أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - تقويم نقدي لتطور عملية بناء الحزب الشيوعي السوداني(1946-1989م)















المزيد.....



تقويم نقدي لتطور عملية بناء الحزب الشيوعي السوداني(1946-1989م)


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2466 - 2008 / 11 / 15 - 07:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تقويم نقدي لتطور عملية بناء الحزب :
مهما حاول المرء عمل تقويم نقدي لعملية بناء الحزب للفترة ( 1946 – 1989 ) ، فلن يجد أصدق من وثائق الحزب نفسها والتي كانت ناقدة في الفترات التاريخية المختلفة ، فالمنهج الذي أسهم في ترسيخه الشهيد عبد الخالق(سكرتير الحزب السابق) كان ناقدا لا يعرف الرضي عن النفس ، ويبحث دائما عن الجديد ويصارع من أجل تجاوز الجمود في عملية بناء الحزب .
النقد بدأ كما جاء في كتاب لمحات ، منذ تكوين الحلقات الأولي للحركة الوطنية للتحرر الوطني عام 1946 ، لأسلوب عمل أول لجنة مركزية لها ، تلك القيادة التي لم تبرز وجه الحزب المستقل ، واختزلت التعليم الماركسي في بعض النصوص الجامدة – ولم تدرس أوضاع البلاد أو تحاول دراسة واقع البلاد من زاوية الماركسية ، ولم تتجه لبناء الحزب وسط الطبقة العاملة ، بل الأخطر من ذلك كله أن الحزب لم تتوطد فيه لائحة بل ظلت العلاقات بين أعضائه وهيئاته تسودها الاتجاهات الشخصية اكثر من الروابط التنظيمية . ( كان هذا امتدادا للعلاقات في التنظيمات القبلية والصوفية .. ) .
وبدأ النقد والصراع يبرز ضد هذا الاتجاه وتوصل الصراع والنقد عام 1947 إلى حل المسائل الآتية :
• بناء فروع وسط الطبقة العاملة وترقية كادر عمالي وسط القيادة .
• وضع لائحة للحزب .
• إصدار مجلة الكادر ( الشيوعي فيما بعد ) .
• إصدار منشورات مستقلة باسم الحزب .
• تصعيد النشاط الجماهيري المستقل ضد الاستعمار والجمعية التشريعية عام 1948 .
• حل مشكلة التحالف مع الرأسمالية الوطنية على أساس التحالف والصراع .
• الدخول في جبهة الكفاح ضد الجمعية التشريعية وتصعيد النضال ضدها .
بعد معارك الجمعية التشريعية كان من الممكن أن تحدث قفزة في وضع الحزب ، ولكن أسلوب ومنهج عمل الجنة المركزية بقيادة عوض عبد الرازق لم يكن مساعدا وعاد الاتجاه الذي تمت هزيمته عام 1947 – مرة أخري ، وهو في مضمونه لا يخرج عن الوقوع تحت تأثير الرأسمالية الوطنية وتقييد نشاط الحزب المستقل بحدودها . هذا إضافة إلى ضيق العمل القيادي وغياب الديمقراطية في الحزب ككل ، وكانت العلاقة بين اللجنة المركزية والمستويات التنظيمية الأولى تنحصر في إصدار القرارات وتنفيذها ، ولم يكن في الحسبان مناقشة قرارات ل .م ناهيك عن انتقادها ( التيجاني الطيب : مجلة الشيوعي 150 ) . وتم :- إخفاء : دور الحزب المستقل – ضعف صلات الحزب بالطبقة العاملة والجماهير الثورية – سيادة الجمود في دراسة النظرية الماركسية – شاعت العلاقات العائلية في التنظيم وضرب باللائحة عرض الحائط – تدهور حياة الحزب الداخلية وانخفاض مستوى التعليم الماركسي فيه – سياسة خاطئة أدت لخروج عشرات المثقفين من الحزب ومن بقي أصابه اليأس – لاخطة للعمل لمواجهة الظروف الجديدة التي نشأت بعد قيام الجمعية التشريعية .
ويذكر التيجاني الطيب في مجلة ( الشيوعي 150 ) أنه تحت ضغط الأزمة انبثقت فكرة المؤتمر التداولي الذي انعقد عام 1949 ، وجاء كشكل أرقي لتوسيع الديمقراطية ومشاركة الحزب ممثلا في كوادره لمناقشة كل شئون الحزب ومحاسبة اللجنة المركزية عن أدائها كقيادة .
أنجز المؤتمر التداولي عام 1949 الآتي :
• وضع أسسا ثابتة لتنظيم الحزب في أماكن العمل والسكن ، ولبناء رابطة الطلبة والنساء الشيوعيات . وتم التخلص من ً الأشكال الهرمية ً التي استجلبت من الحركة الشيوعية المصرية – شكل السكرتاريات الحزبية المنفصلة للعمال والطلاب والمثقفين . وإنشاء قيادة واحدة لمنطقة العاصمة وصارت الفروع تضم أعضاء الحزب وفقا للتنظيم الجغرافي .
• تم ترسيخ المفهوم الثوري للجبهة الوطنية .
• أدان الاجتماع سياسة عوض عبد الرازق .
• بني الحزب صحافة مستقلة ( اللواء الأحمر – الميدان فيما بعد ) .
• جرت تعديلات في لائحة الحزب تتلاءم مع تطور الحزب وطبقت مبادئها وجرى كفاح ضد الانحلال التنظيمي والعلاقات الفردية ليحل محلها الضبط التنظيمي والعلاقات المبدئية .
• عملت اللجنة المركزية لدعم الديمقراطية في الحزب فأجرت انتخابات للقادة ( بعد المؤتمر التداولي ) وعقد أول مؤتمر للحزب عام 1950 . كما تم نشر قرارات المؤتمر التداولي لأعضاء الحزب في مجلة الكادر لإبداء الرأي حولها .
المؤتمر الأول في اكتو بر 1950 :
طرحت اللجنة المركزية في ذلك المؤتمر قضايا سياسية وفكرية وتنظيمية أمام المؤتمر لاتخاذ قرارات بشأنها . كانت تلك أول مرة يحدث فيها ذلك في تاريخ الحزب .
- أجاز المؤتمر لائحة ساهمت في الاستقرار التنظيمي وفي إعلاء مبادئ التنظيم اللينينني .
- من نتائج المؤتمر أيضا انتخاب اللجنة المركزية والتي قبل ذلك كانت عضويتها تكتسب بالتصعيد ( أي بقرار منها بضم أعضاء إليها ) .
- أشار المؤتمر إلى ضرورة ربط العمل الفكري بالعمل الجماهيري واستقلال الحزب في نشاطه بين الجماهير واعلان موقفه المستقل في كل المسائل من منابره المستقلة ( أي رفض المؤتمر اتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يقول بدراسة النظرية أولا ، ثم العمل الجماهيري ، على أن يتواصل نشاط الحزب الشيوعي من داخل الأحزاب الاتحادية ) .
الصراع الداخلي : 1950 – 1951
المؤتمر الأول وقع الصراع الداخلي ، وكان الرد بفتح المناقشة العامة على صفحات الكادر ( مجلة الشيوعي فيما بعد ) طارحا على الأعضاء القضايا مدار الصراع وموقف الطرفين منها ( كانت تلك أول مناقشة عامة تفتح في الحزب ) .
المؤتمر الثاني في اكتو بر 1951 :
تحولت المناقشة في الكادر إلى مناقشة تحضيرية للمؤتمر الثاني الذي انعقد في اكتو بر عام1951 ، وحسم المؤتمر الصراع الداخلي ، وأقر أول لائحة لتنظيم حياة الحزب الداخلية وتحديد هويته كحزب لينيني . بعد المؤتمر الثاني وقع الانقسام وقررت اللجنة المركزية طرد المنشقين .
