مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2465 - 2008 / 11 / 14 - 08:21
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
1967
مقدمة –
ليس فقط أن مجتمع الاستعراض يشكل ما يشبه حجر الزاوية في مقاربة و تحليل الموقفيين للمجتمع الرأسمالي المعاصر , بل لكي نتمكن من فهم هذا المجتمع الرأسمالي المعاصر بكل جوانبه , من الحملات الانتخابية إلى سائر أشكال "الممارسة السياسية" إلى الإعلام و الثقافة و السينما و الرياضة , باختصار لفهم أي مجال من مجالات النشاط الإنساني اليوم فإن قراءة مجتمع الاستعراض ضرورية جدا , إنها تكشف عن حقيقة الصيغة الحالية للسلطة و آلية إعادة إنتاجها في كل جانب من جوانب الحياة العامة حيث تسيطر السلعة من خلال المشهد - الاستعراض الذي يصر على أن يقزم وجود كل البشر المنتجين إلى متفرجين سلبيين فقط , خاضعين بهدوء للسلطة السائدة و لعلاقات الإنتاج السائدة..مع ملاحظة التحول الاجتماعي الأساسي في مجتمع الاستعراض عن الرأسمالية التنافسية الليبرالية , حيث يجري تعزيز الانقسام الطبقي و تعميقه بتركيز وسائل الاتصال بيد الأقلية المسيطرة على وسائل إنتاج الثروة , لكن المشهد يبقى أبعد من مجرد الواقع الاجتماعي و قد جرى تزييفه عمدا بيد الملاك و الحكام الحاليين , إنه وهم يحل مكان هذا الواقع , يقوم على الدمج بين السيطرة و الضبط و الملكية , هذا هو الذي يشكل بالتحديد جوهر مجتمع الاستعراض....
المترجم...
الفصل الأول "تمام العزل"
لكن من الأكيد في العصر الراهن , الذي يفضل الرمز على الشيء الذي يشير إليه , النسخة عن الأصل , التمثيل عن الواقع , المظهر عن الجوهر ... أن الوهم وحده هو المقدس , أما الحقيقة فهي تدنيس للمقدس . كلا , سيستمر تعزيز القداسة بشكل يتناسب مع تراجع الحقيقة و تقدم الوهم , بحيث أن أعلى درجات الوهم تنتهي إلى أعلى درجات القداسة .
فيورباخ , من مقدمة الطبعة الثانية من كتاب جوهر المسيحية
1
في المجتمعات التي تسود فيها الظروف المعاصرة للإنتاج , فإن كل الحياة تعرض نفسها كتراكم هائل للمشاهد . كل شيء يحيا قد تحول مباشرة إلى تمثيل .
2
إن الصور التي تنتزع من كل جانب من جوانب الحياة تندمج في المجرى العام حيث لا يمكن إعادة توحيد هذه الحياة أبعد من ذلك . يمكن اعتبار أن الواقع قد انكشف جزئيا للعيان , في وحدته العامة الخاصة به , كعالم مزيف مستقل , كموضوع للتأمل المجرد . إن تخصيص صور العالم يستكمل في عالم الصورة المستقلة , عندما يكذب الكذاب على نفسه . إن المشهد عام , مثل النقض المتماسك للحياة , إنه الحركة المستقلة للعدم .
3
يقدم المشهد نفسه في نفس الوقت على أنه كل المجتمع , و كجزء من المجتمع , و كأداة لتوحيده . كجزء من المجتمع فإنه بالتحديد ذلك الجزء الذي يتركز فيه كل التفكير و كل الوعي . بسبب ذات الحقيقة القائلة بأن هذا الجزء منفصل , فإنه يشكل القاعدة للتأمل المخادع و للوعي المزيف , و ليست الوحدة التي يحققها إلا اللغة الرسمية للانفصال المعمم .
4
المشهد ليس مجموعة من الصور , بل علاقة اجتماعية بين البشر , تتواسطها الصور .
5
لا يمكن فهم المشهد كتشويه لرؤية العالم , كنتاج لتقنيات النشر الجماهيري للصور . إنه بالأحرى , نظرة عالمية أصبحت واقعية , و قد ترجمت ماديا . إنها رؤية عن العالم و قد تعرضت للتشيؤ .
