجرة والتعنت الطائفي البغيض . علما باني الوحيد من ابناء الديانات غير المسلمة المنسوب لتلك الدورة ، البالغ عددها مائة وخمسة ضباط بعد ان جرى اعتقال وسجن الطالب المسيحي طيب الذكر يوسف اسكندر بتهمة انتماءه الى الحزب الشيوعي العراقي ، كما فصل في حينه الطالب اليهودي المدعو سلمان داود من الدورة ليهوديته ، بعد ان التحق بها مدة ثلاث شهور ، حيث كان موضع الازدراء والمحاربة والمعامله الجائره التي عومل بها هذا الانسان سواء من الطلبة انفسهم يقودهم حردان عبد الغفار التكريتي الذي كان طالبا معنا بنفس الدوره ، او من كادر الكلية ابتداء من آمرها وباقي الضباط وعلى رأسهم الرئيس احمد حسن البكر ، والرئيس جاسم التكريتي الذي قتل في حرب فلسطين سنة 1948 وغيرهم من الضباط ، ممن كان يحمل الشعور القومي المتطرف ، كما لن انسى ابدا مقدار ما تعرضت له انا شخصيا من ضغوط وتجاوزات من هؤلاء الناس انفسهم ، وكأني لست مواطنا عراقيا مخلصا امينا لتربة هذا الوطن .
الحقيقه انا لا اعرف اصل نشؤ ممارسة حلف اليمين لأول مرة في التاريخ الانساني ؟ ومن قبل من ؟ وهل هو عرف وتقاليد انسانيه متواتره وموروثه ام هي نصوص دينيه موثقة وثابته شأنها ِشأن الاحكام الشرعية ؟ الا اني ارى شخصيا وكما اعتقد ، ان القسم ممارسه تقترن بتصرفات الانسان وسلامة وصدق موقفه مع نفسه اولا ، ومع الغير ثانيا ، عن طريق الترابط والتعامل المادي والمعنوي ، وهي تدخل في خوالج ذاته وتفاعلات ضميره ووضعه النفسي لأتخاذ قرار معين من قضيه معينه ، وان قرارات الانسان لابد وانها متأثرة جذريا بثقافته واعتبارات اجتماعيه واخلاقيه تربويه ودينيه ايضا ،ودرجة وعيه وتمييزه بين ما هو صالح وما هو طالح وما بين الخير والشر ، ومدى ثقته بنفسه والتزاماته تجاه الغير والمجتمع وايمانه بعدالة قضيته وقناعته بموقفه المتخذ بشأنها ...
واعود واقول للقارئ الكريم من المفارقات المؤلمه ان تعرف ان بعض هؤلاء الضباط قد حنثوا إيمانهم هذا يوم ثورة 14 / تموز سنة 1958 التي قامت ضد الحكم الملكي والتي بسببها قتل الملك وهم كل من احمد حسن البكر ورشيد مصلح ومدحت السيد عبد الله وآخرين وتكرر ذلك بكل الانقلابات المتتاليه في ما بعد كما هو معروف !! لقد شاءت الظروف مرة اخرى ان اتعرض لنفس الاحراج عندما طَلب مني تأدية القسم امام رئيس محكمة استئتناف الرصافه- بغداد حتى يُقبَل انتمائي الى نقابة المحامين لمزاولة مهنة المحاماة سنة 1976 إلا ان حكمة وحنكة وسعة ادراك ذلك القاضي الفاضل رئيس المحكمة ، جعلته ان ينهي الموضوع بكل ادب وتصرف محترم جرى من قبله وبسرعة دون المساس بمشاعر المقابل ، حينما عرف اني صابئي مندائي ، واكتفى بالصيغة التالية ( اقسم بالله وبمقدساتي ان اؤدي واجبي بامانه واخلاص واحترم القانون والتزم بشرف مهنة المحاماة والله .....الخ . وانتهى الموضوع بسهولة متناهيه . الحقيقه انا اجهل كيف يؤدي الفرد من غير المسلمين والمسيحين حلف اليمين ، واقصد تحديدا الاخوه من الايزيدين العراقيين امام الجهات ذات العلاقه وساحصر موضوعي بالمندائيين فقط .
من تجربتي الشخصيه ومن خلال ممارستي مهنة المحاماة ، اطلعت عن قرب على اجرائآت المحاكم وتعاملها مع قضايا ابناء الصابئه المندائيين المعروضه امامها ، ففي حالة طلب حلف اليمين من احدهم كان القاضي يشعر بالاحراج ، وفي كثير من الاحيان يقوم بوضع صيغة القسم بجمل عامه كقوله ( اقسم بالله وبمقدساتي ... الخ )، ومن ثم اصبح الامر ان يصار الى محكمة الموضوع ان تكتب الى رئاسة مجلس الروحاني لطائفة الصابئه المندائيين ، لجلب كتابهم المقدس ( الكنز ربا ) الى المحكمه المذكوره لهذا الغرض ، وفي اليوم المعين يحضر احد رجال الدين وهو يحمل الكتاب ، وبه تجري ممارسة حلف اليمين من قبل الفرد المعني تحت اشراف المحكمه وبحضور رجل الدين وفق الصيغه المثبته سلفا . وبعد تشكيل المحكمه الشرعيه المندائيه سنة 1994 بامر وزاري وليس بتشريع قانوني ، بما يسمى ( التعليمات الداخليه ) اصبح تأدية القسم من اختصاص هذه المحكمه ، وعلى ان تٌرسَل الدعوى بعد حسمها الى محكمة المواد الشخصيه ( محكمة البداءه ) لغرض التصديق ، حيث تبقى الولايه القضائيه والاختصاص الوظيفي لهذه المحكمه الاخيره ، ولقاضي هذه المحكمه الحق باتخاذ اي اجراء قانوني بحقها تصديقها او ردها لذات المحكمه لأعادة النظر فيها مجددا وكما يترآى له ذلك .
