الى روح عمي الشهيد الزعيم الركن طه الشيخ أحمد
يرفع حازم جواد نظارته السوداء ليكشف عن بعض من بشاعة تلك الصورة التي تنشر له في وسائل الاعلام والتي من خلالها تعرفنا عليه وبما تثير قدر غير قليل من الامتعاض لرويتها، نحن الاجيال التي عاشت ملامح مجزرة 8 شباط او التي ولدت لاحقا، ليكشف لنا في سلسلة ( يتذكر) المنشورة في جريدة الحياة اللندنية تفاصيل الانقلاب الدموي والكثير بما يتعلق بتاريخ ومسيرة البعث العراقي وفي حقيقي الامر عند التوقف عند ما نشر وخاصة في بعض التفاصيل وعند مقارنتها بما سبق نشره لبعض المشاركين والشهود لهذه التفاصل والمجازر والاحداث، تقودك هذه المقارنة لفكرة انة لم يجري كتابة الاحداث كما جرت وانما يجري اعادة تركيب لبعض الاحداث وهذا ما سوف اتوقف عنده في مقالتي السريعة هذة.
بدءا اشير الى اني من جيل عاش ملامح هذا الانقلاب الدموي، ولم يكن عمري سوى سبعة سنوات عند قيامه، ولكن هذا اليوم كان اول تأسيس لذاكرتي السياسية ومازالت الكثير من أحداث تلك الجمعة الدامية وما لحقها محفورة بذهني، ففي هذا اليوم أعلن في البيان الثاني للانقلاب عن اعدام عمي االزعيم الركن طه الشيخ أحمد (مدير الخطط الحربية) مع كل من الزعيم الركن عبدالكريم قاسم ( رئيس الجمهورية العراقية والقائد العام للقوات المسلحة) والعقيد الركن فاضل عباس المهداوي ( رئيس محكمة الشعب) وعلى اثر اذاعة البيان تعالى الصراخ واللطم والبكاء والعويل من والدتي ونساء البيت الاخريات في بيتنا الواقع في منطقة 14 تموز في مدينة البصرة حيث كنا نعيش اربعة اطفال مع ولدتي في بيت مشترك مع اخوانها بعد وفاة والدي قبل ذلك بسنوات عديدة وحيث كان عمي طه الشيخ احمد هو احد المتكفلين الاساسين برعاية اولاد اخيه المتوفي وكان يسعي في تلك الفترة نقلنا الي بغداد لنكون بالقرب منه. وفي كل الاحوال تجمع رجال البيت ومن التحق بهم من الجيران واخرين من مناطق أبعد من الشيوعين واصدقائهم ليبدوا باعداد اللافتات واعداد قوائمها من اعمدة الخشب وجرائد سعف النخيل المننتشر في المنطقة، ولينطلقوا بها باتجاه مركز المدنية حيث احتشدت المظاهرات امام مبني المتصرفية في العشار وليتحول هذا البيت لاحقا الي مركز للاجتماعات والاعداد ومقر لدفن السلاح في حديقتة والذي سبق ان تم استدانة جزء من مبلغه من والدتي للمجموعة البصراوية التي ساهمت في حركة المقدام حسن سريع، حيث كان يقف احد أخوة والدتي على راس هذه المجموعة وهو جعفر نجم النداف الموظف السابق في دائرة كهرباء وماء البصرة. وقد حكم لاحقا على كل أعضاء هذه المجموعة بالاعدام وبقيت سنوات طويلة بانتظار التنفيذ، واستطاعت امي أن تنقذ راس اخيها من الاعدام برشوة صالح مهدي عماش لتخفيف الحكم الى المؤبد. وقد تحول اخيها هذا لاحقا في السبعينات الى أحد كلاب السلطة في مطاردة الشيوعين واصدقائهم وكل العناصر الديقراطية مبتدا بعائلته. لقد حفر البعثيون أخاديد لا تنسي في ذاكرتي ومن كان من جيلى واللذين امتدت ايدي البعث وحرسه اللاقومي وبدون أي رحمة الى عوائلهم وأكمل فيما بعد وريثهم الشرعي صدام حسين ونظامه المقبور سلوكهم هذا المجلل بالعار والخزي.
يتحدث حازم جواد من منفاه اللندني بعد صمت دام عشرات السنوات وبعد ان سبق له رفض العديد من الدعوات لوسائل الاعلام وخاصة في مناسبات ذكرى هذا اليوم المشوؤم او الحديث لباحثين مهتمين بهذا الموضوع، بل انه وكما هو معروف انه ابتعد عن تجمع يتواجد فيه العراقين وانقطعت علاقاته لسنوات طويلة أو باقل حد ممكن لمشاركيه في تلك الاحداث.
وحازم جواد كما يذكر الباحث المرحوم علي كريم في مقدمة كتابه ( عراق 8 شباط 1963. من حوار المفاهيم الي حوار الدم، مراجعة في ذاكرة طالب شبيب الصادر عن دار الكنوز 1999) واحد من اربعة اشخاص لاتكتمل صورة 8 شباط اذا لم تدون شهادتهم وهم علي صالح السعدي أمين سر الحزب ونائب رئيس الوزراء ووزير الارشاد ( صاحب المقولة المشهورة حول وصول البعث العراقي في 1963 للسلطة بواسطة القطار الامريكي – التاكيد من عندي)، وحازم جواد وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية ( وهو القائد الفعلي والأساسي الذي وقف علي راس الاحداث)، وطالب شبيب وزير الخارجية وعضو القيادتين، واحمد حسن البكر.
(يتذكر) حازم جواد بعد سقوط صدام وربما يتوارد للقراء في البداية أن الصمت الذي لفه كان بسب الخوف من ارهاب النظام الذي امتد لكل معارضي النظام والمطلعين علي تاريخ وأسرار نظامه وحزبه، ولكن يظهر من هذه الذكريات انها لم تحتوي ذلك القدر المخيف والهام من المعلومات وكشف الاسرار، عما جرى كشفه سابقا او لما هو متداول من معلومات سابقة من رفقاء صدام نفسه بل على العكس من هناك الكثير من الدلائل تشير ان قدر وافي من الاسرار التي تتعلق بتاريخ هذا النظام وحزبه وخاصة في مرحلة الانقلاب المشوؤم في 1963 يجري االتكتم عليها او كشفها بشكل ناقص او اعادة صياغتها. وبتقديري انه ليس سقوط النظام وارهابه هو الذي حرك (ضمير) هذا القائد الفعلي واللاعب الاساسي في 1963 وما بعدها، ولكن يظهر ان القضية التي كرس لها شبابه وجهده وهي قتل الزعيم عبدالكريم قاسم وإبادة الحزب الشيوعي العراقي من أجل تحقيق اهدافهم القومانية والتي لم يحققوا لاحقا أي شى منها، عادت من الجديد للظهور وبقوة منقطعة النظير، فما ان سقط النظام حتى انطلقت الجماهير العراقية وبشكل عفوي للتغنى بذكريات الزعيم وامجاده وترفع صوره وتطلق اسمه على احد الساحات وبعض المناطق او المشاريع المزمع القيام به، بل وكنست الي المزبلة كل من تمثال احمد حسن البكر احد المشاركين في اعدام قاسم ورفاقه الابطال في الاذاعة ورئيس الوزراء في عهد الانقلابين ورئيس الجمهورية لاحقا، وتمثال الغريري، احد المساهمين الاساسين في محاولة أغتيال عبدالكريم قاسم في 1959 والتي اغتيل في هذه العملية برصاص المشاركين الاخرين، والذي عمل البعث ونظام صدام لاحقا على تصويره بطل وطني وقومي واقام تمثال له واطلاق اسمه على الساحة التي يتواجد فيها التمثال وبهذه الطريقة ردت الجماهير العراقية ( الفضل) لهولاء( الابطال)، و ما مظاهرة 14 تموز بعد سقوط النظام الا احد الأعراس الشعبية للاحتفال بذكرى الثورة وقائدها،. أما قضية الحزب الشيوعي والذي تقترب الذكرى السبعين لتاسيسه، فقد أكدت الاحداث بعد سقوط النظام جذوره العميقة في المجتمع العراقي ونفوذه رغم كل الارهاب والمحن التي مرت عليه، وعادت راياته تنشر اجنحتها من شمال الى جنوب العراق.