6
المشهد الممسوك بأكمله هو على السواء نتيجة و مشروع لنمط الإنتاج الحالي . إنه ليس مجرد إضافة للعالم الواقعي , زينة إضافية . إنه قلب تزييف المجتمع الواقعي . في كل أشكاله الخاصة , كمعلومات أو كدعاية , كإعلان أو استهلاك لترفيه مباشر , فإن المشهد هو النموذج الحالي للحياة الخاضعة للهيمنة اجتماعيا . إنه التأكيد كامل القدرة على الخيار الذي اتخذ بالفعل فيما يتعلق بالإنتاج و نمط الاستهلاك الملازم له . إن كل من شكل المشهد و محتواه يمثلان , على نحو متطابق , التبرير الكامل لظروف النظام القائم و أهدافه . كما أن المشهد هو الوجود الدائم لهذا التبرير , بما أنه يحتل الجزء الأساسي من الوقت المعاش خارج الإنتاج المعاصر .
7
الانفصال هو نفسه جزء من وحدة العالم , من التطبيق الاجتماعي الكوني المنقسم إلى واقع و صور . إن الممارسة الاجتماعية التي يواجهها المشهد المستقل هي أيضا الكلية الحقيقية التي تشمل المشهد . لكن الانقسام داخل هذه الكلية تشوهها إلى الحد الذي يبدو فيه المشهد على أنه غايتها . تتألف لغة المشهد من إشارات نمط الإنتاج المسيطر , التي هي في نفس الوقت , الهدف النهائي لهذا الإنتاج .
8
لا يمكن للمرء أن يعارض المشهد بشكل مجرد بالنشاط الاجتماعي الفعلي : إن تقسيما كهذا مقسم هو نفسه . المشهد الذي يقلب الواقع رأسا على عقب يتم إنتاجه بالفعل . يتعرض الواقع المعاش للهجوم ماديا من قبل تأمل المشهد فيما يستحوذ في نفس الوقت على النظام المشهدي , مانحا إياه تماسكا إيجابيا . يوجد الواقع الموضوعي على كلا الجانبين . كل فكرة تحدد وفق هذه الطريقة ليس لديها أي أساس ما عدا انتقالها نحو النقيض : يظهر الواقع داخل المشهد , أما المشهد نفسه فهو واقعي . هذا الاغتراب المتبادل هو جوهر و دعامة المجتمع القائم .
9
في عالم يسوده الاضطراب بالفعل , تكون الحقيقة لحظة من الزيف .
10
يوحد مفهوم المشهد و يشرح التنوع الهائل للظواهر المرئية . هذا التنوع و المتناقضات هي عبارة عن مظاهر للمظهر المنظم اجتماعيا , الحقيقة العامة التي يجب الاعتراف بها هي نفسها . باستخدام تعابيره الخاصة , فإن المشهد هو تأكيد للمظهر و تأكيد لكل الحياة الإنسانية , أو الحياة الاجتماعية بكلمة أخرى , كمجرد مظهر . لكن النقد الذي يستطيع الوصول إلى حقيقة المشهد يعريه كنفي مرئي للحياة , كنفي للحياة التي أصبحت مرئية .
11
لوصف المشهد , و بنيته , وظيفته و القوى التي تسعى إلى إلغائه , يجب على المرء أن يميز بشكل مصطنع عناصر معينة ملازمة له . عند تحليل المشهد يتحدث المرء لدرجة ما اللغة المشهدية نفسها بالمعنى الذي يتحرك فيه الإنسان خلال المنطقة المنهجية لأي مجتمع يعبر عن نفسه في المشهد . لكن المشهد ليس إلا الإحساس بالممارسة الكاملة للبنية الاجتماعية – الاقتصادية , و استثماره للوقت . إنه الحركة التاريخية التي علقنا فيها .
12
يعرض المشهد نفسه كشيء إيجابي جدا , لا يقبل الجدل و بعيد المنال . إنه لا يقول أكثر من "إن هذا الذي يظهر هو جيد , كل ما هو جيد يجب أن يظهر . الموقف الذي يطالب به مبدئيا هو القبول السلبي الذي يتم الحصول عليه أصلا عن طريق عاداته في الظهور دون أن يلقى جوابا , و باحتكاره للظهور .
13
الميزة القائمة على التكرار أساسا للمشهد تنشأ من الحقيقة البسيطة في أن وسائلها هي في نفس الوقت أهدافها . إنها الشمس التي لا تغيب عن إمبراطورية السلبية المعاصرة . إنها تغطي كل سطح العالم و تسبح بلا نهاية في مجدها الخاص .
14
المجتمع الذي يقوم على الصناعة المعاصرة ليس مشهديا بالصدفة أو بشكل سطحي , إنه مشهدي في أساسه . في المشهد , الذي هو صورة الاقتصاد الحاكم , الهدف هو لا شيء , التطور هو كل شيء . لا يهدف المشهد إلى أي شيء سوى ذاته .
