|
موريتانيا والديمقراطية إلى أين؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2466 - 2008 / 11 / 15 - 06:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في المؤتمر التأسيسي الأول للمؤسسة العربية للديمقراطية في الدوحة (27-29 مايو 2007) تم تكريم العقيد محمد ولد فال والجنرال عبدالرحمن سوار الذهب من قبل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حاكم قطر، ولعل هذا الأمر جاء استجابة لرأي عام تكوّن إزاء التداول السلمي للسلطة، فكل من سوار الذهب وفال (1985-2006) أوفيا بوعدهما وسلّما السلطة إلى مؤسسات منتخبة خلال فترة انتقالية قصيرة. وبسبب خلافات وإشكالات ومعوّقات وأخطاء في طريق التجربة الموريتانية الوليدة حدث انقلاب عسكري جديد في 6 أغسطس الماضي، الأمر الذي يمكن اعتباره ضمن المسطرة الديمقراطية والمعايير الدولية تجاوزاً على مبدأ الانتخابات والإرادة الشعبية بعد 16 شهراً من الانتقال الديمقراطي الذي اعترف به العالم أجمع. وقاد الانقلاب العقيد محمد ولد عبدالعزيز، وتم خلع الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ عبدالله الذي تم احتجازه، وانقسم الشارع الموريتاني، كما انقسمت الحركة السياسية، بين معارض للتغيير العسكري وبين مؤيد أو مبرر بسبب أخطاء ونواقص ومحاولات انفراد وإقصاء كما قيل. ولعل مثل هذا الحدث أثار طائفة من الأسئلة الجديدة بخصوص دور العسكريين في التطور الديمقراطي سلباً أو إيجاباً، بعد أن كان الاعتقاد السائد في فترة الخمسينيات والستينيات أن دورهم إيجابي بشكل عام، لا سيما إزاء التحرر الوطني والاستقلال والانعتاق من ربقة القوى الاستعمارية التي وقفت حجر عثرة أمام استعادة شعوب هذه البلدان سيادتها وكرامتها، وحقها في اختيار طريق التنمية المستقلة، لكن هذا الدور أصبح يُنظر إليه لاحقاً باعتباره كابحاً للتطور الديمقراطي. ورغم ما قيل من إيجابيات وسلبيات بشأن الانقلابات العسكرية، فإنها ينبغي أن تؤخذ في سياقها التاريخي، خصوصاً أن مرحلة جديدة يعيشها العالم. وفي المحصّلة أسهمت الانقلابات في قطع خط التطور التدريجي للإرهاصات الديمقراطية الجنينية في عدد من بلدان المشرق بشكل خاص مصر والعراق وسوريا، وفيما بعد في اليمن والجزائر وليبيا والصومال والسودان وتونس، إضافة إلى موريتانيا وغيرها. لكن الانقلاب العسكري في العام 2005 هو الذي هيأ للانتخابات وفتح طريق التطور الديمقراطي السلمي أمام موريتانيا، وقادته المجموعة العسكرية ذاتها التي قادت الانقلاب الحالي، الأمر الذي سيكون مطروحاً بحدّة الآن، وهو إلى أي مدى يمكن الحفاظ على المسار الديمقراطي وتعميقه؟ وهو ما لمسته في زيارتي الأخيرة إلى موريتانيا ضمن وفد المؤسسة العربية للديمقراطية والذي كان برئاسة وزير حقوق الإنسان المغربي السابق محمد أوجار. ولعل دور الجيش في بلدان العالم الثالث بشكل عام كان أحد العوامل المحرّكة والمعوّقة في الآن ذاته للتطور الديمقراطي السلمي، لا سيما في الوضع الداخلي، يضاف إليه العوامل الاجتماعية والعادات والتقاليد والانقسامات الفئوية والدينية والطائفية والتمييز الإثني وغير ذلك. وإذا أضفنا إلى هذه العوامل عناصر خارجية مثل محاولات فرض الهيمنة والاستتباع ونهب موارد هذه البلدان في علاقات اقتصادية وسياسية دولية غير متكافئة، فضلاً عن النزاعات المسلحة الداخلية والحدودية والتي استمر بعضها لسنوات طويلة، فإننا سنكون أمام تحديات حقيقية وقفت عائقاً أمام التطور الديمقراطي ومنعت الخط الصاعد باتجاه الإصلاح والتنمية الذي كانت تتوق إليه شعوب هذه البلدان. لقد أسهمت الانقلابات العسكرية في تبرير قيامها، إما بادّعاء «تحرير» فلسطين وإما بحركة تصحيحية تسعى لإنقاذ البلاد من الفساد والتسلّط الفردي، لكنها جميعها دون استثناء سارت في النهج الذي قامت لتقضي عليه أو لتصححه، وكرّست واحدية وإطلاقية وادعاء امتلاك الحقيقة، وشنت هجوماً ضد معارضيها باتهامهم بأقذع الاتهامات أحياناً، وفرضت نمطاً من الحكم يقوم على تقديس