بتقديري هذه الامور التي حركت ذاكرة حازم جواد لاعادة صياغة الاحداث وبما كان يتمنها في يوم ما وليس على اساس ما حدث وخاصة في بما يتعلق تفاصيل الساعات الاخيرة والتفاصيل الصغيرة قبل اعدام الزعيم وتحديه الموت وهو ورفاقه الابطال طه الشيخ أحمد والمهداوي وكنعان حداد وكذلك فيما يتعلق بالصمود البطولي لسلام عادل, السكرتير الاول للحزب الشيوعي العراقي، والذي تحول الي ماثرة خالدة ليس للشيوعين العراقين فقط وانما للكل الاحرار والوطنين الذين ينشدون الوطن الحر والشعب السعيد.
أنها محاولة جديدة لاعدام عبدالكريم ورفاقه الابطال, محاولة جديدة للتمثيل بجثة سلام عادل وكل الابطال الذين تحدوا مجازر مجرمي 8 شباط، وهذا ليس جديد على قسم من المشاركين في تلك الاحداث فقد حدثني الصديق المخرج العراقي قاسم حول انه في احد المرات حينما احتاج الصحاف المدير السابق للاذاعة والتلفزيون ووزير اللاعلام لاحقا لبعض الامور التي تتعلق بمرحلة مابعد تموز 1958 واضطراره لاستخدام ارشيف الاذاعة والتلفزيون، فقد لاحظ وشاهد ان الارشيف ملئ بالافلام الوثائقية عن الزعيم عبدالكريم قاسم وعن ثورة تموز وبما اثار انزعاجه وغضبه وقال قتلنا عبدالكريم وبعد كل هذه السنوات ورغم نحن في السلطة فانه مايزال يعيش في الارشيف، وبذلك أمر بحرق الارشيف المتعلق بثورة تموز والزعيم عبدالكريم. ومثال أخر علي هذا، في أحد الندوات التي عقدها المرحوم الباحث د. علي كريم في مدينة لاهاي حول كتابه المشار اليه اعلاه، واكد احد الحاضرين حديث منقول عن احد المشاركين باعدام قاسم و8 شباط ( طالب شبيب) قوله في احد جلساته في دمشق انه لوعاد عبدالكريم للحياة من جديد لاعدامناه من جديد.
واعتقد ان حازم جواد لم ينسى الرسالة الشهيرة للسيد احمد الميرزا أب الشهيد الشيوعي البطل صاحب الميرزا والتي أذاعتها اذاعة الصوت الشعب العراقي واثناء حكم الانقلابين والموجه للراي العام العالمي والتي يفضح فيها اساليب التعذيب والقتل ويرد فيها اسم حازم كاحد المجرمين القتلة، وقد ذكر لي احد معاصري تلك الايام كيف قام الشهيد صاحب وعائلته بحماية وإيواء حازم جواد في فترات سابقة حين كان مطاردا فرد الجميل لصديقه السابق ولعائلته بان اعدمه. وعلى سياق ذلك اسيق الحادثة التالية فقد ذكرت لي المرحومة زكية شاكر (العضوة السابقة لمنطقة بغداد للحزب الشيوعي ومراسلة سلام عادل) وزوجها السيد كاظم جواد المقيم حاليا في السويد (عضو سابق في منطقة بغداد واصبح 1965 عضو اللجنة المركزية) وكان تربطه علاقة وثيقة بعلي صالح السعدي اضاقة لزمالة الدراسة الجامعية في كلية المحاسبة وقد قام السيد كاظم جواد وعائلته في فترة ما قبل 1958 بكفالة السعدي للمرتين حين تعرضه للتوقيف بعد ان رفض حتى والد السعدي في كفالته ومن المعروف ان السعدي كان شاب مشرد، اضافة لايواه في بيته لفترة من الزمن وهذا جزء من قيم وشيم العراقين المعروفة, ولكن كيف رد السعدي معروف هذه العائلة حين اعتقلت الزوجة في 8 شباط وحين كان زوجها متواجد خارج العراق للدراسة الحزبية. لقد كان رد السعدي ورفاقه العددين اللذين كانوا يرتبطون بعلاقة مع هذه العائلة واقتسموا الملح والزاد معهم، بانها تعرضت الى كل ما يتصوره الانسان في مسلخ قصر النهاية وشاهدة على كل ما جرى فيه من قتل واجرام ، وفي احد المرات سرق منها احد هولاء المعارف السجانين والمعذبين قلم ذهبي هو عبارة هدية من زوجها ، بل في احد المرات سمح لصدام حسين حينما لم يكن قاتل سوى صغير في الحرس القومي بتعذيبها. وعن هذا السلوك المشابه قرانا كيف قتل صدام احد اقرباه الشيوعين ليلا بعد ان كان جليسه في المقهى نهارا وقد استلف منه مبلغ من المال, وكيف رد المجرم ناظم كزار الفضل للعائلة التي ساعدتهم للسكن في بغداد بعد رحليهم من العمارة وكيف قام لاحقا باعدام احد ابناء هذه العائلة وكيف قامت لاحقا أم هذا الشيوعي المغدور به بان حولت تعزيتها لعائلة كزار الذي اعدام من قبل رفاقه القدامى، لساعة لنزع حزنها الاسود ولتملئ هي وبناتها بيت كزار بهلاهل العراقيات المعروفة ثارا لدم ابنها وغيرها من ما نشر من حوادث على هذا المنوال. مااريد قوله ان أعداد كبيرة من هولاء البعثين والقلتة أعمتهم ويظهر الى الابد قضية الحقد والكره لعبدالكريم قاسم ومعاداة الحزب الشيوعي العراقي, ولو توفرت لهم أي فرصة لقاموا بقتلهم منفردين او مجموعين كل يوم دون ان يلتفتوا ولو لمرة واحدة الى أي مستنقع جرتهم هذه السياسة والطريقة في التفكير وفي أي مزبلة القاهم التاريخ فيها، وبالتالي وبعد هذه السنون الطوال يطرح السوال التالي نفسه من أعدم من. لقد تم اعدام قاسم ورفاقه الابطال في مبنى الاذاعة وسلام عادل والالاف من رفاقه في مسلخ قصر النهاية ودهاليز الحرس القومي مرة واحد ولكن دماء واروح هولاء الضحايا اصبحت لعنة ابدية تطارد جلاديها وتعدمهم في كل مكان وزمان.
تمتاز كتابات او اعترافات او مذكرات معظم البعثين اللذين يتناولوا فترة 1958 وما بعدها وبالذات انقلاب شباط الاسود في 1963 ببعض امميزات منها.