خلاصة واستنتاجات
السرد الموجز أعلاه يمكن الوصول للاستنتاجات التالية :
1 – خلال الفترة 1946 – 1949 لم يعقد أي مؤتمر للحزب الوليد ، وتميزت تلك الفترة بالمركزية وهيمنة واحتكار اللجنة المركزية لكل عمل الحزب القيادي . كما غابت الديمقراطية الحزبية وكان المطلوب من الأعضاء تنفيذ قرارات اللجنة المركزية ، ولم يكن للعضوية الحق في مناقشتها وانتقادها . كما لم تكن هناك لائحة تنظم العلاقة المبدئية بين عضوية الحزب ( تم عمل لائحة عام 1947 وضرب بها عرض الحائط حتى عام 1949 ) ، وكان ذلك تعبيرا عن شكل التنظيم القبلي والديني .
2 – في عام 1949 انعقد أول مؤتمر تداولي لكادر الحزب . وكان ذلك أول خطوة لاشراك كادر الحزب في رسم سياسته ومحاسبة اللجنة المركزية ، وتوسيع دائرة العمل القيادي وتوسيع الديمقراطية داخل الحزب .
3 – بعد ذلك جاء المؤتمر الأول عام 1950 الذي ناقش قضايا سياسية وتنظيمية لأول مرة في تاريخ الحزب لجنة مركزية والتي كانت عضويتها تكتسب بالتصعيد . كما أدخل تعديلات في اللائحة .
4 – بعد المؤتمر الأول عام 1950 نشب الصراع الداخلي وتميز هذا الصراع بأنه كان أول صراع مفتوح ومعروف في كل الحزب ، كما تم فتح أول مناقشة عامة في مجلة الكادر في تاريخ الحزب .
5 – بعد ذلك انعقد المؤتمر الثاني 1951 الذي حسم الصراع الداخلي ، في اتجاه دراسة النظرية بالواقع ، واستقلال الحزب ، وترسيخ المفهوم السليم للتحالف مع الرأسمالية الوطنية .
6 – بعد المؤتمر الثاني وقع الانقسام وقررت اللجنة المركزية بعد ذلك طرد المنشقين من عضوية الحزب .
7 – واضح أن اتجاه مجموعة عوض عبد الرازق كان اتجاه جمود وعزلة ( دراسة النظرية بمعزل عن الواقع ، إخفاء هوية الحزب ، العمل فقط من داخل الأحزاب الاتحادية .. ) .
يمكن القول أنه من خلال صراع الأفكار داخل الحزب بدأت تكون هناك حيوية داخل الحزب ، ومن خلال الصراع ضد الجمود بدأت الديمقراطية تتوسع داخل الحزب ( المجلة الداخلية ، المؤتمرات ، الاجتماعات الموسعة ، انتخاب اللجنة المركزية ، فتح المناقشة العامة ... ) .
وربما كان الصراع الداخلي الذي نشب في الحزب عام 1947 و1951 . لا يخلو من أمراض طفولة الحزب وقتها ، وأثر مؤلفات ستالين التي كان يرد فيها أن الحزب يقوى بتطهير نفسه من العناصر الانتهازية ، خضوع الهيئات الدنيا للعليا بشكل ميكانيكي ، وتشويه مفاهيم ومقولات خضوع الأقلية للأغلبية .
مثال : هل كان الصراع الداخلي عام 1947 يستوجب طرد العناصر التي كانت تعارض إبراز هوية الحزب المستقلة ، وكانت تري دراسة الماركسية في كورسات معزولة عن الواقع .. الخ وهل كان الصراع الداخلي عام 1951 يستوجب طرد مجموعة عوض عبد الرازق ، ألم يكن يكفي أن يسود دراسة تيار الماركسية في ارتباط مع الواقع ، واستقلال الحزب ، مع وجود تيار دراسة النظرية ، وتحديد مجال بعينه لتلبية احتياجات العناصر المثقفة التي تختلف تطلعاتها عن بقية الفئات ، وتلبية احتياجات الحزب ( مجلة ثقافية ، تنظيم ديمقراطي للمثقفين ، ترجمة الماركسية ، الكورسات ، ... الخ ) ؟ . ألم يكن من الممكن مع استقلال الحزب وتنظيمه المنفصل ، إيجاد صيغة لخلق تيار يساري أو ديمقراطي داخل الأحزاب الاتحادية أو الاستقلالية ؟ صحيح أن الحزب دخل في تحالف مع الأحزاب الأخرى في الجبهة الوطنية عام 1946 ، جبهة الكفاح ضد الجمعية التشريعية عام 1948 ، الجبهة المتحدة لتحرير السودان عام 1952 ، كما تعاون مع أفراد وطنيين داخل الأحزاب الاتحادية والاستقلالية . ولكن ألم يكن من المفيد وجود تيارات وطنية داخل تلك الأحزاب ، تسهم في تطوير الحركة السياسية وفي تطوير تلك الأحزاب نفسها ؟ .
حالة بناء الحزب في الفترة 1951 – 1956 :
أبرز الخطوات في عملية بناء الحزب هي تلك التي جاءت في اجتماع اللجنة المركزية في مارس 1953 ، الذي أشار إلى ضرورة بناء الحزب كعملية ثابتة وفي كل الظروف مدها وجزرها ، كما طرح ضرورة بناء الحزب على النطاق الوطني ليصبح حزبا شعبيا وتحويل الحزب إلى قوة اجتماعية كبري . كما طرحت وثيقة خطتنا في الظروف الجديدة السؤال كيف يتم تحويل الحزب إلى قوة اجتماعية كبري ، الصادرة في يناير1954 .
أشارت الوثيقة إلى أن على الحزب في سبيل توحيد صفوف الطبقة العاملة والشعب أن يخوض المعارك في ثلاثة جبهات : 1 – الفكرية 2 – الاقتصادية 3 – السياسية .
كما أشارت الوثيقة بالرغم من نجاح الحزب في بعث حركة جماهيرية واسعة إلا أنه فشل في بعث حركة سياسية حقيقية تحت قيادته ، وارجعت ذلك إلى الضعف الفكري ، ضعف جذور الحزب وسط الطبقة العاملة .
وأشارت الوثيقة إلى ً أن مفهومنا لبناء الحزب كان وما زال مفهوما خاطئا ، إنه مفهوم يقوم على التلقائية والعفوية ، لقد كنا باستمرار نعتقد أن حزبنا سينمو تلقائيا بنمو الحركة الجماهيرية ، وأنه في الوقت الذي نستطيع فيه بناء حركة جماهيرية يكون لنا حزب قوى فعلا ، وفعلا استطعنا بناء حركة جماهيرية متفاوتة الدرجات وصلت إلى مركز قوي وسط الطبقة العاملة ، ولكن هذه الحركة كانت باستمرار عرضة للتعثر والضعف والانهيار في بعضها واستمرار نفوذ الأحزاب البورجوازية وسطها وبشكل خطير .. ً .
وفي الظروف التي نشأت بعد اتفاقية 1953 – كانت وثائق الحزب تشير إلى تقوية وتحسين العمل القيادي باعتباره شرطا هاما لاستقرار الحزب وبنائه ( الحلقة الداخلية من المتفرغين وقيادات المناطق والمكاتب المركزية والكادر الجماهيري القيادي ) .
وأشارت الوثائق إلى الضعف الفكري للكادر وضرورة الارتقاء بقدراته الفكرية وتنمية الكادر الجديد وخاصة الكادر العمالي – وانتظام واستقرار عمل القيادة ، وظاهرة تكو يش الكادر القيادي على العمل .
كما أشارت وثائق تلك الفترة إلى أنه لكيما يتحول الحزب إلى قوة اجتماعية كبري لابد من :
• توسيع صفوف الحزب والاهتمام بالمرشحين وفترة الترشيح .
• الارتباط بالجماهير وفهم مشاكلها وقيادتها قيادة يومية .
وهذا هو الطريق لتوسيع عضوية الحزب . وفي عملية بناء الحزب أيضا ورد ضرورة الاهتمام بفرع الحزب ( الوحدة الكفاحية ) وتحسين عمله الداخلي الجماهيري ، وضرورة عمله الجماعي ، وبناء الفرع على أساس النقد والنقد الذاتي .
وفي عملية بناء الحزب أيضا وردت أهمية تأمين الحزب والمحافظة على سلامته من الاختراق وتسلل الأعداء ، برفع مستوى اليقظة الثورية والنضال ضد الاعداء الداخليين ، ومحاربة روح الغفلة والاسترخاء ، ورفع المقدرة السياسية والفكرية لاكتشاف الأعداء . كما ورد أيضا ضرورة الاهتمام بالعمل الإصلاحي : جمعيات تعاونية ، محو الأمية ، الأندية الرياضية والثقافية .... الخ .