الحاكم وتحريم انتقاده، ناهيكم عن استخدامها الماكينة الإعلامية بشكل دعائي ومضلل في الكثير من الأحيان واعتمادها على أجهزة أمنية مطلقة الصلاحية واستخدامها المال العام لمصالحها الخاصة. وإذا كانت هذه هي القاعدة، فإن انقلاب سوار الذهب عام 1985 وانقلاب 2005 والحكومة المؤقتة لعلي فال ذهبا باتجاه آخر، وهو تهيئة الظروف لإجراء انتخابات عامة، وهو السؤال الذي يواجه الانقلاب العسكري الحالي الذي ردّ قائده (رئيس الدولة) على الفور: أنه مستعد لإجراء انتخابات خلال يومين أو أسبوع أو شهرين، أو أية فترة يتم الاتفاق عليها. وكانت بعض ملامح حكم العسكر تقوم على اتحاد ودمج السلطتين التنفيذية بالسلطة التشريعية، لا سيما في فترة الانتقال التي تطول أحياناً لسنوات أو حتى لعشرات السنوات، وتحت مسمّيات مختلفة فأحياناً باسم «مجلس قيادة الثورة» أو المجلس الوطني أو غيرها، وأحياناً أريد التحضير إلى تشكيلات تتخذ شكل أحزاب أو مؤتمرات لتنظيمات سياسية تكرّس هيمنتها وسيادتها في حكم البلاد. وهذا هو الملمح الأول لحكم العسكر، لكن جميع الأطراف بما فيها قادة الحكم الجديد في موريتانيا يريدون فترة انتقال ليست طويلة، مع وجود هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات وبضمانات دولية. الملمح الثاني قام على تمسك العسكر بالسلطة بشتى الوسائل، وحتى وإن اضطروا لإجراء انتخابات، فإنهم في الغالب يحصلون على نسبة تصل إلى أكثر من %90، ولعل هناك بعض التجارب الكوموتراجيدية، حين حصل الرئيس العراقي السابق في الاستفتاء والبيعة على %100، لكن تجربة موريتانيا بعد العام 2005 اتخذت طريقاً أخرى، في ظل منافسة شديدة حصل فيها زعيم المعارضة أحمد ولد داده على نحو %47. الملمح الثالث قيام العسكريين بتعليق الدستور (النافذ) ووضعه على الرف، وحتى الدساتير المؤقتة في الغالب التي شرّعوها لم يلتزموا بها، وظلّت القوانين والأنظمة تخضع للإدارة العسكرية الحاكمة، بما فيها القضاء في أحيان كثيرة. ولكن التجربة الموريتانية الحالية استمرت في اعتماد الدستور نفسه، مع رغبة في تعديله بسدّ بعض الفراغات، الأمر الذي ينتظر حواراً وطنياً، في البرلمان وخارجه، للتوافق حوله، خصوصاً بين الموالاة والمعارضة. الملمح الرابع لحكم العسكر يبدأ باستخدام الجيش في الاستيلاء على السلطة، والاستدارة بوظيفته الدفاعية والبنائية إلى وظيفة سياسية، الأمر الذي أصبح مستهجناً، لا سيما أن غالبية دول العالم تحكمها أنظمة منتخبة وتقوم على أساس التطور والتراكم السلمي التدرّجي، في حين أن البلدان المحكومة من قبل العسكر، هي بلدان بعيدة عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وهذا بحاجة ماسة إلى تأكيده في التجارب ذات الخصوصية. الملمح الخامس أن الأنظمة التي يحكمها العسكر لا تعترف بالتعددية والتنوع وإن اعترفت اضطراراً، فسيكون الاعتراف شكلياً وتحت ضغط القوة الشعبية وأحياناً تساوقاً مع ضغط الخارج وسياق التطور الدولي. وفي الغالب فإن الأنظمة التي انبثقت عنها استندت إلى قوانين الطوارئ والأنظمة العرفية، والمحاكم العسكرية والخاصة أحياناً في محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم سياسية «خطيرة». ولم يسع قادة الانقلاب الموريتاني إلى تعطيل الحياة المدنية، علماً أن أحد مفارقات الانقلاب أنه يحظى بأغلبية في البرلمان سواء في مجلس الشيوخ أو في الجمعية الوطنية. الملمح السادس، أن حكم العسكر في الغالب لا يعترف بدور خاص للمجتمع المدني، ليس من باب رفض الشراكة أو الدور التكميلي الذي يمكن أن يقوم به المجتمع المدني، بل بعدم الترخيص له بالعمل الشرعي والقانوني والاعتراف به كجزء من متطلبات التحوّل الديمقراطي، لا سيما في المرحلة الراهنة التي تشهد انتقالاً وتوسعاً في حجم وعدد البلدان التي تحكمها أنظمة منتخبة ديمقراطية، حيث يزيد عددها عن %60 من دول العالم، في حين أن الدول غير الديمقراطية تحكمها في الغالب أنظمة عسكرية أو شبه عسكرية، وللأسف فإن غالبيتها من الدول العربية والإسلامية