1- أن صدام هو لقيط سياسي على البعث وحركته وهذا ما يبدا به حازم جواد ذكرياته حيث ان انقلاب 17 تموز 1968 ابتدا بالتامر وانتهى الامر به كذلك، وانه صدام مجرم وقتل ومشبوه وطائفي وغيرها من التسميات، وكثير من البعثين وقيادتهم تندب حظ حزبهم العاثر على هذا الامر، ولكن عندما يمتد الامر الى التفاصيل التي رافقت صعود البعث في 8 شباط وما بعدها، تقود هذه التفاصيل القارى وبدون عناء يذكر الى استنتاج مفاده ان صدام ومجمل سياسته الاجرامية هي وريث شرعي لانقلاب 8 شباط ولم يكن صدام سوي الابن البار والامين لهذا الانقلاب الفاشي و بكل امتدادته الفكرية والسياسية والتنظمية وارتباطاته المشبوه ولكن صدام ونظامه اطلق العنان لهذه السياسيه السابقة وباقبح الاشكال. الم يبدا الانقلابيون حياتهم الجديدة بالقتل الجماعي والفردي بدون محاكمات او بمحاكمة شكلية كما في محكمة الاذاعة لقاسم ورفاقه الابطال، ألم يطلقوا الارهاب ضد العراقين الى اقصى مدياته، الم يشنوا الحرب علي الشعب الكردي وتسليم قيادة الوحدات في كرستان العراق لاكثر القادة العسكرين شوفنية وعنصرية، الم يهجموا على المنجزات التى حققتها ثورة تموز للعراقين، الم يتأمروا بعضهم على الاخر كاي عصابة، الم يتنازعوا على احتلال الكويت وغيرها من التفاصيل.
2- أن 8 شباط كانت عملية تصحيحة لثورة 14 تموز، واذ يصمتوا لماذا لم ينجز الانقلابين المهام التي كانت مطروحة امام 14 تموز، فانهم لا يخوضوا في الاسباب الحقيقة وراء الانقضاض على منجزات تموز بل وكيف تحول البعث وجبهته القومية وشعاراتة الى جبهة جمعت كل القوى الرجعية واليمينية وكل من عادى مصالح الشعب العراقي ومن تيارات مختلفة.
3- أن الارتباطات المشبوه للانقلابين ترتبط بالجناح العسكري أساسا وليس بالجناح المدني وهذه واحدة من الفرضيات التي كان يسعى لاثباتها المرحوم علي كريم وما تجده في ثنايا حديث حازم جواد والذي كان هو يقف على راس هذا التنطيم وكذلك في كتابات اخيرين ولكن متابعة ماكتبه البعثين انفسهم من عاش تلك احداث فان قائمة الاتهامات تمتد الى عناصر هامة من قيادات التنطيم المدني ويمكن الرجوع في هذا الامر الى كتابات هولاء انفسهم. وماذا لو اخبرنا حازم جواد عن اجتماعات قيادات من البعث والمخابرات الأمريكية وممثلي شركات النفط التي تضررت من قرارات ثورة تموز في البحرين والكويت ثم حديث الملك حسين عن ارتباطات الانقلاب بهذه الجهات والاذاعة السرية من الكويت. اما في يخص القطار الامريكي والذي يردد هنا نفس ما طرحه سابقا صلاح عمر العلي من هذا التشكيك بهذا الامر، فاشير الى انه قد ظهرت عدة شهادات ولمرات عدة من شهود مختلفين اكدوا سماع هذا الامر من السعدي ثم انه صدر قبل سنوات قليلة مقالة في (رسالة العراق) المجلة التي كان يصدرها الحزب الشيوعي في الخارج اكدت وجود وثيقة بهذا الامر والتي هي عبارة رسالة من السعدي واكدت المقالة على أي راغب ومشكك بهذا الامر الاتصال بمكتب لندن للحصول على نسخة منها واعتقد ان الاوان الان لنشر هذه الوثيقة وبشكل علني وواسع للجم كل مشكك ورغم هذا فلو جرى حساب نتائج الانقلاب ومن قاده وارتباطتهم المشبوه فانه سنصل الى نفس النتيجة. بل ان حازم جواد يسعى الى لعبة خبيثة حين يبدء مذكراته بالحديث عن الشخصيات الغامضة وارتباطاها الخفية وليزج باسم رشيد مطلق وهنا يحاول ان يشر من طرف خفي الى ارتباطات مشبوه تمتد الى عبدالكريم قاسم وليضفي صفة المفاوض علي شخصية رشيد مطلق ورغم ان اشاراته حول الاخير ليس فيها أي دليل ووانما استنادا لان مطلق لم يكون معروف وكيف اطلق انقلابي شباط سراحه( ربما يحز في نفس حازم جواد لحد الان أنه لم يعرف من استلم الرشوة واطلق سراحه وبذلك انخفض عدد ضحاياه واحد) ورشيد مطلق لم يكن مفاوض قاسم ولكن صديقه ومراسله وصلته مع الحزب الشيوعي العراقي والمرحوم الجادرجي وهو شخصية وطنية عراقية معروفة وليست غامضة وقد كتب عنها وتجري الاشارة لها دائما عند الحديث عن الاستعدادات لثورة 14 تموز ولم يتطرق أي كاتب عراقي أو غير عراقي مهما كان اتجاه الى ما يسئ لسمعة هذا الرجل الوطني والشريف وما يزال الكثير من اللذين عرفوه على قيد الحياة ولم يشروا لهذه الشخصية الا بما هو خير وطيب، بل ان المرحوم عامر عبداللة يشير الى انه استغرب عندما اتصل به رشيد مطلق واخبره بسعي قاسم للثورة ورغبته التنسيق والاتصال بالحزب الشيوعي وكان المرحوم عامر قد التقى قاسم في بداية 1952في سهرة والتقاه ايضا ثانية، حيث لم يبدو على قاسم أي اهتمام بالسياسة ولم يكن يلفت الانتباه. ولم يشغل رشيد مطلق أي موقع سياسي او حكومي بعد ثورة تموز ماعدا ما اشير حول مديرية السياحة.
4- الشيوعين ليس هم المستهدفين أساسا من هذا الانقلاب ولم تكن النية المسبقة لتصفيتهم، ولكن واقع الاحداث يقول شىء اخر فليس غريبا ان ثلاثة من اربعة قتلوا في 9شباط 1963 هم شيوعيون ( طه الشيخ احمد ، المهداوي، كنعان حداد)، أن الانقلابين كانوا بالاساس يطالبون براس الحزب الشيوعي وهذه لم تكن رغبتهم فقط وانما تجمعوا ودعموا من قبل حلفائهم على هذا الاساس وفي هذا المجال هناك الكثير من الامثلة والادلة وليس غريبا انه بعد هذه السنوات العديدة ان يخرج السيد صلاح عمر العلي في برنامج شاهد على العصر بان يوكد انه كان يجب معاقبة الشيوعيون ولكنه يخففها لو كانت بدرجة اقل.
5- السعي لتحميل جريمة القتل على اسماء محدد لم يعد لها وجود، اما غيبها الموت او ساقها والكل يحاول رمي الذنب على الاخرين.
6- اثارة الشكوك حول صمود الضحايا وتناقض الرويات.وهذا ما سأتناوله بتفصل اكثر في هذه المقالة وبالذات موقف قاسم ورفاقه قبل الاعدام وكذلك محاولة تشويه موقف سلام عادل.