ولكن البدائية في عملية بناء الحزب حالت دون تنفيذ تلك الموجهات . وكان من أهم أسباب ذلك الضعف النظري للقيادة ، وعدم وجود مفهوم متكامل حول عملية بناء الحزب ، وكان تنظيم الحزب هشا رغم نجاح الحزب في استنهاض حركة جماهيرية واسعة ، ورغم الإمكانيات الواسعة التي أتاحتها الجبهة المعادية للاستعمار التي لخص عبد الخالق تجربتها في كتاب لمحات .

المؤتمر الثالث للحزب في فبراير 1956 :
انعقد المؤتمر الثالث للحزب بعد خمس سنوات من المؤتمر الثاني ( 1951 ) . أي أننا نلحظ الخلل في عدم انتظام المؤتمرات ، كما ذكرنا سابقا ، أول مؤتمر تداولي عقد عام 1949 ، وعقد المؤتمر الأول عام 1950 ، وعقد المؤتمر الثاني عام 1951 .. أي أن الحزب عقد في ثلاث سنوات متتالية ثلاثة مؤتمرات على التوالي ، ولم يجئ المؤتمر الثالث إلا بعد خمس سنوات من الثاني .
انعقد المؤتمر الثالث من فوق حصيلة المناقشات العامة التي بدأت منذ دورة ل .م في فبراير 1953 ، حول بناء الحزب ومهامه في الظروف الجديدة ، التي نشأت بعد الحكم الذاتي . أقر المؤتمر برنامج الحزب بعنوان ً سبيل السودان لتعزيز السلم والديمقراطية والاستقلال ً .
كما أجاز اللائحة المعدلة واتخذ اسم الحزب الشيوعي وطرح شعار ً اجعلوا من الحزب الشيوعي قوة اجتماعية كبري ً .
كما انتخب المؤتمر لجنة مركزية من 31 عضوا .
حالة الحزب في الفترة : 1956 – 1958 :
ألقت وثيقة ً سبيل السودان ... ً الضوء على المشاكل الجديدة التي اندفعت بعد حلول فترة جديدة بعد الاستقلال منها : الديمقراطية ، الاستقلال الاقتصادي ، طريق التطور غير الرأسمالي ، النهضة الثقافية ، حماية السيادة الوطنية ، دفع الطبقة العاملة لاحتلال موقعها القيادي بالتدريج . عموما حددت المعالم الرئيسية للفترة الجديدة التي حلت من مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية .
ولكن فترة ما بعد الاستقلال نجمت عنها مصاعب وانحسار في الحركة الجماهيرية خاصة وأنه ساد وهم بأن الاستقلال السياسي هو كل شئ .
وإذا حاولنا إلقاء الضوء بإيجاز على حالة بناء الحزب في تلك الفترة ، يمكن التلخيص في الآتي :
• تساقط عدد لا يستهان به من عضوية الحزب مباشرة أو البقاء فيه من الناحية الشكلية ، وكان هذا تعبيرا عن عجز الحزب الشيوعي فكريا وتنظيميا وسياسيا لاستيعاب القوى الكبيرة التي ولجت صفوف الحزب بعد اتفاقية 1953 ، وتساقطت سريعا أو يئست سريعا وتركت صفوف الحزب بعد المؤتمر الثالث .
• ساد اتجاه جامد في الحركة النقابية ( نقابة عمال السكة الحديد ) وبين مزارعي الجزيرة ، نتج عنه تولى العناصر اليمينية لنقابة عمال السكة الحديد وتولى أغنياء المزارعين لقيادة اتحاد مزارعي الجزيرة .
• فشل الحزب في مواجهة الظروف الجديدة بتثقيف الأعضاء وتأهيل القيادة .
• كان هناك الاتجاه الجامد الذي كان يهدف إلى الانكماش وغض النظر عن الفرص الواسعة الممكنة للاتصال بالجماهير التي أتاحتها الظروف الجديدة .
• في تثقيف الكادر واجه الحزب مرة أخرى الأفكار نفسها التي هزمها في عام 1947 والتي كانت ترمى إلى عزل النظرية عن العمل – ولاتري في النظرية منهاجا للتفكير ، بل محفوظات وشعارات جامدة .
• استطاع الحزب تنمية حركة جماهيرية واسعة ضد الأشكال الحديثة للاستعمار ( المعونة الأمريكية ) وتوسيع نضال الطبقة العاملة وجماهير الكادحين من أجل تحسين حياتها ( إضراب اكتو بر 1958 ) . كما تطورت الحركة الجماهيرية وكادت أن تعصف بحكومة عبد الله خليل لولا إسراعه بتسليم السلطة لعبود في 17 نوفمبر 1958 .
• ولكن رغم نجاح الحزب في بناء حركة جماهيرية واسعة ، إلا أن حالة فرع الحزب والمنظمات الجماهيرية كانت هشة وضعيفة . ففرع الحزب كان مسلوب الإرادة لا يتحرك إلا بتوجيهات من أعلى ، ولا يبادر أو يتحرك باستقلال في حدود الخط العام ، إضافة إلى ضعف الفروع نفسها ، وامتد هذا الضعف إلى المنظمات الجماهيرية والاتحادات والنقابات التي كان يسيطر عليها الشيوعيون ، واتسم عمل الشيوعيين بالضجيج والإثارة والمظاهرات في تلك النقابات والاتحادات بدلا من الاستفادة من تلك الحركة الجماهيرية الواسعة في بناء قواعد الحزب على أسس سليمة ، وسط نقابات العمال لا عمل إصلاحي في أندية العمال ولا عمل في الجمعيات التعاونية ، ولا حلقات لمحو الأمية .. وغير ذلك من الأنشطة المختلفة التي تربط الشيوعيين بالجماهير في مجالات العمل والأحياء .
• أما قيادة الحزب – فحدث ولا حرج – فقد تساقط 60 % من عضوية اللجنة المركزية التي انتخبها المؤتمر الثالث عندما وقع انقلاب عبود .
تلك باختصار كانت حالة بناء الحزب في تلك الفترة ، وعندما وقع انقلاب عبود دخل الحزب فترة جديدة من العمل السري .
حالة بناء الحزب في الفترة : 1958 – 1964 :
لن نجد وصفا احسن من وصف وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية لحالة الحزب خلال تلك الفترة والتي جاء فيها :
ً بينما كانت حياة حزبنا تتأثر بالاتجاهات اليسارية وتخلف الأداء والتنفيذ وبدائيتهما ، تعقم تلك الحياة وتضعف المركزية الديمقراطية ، وخاصة أن الديمقراطية بأسرها مصادرة من الحياة السياسية ، وقد أدي ضعف المركزية الديمقراطية في الحزب الثوري وعدم إشراك عضوية الحزب إشراكا نشطا في حياته الداخلية ، وفي حياة فروعه إلى انكماش كبير في عضوية الحزب ، لدرجة عاقت قدرات الحزب الذاتية وهو يواجه مهام اكتو بر ، إن الحزب لم تكن تتعدى عضويته المئات وهو يقود حركة الإضراب السياسي وهو يتصدى لثورة اكتو بر في أيامها الأولي الحاسمة .
وقد أسهم هذا الوضع في تقوية روح الحلقية وسيادة البيروقراطية في العمل والانغلاق الذي يصعب كسره لاستقبال الجديد مما خلق ظروفا ذاتية صعبة لاستقبال التحول الهائل الذي طرأ على وضع الحزب بعد الانتصار الأولي لثورة اكتو بر ً .
ونكمل الصورة بمجرد الإشارة إلى وثيقة إصلاح الخطأ في العمل الجماهيري الصادر عام 1963 ، والتي حاولت كسر الجمود وترسيخ الأساليب السليمة في العمل الداخلي والجماهيري ، خلال ديكتاتورية عبود ( الوثيقة معروفة ) .
