أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - التطرف















المزيد.....

التطرف


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 2468 - 2008 / 11 / 17 - 03:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن أخطر تطرف هو الاعتقاد الجازم بأن الحقيقة مطلقة وأنها كلها في ملكية فئة معينة دون غيرها، وأن أصحاب الآراء المغايرة عصاة مذنبون ينتمون إلى حزب الشيطان، وهو اعتقاد خاطئ يؤدي إلى التعصب، ويخلق آليات الإلغاء وعدم الاعتراف بالآخر.ومن المسلم به أن المصطلحات عندما تشيع ويكثر استخدامها في الكتابات والمناجزات الفكرية على كل المستويات و خاصة حينما توظف لأغراض إيديولوجية وحيدة الاتجاه، كثيرا ما يتعرض محمولها المفهومي إلى تحريف أو تحويركالذي لحق بمفهوم عدد من المصطلحات من بينها (الحداثة والديموقراطية والتطرف والعقلانية والعلمانية)، فالخلط بين العلمانية والكفر مثلا، واستخدام أحد المفهومين محل الآخر عمدا وبسبق إصرا، لمدالسة للحقائق، وتشويش للأفكار. وكما هو معروف فإن الأوضاع الفاسدة تطرد الأوضاع الصالحة وتحل محلها، كالعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة بعد تداولها وشيوع استعمالها بين الناس .
فحين يتحدث أقطاب التطرف عن الحداثة والديمقراطية أو العلمانية، يلذ لهم أن يعتبروها غولا رهيبا ينهش عقيدتنا وأخلاقنا، وكل ما هو صالح في كياننا، وهم باستمرار يساوون بين العلمانية والكفر والإلحاد والزندقة، دون فهم دقيق وعميق لطبيعة المصطلح ومعانيه الحقيقية، حتى غدا أبسط شيوخ النقل الببغائي، والفتاوى المتدهورة، وإعادة المقولات الباهتة ـ وأكثرهم أميون لا يرون حولهم إلا المعاصي المفضية إلى النارـ يعتبرون أنفسهم حماة الدين وأوصياءه وأن الإمساك بمصائر العباد من حقهم الإلهي؛ فيبيحون لأنفسهم إصدار الأحكام القطعية دون وعي نافذ، فينعتون بالعلمانية كل من خالفهم الرأي، فإما تابع صاغر فمقبول رضي، وإما مختلف فمرفوض مغضوب عليه علماني ملحد كافر.
فليس الأخطر في راهن مجتمعنا هو هذه الذهنية المتطرفة المتخلفة التي يحمل أصحابها في عروقهم عقدة الأقليات ويعيشون أزمات علائقية يحتل التنافس والتناحر و الإلغاء فيها أهمية وحيزا كبيرا يدفع بهم إلى اتخاذ المواقف الأكثر تطرفا وتشددا إزاء المصطلحات وارتباطها بالقضايا المثيرة للجدل لعلهم يثبتون للناس أنهم الأكثر ولاء للأكثرية.
بل الخطر كل الخطر يكمن في بعض خطابات مثقفينا المتبنية لهذه المواقف الايديولوجية و الطروحات المصلحية المتطرفة التي لا شأن لها بالإسلام و التي تعتبر أن كل تغيير أو تحول هو بالضرورة خطر ماحق لهويتنا الخاصة وديننا الحنيف بدليل الحديث " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، يتعين بالتالي محاربتها أو الانغلاق من دونها. وما تكرار المثقفين لمثل هذه المقولات في شكلها المبسط، ودون ملل، يوحي بصحتها و بجديتها، ويعمل على تشتيت المجتمع، وتفريق وحدته، ويقسم العباد إلى فرق متمايزة، ومجموعات متواجهة من مستكبرين يملكون كل الحقيقة وحدهم، ومستضعفين عصاة مغضوب عليهم مرفوضون، وفئة ثالثة استطابت التفرج على هؤلاء وألائك.
