|
اتفاقية نيفاشا : الحصاد ومسار التنفيذ
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2471 - 2008 / 11 / 20 - 10:03
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كان توقيع اتفاق نيفاشا للسلام انجازا مهما أوقف نزيف الحرب بين الشمال والجنوب الذي استمر لحوالى 22 عاما ، وفتح الطريق لمواصلةالصراع من اجل التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وتوحيد البلاد على اسس طوعية ، ورفع المظالم والضرر الذي لحق بالمواطنين خلال السنوات الماضية ، وأهمهااستعادة حقوق الالاف من ضحايا الفصل التعسفي من العمل من المدنيين والعسكريين . المتابع لحصاد ومسار تنفيذ اتفاقية نيفاشا حتى الآن ، يلحظ انه تم تنفيذ الهياكل الحكومية والدستورية التى اشارت لها الاتفاقية مثل اجازة الدستور الانتقالي لعام 2005 م ، تعيين النائب الاول والثاني ، تكوين حكومة الوحدة الوطنية ، المجلس الوطني ، مجالس الولايات ، نائب رئيس حكومة الجنوب ، المجلس التشريعي الانتقالي لجنوب السودان ، الدستور الانتقالي للجنوب ، دساتير الولايات ، حكومات الولايات ، بعثة التقديرات المشتركة JAM ، صندوق المانحين ، المفوضية القومية للبترول ، مفوضية التقويم ، المفوضية السياسية لوقف اطلاق النار ، المفوضية القومية للخدمات القضائية ، المحكمة الدستورية ، مجلس ادارة بنك السودان ، اصدار العملة الجديدة ، ..... الخ . ولكن مسار التنفيذ حتى الان يتعلق بالشكل لاالجوهر ، لأن الركائز الأساسية التى قامت عليها اتفاقية السلام لم يتم فيها شئ مثل التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات التى تتعارض مع الدستور الانتقالي ، ويعتبر ذلك جزءا هاما من اتفاقية نيفاشا ، كما جاء في الفقرة ( 2 – 15 ) من بروتوكول مشاكوس ( التحول الديمقراطي يعنى الانتقال بالسودان الى حكم يفسح المجال لكل القوى السياسية وينهى كل مظاهر الشمولية خلال فترة انتقالية يحكمها دستور يصون الحقوق الانسانية والسياسية لجميع شعب السودان ، وتم تضمين ذلك في الدستور الانتقالي ). ومن القضايا الجوهرية الثانية والتى تعتبر ركيزة هامة لنجاح الاتفاق معالجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي وتحسين احوال الناس المعيشية ، وهذا المطلب مازال بعيد المنال ، رغم النص عليه في اتفاق نيفاشا الفقرة ( 2 – 5 – 1 ) والذي جاء فيها : ( ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام ، بل ايضا بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية التى تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني ) . ويعتبر هذان مطلبان أساسيان للجماهير ، فبدون تحقيقهما يظل الاتفاق منقوصا ،بل تدهورت الاوضاع المعيشية ولم يعد المواطنون في الشمال والجنوب يحسون بعائدات السلام في التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية والخدمات. صحيح أن الاتفاقية اوقفت الحرب التى استمرت لاكثر من 22 عاما ، وهذا شئ ايجابي ، ولكن السؤال ماهى ضمانات استمرارية السلام ؟ أول هذه الضمانات تنفيذ الاتفاقية وماجاء في وثيقة حقوق الانسان في الدستور الانتقالي ، وانجاز التحول الديمقراطي بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتى تتعارض مع الدستور الانتقالي . ثانيا : توفير احتياجات الناس الأساسية في الشمال والجنوب ( التعليم ، الصحة ، الخدمات ، تحسين الاوضاع المعيشية ، ... الخ ) ثالثا : شمول الاتفاقية لتشمل كل مناطق السودان الاخرى ، وعقد المؤتمر الجامع للانتقال من الثنائية الى الحل الشامل . رابعا : التنمية التى تجعل الناس يحسون بأن تغييرا حقيقيا تم في حياتهم . بدون تحقيق هذه الاضلاع الاربعة ، سوف يستمر تدهور الاوضاع ،والتى قد تؤدى الى تجدد الحرب مرة اخرى ، وتتكرر تجربة انهيار تجربة اتفاقية اديس ابابا والتى كان من اسبابها الثنائية ، عدم التحول الديمقراطي ، تدهور الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب . صحيح أن اتفاقية نيفاشا محاطة بضمانات دولية كثيفة ، ولكن العامل الحاسم الضمانات الداخلية التى تمثلها الاضلاع الاربعة المشار اليها سابقا . اذا تأملنا في حصاد الأعوام الثلاثة الماضية من مسار تنفيذ الاتفاقية ، نلاحظ استمرار المؤتمر الوطني في نهجه الشمولي، فحتي كتابة هذه السطور مازالت القوانين المقيدة للحريات سارية المفعول رغم أن الانتخابات اصبحت علي الأبواب، والتي لايمكن قيامها وضمان نزاهتها في ظل مصادرة الحريات، ومازالت انتهاكات حقوق الانسان مستمرة مثل: اطلاق النار على المظاهرات السلمية : البجا في بورتسودان ، امرى ، الطلاب ، قمع المظاهرات السلمية ضد الزيادات في الاسعار وموكب المفصولين ، كبت حرية التعبير والرقابة على الصحف ، قمع احتجاجات المواطنين في مناطق السكن العشوائي على الازالة غير الانسانية لمساكنهم ، ..... الخ . تدهور الاوضاع المعيشية ويتجلى ذلك في ميزانية الأعوام: 2006 ، 2007 ، 2008م والتى تم فيهما افقار الشعب السوداني ،وهذا ومن المتوقع أن يزداد الرهق