7- الكذب حول عدد القتلى والضحايا اللذين تم قتلهم بشكل فردي او جماعي والصمت عن جرائم التعذيب والقتل. ولا اعرف الى أي مصدر او دلائل يستند اليها حازم جواد ليشير ان عدد القتلى من كل طرف في الايام الاولى لم يتجاوز الخمسين قتيلا. ، ان كل الدلائل تشير الى عكس ذلك بل وتقدر بالالاف ولاحظ كيف يذكر اطلاق النار في راسى الشخص المتظاهر الذي صعد الي منصة الدبابة لمفاوضة قائد مجموعة الدبابات الذهابة لمهاجمة الدفاع، ثم يذكر كيف اطلقت الدبابات النار فوق روؤس الجماهير المتظاهرة والواقع يعرف من عاش تلك اللحظات فانه يتذكر ان الدبابات اطلقت نيرانها على الجماهير ،وهل يتذكر حازم جواد اعداد جثث المدافعين والمتظاهرين حول وزارة الدفاع وكيف جمعت، وحبذا لو تذكر حازم جواد ادوات وطرق التعذيب التي استخدمت خلال الايام الاولى والايام اللاحقة، هل مازال يسمع صرخات ضحاياهم من المعتقلين والمعدومين ولماذا يصمت بشكل كامل عن الاساليب البشعة التي استخدمت في التعذيب ولحد الان مازال على قيد الحياة الالاف من جربت او استخدمت ضدهم هذه الاساليب. هل يستطيع حازم جواد ان يذكر لنا شئ عن قلع الاظافر والتعليق من الايدي او الارجل او اجبار المعتقلين الجلوس على القناني الفارغة واغتصاب العذارى والنساء واغتصاب حتى قسم من الرجال والصعق بالكهرباء وخاصة في المناطق الحساسة والسحل بالسيارات وقطع بعض الاجزاء الحية من الجسم كتقطيع الاصابع او الاطراف او نشر الضحايا وهم أحياء ودفن المعتقلين وهم أحياء، أما الاساليب الاخرى كالفلقة والتعطيش والتجويع وغيرها فقد اسقطناها من الحساب لانها اساليب لا تصل الى الدور الثوري والقومي الذي قام به مجرمي شباط الاسود وربما يستطيع بهاء شبيب الذي شارك وبفاعلية في هذه الاساليب والمقيم الحالي في امريكا وعضو قيادة الموتمر الوطني أن يشاطره في احياء الذاكره باعتبارهم شركاء في الجريمة. اما بخصوص البراءات التي ينكر حازم جواد أن الانقلابين وحرسهم الاسود لم يسعوا لانتزاعها من المعتقلين لان البعثين هم كانوا في فترات سابقة ضحايا اسلوب البرائات هذا , شخصيا اعتبر اعتراف بهذا الشكل والى هذه الدرجة من الكذب الرخيص نكتة بايخة. هل لنا ان نبحث من جديد عن نسخة من كتاب ( المنحرفون) الذي اصدره حليفهم في الانقلاب عبدالسلام عارف بعد 18 تشرين الثاني للتذكير. ولحد الان يتذكر العراقين كيف سلم حرسهم القومي سلاحه للحكومة وبالطريقة المخجلة ام ان ذاكرة جواد غير قادرة على استرجاء هذه المشاهد المخيفة والمخجلة. لم تكن ياحازم جواد، انت ومجرمي 8 شباط سوى قتلة ساديين. واتمنى أن تكون شهادتك هذه محفزا لمنظمات حقوق الانسان العراقية او غيرها المتواجدة داخل بريطانيا او خارجها للمطالبة بمحاكمتك باعتبارك مجرم متهم بانتهاك فض لحقوق الانسان وبالقتل الجماعي وغيرها من الجرائم المناقضة لحرية وكرامة الانسان العراقي.
8- ان قسم من سلوك الانقلابين تميز بالتسامح في بعض الحالات مثلا مكرمة قطار الموت، الونداوي واعفائه عن بعض المشاركين في حركة سريع فيا ذكره في كتاب علي كريم حول حسن سريع، وكذلك ما ذكر عن دفن وصفي طاهر بعد ان جلبت جثته الى دار الاذاعة والرواية التي ينقلها حازم جواد عن التعامل مع جثه وصفي والتي هي غير قابلة للتصديق، ليس انطلاقا من عقدة الشك وانما لانه لم ترد اشارة حتى ولو بشكل بسيط من أي من تواجد في تللك اللحظة في دار الاذاعة والاهم من ذلك لا يوجد أي دليل او اثر لشئ من اخلاق التسامح او اخلاق احترام الخصم الذي يدافع ببطولة عن مواقعه بل على العكس تميزت اخلاق الانقلابين بالحقد اللئيم على كل من دافع عن ثورة تموز او من دافع عن قاسم او من دافع عن شرفه العسكري وخاصة ان وصفي كان احد المدافعين وببطولة عن احد النقاط الاساسية الثلاثة في وزارة الدفاع التي شهدت دفاعا مستميتا عن كل شبر فيها وامتد القتال من غرفة الى اخرى دفاعا عنها على عكس ما يحاول حازم الايحاء بان الكل كانوا ضعفاء مترددين ويكن الرجوع الى شهادات عديدة منها كتاب بطاطو ج 3
ما يتذكره حازم جواد يضع القارئ امام ثلاثة احتمالات لا مفر منا وهي لا تحتاج الى الكثير من الذكاء لاكتشافها وهي اما ان يكون ماذكره حازم جواد قد وقع فعلا واخص بالذات تسليم واعدام قاسم ورفاقه وكذلك اللقاء واعدام الشهيد البطل سلام عادل اما البقية من بعض افلامه الهندية فيما يخص البعث فانا غير معني بها واما ان يكون النسيان قد اصاب ذاكرته فاختلط عليه الامر وأما ان يسعى الى تركيب جديد للاحداث وفقا لرغباته. وفيما يخص الاحتمال الثاني يظهر ان الزمن لم يمس ذاكرتة الرجل بشكل جاد خاصة ان موضوع كهذا شغل حيز كبير من الاهتمام واما الاحتمال الاول فانه من حسن حظ الشعب العراقي ومن حسن حظ تاريخه ومن جانب اخر ولسوء حظ حازم جواد فان هناك اخرين كانوا شهود على ما حدث واستطاع البعض ان يسجل شهادته وهنا يمكن الرجوع الى بعض المصادر التي شاركت حازم نفس التوجه او بعض المصادر التي هي محايدة والتي هي مناقضة في الكثير من التفاصل لما ذكره حازم جواد وهذا بالتالي يفتح الافاق امام الاحتمال الثالث وهي اعادة تركيب الاحداث وفقا لرغبة المتذكر ووفقا لما كان يتمنها ويحلم به.
من المصادر المهمة هو الندوة الاذاعية التي اجرتها الاذاعة الكويتية والتي ادلي الاذاعي العراقي ابراهيم الزبيدي بشهادته حول تفاصيل الاحداث في الاذاعة التي تواجد فيها بسبب حكم عمله وهذه واحدة من الشهادات الهاهة لانها من طرف محايد وبالمناسبة ان مقدم هذه الندوة د. نجم قد وجه الدعوة لحازم جواد لمشاركة ولكنة رفض ذلك، كتاب اوكار الهزيمة احد المساهمين الاساسين في انقلاب شباط والعضو القيادي السابق للبعث هاني الفكيكي وكذلك كتاب د. علي كريم عراق 8 شباط الذي مر ذكره اعلاه، البرنامج التلفزيوني بين زمنين (عبدالكريم قاسم) الذي عرضته قناة ابو ظبي وبالذات شهادة عبدالستار الدوري احد المساهيمن في الانقلاب ومدير الاذاعة في زمن الانقلاب وكذلك شهادة العسكري الذي قام باطلاق النار علي قاسم ورفاقه والذي ادعى انه كان الوقت قصير ولم يعد يتذكر اللحظات الاخيرة وردة الفعل في لحظات الاعدام، شهادة عبد الغني الراوي احد المساهمين في الانقلاب والذي قاد مجموعة الاعدام واعطي الامر باطلاق النار وهو الوحيد الذي بقى في الغرفة مع مجموعة الاعدام والذي لا يخفي لحد الان حقده المتأصل ضد عبدالكريم قاسم ورفاقه وضد الشيوعين، كتاب بطاط (العراق ج 3) وما نشر من مذكرات احمد طه العزوز في جريدة الزمان وهو احد اللذين ساهموا في محاولة قتل قاسم في 1959 في راس القرية والذي يشيد ببطولة قاسم. لنرى ماهو في هذه المصادر ولنضع كل المصادر الاخرى جانبا والتي ربما تتهم بالتعاطف مع قاسم او ثورة تموز والشيوعين.