اتسم عمل الحزب الجماهيري خلال تلك الفترة بالإثارة والضجيج وبقي اتصال الحزب بالجماهير فقط عن طريق العمل السياسي ( المنشور ) ولم يقتحم الحزب ميادين العمل الإصلاحي الثقافي ، وكان هذا نابعا من الجمود اليساري في تلك الفترة .. الذي طبع عمل الحزب الشيوعي بالإثارة البحتة والتقديرات الذاتية للمعارك اليومية ون تقييم حقيقي لتوازن القوى .
من أكبر الخسائر التي تكبدتها الحركة الثورية نتيجة للتقديرات الذاتية الأحداث العسكرية ( 4 انقلابات عسكرية ) التي وقعت في مارس ومايو ونوفمبر 1959 . فقد أدت تلك الأحداث إلى فقدان كادر وطني وتقدمي وهبطت بمعنويات الحركة الثورية فترة ليست بالقصيرة ..
وكان هذا نابعا من التكتيكات الانقلابية التي تجاوزها الحزب في أغسطس 1961 عندما طرح شعار الإضراب السياسي العام – نتيجة لتلخيص تلك التجارب وتجارب نضال الحركة الجماهيرية خلال تلك الفترة .
لقد أوضح الحزب خلال السنوات الأخيرة لديكتاتورية عبود – أن المهمة الكبرى في حياته الداخلية وفي توقعات الثورة ، هي تأهيل ذاته لاستقبال المنحني المقبل في مجري العمل الثوري والذي من شأنه أن يدفع بوضع الحزب الشيوعي خطوات إلى الأمام في طريق التحول إلى حزب جماهيري على النطاق الوطني ، وبين البدائية والتخلف وعدم القدرة على تنظيم الأحداث تضيع قضية من أهم قضايا العمل الثوري ويقتحم حزبنا ثورة اكتو بر وهو يعاني عجزا ظاهرا في كل أجهزته وشللا في كل قدراته على تحمل أعباء الثورة كاملة .
وأخيرا خلال ديكتاتورية عبود عبر الجمود عن نفسه في الاتجاه اليساري المغامر الذي حاول أن ينقل نقلا أعمى تجربة الصين في الكفاح المسلح دون اعتبار لخصوصية وأوضاع السودان في تلك الفترة ، وكان ذلك اتجاها موغلا في الجمود ، ولكن التجربة فيما بعد أكدت خطأ ذلك الاتجاه عندما نجح الإضراب السياسي العام .
وكان اتجاه العناصر اليسارية الجامدة من العوامل التي أضعفت الحزب والحركة الجماهيرية خلال تلك الفترة .
تلك بإيجاز هي حالة بناء وهو يواجه ثورة اكتو بر 1964 ، دون التقليل من التضحيات الجسام التي بذلها الشيوعيون في مقاومة الديكتاتورية .
حالة بناء الحزب في الفترة 1964 – 1969 :
كما ذكرنا سابقا أن الحزب دخل فترة اكتو بر 1964 وهو بعاني من نقائص كثيرة في مستوى كادره وفي مستوي فروع الحزب ، إضافة إلى سلبيات العزلة وما تفرضه من أساليب عقيمة في العمل .
ورغم الإمكانيات الواسعة والنهوض الجماهيري الكبير الذي حدث بعد ثورة اكتو بر 1964 .. فوز 11 نائب ( من الشيوعيين والديمقراطيين ) من أصل 15 في دوائر الخريجين ، والحصول على أصوات لا يستهان بها في المناطق المتقدمة التي رشح أو دعم الحزب فيها ( اكثر من 173 ألف ناخب صوتوا لصالح الحزب أو من أيدهم ) .
ولكن لم تتم الاستفادة من ذلك بالشكل المطلوب ، ويرجع ذلك كما أشارت دورة ل .م في 24 / 9 / 1965 إلى :
• ضعف مستوى الكادر القديم .
• ضعف مستوى فروع الحزب .
• الأساليب العقيمة والبالية التي لاتناسب الظروف الجديدة .
• الحياة الداخلية للهيئات الحزبية كانت عقيمة . مثال جدول أعمالها كان يكشف عن هذا العقم ، لاشيء سوى نقاط ميتة ً تنظيم ، مالية ، ميدان .. الخ ً بينما هناك إهمال لعشرات الميادين من العمل الإصلاحي في الأندية والتعاونيات والنشاط الثقافي .
• مديريات بأسرها تنزع أعضاء من حياتهم وارتباطهم بالجماهير وتحشرهم في اجتماعات طويلة مملة مرتين في الأسبوع ً واحد تنظيمي والثاني سياسي ً لا يدري أحد ما الفرق بين هذا وذاك ، ص 7 الدورة .
• هناك اتجاه لخنق الجديد وفرض كل ما هو قديم بال على الجديد .
• أما عن الوضع في المديريات فلم تكن لكل مديرية خطتها الخاصة بها ، ودراساتها التي تترجم التوجيهات العامة للجنة المركزية إلى قيادة ملموسة .
• الفشل في التعليم الحزبي والتثقيف الماركسي ، والفشل في استيعاب آلاف الأعضاء الذين ولجوا الحزب بعد ثورة اكتو بر ، نتيجة للضعف الفكري للحزب ، وعقم حياة الفروع الداخلية ، والثورة المضادة بعد حل الحزب في 1965 ، جعل الآلاف منهم يتركون الحزب .
• أما عن حالة الكادر المتفرغ فقد كانت ضعيفة ، لاكادر متفرغ متخصص في شئون الصحافة والثقافة والاقتصاد والأدب والإدارة ، ولا في التأليف ولا في الشئون الصناعية ولا في مشكلة الجنوب .. الخ من الشروط الجديدة التي فرضتها التطورات بعد ثورة اكتو بر 1964 ، التخصص في فرع من فروع المعرفة الماركسية . إضافة إلى بعض أساليب الكادر المتفرغ نفسها العقيمة في بعض المديريات والمناطق حيث كانوا أوصياء على الحزب وأصبحوا يعملون بالنيابة عن قيادات المناطق المحلية بدلا من العمل لتنمية وتأهيل قيادات المناطق المحلية لتدير نفسها بنفسها . ويسهم في بناء وتوسيع التنظيم .
تلك باختصار وإيجاز كانت حالة الحزب وتنظيماته وكادره المتفرغ عندما انعقد المؤتمر الرابع في اكتو بر 1967 .
المؤتمر الرابع – اكتو بر 1976 .
جاء المؤتمر الرابع في ظروف هجمة شرسة تعرض لها الحزب وتنظيماته بعد حله عام 1965 . ولكن الحزب سلك تكتيكات مرنه استطاع بها أن يحسر الثورة المضادة ، وكان انعقاد المؤتمر في تلك الظروف نفسه إنجازا كبيرا . وقبل المؤتمر الرابع بعد ثورة اكتو بر 1964 انعقدت سلسلة من اجتماعات الكادر التي كان يطلق عليها الاجتماعات الموسعة للجنة المركزية ، ومن أهمها اجتماعات 4 /11 / 1964 ، سبتمبر 1965 ، وديسمبر 1965 واجتماعات 1966 ، وكان ذلك نتاج ضعف اللجنة المركزية التي انتخبها المؤتمر الثالث وتساقط حوالي 60 % من أعضائها المنتخبين ، بل إن بعض الاجتماعات الموسعة ( اجتماع سوبا1966) تخطى صلاحياته وانتخب لجنة مركزية موسعة ، وكان ذلك يعكس الربكة والاضطراب في قيادة الحزب . أيضا اجتماع سوبا تخطى صلاحياته عندما طرح فكرة الحزب الاشتراكي ( هذا من حق مؤتمر الحزب ) ( تجاني ، الشيوعي 150 ) .
وفي تقديري من ضمن أسباب هذا الخلل انعقاد المؤتمر الرابع بعد 11 عاما من المؤتمر الثالث ( حسب لائحة الحزب كان من المفترض أن تنعقد خمسة مؤتمرات خلال هذه الفترة على الأقل ) .
صحيح أن الظروف عرقلت عقده عدة مرات وقطعت التحضيرات له أعوام 1958 ، 64 ، 1965 ، ولم ينعقد إلا في اكتو بر 1967 . ولكن هذا ليس مبررا كافيا . هذا الخلل في خرق اللائحة من قيادة الحزب نفسها هي التي أدت لتلك الربكة والاضطراب .