15
كزينة لا يمكن الاستغناء عنها للأشياء التي تنتج اليوم , كعرض عام لعقلانية النظام , كقطاع اقتصادي متطور يشكل مباشرة الوفرة المتنامية للصور – الأشياء , فإن المشهد هو الإنتاج الرئيسي للمجتمع المعاصر .
16
يستعبد المشهد البشر الأحياء لصالحه إلى المدى الذي يستعبدهم فيه الاقتصاد بالكامل . إنه ليس أكثر من الاقتصاد و هو يتطور لصالحه . إنه الانعكاس الحقيقي لإنتاج الأشياء , و الموضوعية المزيفة للمنتجين .
17
المرحلة الأولى لهيمنة الاقتصاد على الحياة الاجتماعية أدخلت إلى تعريف مجمل التحقق الإنساني الانحطاط الصريح من الكينونة ( أو الوجود ) إلى الملكية . إن المرحلة الحالية من الاحتلال الكامل للحياة الاجتماعية من قبل النتائج المتراكمة للاقتصاد تقود إلى الانزلاق المعمم للملكية إلى المظهر , التي يجب على كل "الملكية" الفعلية أن تستمد منه أهميتها الفورية و وظيفتها النهائية . في نفس الوقت يصبح كل واقع فردي واقعا اجتماعيا يعتمد مباشرة على السلطة الاجتماعية و يتشكل بواسطتها . و يسمح له بالظهور فقط إلى الحد الذي لا يكون فيه كذلك .
18
حيث يتحول العالم الواقعي إلى صور بسيطة , تصبح هذه الصور البسيطة أشياء فعلية و دوافع فعالة للسلوك المنوم . المشهد , كنزوع يدفع المرء ليرى العالم من خلال وسائط متخصصة مختلفة ( لم يعد من الممكن الإمساك به مباشرة بعد اليوم ) , أن يجد من الطبيعي أن البصر هو الحاسة البشرية المتميزة فيما كانت حاسة اللمس هي المتميزة في المراحل الأخرى , الحاسة الأكثر تجريدا , الأكثر غموضا , بما يوازي التجريد العام للمجتمع المعاصر . لكن المشهد لا يمكن تمييزه من خلال مجرد النظر , و إن رافق ذلك الإصغاء . إنه ذلك الشيء الذي يتجنب نشاط الإنسان , الذي يتجنب إعادة النظر و التصحيح من قبل عمل البشر . إنه عكس الحوار . حيثما يوجد تمثيل مستقل , فإن المشهد يعيد تشكيل نفسه .
19
يرث المشهد كل نقاط ضعف المشروع الفلسفي الغربي الذي حاول فهم النشاط بتعابير أصناف المشاهدة , أكثر من ذلك فإنه يستند إلى الانتشار المستمر للعقلانية التقنية المحددة التي تنتج عن هذا التفكير . المشهد لا يؤدي لتحقيق الفلسفة , إنه يفلسف الواقع . لقد انحطت الحياة المتماسكة لكل فرد إلى كون مشهدي ( استعراضي ) .
20
الفلسفة , سلطة الفكر المنفصل و فكر السلطة المنفصلة , لا يمكنها لوحدها أن تحل مكان اللاهوت . المشهد هو إعادة البناء المادية للوهم الديني . لم تفرق التكنولوجيا المشهدية الغيوم الدينية حيث يضع البشر قواهم الخاصة بعيدا عنهم , لقد قيدتها فقط إلى قاعدة أرضية . هكذا أصبحت معظم الحياة الأرضية غامضة و لا تستطيع التنفس . لم تعد خططا في السماء بل ملاجئ يوجد داخلها نفيها المطلق , نعيمها الوهمي . إن المشهد هو التحقق العملي لإبعاد القوى الإنسانية إلى الما وراء , إنه انفصال يجد كماله داخل الإنسان .
21
إلى الحد الذي تكون فيه الضرورة حلما اجتماعيا , يصبح الحلم ضرورة . إن المشهد هو كابوس المجتمع المعاصر المسجون الذي لا يعبر في نهاية المطاف إلا عن رغبته في النوم . إن المشهد هو حارس النوم .
22
حقيقة أن السلطة العملية في المجتمع المعاصر تعزل نفسها و تنشأ إمبراطورية مستقلة في المشهد يمكن أن تفسر فقط من خلال واقع أن هذه السلطة العملية تستمر مفتقرة للتماسك و تبقى في تناقض مع نفسها .
23
توجد أقدم التخصصات الاجتماعية , تخصص السلطة , في أصل المشهد . لذلك فإن المشهد هو نشاط أو فعالية متخصصة تتحدث نيابة عن كل الآخرين . إنه التمثيل الدبلوماسي للمجتمع القائم على التراتبية الهرمية أمام نفسه , حيث تحظر كل الصياغات الأخرى . هنا الأكثر معاصرة هو في نفس الوقت الأكثر قدما .
