مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 2469 - 2008 / 11 / 18 - 10:11
المحور:
حقوق الانسان
انها عقوبة بشعة همجية تعاقب الجمهور قبل الجاني وهو يشاهدها مرغماً في الأماكن العامة , وإيذاء مباشر للشعور الإنساني إلا إذا كان المتفرج مصاباً بداء السادية ويتلذذ بعذابات الآخرين .. عقوبة من العصر الحجري عفى عليها الزمن والعدالة الحقيقية تأبى أن يعاقب الآخرين أيضاً وهم أبرياء .. انه إيذاء شعور الآخر واستيائه وهو يلقي النظرة على منظر التعذيب الجسدي لأي إنسان حتى لو كان مجرماً .. فالعقوبة وفي عصرنا هذا يجب أن تُدرس جيداً قبل إيقاعها على الجاني وأن لا تتعداه إلى الآخرين الأبرياء .. ثمّ ماهذا التصرف التخلفي أن تجرّد إنساناً وتسلخ جلده لسعاً بالسوط في ساحة عامة وعلى مرأى من الأبرياء .. هل خلت الدنيا من عقوبات تماشي التقدم والحضارة ولا ترجع بنا مئات الأعوام إلى عصر الظلام .. وهذا ما يحدث اليوم عند قضاة الجلد في السعودية وبنسخة وهابية .. طبيب أخطأ .. يمكن ذلك .. ونقابات الأطباء في كل الدول وفي نظامها الداخلي لاحظت ذلك ووضعت عقوبات لكل مخالفة ووفق جسامة الخطأ .. وفي القضاء
( غير قضاء الجلادين) هناك أيضاً عقوبات بالحبس .. ولكن بعيداً عن أعين الجماهير كما تحافظ على إنسانية هذا الإنسان الذي أخطأ ’ وكم كان حكيماً عيسى ابن مريم حين قال : ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ...؟!
ومن هو هذا الإنسان المعصوم عن الخطأ .. ومنه فإن القاعدة الفقهية الكلية تنادي بتبدل الأحكام بتبدل الأزمان فعقوبة جز الرؤوس والحرق وسلخ الجلود وبتر الأطراف والجلد العلني والخوزقة عقوبات وحشية همجية لم تعد تواكب التقدم والعصرنة ورقي مفهوم الإنسان والإنسانية ووقع العقوبة وتأثيرها على الجاني وعلى المجني عليه وعلى المواطنين عموماً بل ان هناك مؤسسات متخصصة وأكاديميات تبحث في العقوبات ونوعيتها وانعكاساتها وجدواها ، فالعفو من شيم الكرام كما يقولون .. وقد كان معمولاً به ولا زال حتى اليوم في السعودية في جرائم القتل حيث يمكن أهل القتيل أن يعفوا عن القاتل وينجو من عقوبة الإعدام وفق مبدأ – النفس بالنفس – والمثير للغرابة والتساؤل انه في عقوبة الزنى وفي حال ثبوتها لا عفو فيها حتى في حال المسامحة والعفو مع أن مكان الجريمة الأولى المعفو عنها روح بشرية مقدسة ومطرح الجريمة الثانية أداة تناسلية وليست أغلى وأثمن من روح إنسان ... المهم ان جريمة الطبيبين المصريين على ما فهمنا هو إعطاء وصفة طبية لعلاج يحتوي مخدر اعتادت عليها المريضة .. وهذه الجريمة وعلى فرض ثبوتها.. يمكن معالجتها بإخضاع المتعاطية إلى علاج مبرمج ولا يدعو إلى 1500 جلدة بمعدل مئة جلدة كل عشرة أيام وعلى مرأى من الجمهور .. مع العلم أن خطأ هذا الطبيب ان كان مقصوداً يعاقب من قبل نقابة الأطباء بطرده ومنعه من مزاولة مهنته .. وهذه العقوبة أشد إيلاماً للجاني ..ومسايراً لمسيرة الزمن ولروح العدالة وقد يجد الارتياح العام عند الجمهور ولا ينعكس سلباً عليها , فالعقوبات أيضاً تخضع لاعتبارات التخلف ورقي المجتمع وثقافته ..؟
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