والضنك مع الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط مما يشير الي المزيد من الأعباء علي الجماهير، اضافة للزيادات في الاسعار والجبايات وعدم دفع استحقاقات العاملين ، وكان من نتائج ذلك موجة الاضرابات الواسعة للعاملين والموظفين والمعلمين والتجار واصحاب البصات السفرية ، كما واصلت السلطة حملات تشريد العاملين واساتذة الجامعات بعد القرار التعسفي بالاستغناء عن الاساتذة الذين بلغوا سن ال65 عاما . كما استحكمت حلقة الازمة مع المجتمع الدولي بسبب ازمة دارفور وتسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ، وانهيار اتفاق ابوجا التي رغم المصفوفة الجديدة بعد خروج مناوي من السلطة الا انه لم يحدث شيئا جديدا في مطالب اهل دارفور واهمها مطلب الاقليم الواحد ورجوع النازحين الي أراضيهم وتعويض المتضررين..الخ. كماتعثر تنفيذ اتفاق الشرق والذي شانه شان الاتفاقات السابقة تحول الي وظائف ولم يتم شئ علي الأرض فيما يتعلق بمطالب اهل الشرق في الخدمات(التعليم الصحة، التنمية...الخ) ، وعدم تنفيذ اتفاق القاهرة . اضافة لمقاومة متضررى سد مروى ومطالبهم بالحلول العادلة لقضيتهم ، مقاومة معارضي سد كجبار في اقصي الشمالية ، ونهوض كيان الوسط ، وكيان كردفان للتنمية من اجل تحقيق مطالبهم العادلة في التنمية واقتسام السلطة والثروة ، وانفجار الاوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وشكوى الحركة الشعبية من تهميشها في الشراكة مع المؤتمر الوطني، حتي جمدت عضويتها في الحكومة المركزية، وحتي بعد النوصل الي مصفوفة جديدة لم يتم حل المشاكل العالقة، كما تدهورت الاوضاع في جنوب كردفان نتيجة لخلافات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، حتي حذر تقرير مركز الأزمات الأخير من تحول كردفان الي دارفور اخري. كما أن المؤتمر الوطني مازال يعرقل تنفيذ الاتفاقية ، حتى الآن لم يحرز اى تقدم في موضوع ابيي والتي وصلت حد الانفجار حتي تم الاتفاق الأخير بين الحكومة والمؤتمر الوطني والذي مازال متعثرا،هذا و تعتبر ابيي المحك لنجاح الاتفاقية ، ونتيجة لذلك ظلت ابيي بلا أية شرطة رسمية أو خدمات صحية أو طبية عامة ، كما ظل الطرفان ( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ) غير متفقين حول وضع المفوضية القومية للنفط ، كما أن حساب عائدات البترول وتوزيعها يفتقر الى الشفافية المطلوبة لضمان عدالتها ودقتها . وماتزال مسألة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب دون حل . كما أن اللجنة السياسية لوقف اطلاق النار لم تحل حتى موضوع من المواضيع التى احالتها اليه اللجنة العسكرية لوقف اطلاق النار . ( الايام : 26 / 9 / 2006 ) . كما تدهورت الأوضاع في دارفور حتي وصل الأمر الي قرار المدعي العام بتوجيه اتهام لرأس الدولة بارتكاب جرائم حرب واحالة الاتهام الي المحكمة الجنائية الدولية للبت فيه وبالتالى ، فان الخطر على الاتفاقية اصبح واضحا من المؤتمر الوطني الذي يتحمل المسئولية الاساسية في عرقلة التنفيذ ، وهذا وضع يهزم كل الوعود التى بشرت بها الاتفاقية في التحول الديمقراطي والوحدة الجاذبة ، والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية . واذا استمرت الاوضاع بتلك الحالة والتى تم فيها افراغ الاتفاقية من محتواها ، فان مستقبل الشراكة يصبح قاتما ، مما يتطلب مواصلة النهوض الجماهيري من اجل انتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل لأزمة دارفوروبقية اقاليم السودان واقامة انتخابات حرة نزيهة تسدل الستار علي مهزلة الشمولية واستعادة الحقوق والحريات الديمقراطية وتحقيق التنمية المتوازنة باعتبار ذلك الشرط لوحدة وازدهار البلاد .
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني
-
قراءة نقدية في كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني
-
تقويم نقدي لتطور عملية بناء الحزب الشيوعي السوداني(1946-1989
...
-
ماهي دلالات فوز باراك اوباما؟
-
الرقابة علي الصحف في السودان
-
تجديد البرنامج
-
الحركة النقابية السودانية وانقلابي 25/مايو 1969 و19/يوليو/19
...
-
تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان(سلطنة دارفور نموذجا)
-
الذكري ال 91 لثورة اكتوبر الاشتراكية
-
تحالف الفونج والعبدلاب: الخصائص والدوافع(1504- 1821)
-
بعض الملاحظات الأساسية علي مشروع التقرير السياسي - الحزب الش
...
-
الأزمة المالية وضرورة استعادة الثقة في الاشتراكية
-
تجربة في الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم
-
الحزب الشيوعي السوداني والمثقفين
-
الأزمة المالية واعادة اكتشاف ماركس(2)
-
الأزمة المالية ونقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية
-
السودان: برنامج اسعافي لوقف التدهور
-
من تاريخ صحافة الحزب الشيوعي السوداني
-
ملامح من التفكير الفلسفي العلمي في الثلاثينيات
-
أسباب وطبيعة الثورة المهدية في السودان(1881- 1885)
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|