24
إن المشهد هو الحديث المتواصل للنظام القائم عن نفسه , إنه مونولوجه ( الحديث الذي يحتكر فيه شخص واحد الكلام ) المدائحي . إنه الصورة الذاتية للسلطة في عصر إدارتها الشمولية لظروف الوجود . يخفي المظهر الفيتشي ( الفيتشية : الاعتقاد بقوة سحرية في جسم ما ) الموضوعي تماما للعلاقات المشهدية حقيقة أنها علاقات بين البشر و الطبقات : طبيعة أخرى مع قوانينها المهلكة يبدو أنها تسيطر على بيئتنا . لكن المشهد ليس نتاجا ضروريا للتطور التكنولوجي الذي يرى كتطور طبيعي . إن مجتمع الاستعراض على العكس هو الشكل الذي يختار محتواه التكنولوجي الخاص به . إذا كان المشهد , مأخوذا في المعنى المحدود ل"وسائل الأعلام الجماهيرية" التي هي تعبيرها السطحي الأكثر كشفا , يبدو أنه يجتاح المجتمع كمجرد تجهيزات أو أغراض , فإن هذه الأغراض ليست بأي حال من الأحوال طبيعية لكنها الوسائل نفسها التي تناسب حركته الذاتية الكاملة . إذا كانت الحاجات الاجتماعية للعصر الذي تطورت فيه مثل هذه التكنيكات يمكن إشباعها فقط من خلال توسطها , و إذا كانت إدارة هذا المجتمع و كل اتصال بين البشر لا يمكن أن يجري أبعد من ذلك فقط من خلال توسط سلطة الاتصال الفوري هذه , فإن هذا لأن هذا "الاتصال" هو أحادي الجانب بالضرورة . إن تركيز "الاتصال" هو لذلك عبارة عن تراكم , في أيدي النظام القائم للإدارة , للوسائل التي تتيح له أن يقوم بهذه الإدارة الخاصة . إن الانشطار المعمم للمشهد لا يمكن فصله عن الدولة المعاصرة , أعني من الشكل العام للانشطار داخل المجتمع , نتاج انقسام العمل الاجتماعي و أداة الهيمنة الطبقية .
25
إن الانفصال هو بداية و نهاية المشهد . لقد أدت مأسسة الانقسام الاجتماعي للعمل , و تشكيل الطبقات , إلى ظهور أول فكرة مقدسة , النظام الأسطوري الذي تغطي كل سلطة نفسها به منذ البداية . يبرر المقدس النظام الكوني و الأنطولوجي ( الوجودي ) الذي يوافق مصالح السادة , إنه يشرح و يزخرف ما لا يستطيع المجتمع أن يفعله . لذلك فإن كل سلطة منفصلة كانت مشهدية أو استعراضية , لكن التصاق الجميع إلى صورة جامدة يشير فقط إلى القبول العام بالامتداد التخيلي لفقر النشاط الاجتماعي الفعلي , الذي يشعر به بشكل هائل على أنه ظرف يوحدها . يعبر المشهد المعاصر , على العكس , عما يمكن للمجتمع أن يفعله , لكن في هذا التعبير فإن المسموح به يناقض الممكن . إن المشهد هو الحفاظ على اللاوعي داخل التغير العملي لظروف الوجود . إنه نتاجه الخاص , و قد وضع قواعده الخاصة : إنه كائن زائف القداسة . إنه يظهر ما هو : سلطة منفصلة تتطور في نفسها , في نمو الإنتاجية عبر وسائل التشذيب المستمر لانقسام العمل إلى توزيع للإشارات التي تخضع عندها لسيطرة الحركة المستقلة للآلات , و العمل لسوق تتوسع أبدا . يتحلل كل المجتمع و كل الحس النقدي أثناء هذه الحركة بحيث أن القوى التي يمكنها أن تنمو من خلال الانفصال لم تتوحد بعد من جديد .
26
مع الانفصال المعمم بين العمال و منتجات عملهم , تضيع حتى النظرة الأحادية للنشاط المنجز و كل الاتصالات الشخصية المباشرة بين المنتجين . على التوازي مع تقدم تراكم المنتجات المنفصلة و تركيز العملية الإنتاجية , يصبح الاتحاد و الاتصال الخاصية الحصرية لإدارة النظام . إن نجاح النظام الاقتصادي للانفصال هو عملية برلتة ( تحويله إلى بروليتاريا ) العالم .