لعل التساؤل الذي يفرض نفسه، وتطرحه العامة والخاصة بإلحاح، هو مدى قدرة النخب الوطنية المثقفة على تقبل فكرة التغيير والتطوير، والمبادرة إليها، والحث عليها لتشارك فيها كل الطاقات الخلاقة في المجتمع، بدل المساهمة في نشر ثقافات التطرف و العنف المفتتة للذات والمشوهة للهوية والمقوضة للعلاقات الإنسانية، والمفضية إلى متاهات التخبط والضياع من كل الأطراف؛ سواء كانت سلفية تمنع التنوير من شق طريقه وسط الظلام المخيم على الأمة، أو كانت سلطوية ديكتاتورية مخلدة لإيديولوجيا القهر والصمت وتبرير القيود .
فمسؤولية ما يعيشه الإنسان المغربي المسلم ـفي عصر الإيديولوجيات الكبيرةـ تقع كلية على عاتق المثقفين والمفكرين وأهل الرأي، فهم الجناة الحقيقيون لأنهم اختلفت آراؤهم في الدين، وتعددت مواقفهم حول علاقته بالدنيا (أي الحداثة و مصطلحاتها الكثيرة)، حيث ابتعد بعضهم عن الكتابة في موضوع الدين برمته دون مبررات منطقية، واستفز البعض الآخر الناس بما يكتبه عنه من إنكار كلي، بينما انغلقت فئة ثالثة في معارفها البالية ومحمولات مصطلحاتها غير الصالحة لمواجهة الواقع العالمي الجديد الذي يفرض نفسه في كافة المجالات، داعية إلى اتخاذ التحصينات اللازمة ضد كل ما يمس الموروث، معتبرين أنه صلب الدين، في حين حاول غيرهم أن يوفق أو يلفق بين التقليدي والعقلاني.
الكل يجادل ويناظر ويساجل في الدين، بينما مثقفونا و مفكرونا صامتون لا يشاركون، وإن فعلوا وافصحوا برأي فعلى استحياء شديد، ووجل كبير، وكأنهم يتدخلون فيما لا يعنيهم، رغم أن الأمر في حقيقته يخصهم أكثر من غيرهم لما له من أثر في تحديد ورسم ملامح عصر هم طليعته ورواده الحقيقيون وبناة تراثه وحاضره ومستقبله .
فالتطرف لا ينتعش إلا حينما يضعف المجتمع وتعاني مؤسساته من الهشاشة، ولا يصاب المجتمع وهيآته بالوهن إلا إذا سجل به الذين يقع عليهم عبء الدفاع عن مؤسساته وأهدافه وهمومه، غيابا عن تطلعاته المصيرية ليتركوا المجال للتوجهات المتشددة لتمارس فيه تأثيرها واستبدادها بالرأي؛ وأخطر ما يتعرض له الدين، ويقوض الهوية الثقافية ويفتت الذات، هي نخبوية الثقافة والمثقفين، المتمثلة في القطيعة الواضحة بين المثقفين والناس العاديين ـ الذين يفترض فيهم أنهم يتكلمون باسمهم ـ وانصرافهم عن أمورهم الحياتية، والدين على رأسها، والقعود عن إجلاء حقائقه والتمييز بين مجال العقيدة ومجال العقلانية، والإشتغال بغيره من الطوحات السلطوية والأهداف الجانبية الشخصية؛ فتزدهر تدخلاتهم أينما كانت المكاسب، المادية منها والمعنوية، وتتوقف نهائيا حين لا تكون مصدرا للمكسب والنفع، حتى تحول العدد الكبير منهم إلى أدوات طيعة في أيدي الغير ـأيا كان ذاك الغيرـ لتبرير ما يجري وإن كان غير صالح، وليس لتغيير ما هو قائم وإن كان فاسدا فلا سبيل إلى تغيير المجتمع دون تغيير الفرد، وأعداده وتهيئه للانخراط في التحولات البنيوية العميقة التي تمس جميع المجالات المعيشية؛ ولن ينخرط الإنسان المغربي كما قال الأستاذ اللعبي (في أي مشروع تحرري مجتمعي سياسي إذا ما لم يكن مبنيا على أساس ثقافي يتضمن حرية التعبير وحرية الرأي )، بعيدا عن مسألة ( التكفير) ( الرائجة في عصرنا والتي كانت موجودة في عصور قديمة كذلك و لا ينبغي أن نأخذها على أنها حديث باسم الإسلام) حسب المفكر الإسلامي عبد المجيد الشرفي.