والعالمثالثية بشكل عام. وإذا كان بعض مؤسسات المجتمع المدني قد ندد بالانقلاب الموريتاني، فإن مجموعات أخرى من المجتمع المدني والأكاديمي والمهني أيدته بحماسة. وبغض النظر عن التجربة الموريتانية فإن مراجعة التجربة العسكرية المريرة في العالم العربي تمكننا من القول إن ممارسة السلطة في العالم الديمقراطي هي من اختصاص السياسيين، وليس من اختصاص العسكريين، وأن الجيش والقوات المسلحة تتبع في قيادتها وإدارتها وتوجهاتها للسلطة التنفيذية، وليس العكس كما هو الحال في الأنظمة العسكرية في بعض دول العالم الثالث، حيث تقود القوى العسكرية السلطة وتخضع السياسة والسياسيين لحكمها الذي هو في الغالب يقوم على القهر والإكراه والاستبداد وإملاء السياسات بعيداً عن خيارات الشعب أو برلماناته الحرة المنتخبة. ومن حق العسكريين إذا رغبوا في الحكم الذهاب إلى صندوق الاقتراع بما تجيزه القوانين والأنظمة في كل بلد. والحكم في البلاد الديمقراطية ليس من اختصاص العسكريين أو الجيش أو حتى رجال الدين أو رجال الأعمال، بل هو من اختصاص المدنيين السياسيين الذين يختارهم الشعب ويحق له تغييرهم متى ما أراد ومتى ما شاء، خصوصاً خلال فترة انتخابية محددة (دورة أو دورتين) من رأس الدولة مروراً بممثلي الشعب في البرلمان. إن الجيش في العالم الديمقراطي يخضع للدولة وليس للسلطة، وهناك فروق واضحة بين الدولة والسلطة، فالسلطة في العالم الثالث والأنظمة العسكرية تحاول ابتلاع الدولة أو تحويلها لصالحها أو التماهي معها، بحيث يصبح كل ما في الدولة لصالح السلطة، في حين أن السلطة كما هو مُفترض زائلة والدولة هي الباقية. ولهذا السبب يحاول بعض الحكام توريث سلطاتهم إلى أبنائهم في أنظمة لا تقرّ التوريث أو تدعي أنها أنظمة لا تقوم على الوراثة حسب الدستور، لكنهم بحكم تعتّقهم بالسلطة يشعرون وكأن الدولة أصبحت ملكاً لهم، ولهذا تراهم يعملون ليل نهار لتكريس سلطة أبنائهم، أو عائلاتهم، باعتبارها امتداداً للدولة التي احتكروا حق ملكيتها تحت مبررات مختلفة وبذرائع شتى. إذا كنّا قد احتفينا بصدق بالتجربة الديمقراطية الجنينية في موريتانيا، وهو ما كتبته بعد زيارتي لموريتانيا لإلقاء محاضرة في نواكشوط في أغسطس 2007، فإن من واجبنا كحقوقيين ومعنيين بقضايا المجتمع المدني العمل بكل الوسائل المشروعة والممكنة للحفاظ على جذوتها وردّ الاعتبار إليها، والاحتكام مجدداً إلى الرأي العام ليقول كلمته فيها وهو ما لمسته لدى زيارتي ضمن وفد المؤسسة العربية للديمقراطية في أواخر أكتوبر الماضي، لا سيما الحرص الشديد من جميع الفاعليات والأنشطة السياسية والاجتماعية والأكاديمية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني، ومن الموالاة والمعارضة، على التمسك بالخيار الديمقراطي طريقاً لا رجعة فيها، كما تعرفت باعتزاز على طاقات وكفاءات حيوية رصينة وواعدة، وكنت مع زملائي نؤكد على قدرة الموريتانيين أنفسهم في استلهام حل موريتاني، من خلال الحوار، مؤمنين بحكمة الموريتانيين وقدرتهم في تجنيب بلادهم مخاطر حرب أهلية أو حصار دولي جائر.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق منجم الخطر
-
من المستفيد من استئصال المسيحيين في العراق؟
-
المستوطنات الإسرائيلية: الصقور والحمائم!!
-
حين يكتب رجل الدين قصائد الغزل!
-
ثرثرة الديمقراطية
-
كيسنجر وموعد الانسحاب من العراق!
-
هل جاء دور أوكرانيا بعد جورجيا؟
-
انها الرأسمالية.. يا صديقي
-
هل ثمة يوم للديمقراطية؟!
-
ما بعد الصهيونية
-
الحرب من الداخل والبرنامج السري!
-
الأبعاد الأخلاقية في حقوق اللاجئين!
-
النووي الصالح والنووي الطالح
-
أربعة خيارات في حل مسألة كركوك!
-
الحُصيري: الشعر والتمرد الدائم!!
-
بين الواقعية السياسية والاستهلاك الشعبي
-
التحدي الإيراني بين المناورة والمغامرة
-
حالة تسامح!!
-
آثار العراق ذاكرة العالم
-
محاكمة كراديتش.. «شيطان الشعر» أم لوثة التلذذ بالدم؟
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|