من هذه المصادر يمكن قراءة مايلي.
1- ان الزعيم عبدالكريم قاسم كان يسعى لحسم قضية الانقلاب باقل ما يمكن من اراقة للدماء يتجسد هذا برفضه بتسليم وتوزيع السلاح للجماهير المتظاهرة حول وزارة الدفاع تايدا له, الكمين الذي كان منصب في قاعة الشعب, التفاوض من اجل حياتة وحباة رفاقه والمطالبة بمحاكمتة علنيا، ومعاتبته للانقلابين وبالذات عبدالسلام عارف حين جلب لدار الاذاعة ومشاهدته كيف ان المهدواي تعرض للضرب المبرح وكان تنزف، ولم يامر الزعيم او رفاقه القادة العسكريون المدافعون عن وزارة الدفاع واللذين قاتلوا وقادوا الدفاع بانفسهم باطلاق النار على المنسحبين او اللذين تركوا ساحة القتال بل بالعكس سمح الزعيم لشخصية عسكرية مهمة وكانت تصطبغ بالولاء له وهو احمد صالح العبدي بالانسحاب وترك قضية البقاء معه ومواجهة المصير المحتوم هي قضية شخصية. وهذا السلوك هو امتداد طبيعي لرجل عرف بتسامحه وعدم وجود موشرات عديدة لنزعة عدوانية او دموية اتجاه مويديه او اعداءه.
2- جرت اتصالات تلفونية بين قاسم وقادة الانقلاب ولم ترد أي اشارة من هذه المصادر على ان قاسم كان ذليل كما يسعى حازم جواد وبدون أي شرف ان يصوره بهذه الصورة. الاتصالات كانت بن منتصر وخاسر بقى للاخير هو ورفاقه متحتفظا بتماسكه، ويمكن الرجوع الى الهوامش الهامة التي سجلها المرحوم علي كريم حول هذه المسالة في هوامش كتابه والمعتمدة على لقاء مع يونس الطائى ( وسيط الزعيم مع الانقلابين) في دمشق 1995 وبحضور الدكتور احمد الموسوي، بل ان الزعيم الركن طه الشيخ احمد والمهداوي اختلفوا مع الزعيم حول قضية التسليم واكدوا انه سيجري اعدامهم, في الوقت الذي كان يعتقد قاسم عكس هذا الامر استنادا لوعود قدمها الانقلابين. بل ان طالب شبيب يوكد ان اول اتصال اجره قاسم مع الانقلابين من( خلال التلفون الموجود في غرفة أمر سرية حرس مرسلات ابو غريب....... وتناوب هو وحازم جواد على رفع السماعة وكان المتكلم يصيح بصوت علي : انا الزعيم عبدالكريم قاسم ، فنغلق السماعة دون اجابته- ص95) ثم يذكر في ص 99 ( انقطعت المفاوضات بينا، فلجا قاسم مرة اخرى الى التلفون وكان يجيبه ضابط أوكلنا اليه الرد على مكالماته، فيقول له ، ان الوضع قد تغير وعليه الاستسلام دون قيد او شرط).
3- معظم الضباط الكبار ان لم تكن غالبيتهم واللذين التحقوا بوازرة الدفاع كانوا يدركون المصير المحتوم الذي ينتظرهم في حالة نجاح الانقلاب وهم على وعي كامل انه لم يكن راس الزعيم هو المطلوب فقط وانما رؤوسهم وراس ثورة تموز وراس الحزب الشيوعي الذي ارتبط الكثير منهم بعلاقات سياسية وتنظمية معه، اضافة لما يفرضه الشرف العسكري عليهم حين كان لهذا الشرف معنى اوصله البعث وورثته الى الحضيض.
4- هناك شبه اجماع على أن المجموعة المحاصرة في قاعة الشعب نقلت بمدرعتين وليس بمدرعة واحدة كما ذكر حازم جواد وقد كان في المدرعة الاولى المهداوي كنعان حداد وتعرض المهداوي الى الاعتداء الضرب المبرح وثم وصلت المدرعة الثانية وفيها قاسم وطه الشيخ احمد وتعرض قاسم الى بعض الاهانات والضرب وقام البعض منهم بحمايته، وفي الغرفة التي جرى فيها مواجهة قاسم ورفاقه ( لم تكن هناك محاكمة الا في الاسم فقط) كان قاسم ورفاقه متماسكين،رابطي الجأش، ويظهر انهم كانوا علي يقين بمصيرهم وخاصة بعد طريقة (الاستقبال). كان قاسم متماس ولم يتردد في الدفاع عن مواقفه ولم يستطع عارف ان ينتزع اعتراف منه لدوره الاول في ثورة تموز رغم الجو المتوتر في القاعة والصراخ المتعالي من الاسئلة التي كان يطرحها الانقلابيون في الوقت الذي حافظ قاسم على توازنه وردوده القصيرة التي لا تترك شك لأي قارى ولو بشكل عابر ان قاسم ورفاقه لم يكن متردد ومتوسل من اجل حياته بل على العكس لم يستطيع علي صالح السعدي المعروف يصلافته ولسانه الزفر كما يقال باللهجة العراقية ان ينتزع اسم الشخص الذي اخبر قاسم بمحاولة انقلابية سابقة للبعث، فمن اين هذه الادعاءات التي يحاول حازم جواد ان يسوقها بعد ان يعيد تركيب الحدث حسب ما كان يتمناه والذي لم يجد له أي صدى في شهادة أي من مشاركيه في الانقلاب اللذين شهدوا تلك اللحظات أو في شهادة الزبيدي. أو ما اورده حازم في محاولة اخفاء قاسم نفسه خلف عارف او ما اورده حول التردد او ا ن حازم جواد حاول تخفيف الجو بمزحة او ان الزعيم وقف امامهم شاحب اللون متناسيا ان قاسم كان صائم ولم يذق لا ماء ولا زاد لمدة يومين في ساحة معركة يتقرر على ضوء نتائجها مصير شعب ووطن ناهيك عن مصيره ومصير رفاقه ومؤيديه ولماذا ينتظر حازم جواد ان يكون الزعيم متورد الخدين وكانه نازل من ابراجه العاجية هذا اذا صح ماقاله حازم جواد والكل يجمع ان قاسم ورفاقه رفضوا ان يكتبوا وصياتهم ورفضوا ان تعصب عيونهم. اما طه الشيخ احمد فكان يعرف مصيره مسبقا والكل تجمع انه رغم الشتائم والاستفزازات وبالذات من عارف وعبدالستار عبداللطيف فان ذلك لم يلين من صلابته ولم يخرجه من صمته سوى في رد بسيط على عبدالستار عبداللطيف ورغم محاولة البعض ان يعطي في بعض التفاصيل حول التردد في موقف قاسم ورفاقه هنا او هناك الا ان الكل يجمع ان الزعيم الركن طه الشيخ احمد كان اكثر الكل تماسكا. اما المهداوي الذي سيبقى مسمار في عيون البعثين اللذين سعوا في كل الاحوال لتشويه صمدوه البطولي وتحديه الموت وانه قدم اخيه وابنه شهداء في التصدي للانقلابين وانه يكفي الموقف الشريف والنزيه الذي جسده علي كريم في كتابه المار الذكر في البحث عن الحقيقة عن ما ذكره عن المهداوي والتي تشكل صورة اخرى عن ما حاوله البعثين ان يعمموه تشويها للتاريخ ويمكن الرجوع الى شهادة عبدالغني الراوي والذي قاد فريق الاعدام المتكون من ضابطين ورئيس عرفاء والوحيد الذي شهد اللحظات الاخيرة وعلى مسافة متر ونصف من ضحاياهم اكد الراوي التي وردت شهادته في نفس الجريدة وفي نفس المسلسل. يقول الرواي: كنت اعرف ( يقصد الزعيم قاسم- التوضيح مني) انه يصلي ابان العهد الملكي وكان يصوم. راح قاسم يهز براسه وفمه مغلق بشدة ويضغط على شفته باسنانه. أردته أن يتشهد. لم افهم ماذا جرى. هل أطبق فمه بقوة كي لا يتشهد أم أن الله سبحانه وتعالى لم يرده أن يتشهد. فجأة قطع طه الشيخ احمد الصمت وقال : يعيش الحزب الشيوعي العراقي . سمع المهداوي هذا الكلام فانطلق هاتفا: يعيش الحزب الشيوعي العراقي. عندها قلت للعسكرين: وجه، اطلق االنار. اعدموهم لأنني أردت أن أمنعهم كي لا يتكرار الهتاف. أنا مسلم. اما تشكل هذه الشهادات صفعة في وجه حازم جواد والتي بالتاكيد سبق له الاطلاع عليها.