وفي اعتقادي أن هذا الخلل ترجع جذوره إلى بداية تأسيس الحزب نفسه عام 1946 عندما لم ينعقد أول مؤتمر ( تداولي ) له إلا عام 1949 ، ومن خلال الصراع ضد التيار الجامد في اللجنة المركزية . وبعد ذلك لم يتم الأخذ بنظام دورية المؤتمرات إلا في المؤتمر الثالث الذي عقد بعد خمس سنوات من الثاني .
ويمكن القول أيضا أن من أسباب حالة الحزب العامة التي أشرنا إليها سابقا ، وعقم حياته الداخلية ، هذا الخلل – هو عدم اشتراك العضوية في شئون الحزب من خلال انتظام المؤتمرات وغياب الديمقراطية ، وفرض قيادات عليها لم تنتخبها ولم تشارك في تقويمها ، بعد تساقط 60 % من عضوية ل . م المنتخبة في المؤتمر الثالث ، قيادات بالتعيين والدعم ، وهذا طبيعي خلال الفترة بين المؤتمرين ( من حق اللجنة المركزية التصعيد والإنزال ) .ولكن عندما تطول الفترة وتصبح قانونا في حياة الحزب ، يكون لها نتائج سلبية ومدمرة . فالقيادات التي لا يشارك في انتخابها الكادر ومنظمات الحزب ويسهم في تقويمها تقويما شاملا لا تعبر عن عضوية الحزب وكادره ، وتكون منظمات الحزب سلبية تجاهها وتخلق روح الانتظار بدلا من المبادرة وسطها . بل إن كثرة تحليلاتها والنغمة الثابتة التي تصدر بها وبدون الهام لعضوية الحزب ، تصبح بمرور الزمن لا تلهم ولا تسمن ولا تغني من جوع .
وهذا الخلل استمر أيضا خلال الفترة 1967 وحتى الآن ، لا مؤتمر حتى كتابة هذه

المساهمة ( وسوف نعود لهذا الموضوع لاحقا ) .
الفترة عدد السنوات
46 – 1949 ( تداولي ) 3
49 – 1950 1
1950 – 1951 1
1951 – 1956 5
1956 – 1967 11
1967 – 1970 ( تداولي ) 4

أما الفترة 1970 وحتى الآن فلم يعقد أي مؤتمر .صحيح أنه بعد انتفاضة مارس – إبريل 1985 اتخذت اللجنة المركزية في دورة اكتو بر 1985 قرارا بالبدء في التحضير للمؤتمر الخامس ، وتم إنجاز مشروع اللائحة وتقويم 19 يوليو وتقرير لجنة الكادر ولم يتم إنجاز مشروع البرنامج حتى انقلاب يونيو 1989 ، ولكن كان من الممكن عقد المؤتمر في تلك الفترة حتى بالوثائق التي تم إعدادها ثم يتم الاستكمال في جلسة أخرى لمناقشة مشروع البرنامج وبعد محاسبة المؤتمر للجنة البرنامج ، ... الخ من المقترحات .
انعقد المؤتمر الرابع في اكتو بر 1967 . صدر عن المؤتمر : 1 – وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية 2 – دستور الحزب ( البرنامج واللائحة ) . لم تقدم اللجنة المركزية تقريرا عن نشاطها السابق لمحاسبتها ومحاسبة أعضائها . تم اختيار لجنة مركزية أو تم فرض لجنة مركزية على أعضاء الحزب وأعضاء المؤتمر من خلال صيغة قبيحة قدمتها اللجنة المركزية السابقة ، بعبارة أخرى إن أعضاء المؤتمر لم يعطوا الحرية التامة لانتخاب اللجنة المركزية دون قيود ، وبعد تقويم كل المرشحين سلبياتهم وإيجابياتهم ، إسهاماتهم وقدراتهم .. الخ .
وهذا المنهج هو الذي قاد إلى الكوارث اللاحقة وما نتج عنها من قيادة ضعيفة كم سنرى لاحقا . أي أن المؤتمر الرابع فشل في حل مسألة القيادة .
كما تم تعديل البرنامج واللائحة دون النظر في برنامج ولائحة المؤتمر الثالث . كما لم ينظر المؤتمر في حالات الفصل من العضوية ول .م ، وحالات الضم لأعضاء ل .م لإجازتها أو رفضها ( لم يقدم تقريرا بذلك ) . كما لم ينظر المؤتمر في القرار الخاص والمحدد بتشكيل الحزب الاشتراكي باندماج الحزب الشيوعي مع قوى اشتراكية سودانية أخري .
تلك هي بإيجاز شديد إيجابيات وسلبيات المؤتمر الرابع .
من منجزات المؤتمر كانت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية التي رسمت منهجا علميا سليما في عملية بناء الحزب . كما وضعت منهاجا للعمل النظري استرشادا بالماركسية كمنهج وليست عقيدة جامدة . وخلافا للمؤتمر الثالث الذي عالج قضية التكتيك ، عالج المؤتمر الرابع قضايا الاستراتيجية والتكتيك ، وتوصل إلى أنه من المستحيل أن نرسم إستراتيجيتنا اعتمادا على المنقول من الكتب ، أو النقل الأعمى لتجارب البلدان الأخرى . كما وضعت الوثيقة منهاجا لدراسة الطبقات من الباطن ودراسة استراتيجية الثورة بناء على دراسة الطبقات في البلاد . كما عالجت قضايا الخط التنظيمي ، وقضايا بناء الحزب على أساس العلم والتخطيط ، وأهم معالم ذلك الخط كانت :
1 – عملية بناء الحزب تتطب اعتماد الماركسية كمنهج وتطبيق مستقل على واقع البلاد ومعرفة ذلك الواقع في عمومياته وجزئيا ته ، ورفع المستوى الفكري للأعضاء ، وتأهيل القيادة للتصدي بمقدرة لمهامها .
2 – إن التفاوت الحاد في واقع المناطق والقطاعات المختلفة بحكم التطور غير المتناسق في البلاد يجعل من المستحيل نمو الحزب بشكل واحد ، متكرر وأساليب وحيدة الجانب ، بل يختلف الوضع حسب واقع كل منطقة ومجال .
3 – حدد المؤتمر معالم الخط التنظيمي في المدن والمراكز الرئيسية في قطاع الزراعة الحديثة والقطاع التقليدي في الجنوب والغرب ، وبناءً على ذلك أنجزت كل منطقة دراسة واقعها ووضعت دليلها وصاغت خطها التنظيمي مما جعلها بعد كشف الحقائق الأساسية لواقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أن تتوصل للأساليب الملائمة لعملها – أي تقدم الإجابة السليمة للأسئلة التي وضعها المؤتمر الرابع – وبعد الوضوح حول الخط السياسي بمن ننفذ هذا الخط ؟ ووسط من ؟ وكيف ننفذه بأسلم الطرق واكبرها عائدا وفائدة ؟
4 – إن الحزب الشيوعي لا ينمو ويتطور منعزلا ، بل ينمو بوجود مختلف التنظيمات الحديثة للجماهير الديمقراطية ، تنظيمات متعدد الأشكال والأغراض .
كما لخص المؤتمر تجارب 11 عاما من النضال للفترة : 1956 – 1967 ، ولخص تجارب اكتو بر 1964 .
عموما المؤتمر الرابع لازالت بعض قضاياه حية ، وبعض قضاياه شاخت وعفى عليها الزمن مثل دور الديمقراطيين الثوريين والتركيز على جانبهم الإيجابي ، وقضايا الوضع الدولي ، والوضع العربي ... الخ .
حالة الحزب في الفترة : 1967 – 1969
كانت أزمة القيادة أحد المشاكل الأساسية التي واجهت الحزب بعد المؤتمر الرابع والتي جاءت ضعيفة ومخيبة للآمال ، ولم تكن في مستوى المهام السياسية والفكرية والتنظيمية التي طرحها المؤتمر الرابع .
صدرت دورة اللجنة المركزية في يوليو 1968 ً بعنوان ً قضايا ما بعد المؤتمر ً . أشارت الدورة في ص 5 إلى ما يلي : ً أصبح الإصلاح في عمل الحزب يتطلب الشمول ، وينبعث من حاجة جوهرية : وهي أنه إذا لم يستطع الحزب الشيوعي أن يغير من حياته الداخلية وأن يطور هذه الحياة ، فسوف يصبح الحزب الشيوعي تنظيما بدائيا ومتخلفا ولا يكون في مقدمة الأحداث بل خلفها ً .