27
بسبب نجاح الإنتاج المنفصل كإنتاج للمنفصل , فإن الخبرة الأساسية التي ترتبط في المجتمعات البدائية بمهمة مركزية تتمثل في عملية أن يكون المرء معزولا , في قمة تطور النظام من خلال البطالة , و عدم الفاعلية . لكن انعدام الفاعلية هذا لا يتحرر بأي طريقة من النشاط الإنتاجي : إنها تعتمد على النشاط الإنتاجي و هي عبارة عن خضوع غير سهل و مبجل لضروريات و نتائج الإنتاج , إنها نفسها نتاج عقلانيتها . لا يمكن أن توجد حرية خارج الفعل , و في سياق المشهد أو الاستعراض يجري نفي كل فعل . تماما كما جرى الإمساك بالنشاط الفعلي بكليته لغرض البناء الكوني لهذه النتيجة . لذلك فإن "التحرر الحالي من العمل" , زيادة الوقت المخصص للمتعة , هو ليس بأي حال من الأحوال تحرر داخل العمل , و ليس تحرر من العالم الذي يشكله هذا العمل . لا يمكن استعادة أي من النشاط الذي يفقد في العمل عن طريق الخضوع لنتيجته .
28
النظام الاقتصادي القائم على العزلة هو إنتاج دائري للعزلة . تقوم التكنولوجيا على العزلة , و بالمقابل تتعرض العملية التقنية للعزل . من السيارة إلى التلفزيون , كل البضائع التي يتم اختيارها من قبل النظام المشهدي هي أيضا أسلحته لتعزيز مستمر لظروف عزل "الحشود المعزولة" . يعيد المشهد باستمرار اكتشاف فرضياته بشكل أكثر تماسكا .
29
ينشأ المشهد من ضياع وحدة العالم , و يعبر التوسع الهائل للمشهد المعاصر عن كلية هذا الضياع : تجريد كل العمل النوعي و التجريد العام لكلية الإنتاج تذوب بشكل كامل في المشهد , الذي يكون نمط وجوده الصلب هو بالتحديد عبارة عن تجريد . في المشهد , يقدم جزء من العالم نفسه للعالم و هو متفوق عليه . ليس المشهد إلا اللغة العامة لهذا الانفصال . ما يجمع المتفرجين معا ليس أكثر من علاقة غير عكوسة في نفس المركز الذي يحافظ على عزلتهم . يعيد المشهد توحيد الانفصال , لكنه يعيد توحيده كأقسام منفصلة .
30
إن اغتراب المتفرج عن ربح الموضوع الذي يتأمله ( الذي هو نتاج نشاطه الخاص غير الواعي ) يعبر عنه بالطريقة التالية : كلما مارس التفكير أكثر كلما عاش أقل , كلما تقبل أكثر أن يدرك نفسه في الصور المهيمنة للحاجة , كان فهمه أقل لوجوده الخاص و رغباته الخاصة . إن خارجية المشهد في علاقته بالإنسان الفعال تظهر في حقيقة أن مواقفه الخاصة لم تعد مواقفه هو بل مواقف الآخر الذي يمثلها أمامه . لهذا يشعر المتفرج أنه في منزله في اللا مكان لأن المشهد في كل مكان .
31
لا ينتج العامل نفسه , إنه ينتج قوة مستقلة . يرتد نجاح هذا الإنتاج , و وفرته , بوفرة في الحرمان من الملكية . يصبح كل الزمن و المكان في عالمه غريبا عنه مع تراكم منتجاته المغتربة . إن المشهد هو خريطة هذا العالم الجديد , خريطة تغطي بالكامل منطقتها . ذات القوى التي تهرب بعيدا عنا تعرض نفسها أمامنا بكل قوتها .
32
يتوافق المشهد داخل المجتمع مع الإنتاج المتماسك للاغتراب . التوسع الاقتصادي هو بالأساس توسع هذا الإنتاج الصناعي المحدد . ما ينمو في الاقتصاد المتحرك نحو نفسه يمكن أن يكون فقط نفسه الاغتراب الذي كان هو أساسه .
33
منفصلا عن نتاج عمله , فإن الإنسان نفسه ينتج كل تفاصيل عالمه بقوة متزايدة باستمرار , و هكذا يجد نفسه حتى أكثر انفصالا عن عالمه . كلما كانت حياته أكثر هي نتاج له , كلما كان الكذب الذي يفصله عن حياته أكبر .
34
المشهد هو رأس المال الذي بلغ درجة من التراكم بحيث أنه أصبح صورة .
نهاية الفصل الأول
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.marxists.org/reference/archive/debord/index.htm
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