من هو طه الشيخ احمد
الشهيد الزعيم الركن طه الشيخ احمد والذي لم تنشر عنه الا معلومات قليلة، واحاول هنا الاشارة لبعض المعلومات التي ربما تفيد المهتمين والباحثين في مواضيع ثورة تموز اضافة ليومه الاخير فبل اعدامه من قبل مجرمي 8 شباط الاسود، هو من مواليد 1917 في مدينة العمارة – عربي القومية ومسلم الديانة، سني المذهب، ابوه احمد والمعروف بالشيخ احمد تاجر الحبوب والرجل المهتم بالدين والذي سبق له ان نزح في وقت سابق مع قسم من عشيرته الى العمارة، ولقبه ربيعة، وهي احد اعرق العشائر العربية التي استوطنت مناطق من العراق وحتى قبل الفتح الاسلامي للعراق، وعكس مما يتصور الكثير ان الشيخ احمد هو لقب فانه في الواقع اسم الاب, قتل ابوه في العمارة بسب نزاع عائلى وبسب خلاف مالي وبشكل تراجيدي حيث دفع احد لطعنه وهو يودي الصلاة في الجامع وحمل الى بيته حيث لم تمهله هذه الطعنة فترة قصيرة جدا ليتوفى.
وطه الشيخ احمد من عائلة ذو انحدارات شبه استقراطية وله ثلاثة اخوة هم ابراهيم وهو احد الاغنياء العراقين في وقت سابق واسماعيل، تاجر الحبوب في العمارة، وحمودي وهو ابي الذي انتقل الى البصرة بعد مقتل ابيه وقد عاش سنوات طويلة اقرب الى العبث ويقال ان عدد زوجاته وبشكل شرعي قارب الاثنى عشر كانت اخرهم امي، وبعد وفاته 1957 كان عمي هو احد المتكفلين الاساسين في معشيتنا، ولطه اربعة خوات تزواجن من شيوخ عشائر وملاكين عقاريين، وشغل عدد من افراد العائلة مواقع كبيرة في العهد الملكي، كما كان اثنان من ابناء عمه عسكريين هما الاول العقيد عبدالقادر محمود الذي كان يشغل موقع امر مدفعية بغداد اثناء الانقلاب وهو احد الضباط القاسمين والوطنين وشارك مع قاسم في حرب فلسطين وتعرض الى السجن في نقرة السلمان ثم سجن رقم واحد وكان روى لي كيف ان صدام هرب من السجن وكل الموجودين فيه يعرفون ذلك قبل يوم وفي اشارة لتواطئ ادارة السجن و جهات اخرى في هذه العملية وورد اسمه في علي كريم حول حسن سريع حيث كان من المفروض ان يتسلم قيادة الفرقة الاولى في حالة نجاح الحركة، والثاني هو العقيد انور محمود المعرف باسم الحاج انور وهو ضابط شيوعي منذ 1949 ورد اسمه في كتاب بثينة ناجي ود. نزيه الدليمي عن الحزب الشيوعي وعمله في الجيش مع خطئ في اسم الاب وهو مازال على قيد الحياة متمنا له طول العمر وذاكرته بالتاكد فيها الخزين الكبير من المعلومات، وهو احد الضباط الشيوعيون الذين تعرضوا الى الاعتقال ولمدة مايقارب السنة في 1979مع ابو عامل ( عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في تلك الفترة وما بعدها) وسعيد مطر الضابط الشيوعي المعروف، وروى لي ابو عامل في كردستان كيف اسقبلته العائلة والاقارب وعند باب المعتقل في 1980 عند أطلاق سراحه وبشئ اشبه الى العرس في تحدي مكشوف وسافر للسلطة.
يذكر المرحوم ثابت حبيب العاني في مقالتيه التي نشرت في رسالة العراق في منتصف التاسعنيات حول 8 شباط . ان طه الشيخ احمد هو اول من اسس التنظمات الساسية في الجيش العراقي اضافة لغضبان السعد(ضابط شيوعي من القرنة- البصرة- توفي في المنفي في اوساط الثمانينات). وذكره كتاب شهداء الحزب الشيوعي العراقي – الجزء الاول- الصادرفي بيروت- لبنان 2001 ( ضابط برتبة عميد ركن . خريج دار المعلمين العليا والكلية العسكرية، كما درس علوم الهندسة العسكرية في انكلترا وتخرج في كلية الحقوق اواخر الاربعنيات ( وبالمناسبة هو استاذ ومدرس عبدالستار عبداللطيف الذي قام بالإساءة له في الاذاعة واحد اللذين اشرفوا على اعدامه مع قاسم والاخرين- الاضافة مني) واحد من المع ضباط الاركان في الجيش العراقي. شكل في عام 1942 مع بضعة ضباط وطنيين جمعية سرية تهدف الى نشر الثقافة السياسية والاجتماعية بين الضباط الشباب القادمين الى صنف الهندسة وتوعيتهم بالافكار التقدمية والوطنية، وافتتحت الجمعية مكتبة لها في بغداد كانت مركزا لاجتماعاتها. من أوائل الضباط الاحرار في بداية الخمسينات). رشح نائب عن مدينة العمارة في نهاية الاربعنيات وهناك حادثة لا تخلو من الطرافة يرويها المرحوم صالح دكلة في مذكراته كيف اصطدم بطه وكيف قابله طه الشيخ احمد بهدوء ورحابة صدر. احيل على التقاعد في 1953 لميوله الوطنية والشيوعية وتروي لي والدتي كيف لعب دورا في تخيف الاحكام عن اخيها الشاب الشيوعي عبدالحسين نجم النداف الذي كان قد هرب الي الكويت بسب مطاردته من قبل الشرطة الجنائية في بداية الخمسينات وكان قد عاد وسلم نفسه وبسب صلات عمي وحركته لم يحكم على خالي سوى ستة اشهر.
في فترة ابعاده عن الجيش عمل في المقاولات واستفادة من خبرته السابقة كضابط هندسة، اضافة لافتتاحه مكتبة مع المرحوم جورج حبيب الخوري وقد عرفت هذه المعلومة صدفة من خلال المرحوم الخوري (شخصية وطنية عراقي، ساهم في بداية حياته في نشاط الحزب الشيوعي العراقي خلال فترة فهد واختلف مع الشيوعين وترك الحزب الشيوعي، وهو كاتب ومبدع ذو ثقافة موسوعية، متعدد المواهب والاهتمامات العلمية وصاحب الكتاب المعروف – اليزيدية بقايا دين قديم- توفى في 1979 في بغداد وبشكل مهمل من قبل السلطة بسب موفقه الغير محابي لها، وكنت قد اختفيت عنده في 1979 ودون ان يعرف عني أي شى سوى كوني طالب شيوعي من البصرة ومطارد بعد اعتقالين سبق ان تعرضت لهما في بغداد والبصرة. وقدم هو واختة العمة ماري كل مايستطعون من اجل راحتي وحمايتي).