كما أشارت الدورة في ص 93 إلى أن ً القيادة الجماعية تتطلب الاشتراك النشط من قبل الهيئات في مناقشة الاتجاهات الأساسية للحزب ومناقشة القضايا الهامة للحركة الثورية والإسهام فيها وتنويع تجاربها ً .
تواصل الدورة وتقول ً إن هذه القضية هامة بالنسبة لقطاعات مختلفة من العمل القيادي ، وهي في نفس الوقت مهمة لتثبيت الديمقراطية داخل الحزب ، ولكن حل هذه المشكلة لا يأتي بالإجراءات أو الرجوع إلى أشكال للعمل القيادي القديم ، بل علينا أن ندرك المهام الجديدة الملقاة على عاتق العمل القيادي ، فالعمل القيادي اليوم يتطلب مستويات عليا من المعرفة الماركسية ويتطلب مستويات توجب إعمال الفكر وتوجب الإنتاج وتوجب الإسهام المثمر في قضايا الحزب وقضايا الحركة الثورية ، وهذه المشكلة الخاصة بالقيادة هي التي يمكن أن توحد كادر الحزب بأسلوب عمل معين ، ولابد من مناقشة هذه القضية مناقشة عميقة بعيدة كل البعد عن الصراعات غير المبدئية والصراعات الشخصية .. ً
كما أشارت الوثيقة إلى فرع الحزب ً وأن يعتبر عمليا لا نظريا وحده وليس سواه هو القائد لكل نشاط يجرى حوله والمسئول عنه ، لقد عانينا من هذا كثيرا ، عانينا من الوصاية التي تفرض على فرع فتطبع الحزب بطابع واحد عقيم وتسلب عضوية الحزب من إرادتهم وتجعلهم متفرجين في كل ما يختص به من أفكار جيدة ، وتجعلهم يحجمون عن إثراء الحزب بأفكارهم وتجاربهم ، وهذا الاتجاه الذي يصادر الديمقراطية المركزية يخلق السلبية ويحد من طاقات الفرع .. ً
ومشكلة القيادة هي التي دفعت عبد الخالق إلى تقديم وثيقة ً في سبيل تحسين المستوى القيادي بعد عام من المؤتمر . ً .. والإشارة إلى ذلك في دورة اللجنة المركزية في مارس 1969 والتي جاء فيها :
ً إن أعضاء الحزب لم يعودوا يقنعون بالحلول السطحية والشعارات الانتهازية لحل مشاكل العمل الثوري وعلى رأسها تغيير مستوي قيادة الحزب ً
يواصل عبد الخالق ويقول :
ً ولهذا فإن الحزب الشيوعي يفتح ميدانا جديدا لتطور النشاط القيادي في صفوفه وهو يتطلب نوعا جديدا من الكادر المثقف الذي يهئ ذاته وقدراته لخدمة الحزب الشيوعي في ميدان المعرفة ، إنه ليس كادر العمل السياسي بالمفهوم الذي دخل به المثقفون في الماضي صفوف الحركة الشيوعية السودانية .. ً .
كما أشارت الوثيقة إلى خطورة التكتيك الانقلابي ( والعقلية الانقلابية ) التي كانت سائدة وسط بعض الكادر القيادي – بقولها : ً التكتيك الانقلابي بديلا عن العمل الجماهيري يمثل في نهاية المطاف وسط قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية مصالح البورجوازية والبورجوازية الصغيرة .. ً .
حالة الحزب في الفترة : مايو 1969 – 19 يوليو 1971 :
عندما طبعت وثائق دورة مارس 1969 لتوزع على العضوية كان انقلاب مايو 1969 قد وقع .. وبالتالي لم تتم التعبئة الكاملة وسط عضوية الحزب حول التكتيك الجماهيري كبديل للتكتيك الانقلابي ، واتخذ الصراع الداخلي الذي كان موجودا قبل المؤتمر الرابع شكلا جديدا حول الموقف من السلطة الجديدة بين التيارين الديكتاتوري والديمقراطي في الحزب .
والجدير بالذكر أن المكتب السياسي في اجتماعه 8 / 5 / 1969 رفض فكرة الانقلاب عندما طرحه بعض الضباط عن طريق بابكر عوض الله وفاروق حمد الله . كما عارض الضباط الشيوعيون الاشتراك في الانقلاب ، وهكذا نخلص إلى أن التخطيط للانقلاب تم دون موافقة الحزب الشيوعي ،ودون موافقة الضباط الشيوعيين .
تأثر تنظيم الحزب بالصراع الداخلي والانقسام الذي نشأ بعد انقلاب 25 مايو ، وأصبحت القضية في تلك اللحظة هي المحافظة على وجود الحزب أمام خطر تصفيته ، فضلا عن استقلاله .. في صراع شرس سياسي وفكري وتنظيمي .
وارتبكت تنظيمات الحزب نتيجة للانقسام ، ونتيجة للتكتيكات الخاطئة التي اتخذتها قيادة الحزب : المشاركة في مجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة ، وتأييد الانقلاب ، والاضطراب في الخط السياسي بعد ذلك .. ( راجع الجزء الخاص بانقلاب 25 مايو 1969 ) .
من أهم معالم تلك الفترة هو انعقاد المؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي في أغسطس 1970 ، الذي تم فيه هزيمة الاتجاه الديكتاتوري . بعد المؤتمر التداولي وقع الانقسام ، وبعد فشل المساعي لتفادي الانقسام قررت اللجنة المركزية :
1- فصل قادة الانقسام الموقعين على بيان الاثني عشر من عضوية الحزب .
2- فصل العناصر التي اشتركت معهم في الانقسام بتوقيع الخطاب الآخر .
3- أن تطبق كل منظمات الحزب ولجانه اللائحة على المشتركين في أعمال التكتل .
4- حل لجنة الحزب في الجزيرة والمناقل .
وبمقارنة انقسام 1970 بانقسام مجموعة عوض عبد الرازق في 1951 ، وانقسام القيادة الثورية 1963 ، نجد انقسام 1970 كان كبيرا شمل حوالي ثلث أعضاء اللجنة المركزية ( اللجنة المركزية التي جاءت بعد المؤتمر الرابع 32 عضوا ، انقسم منها 12 ) وبعض الكوادر القيادية وقيادة منطقة كاملة ، وربما يرجع حجم الانقسام إلى العوامل التالية :
• ضعف اللجنة المركزية التي جاءت بعد المؤتمر الرابع وعدم اشتراك أعضاء المؤتمر بحرية تامة في اختيارهم وتقويم إيجابياتهم وسلبياتهم . أي أنها كانت جزء من أزمة الديمقراطية في الحزب .
• التهويل من دور الديمقراطيين الثوريين في الماركسية وقضايا الثورة السودانية ( عدم التركيز على السلبيات ) وضعف التعبئة حول التكتيك الديمقراطي الجماهيري والشرح الكافي لخطورة التكتيك الانقلابي .
• عدم وضوح خط الحزب جماهيريا وداخليا منذ أول يوم من انقلاب 25 مايو 1969.
• من الأسباب أيضا تأييد اللجنة المركزية للانقلاب وسماحها باشتراك الوزراء الشيوعيين في مجلس الوزراء والعسكريين الشيوعيين في مجلس قيادة الثورة مما أدي إلى فقدان الحزب لاستقلاله .
إضافة لعدم المخاطبة المستقلة للجماهير ( أول بيان صدر في 9 يناير 1970 ) وعدم التركيز على قضية الديمقراطية وخلق أوسع جبهة لاستعادتها .. أى إذا كان الحزب خارج السلطة ومطلق اليدين وغير مرتبط في تحالف مشوه مع السلطة ، وبخط سياسي واضح ومعلن للجماهير كان من الممكن تقليل خسائر الانقسام ، وخسائر الحزب الفادحة فيما بعد انقلاب 22 يوليو 1971 الدموي .