ومن المعلوم ان القسم او حلف اليمين يقع على ثلاثة انواع 1 - اليمين الحاسمه 2 - اليمين المتممه او الغموس 3 - اليمين اللغو وللعلم ايضا ان تأدية القسم من قبل ابناء الطائفه المندائيه يعتبر من كبائر الخطايا سوى كانت لصالح المحَلف او ضده ، وكثيرا من الاحيان ما يعزف هذا الشخص عن اليمين درءأ لأرتكاب الخطيئه وبها يخسر دعواه .
وحيث ان النوع الاول من انواع اليمين كما يتضح من تسميتها حاسمه ، تُنهي الخصومه بالدعوى ايجابا او سلبا وفق مجريات اداءها بموجب القانون ، وعليه يصبح امر القسم امرا مهما وفاعلا ومؤثرا ، وكان على المحكمه لتحقيق العدل ان تتبع تقاليد وحيثيات اداءها وفق عقيدة المتداعيين دينيا ، وهنا ابين وجه الخطأ والصحيح بالنسبة للمحكمه المختصه والى طائفة المندائين انفسهم ، وهي لا يمكن ان يأخذ الحلف كامل ابعاده واوصافه الدينيه المعتبره لدى المندائيين وفق نصوص الدين ، الا اذا قام المحَلًف منهم ببعض اجراءآت تحضيريه ، ولكي يؤدي اليمين عليه ان يصطبغ ( يتعمد بالماء الجاري ) على يدي رجل الدين المندائي ، ومن ثم يؤدي القسم وهو مرتدِ لباس التعميد الخاص ، وبما يسمى ( الرسته ) وان ما يحصل حاليا لا تقره الشريعه المندائيه ، وهو امر تعجيزي وصعب لأطرافه المعنيه وللمحكمه ايضا ! امور مهمه تتعلق بموضوعنا هذا وهي ان شهادة المرأه المندائيه تساوي شهادة الرجل المندائي تماما ، وان كافة حقوقهما الاجتماعية والدينيه والاحوال الشخصيه بالميراث والوصيه والايصاء وما يتعلق بحضانة الاطفال ورعايتهم كلها متساويه ايضا ، وهذا الوضع يتقاطع واحكام الدين الاسلامي ، وما جاءت به القوانين الوضعيه العراقيه التي اخذت نصوص احكامها من الشرع الاسلامي وعلى هذا المنوال لا تقبل شهادة المندائي على المسلم اما القضاء العراقي خاصة بما يتعلق بالاحوال الشخصيه وغيرها من الاحكام القانونيه وهي اهانه مبطنه بحق ذات الانسان وكرامته والتي تضر تطبيقاتها ضررا بليغا بحقوق ابناء الطائفه المندائيه وهناك امور كثيرة لا يسع المجال لتداولها حاليا والسلام
#عربي_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحركات القنصليه الامريكيه بالبصره بعد ثورة 14 / تموز مباشرة
...
-
القسم الثاني ....... تحركات القنصليه الامريكيه في البصره بعد
...
-
تحركات القنصليه الامريكيه في البصره بعد ثورة 14 / تموز مباشر
...
-
العراقيون المندائيون بخير ! بس عايزهم الحام والطعام
-
الى / الكاتب السيد مصطفى القره داغي وعلى هامش مقالته ( مجزرة
...
-
وقائع قصر الرحاب يوم 14 / تموز
-
ليلة القبض على العقيد الركن عبد الغني الراوي
-
المرأة المندائيه حررها الدين المندائي وظلمها المجتمع
-
انا والقائد الكردي الخالد المرحوم ملا مصطفى البارزاني
-
يخت صدام حسين ويخت الملك فيصل الثاني
-
ايها المندائيون ناصروا المظلوميين .. ! ويقينا سيناصرونكم غدا
-
ايها المندائيزن وقعوا
-
هل للاقليات مصلحة قي تقسيم ا لعراق ؟
-
خذوا الجنة ... خذوها ... ودعونا نعيش ....!
-
اطلقوا حرية المرأة لتبدع ..!!
-
يوم المثقف العراقي .. والمواقف الخجوله
-
ردة الثامن من شباط /1963 ومذكرات السياسي التقدمي المحامي الق
...
-
الصابئة المندائيون ومنجل اصويحب
-
خطاب موجه الى النسوة البرلمانيات العراقيات بمناسبة حلول عيد
...
-
أليس من حقي المطالبة بحقيبة وزارية ؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|