ويظهر ان الحياة المدنية وسعت بشكل كبير من قرائته ومداركه السياسية والفكرية والادبية وكان يحفل بيته حتى يوم اعدامه بمكتبة عامرة بانواع الكتب التي ملئت الرفوف. في اليوم الثاني لنجاح ثورة تموز اتصل به الزعيم واستدعاه للعودة للجيش ولم يكن طه الشيخ احمد متحمس لهذه العودة ولكن اصرار قاسم وعلاقتة السابقة والوثيقة معه وقناعة قاسم بكفاءته العسكرية ونزاهته الشخصية كانت وراء هذا الاصرار للعودة للجيش حيث عاد وبرتبة زعيم ركن وتولى عدة مهام ولعب ادوار هامة في حياة الجمهورية الفتية واشرف على تفكيك وتحليل مخططات حلف بغداد العسكرية التي سبق ان رسمت ايام الحكم الملكي ولعب دور اساسي في التصدي لاخماد حركة الشواف حيث كان يشغل وحتى لحظة استشهاده منصب مدير الخطط الحربية العامة. كتب عنه بطاطو في ج3 ص 202 حين يصف المكاسب السريعة التي حققها الشيوعيون في القوات المسلحة في بداية عمر ثورة تموز ( وكانت هذه مكاسب أرادها قاسم نفسه، ان صح القول ، في ظل ضغط الظروف – الخطر الذي يهدده من جانب القومين- وان لم يكن ذلك قد تم من دون تحريض من الزعيم الركن الشيوعي الميول طه الشيخ احمد، أحد اقدر ضباط الجيش العراقي وأوسعهم حيلة، والذي يمثل عند هذه النقطة( القوة المختبئة وراء العرش) كما كان لوزير خارجية قاسم أن يصفه في وقت لاحق).
بتقديري مثل طه الشيخ احمد عينة محددة من العسكرين التي لم تحظى بدراسة لحد الان من قبل الباحثين والمهتمين بقضايا ثورة تموز ومنها مثلا الزعيم الركن جلال الاوقاتي، غضبان السعد واخرين وهي مجموعة صغيرة من الضباط الكبار وذو رتب عالية فيما بعد، ظهرت في فترة الحكم الملكي ابعدت من الجيش بسبب الشبهات حول نشاطها السياسي ولفترات معينة قبل ثورة تموز، اتاح لهاهذا الامر ان تمارس الحياة المدنية وتمارس نشاطها السياسي بشكل مدني وهذا انعكس عليها وبتقديري الشخص على جملة المفاهيم السياسية والفكرية التي تبنتها وفي عملية ايدائها العسكري – السياسي بعد ثورة تموز، وهنا نقف امام شخصية غير تقليدية للعسكري الذي يدخل ميدان الساسية من باب الثكنة مباشرة, هنا مرت هذه العينة والتي افرزتها ظروف معينة بمرحلة ربما نستطيع تسميتها مرحلة وسيطة حيث جربت العمل السياسي الجماهيري واقتربت او التصقت بمصالح هذه الجماهير، وهذا انعكس لاحقا في التاثير الواسع على الخطوات والانجازات التي اتخذها قاسم. ويظهر ان بعض الكتاب يرهن هذه الخطوات والانجازات وخاصة تلك التي اتسمت بمواجهه حادة مع اعداء الجمهورية الفتية باسم قاسم فقط ، وبتقديري لعب هولاء الضباط الكبار دورا كبير في التاثير على قاسم في هذا المجال وخاصة في السنتين الاولى للثورة. كما ان هذه الفئة كانت اقل ميلا لفكرة التامر والانقلاب العسكري والدور العسكري الفردي, الذي تميزت به نسبة غير قليلة من الضباط الاحرار بعد ثورة تموز لحل الخلافات الناشئة بينهم بعد انتصار الثورة وهي كانت اقدر على فهم شخصية قاسم بسب قربها منه. ومما يلاحظ في هذا المجال انه قوى اليسار العراقي وبالذات الحزب الشيوعي العراقي الذي كانت هذه الفئة على علاقة به بشكل او أخر لم تقيم بشكل جاد هذه الفئة وبالتي لم تستفيد منها ويلاحظ مثلا لم يضم المكتب السياسي أو اللجنة المركزية من يعبر عن أراء هذه الفئة التي مثلت الى حد ما الذراع الضارب للحزب فيما لو استخدمت وبل بالعكس وقف المشرف على راس التنظيم العسكري شخصية مدنية دار حولها صراع متعدد، ونحن في غنى عن ذكره الان.
أختلف طه الشيخ أحمد مع الشيوعين وأحد هذه الامور والتي يظهر انها كانت الابرز هو الموقف من السلطة. يذكر ابن عمتي طارق روؤف الموظف السابق في وزارة العدل وهو ما يزال يعيش في بغداد، هذه الحادثة والتي كانت في نهاية 1959 بعد محاولة اغتيال قاسم انه كان الشهيدان سلام عادل ( سكرتير الحزب الشيوعي) وجمال الحيدري (عضو المكتب السياسي) على موعد مسبق مع طه الشيخ أحمد في بيته، وكان طارق شاب محبب الى خاله طه،وقد اتاح له هذا الامر الاستماع الى الحوار والنقاش الطويل والحاد جدا والذي تتخلله عبارات حادة عبر غرفة ملاصقة لغرفة الضيوف ومخلص الامر كان طه الشيخ أحمد يطالب باهمية أستلام السلطة وابعاد قاسم عنها وانه هناك امكانيات كبيرة لتحقيق هذا الامر في الوقت الذي كان لسلام عادل وجمال الحيدري وجهة نظر اخرى معارضة لهذا الامر.