بعد المؤتمر التداولي وانقلاب 16 نوفمبر 1970 كانت القضية المباشرة هى حماية وجود الحزب نفسه أمام الحملة الشرسة التي بدأتها السلطة ضده ، وتم اعتقال عبد الخالق واختفي الكادر القيادي . وبعد فشل السلطة الديكتاتورية عن طريق عملاءها داخل الحزب في تصفية الحزب فكريا أصبحت مصممة وتتحين الفرص لتصفيته جسديا . وحملة نميري المسعورة ضد الحزب في خطاب 2 فبراير 1971 وميدان سباق الخيل . كان تعبيرا عن هذا الاتجاه .
انقلاب 19 يوليو
بعد ذلك وقع انقلاب 19 يوليو 1971 كعملية عسكرية خارج مسار تكتيكات الحزب ، قام بها الضباط الشيوعيون والماركسيون المستقلون والديمقراطيون .
بعد الانقلاب كانت اللجنة المركزية أمام الأمر الواقع ، وأيدت الانقلاب ، وأصدرت مساء 19 يوليو خطابا داخليا إلى كافة منظمات الحزب وأعضائه أكدت فيه على ضرورة تأمين الثورة ، بحماية مراكز العمل والأحياء ، وتنظيم عمل جماهيري واسع للسيطرة على العاصمة وتأمينها ، ودعت إلى قيام فرق مسلحة بالاعتماد على الشباب والطبقة العاملة ، وإرسال مدربين إلى الأقاليم ، كما نادي البيان بمحاربة أى تعجل يساري أو شعارات انعزالية ودعت إلى ضرورة المحافظة على أجهزة الحزب السرية وكادره السري .
بعد فشل الانقلاب وجدت ديكتاتورية نميري الفرصة التي كانت تتحينها لتصفية الحزب جسديا بعد الفشل في التصفية الفكرية ، ولفقت التهم ضد هاشم العطا ورفاقه من الضباط حول أحداث قصر الضيافة ، كما لفقت التهم ضد الحزب الشيوعي باعتباره هو الذي كان وراء الانقلاب ، وعملت محاكم صورية ، كان من نتائجها مجازر الشجرة إلى أعدم فيها الضباط الأبطال وقادة الحزب الشيوعي الأبطال . وامتلأت السجون بالآلاف ، وتم تشريد الآلاف من الشيوعيين وحدثت ردة شاملة وضربة كبيرة للحزب الشيوعي والحركة الديمقراطية الجماهيرية ( راجع دورة اللجنة المركزية يوليو – سبتمبر 1971 ) .

حالة الحزب في الفترة : 22 يوليو 1971 – 1985 :
بعد الضربة الكبيرة التي وجهت للحزب وكادره القيادي : أعدا مات ، اعتقالات ، تشريد وتصفية المنظمات الديمقراطية والجماهيرية ، حدثت الردة الشاملة المعروفة .
وكانت المهمة المباشرة هي : تجميع قوى الحزب – استقرار قيادته – تأمين كيانه وحمايته . وبعد ذلك بناء فرع الحزب والمنظمات الجماهيرية حوله . ومخاطبة الجماهير ( صحيفة ، ندوات ) ، معالجة قضايا الكادر ، انتظام صدور الشيوعي والميدان والمنظم ، ومواصلة بناء الحزب وسط الطلاب وفي الإقليم الجنوبي والمناطق الزراعية والقطاع التقليدي .. وتأهيل الحزب سياسيا وفكريا وخاصة الكادر الجديد الذي تفرغ بعد الردة . كما أقرت اللجنة المركزية في دورة مايو 1973 رفع بعض البنود من اللائحة .. التي تتعارض مع سلامة الحزب في ظروف السرية .
وفي دورة يناير 1974 ، ونتيجة لتلخيص تجارب الحركة الجماهيرية بعد إضرابات ومظاهرات أغسطس 1973 طرحت اللجنة المركزية شعار الإضراب السياسي العام وحمايته كأداة للإطاحة بالسلطة ، وطرحت مهام بناء الحزب في العمل الداخلي و الجماهيري مثل : إتقان العمل السري وتأمين الكادر واستكمال بناء أدوات العمل السري ، وبناء الحد الأدنى لأدوات الحماية الدفاع ، وتحسين العمل الدعائي وأدواته ، تطوير قدرات الكادر ، الاهتمام بالتعليم الحزبي وتحسين التكوين الشيوعي ، وتوسيع النشاط السياسي الجماهيري ، وكسب أوسع جبهة للتضامن العالمي مع الثورة السودانية .
كما جاءت دورة يونيو 1975 التي فصلت مهام البناء الداخلي والجماهيري – وقضايا ومشاكل العمل القيادي .. ولخصت التجارب السابقة في ذلك المضمار بعد يوليو 1971 .
وظلت مهام بناء الحزب مطروحة في تلك الظروف التي تميزت بالهجمة الشرسة على الحزب ، والنهوض الجماهيري الذي حدث في أغسطس 1973 ، وفي يناير 1974 ، ومحاولات انقلاب سبتمبر 1975 ، وما حدث في يوليو 1976 ، وما فرضته من مصاعب في الحركة من جراء التمشيط وحظر التجول . كما تأثرت بالانفراج النسبي بعد المصالحة الوطنية الذي حدث في الفترة 1978 – 1979 .
وجاءت دورة ديسمبر 1978 التي طرحت قضية الكادر باعتبارها الحلقة الرئيسية في مهام بناء الحزب ، كما حددت الشروط لتحسين مستوى انتقاء الكادر المتفرغ وتأهيله سياسيا وفكريا ، وتخصصه في فرع من فروع المعرفة الماركسية .
كما تأثر بناء الحزب بالنهوض الجماهيري الذي حدث في الفترة 1978 – 1979 نتيجة لحركة الإضرابات الواسعة للفنيين والمعلمين والأطباء والزراعيين ... الخ . وجاءت دورة ل .م في سبتمبر 1984 لتلقي أضواء مكثفة ومركزة على حالة الحزب بعد الضربات المتلاحقة التي تعرض لها الحزب في 1979 ، 80 ، 81 ، 1982 ، وحملات التشريد الواسعة والهجمة الشرسة التي كشفت هشاشة بناء الحزب والغفلة وعدم اليقظة في تأمين الوثائق – ويظهر ذلك من كثرة الوثائق التي ضربت مع الكادر في تلك الضربات في المركز ومديرية الخرطوم والضربات التي تعرض لها الكادر المختفي في المركز والأقاليم ، مما عكس غفلة في التامين واليقظة .
سوف توقف قليلا عند دورة سبتمبر 1984 ، لأهميتها ، ولأنها لخصت تلخيصا ناقدا تجربة 14 عاما من البناء الحزبي في ظروف الردة .
أشارت دورة سبتمبر 1984 إلى الآتي :
• الضعف والغفلة أمام هجمة 78 ، 79 ، 80 التي قام بها تحالف الأمن مع الأخوان المسلمين مع المخابرات الأمريكية .. أمام الهجوم الكبير على الحزب بتفاصيله المعروفة ( اعتقالات ، تشريد ، ملاحقة ، تكثيف رقابة ) . وتعرض الحزب لخسائر ما كان يجب أن تحدث بذلك الحجم مثل : الوثائق ، وقوائم التوصيلات ، وتقارير نشاط داخلي ، ص 4 .
• بعد أربعة عشر عاما من الردة تم تحديد أسبقيات العمل القيادي على النحو التالي : 1 – تحسين ودعم التركيب القيادي 2 – ترسيخ قواعد العمل السري 3 – الحد الأدنى المستقر والدائم من الطباعة 4 – تحسين التكوين الشيوعي للكادر 5 – مقرر إلزامي للمرشحين 6 – توسيع حلقة الكادر المتفرغ 7 – التوجه لبناء الحزب وسط الطبقة العاملة .