الإشكال إذن هو في كيفية بناء الإنسان المغربي بناء حرا وسليما وإعطائه الوسائل للانتصار على الذات، وتصحيح المفاهيم المغلوطة والشكوك الخطيرة التي رسخها فيه التطرف بكل أنواعه لتبديل قناعاته الوطنية والإيديولوجية والدينية بهدف إخضاعه والهيمنة عليه؛ حتى يصل إلى معادلة سليمة يستطيع بها التوفيق بين التطبيق الديني والتطور، ويجعل إيمانه الحق غير بعيد عن عالم الحداثة، يواكبها ويكون عنصرا إيجابيا في مسيرتها يفعّلها عمليا ويحولها إلى قوة إنتاجية؛ و هذه مهمة المثقفين والمفكرين والعلماء ( ورثة الأنبياء) ولن يكتب لها النجاح ـ كما تشهد وقائع التاريخ على ذلك ـ إلا بانبثاق صحوة المثقفين والمفكرين والعلماء بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية والمذهبية ، ووعيهم كطرف أساسي في عملية الصراع المعرفي الإيديولوجي داخل المجتمع و توحيد الجهود الفكرية والثقافية، والاتفاق على قواسم مشتركة يُقذفون بها كل المعوقات التي تحول دون بناء مجتمع مدني ديمقراطي عصري جديد تنمحي منه كل آثار الخوف والإرهاب والديكتاتورية، تسوده حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعي، وذلك لأن الحق لا يعلو على الباطل من تلقاء نفسه، أو بثقافات الصالونات الترفيهية المناسباتية، بل يحتاج لمن يقذفه عليه بالثقافة الجادة النضالية المقاتلة ليبزه ويدمغه، مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز ( بل يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) .
ويشاء الله أن يدب التغيير بين جنبات أقطاب الاتجاه الإسلامي فتراهم وقد توافقوا مع غيرهم رغم اتجاهاتهم العلمانية والأشتراكية؛ وغدت العلمانية الكافرة والأشتراكية المارقة رقيقة كالنسيمن، هينة لطيفة على سمع وفؤاد التوجه الجديد لحزب العدالة والتنمية الذي كان إلى الأمس القريب جدا يعادي كل من خالف مساره أو خرج عن سربه..
إنه سلطان الطبيعة فوق سلطان التطرف والتحجر، فالسحب المتلبدة في آفاق السماء لا تستطيع أن تطفئ نور الشمس، بل تحجب ضياءها عن العيون لحظة من الزمان ثم لا تلبث أن تنقشع عنها، فإذا هي ملء العيون والأنظار تحرق المغالطات بلهيب صراحة بعض طلائعيي الإسلاميين وهم يستشهدون بحديث نبوي شريف ينبه فيه رسول الهدى إلى أن أمور الدنيا و متطلبات التنمية والتحديث هي من اختصاص الناس، وأمور الدين من اختصاصه عليه الصلاة والسلام .



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الأديبة والشاعرة الكويتية بسمة عقاب الصباح
- حميرنا وحمار أوباما
- الإدارة والإداريون
- العزوف عن القراءة
- سيارة البلد لا تطرب
- قيمة الإنسان من ماركة سيارته
- النقل المدرسي
- تعزيز منظومة النقل وتحقيق جودتها
- دردشة مع سائق طاكسي!!!
- سائق الطاكسي سفير فوق العادة
- °°°أحلام سائق طاكسي
- أرصفة مع وقف التنفيذ
- مقالات حول المدن.
- البقال
- °°°عن تاريخ مدينة يتحدثون
- المقاهي !!!!
- الحرشة والملاوي في بيبان القهاوي
- لاعذر للنساء...
- كل النساء جميلات
- حتى واحد ما هاني


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - التطرف