عند اعلان انقلاب 8 شباط الاسود كان الزعيم الركن طه الشيخ احمد كما هو معروف للكثير وبشكل عملي شبه مجمد من الناحية العسكرية ومنذ بداية 1960 بدا نجمه بالخفوت وقد اشار الى هذا الامر السيد مراد العماري في احد مقالاته في جريدة العراق الحرعلى ما اتذكر ويظهر ان لقاسم كان بعض التحفظات والتخوفات منه. اتصل عبدالكريم قاسم تلفونيا بعمي في بيته الذي لم يبعد عن بيت قاسم الا مسافة قليلة, واخبره بالانقلاب وقد كان رد طه الشيخ أحمد حاد حيث اسمع قاسم كلمة حادة واكمل حديثه ( هذي اللي ردتها مو كنالك اعدمهم وما رضيت وين راح توصلنا) وكان رد قاسم هادئ وغير متوتر وان هذه مشكلة غير كبيرة وطلب منه الحضور. زوجة عمي وهي الزوجة الثانية، خوفا على حياة زوجها والمصير الذي كان ينتظره, حاولت اقناعه او ثنيه من الخروج وقامت باخفاء مفاتيح السيارة عسى ان تستطيع منعه، مما اضطره لتهديدها كي يسترجع مفاتيح السيارة وكان اخر كلام له ( خلوني اذهب واطلع أموت كرجل، احسن من ان اعيش جبان). وفي وزارة الدفاع التي وصلها مع قاسم, اقترح على قاسم توزيع السلاح على الجماهير المتظاهرة حول الوزارة تايدا لقاسم، ولكن الاخير كما هو معروف رفض الامر حقنا للدماء ثم أقترح لاحقا من انه يمكن التصدي للانقلاب فيما لو توزع الضباظ الكبار المتواجدين مع قاسم في الدفاع وذهبوا االى المعسكرات وهم معروفون لبقية الضابط والجنود والرتب الاخرى، هذا الامر سوف يشل حركة الانقلابين ويودي لتجميع القوات المؤيدة لهم ويمكن التصدي للانقلابين ولكن قاسم رفض هذا الامر ثقتة منه يتحصينات وزارة الدفاع واستهانته بقوى الانقلاب وثقته بالضباط المؤيدين له. بمعنى أخر كان طه الشيخ أحمد كالابطال الاخرين الذي التحقوا بوزارة الدفاع للدفاع عن ثورة تموز، يعي المصير الذي ينتظره وينتظر شعبه ووطنه في حالة نجاح الانقلاب الاسود، وقد جسد موقفه هذا في اللحظات الاخيرة من حياته عندما اطلقت النار عليه هاتفا بحياة الحزب الشيوعي العراقي وليخلد في صورته المنشورة بعد الاعدام جالسا على الكرسي وكانه متمدد في شبه اغفائة قصيرة، راسه الى الخلف وفمه مفتوح بهتاف لم يكتمل، كفه اليمنى جريحة وملفوفة برباط اسود وبلباسه العسكري الغير مربك، متحديا رصاصات قتلة شباط . ولم تستلم عائلة طه الشيخ أحمد جثته كي تستطيع دفنه, حيث رميت جثتة مع الاخرين شهداء مذبحة الاذاعة في نهر دجلة وكما هو معروف، وكذلك لم تستطيع عائلته الحصول على شهادة وفاة الا بعد سنوات عديدة وبشق الأنفس. هذا السلوك الذي حوله لاحقا صدام وبقية أيتام 8 شباط الى ممارسة يومية.
هناك سوال يبقى عالقا في الذهن في المحاولة الجديدة لحازم جواد في اغتيال قاسم ورفاقه وكل الابطال الذين تحدوا قطعان 8 شباط الاسود وهو لماذا يصمت حازم جواد عن مصير الشريط المسجل لما حدث في الاذاعة لقاسم ورفاقه، ويوجد هناك على الاقل تاكدين على وجوده، الاول من الاذاعي ابراهيم الزبيدي والثاني ما يذكره طالب شبيب في مذاكراته الى انه استمع الى هذا الشرط لاحقا والذي كان بحوزة حازم جواد. وماذا يقول حازم جواد في المعلومة التي نشرت في ملف جريدة الصباح الصادرة في بغداد في عدد 8-2-2004 حول 8 شباط اوردها السيد أحمد علون حيث كتب( وهنا اود أضافة ملاحظة مهمة وقعت في اليوم المذكور ( الحديث يجري عن يوم الانقلاب- أ.ر) قصها علي شقيقي المرحوم حافظ علوان الي عمل بمعية الزعيم الامني لمدة عشر سنوات قبل وبعد ثورة 14 تموز المجيدة وقد أتمني عليها في حينه وطلب نشرها عندما تحين الفرصة. وخلاصة الحادثة انه في عصر يوم 8 شباط 1963 عندما حاصرت قوى الشر وزارة الدفاع وبدأت الكفة تميل لصالحهم أتصل المرحوم ناصر حسن الجنابي – مدير عام الخطوط الجوية العراقية في حينه وتكلم مع شقيقي المرحوم حافظ علوان واعلمه بانه قد جهز طائرة مدنية في مطار بغداد يمكنهم استعمالها للخروج من بغداد الى أي جهة يقررونها وطلب منه أخذ رأي الزعيم في ذلك وعند أخبار الزعيم بالموضوع طلب من شقيقي حافظ أن يبلغ المرحوم ناصر الجنابي شكره وانه يفضل البقاء والموت بين جنوده في وزارة الدفاع وتم التبلغ بذلك وعلق الزعيم بعد ذلك: ماذا ستقول الاجيال القادمة من العراقين لو انني تركت وزارة الدفاع الى أي جهة أمنة).
أما بخصوص الحديث الذي تناول حازم جواد به سلام عادل فهو شئ من النذلة المخفية تحت النظارة السوداء، وهنا لا اريد ان اطيل الحديث فقد أشار العديد من الكتاب الى التناقض في ما أورده حازم وما اورده مشاركين اخرين في الانقلاب، وهذا المسلك بمحاولة تشويه صمود سلام عادل يوكد السبب الحقيقي وراء ظهور ذكريات حازم جواد في هذا الوقت. لقد تعرفت قبل عدة سنوات على المناضلة الشيوعية زكية شاكر وزجها والواردة اسمائهم في بداية المقال من خلال صداقتي بابنها د. جواد كاظم. وبالتاكد فان حازم جواد يتذكر اسم هذه المناضلة ويعرفها بشكل جيد وقد كان احد المشرفين على تعذيبها وخاصة انها كانت مراسلة سلام عادل, فهي احد معتقلات قصر النهاية وتعرضت فيه الى ابشع انواع التعذيب. والمرحومة( توفت قبل بضعة سنوات في السويد نتيجة اصابتها بسرطان الدم) كانت ذو ذاكرة رائعة لها القدرة على تذكر الكثير من التفاصيل الدقيقة وتعرف اغلب اسماء الجلادين الذين ادارو عجلة التعذيب والموت في قصر النهاية، وقد التقت وشاهدت سلام عادل اكثر من مرة اثناء تعذيبه في قصر النهاية سواء في بعض المرات التي كان سلام عادل محتفظ بقدرته على الكلام رغم التعذيب البشع او في اللحظات الاخيرة من حياتة في سرداب القصر عندما كان يستجمع كل مابقى له من طاقة ليطلق حشرجة صوته التي هي مزيج من الكلمات او الاغاني الثورية. واعتقد ان هذة المناضلة الجليلة هي التي سجلت شهادتها في كتاب سلام عادل سيرة ذاتية وذلك اعتمادا على ما سمعته منها ومقارنة بما هو مدون في الكتاب. أتمنى من المناضلة ثمينة ناجي ( أم ايمان) تكشف عن هذا الامر حيث طرح البعض انه لا يوجد اسم معتقلة باسم ماجدة علي ويظهر ان جلادي شباط لم تزل ذكرتهم تتذكر اسماء ضحاياهم ولهم القدرة لاعادة تركيب الاحداث بدون أي ضمير أو أي خجل.
لم يكن لك ياحازم جواد شىء تتفاخر فيه في مذكراتك سوى العار والهزيمة التي تمرغت بهما من جديد حين سعيت لتشوه الحقائق والتاريخ ولم تكن يدك يدك نظيفة كما حاولت ان تدعي فهي ملطخة بدماء الالاف الضحايا والشهداء الابرار،يداك ملخطة بدماء شعب وطن.
يبقى عندي سؤلان افتراضيان حتى يدرك حازم جواد (مأثره الثورية) على الشعب العراقي والذي يحاول في هذه المذكرات الاساءة للتاريخ الثوري لشعبنا ووطننا. لو فرضنا ان احد المارة تعرف على حازم جواد في احد الاسواق الشعبية اوالاماكن العامة وصرخ باعلى صوته هذا حازم جواد قاتل الزعيم. فهل يتصور حازم جواد حجم امواج النعل والاحذية ( الطريقة الجديدة لتعامل العراقين مع جلاديهم) التي سوف تتلقفه.
لو خط حازم جواد على قبره او قام شخص من ضحاياه او عوائلهم بخط بان هنا يرقد حازم جواد قائد 8 شباط وقاتل الزعيم، هل يتصور حازم جواد الى أي شىء سيتحول قبره.