يوم 8 آذار الذي استولى فيه حزب البعث على السلطة قبل قرابة 41 عاما هو أيضاً عمر رزوح البلاد السورية تحت نير حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية. هذه هي المجايلة أو التوأمة التي منحت لآخر عرائض الناشطين السوريين التي لم تتوقف خلال السنوات الأخيرة خصوصية مميزة. فمن باب الإعداد للاحتفال بالعيد الحادي والأربعين لحالة الطوارئ بادرت "لجان الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية" إلى حشد تأييد الرأي العام لعريضة تطالب السلطات برفع حالة الطوارئ وإلغاء مستتبعاتها، وإلغاء كافة المحاكم العرفية والاستثنائية، ووقف الاعتقال التعسفي والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وتعويض المتضررين وإعادة الاعتبار للمجردين مدنيا لأسباب سياسية، وإعادة المنفيين إلى وطنهم وفتح ملف المفقودين والكشف عن مصيرهم وتسوية اوضاعهم القانونية وتعويض ذويهم، وإطلاق الحريات الديمقراطية بما فيها الحق في تأسيس الاحزاب والجمعيات المدنية. ويأمل المبادرون بجمع عدد كبير من التواقيع على العريضة التي يخططون لتقديمها إلى السلطات السورية بمناسبة ذكرى "ثورة 8 آذار المجيدة" بعد اسابيع قليلة من اليوم.
وبعد قرابة أسبوعين من إطلاقها في أواخر شهر كانون الثاني تجاوز عدد الموقعين على النسختين الإلكترونية والورقية للعريضة بضعة آلاف، ويتوقع له أن يزداد دون توقف خلال الأسابيع القادمة، حتى ولو لم يبلغ رقم المليون الذي لم يستطع، للأسف، مطلقو العريضة مقاومة إغراء اتخاذه عنوانا لها: عريضة المليون!
مطالب العريضة لا تختلف في شيء عن مطالب عشرات البيانات والوثائق والعرائض التي سبقتها، سواء التي قدمت إلى السلطات أو خوطب بها الرأي العام. فكلها تدور حول إغلاق الملفات الإنسانية التي ترتبت على المواجهات الأهلية في أواخر السبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي من جهة، وتدعو من جهة أخرى إلى وضع حد لحالة الاستثناء التي خيمت على أكثر من ثلثي عمر سوريا المستقلة وقرابة نصف تاريخ الكيان السوري الحديث.
لكن الذكرى الحادية والأربعين لفرض حالة الطوارئ في البلاد تأتي عند تقاطع مجموعة من الديناميات المؤثرة. فهناك أولا موجات الضغوط الأميركي القوية والمتلاحقة والتي تلت احتلال العراق وإسقاط نظامه البعثي قبل أقل من عام من اليوم. وهناك ثانيا شعور عام بعجز نخبة السلطة عن إدخال أية إصلاحات جدية على آلات النظام السياسية والمؤسسية والاقتصادية المتداعية من جهة، وعن الرد على الضغوط الخارجية أو حتى التكيف الإيجابي مع ما تثيره من تحديات من جهة أخرى. وهناك ثالثا إدراك متنام لحاجة الحركة الديمقراطية السورية إلى الانتقال إلى موقع المبادرة العملية. وفي هذا السياق يمكن للعريضة ان تكون محطة إضافية للتدرب على إشغال هذا الموقع والتمرس بمشكلاته، وكذلك لإنقاذ الخيار الثالث، المعارض للاستبداد والمناهض للالتحاق الدوني بالأميركيين وخططهم، من أن يؤول إلى مجرد اسم آخر للشلل.
سوريون كثيرون يطالبون بإنهاء حالة الطوارئ. وقد يكون هناك سوريون كثيرون أيضا يرغبون باستمرارها كيلا "يفلت البلد" كما قال نائب الرئيس قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال. لم لا تبادر السلطات إلى طرح الموضوع لاستفتاء عام؟