وقدمت السكرتارية المركزية نقدا ذاتيا في الدورة لتأخير طرح الأسبقيات لأنها قضية مستقلة عن نهوض وانحسار الحركة الجماهيرية ، ولكونها بهذا المعني جوهر العمل القيادي ومعيار تقدمه أو تخلفه ، وفعاليته أو ضعفه .. ولا يغير من حجم التقصير والنقد الذاتي أن هذه القضية طرحت في دورة يونيو 1975 ، وكان الواجب متابعتها وملاحقتها كبند أساسي في أجنده العمل القيادي ليس فقط في السكرتارية والهيئات المركزية ، بل وفي كل هيئات وفروع الحزب .. ولا يغير من حجم هذا التقصير والنقد أن القضية كانت مطروحة بقدر من التفصيل والوضوح في التحضير لدورة يوليو 1977 . . ثم في التحضير لدورة 1978 .. والتي عقدت في ظروف ملائمة نسبيا كان يمكن أن تساعد حسمها في تلك الدورة أو ما بعدها بقليل ، وخاصة وقد تطرقت تلك الدورة لقضية الكادر والعمل القيادي وتركيب ل . م ً ص 11 . وتواصل الدورة وتقول ً لقد بددنا جهدا ووقتا في الجزئيات وملاحقة الأحداث والاستجابة لضغوط المعارك الجماهيرية والتهاب المشاعر خلال فترة النهوض بدلا من التركيز على الواجب المركزي للعمل القيادي ، وأسبقياته ، أى البناء ، ونتج عن ذلك عدم استعدادنا بالمستوى المطلوب للهجوم الذي شنته أجهزة السلطة في صيف 79 ً ص 12 .
كما جاء في الدورة أيضا في ص 7 ً وبما أن التمسك بالأسبقيات قضية فكرية في المقام الأول ، فإن هذا التمسك يتحقق عبر الصراع الفكري ضد روح التشتت وردود الفعل ، وتقليب ما هو عابر وثانوي على ما هو ثابت وجوهري .. ً .
وعالجت الدورة أيضا مهام بناء الحزب الأخرى – مثل قضايا الخط التنظيمي ، التركيز على بناء الحزب في المدارس الثانوية وبناء الحزب وسط المعلمين ، كما عالجت حالة المكاتب المركزية وحددت الأسبقيات المطلوبة للمكاتب ومهامها مثل المكتب التنظيمي ، المكتب المالي ، اللجنة الاقتصادية .. الخ .
كما تناولت الدورة حالة الحزب في المناطق وفروع الخارج ، مهام بناء الحزب فيها وتناولت أيضا فحص كادر 1978 ومهام بناء الكادر المستخلصة من ذلك الفحص .
تلك كانت حالة بناء الحزب بعد 14 عاما من الردة كما وصفته الدورة والمهام المطلوبة لتجاوز تلك الحالة . والدورة ماثلة للطباعة ( أي لم تنزل لعضوية الحزب ) اندلعت انتفاضة مارس – أبريل 1985 .
حالة بناء الحزب في الفترة : 1985 – 1989 :
بعد انتفاضة إبريل 1985 نشأت ظروف مد جماهيري جديدة تركت أثرها على الأسبقيات التي طرحتها دورة سبتمبر 1984 . وعالجت دورة أبريل 1985 قضايا الانتفاضة ومهام بناء الحزب في الظروف الجديدة استنادا إلى الأسبقيات التي طرحتها دورة سبتمبر 1984 مع مراعاة الإمكانيات الواسعة التي فجرتها الانتفاضة .
وعندما انفجرت الانتفاضة كانت حالة بناء الحزب ضعيفة في مجالات الطبقة العاملة ، والطلاب والمزارعين ، وفي النقابات ، وفي الحركة الجماهيرية عموما ، نتيجة لآثار ضربة يوليو 1971 ، وكانت القضية المباشرة هي استعادة نفوذ الحزب وسط هذه المجالات .
تأثرت عملية بناء الحزب في تلك الفترة بالنشاط السياسي الجماهيري ، معركة الانتخابات ، المعارك ضد القانون الجنائي ( قانون الترابي ) ، المعارك من أجل وحدة قوى الانتفاضة وحماية وتوسيع الديمقراطية ، معارك إزالة آثار الكوارث والسيول والفيضانات في 1988 ، ومعارك انتخابات العمال والموظفين والمهنيين ، والاحتفالات بالعيد الأربعين لتأسيس الحزب ، وغير ذلك من المعارك السياسية الجماهيرية التي نشأت في تلك الفترة من ظروف شبه العلنية ..
ولكن رغم الإمكانيات الواسعة التي فجرتها الانتفاضة ظلت حالة الفروع ضعيفة ومتأثرة بحالة العزلة والانكماش والحلقية وغيرها من سلبيات ظروف السرية ..
كما فشلت الفروع في توسيع النشاط السياسي الجماهيري وفتح ميادين جديدة للعمل غير النشاط السياسي المباشر ، مثل العمل الإصلاحي ( تعاونيات ، أندية ، جمعيات ثقافية وأدبية ، عمل خيري ، فرق رياضية وموسيقية ) .
ظلت التنظيمات الديمقراطية حول فرع الحزب في حالة انكماش بدلا من الاستفادة من الإمكانيات الواسعة التي فجرتها الانتفاضة بتوسيع وتنويع نشاطها مثل الاتحاد النسائي ، اتحاد الشباب لسوداني ، الروابط الاشتراكية والديمقراطية وسط المهنيين ، والجبهة الديمقراطية وسط الطلاب .. الخ .
أما صحافة الحزب مثل الميدان رغم الدور الذي لعبته في النشاط السياسي الجماهيري وتعميق شعارات وأهداف الانتفاضة ، فلم تستطع حشد الإمكانيات الواسعة في صفوف المثقفين الشيوعيين في الكتابة المتنوعة لها ، كما تقلص عدد قراءها بسبب أنها أصبحت غير جاذبة ، أما صحيفة الشبيبة فقد كانت غير جاذبة للشباب ولا تلبي تطلعاته .
كما حدث تحسن في عملية استيعاب المرشحين بعد الانتفاضة ، بعكس ما حدث بعد اتفاقية الحكم الذاتي 1953 واكتو بر 1964 نتيجة لوضع الكورس الإلزامي ، مما أحدث تحسنا نسبيا في التعليم الحزبي ، إضافة لمدارس الكادر في الداخل والخارج .
أما حالة الفروع الداخلية فقد كانت عقيمة : اجتماعات كثيرة بلا طائل وعائد ، ومفاهيم خاطئة لحماية الحزب ، وضعف في النشاط السياسي الجماهيري ... الخ .
أما العمل القيادي على مستوى السكرتارية المركزية فقد ظل كما وصفته دورة سبتمبر 1984 : زحمة ، روح تشتت ، عدم تركيز ، فشل في مسك المهام الأساسية مثل عقد المؤتمر الخامس ، وسكرتارية مركزية مثقلة بأعباء فوق طاقة البشر وعدم إشراك واسع للجنة المركزية في مهام العمل القيادي .
والزحمة وروح التشتت كنا نلحظها أيضا في قيادات المناطق التي كانت ( تكوش) على المسئوليات وتزحم نفسها بأعباء فوق طاقتها .



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماهي دلالات فوز باراك اوباما؟
- الرقابة علي الصحف في السودان
- تجديد البرنامج
- الحركة النقابية السودانية وانقلابي 25/مايو 1969 و19/يوليو/19 ...
- تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان(سلطنة دارفور نموذجا)
- الذكري ال 91 لثورة اكتوبر الاشتراكية
- تحالف الفونج والعبدلاب: الخصائص والدوافع(1504- 1821)
- بعض الملاحظات الأساسية علي مشروع التقرير السياسي - الحزب الش ...
- الأزمة المالية وضرورة استعادة الثقة في الاشتراكية
- تجربة في الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم
- الحزب الشيوعي السوداني والمثقفين
- الأزمة المالية واعادة اكتشاف ماركس(2)
- الأزمة المالية ونقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية
- السودان: برنامج اسعافي لوقف التدهور
- من تاريخ صحافة الحزب الشيوعي السوداني
- ملامح من التفكير الفلسفي العلمي في الثلاثينيات
- أسباب وطبيعة الثورة المهدية في السودان(1881- 1885)
- الحزب الشيوعي السوداني وتجربتي انقلاب 25/مايو/1969 و19/يوليو ...
- آثار النفط علي التركيبة الاقتصادية والاجتماعية في السودان
- الوحدة في منظور جون قرنق


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - تقويم نقدي لتطور عملية بناء الحزب الشيوعي السوداني(1946-1989م)