|
الانترنت الديني..... قمع الحرف واضطهاد الكلمة
رائد قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2464 - 2008 / 11 / 13 - 10:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لاشك أن الإنسان الديني لديه عقيدة راسخة، ومنها ينظر إلى كل ما حوله ويتعامل معه بناء عليها ، فالدينيون يبنون على عقيدتهم كافة أوجه الحياة ، بل إن الدين يمثل لديهم القاعدة الصلبة التي ينطلقون منها في حياتهم الفردية والجماعية ، ويمكن القول إن الإنسان الديني لا يمكنه بطبيعته وتكوينه الأيدلوجي المتصلب أن يتعايش مع الآخر المخالف مهما ادعى ذلك، لان عقيدته التي هي من العقد والتعاقد لا تسمح له بان يقول أنها من الممكن أن تكون خاطئة أو أن تكون صحيحة ، فإذا ما كان على معتقد صحيح فان الآخر المخالف خاطا بالضرورة ! وان كان هو مخطئ فان الآخر على صواب لزوما ! وبناء على ذلك يتحرك، لذلك فانه يخطا ويكفر كل من خالفه ويبني على هذه المخالفة الآراء والتعاليم والأفكار والأحكام، وإذا ما كان في موقع القوة فانه يطبقها ويجعلها حقيقة واقعة لا محيض عنها. وتنسحب هذه العقيدة على الرحاب الواسعة لشبكة الانترنت ونظرا لتميزها عن العمل الميداني التقليدي بالسرعة الفائقة وتخطي الحواجز المكانية والزمنية بصورة مذهلة ، ونظرا لكونها تعبير عن الواقع ومكونات المجتمعات البشرية بمختلف أعراقها وأديانها وأيدلوجياتها فانه قد تخرج في المجتمعات الدينية المنغلقة والمتشددة من يدعي الانفتاح والتحرر والحيادية رغم كونه دينيا قحا! كما ادعت ذلك وتدعي بعض شبكات الانترنت في بعض المجتمعات التي تصنف على كونها من اشد المجتمعات تدينا وتحفظا وإيغالا في التعاليم الماضوية التي لا اثر لها ولا علاقة بمسارات تطور الحياة الإنسانية المعاصرة وتنميتها ، ويعود استحكام منظومة التدين هذه إلى الفراغ والتخلف الحضاري وانعدام الأفق السياسي والديني والاجتماعي ، الذي يدفع هذه المجتمعات إلى التفاعل مع هذه الحالة الفريدة من الانغلاق على الذات بما يحمل من تراث ضخم ومعقد ، هنا تسنح الفرصة لبعض التيارات الدينية المتشددة والتي تستخدم التكنولوجيا في تحقيق أهدافها للقيام بعملية مخادعة بادعاء الانفتاح والحياد وإنها منبر للحرية والرأي الآخر ! رغم أن ثقافتها الدينية وتكوينها النفسي والأيدلوجي بعيدين كل البعد عن هذه الشعارات التي تستهدف الحصول على رصيد جماهيري لصالح الحركة أو التيار الذي تنتمي إليه هذه الشبكة أو تلك ، والذي عادة ما يكون تيار ديني مركزي شمولي يديره رجل دين مارس الكثير من التناقضات في حياته الدينية والسياسية . إن موقع الانترنت الديني لا يمكنه بحكم عقيدته وأهدافه وغاياته ومراميه المرتبطة برمز الحركة أو التنظيم أو التيار أن يقبل بالرأي الآخر ، إلا إذا كان تحت سيطرته وسلطته، كنت قد تناقشت مع احد الأخوة العراقيين حول العراق الجديد فسألته عن الليبراليين والعلمانيين والشيوعيين في ظل الدولة العراقية الجديدة التي يقودها الإسلاميون فقال لي اقبل بوجودهم بشرط أن يكونوا تحت سلطتنا نحن الدينيين ! إن شبكة الانترنت الدينية تقبل في بعض الأحيان ولأهداف وغايات محددة ومؤقتة بنشر الأفكار المخالفة للحركة الدينية عامة ونهجها الديني خاصة، بشرط أن تكون هذه النصوص سواء كانت رأي أو خبر أو فكرة أو تعليق أو نص أدبي تحت سيطرتها وإشرافها وتحريرها، إن الشبكة الدينية تمارس التعدد في نصوصها بهدف خداع المتصفح وبث رأي عام حولها يؤكد على أنها شبكة متعددة ومتنوعة ومنبر وطني ! والحقيقة أنها عملية تجميل فاشلة لا تنطلي سوى على البسطاء ، حيث إن الشبكة الدينية التي تنتمي في غالبا إلى تيار ديني تقليدي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حرا في اختياراته وحركته ، ولا يمكنه القبول بان تصبح هذه النصوص دعاية وتسويق مجاني بشكل مباشر أو غير مباشر بقصد أو بدون قصد للآراء الأخرى أو التيارات الأخرى، إذ إن الشبكة الدينية ترمي إلى بث وعي معين ومحدد ومؤطر في المجتمع الذي تخاطبه أو الجماهير التي تخاطبها،فإذا ما تكاثرت النصوص التي تعبر عن تعطيل لهذه الهدف المركزي فإنها سوف تبدأ بحجبها تحت شتى المبررات و والمسوغات وهذا ما أقدمت عليه الكثير من مواقع الانترنت الدينية في الآونة الأخيرة. إن كثير من مواقع الانترنت تعاني من الحجب الذي تمارسه عليها السلطات الرسمية في دولها ولكنها في نفس الوقت تمارس نفس السياسية تجاه انتمائها الجماهيري ، وإذا ما كانت هذه الشبكة أو تلك تحجب بسبب هويتها المذهبية فان شبكة الانترنت الدينية تحجب النصوص والمشاركات والكتاب لنفس الأسباب! في إجادة منها للعبة القط والفار ! وممارسة متقنة للاستبداد المركزي من اعلي قمة الهرم إلى أسفله ، فموقع الانترنت الديني يحجب بسبب هويته الدينية وهو كذلك يحجب مخالفيه في وسطه الوطني والاجتماعي ليستمر صراع الاستبداد والقهر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشتى الأشكال والأساليب. . إن الشبكة الدينية إذا ما شعرت بان خطابها للجماهير ومستوى بثها لفكرها الشمولي الأحادي سيقل تأثيره بسبب تعدد النصوص وكثرة المخالف منها لتوجهاتها وأهدافها والتي نشرتها لأهداف محددة والتي هي في حقيقتها أشبه بعملية تجميل مماثلة لما تقوم به الحكومات الرجعية عندما تسال عن الأقليات أو حقوق المرأة فتبعث بوفود تحتوي على أفراد من أقلية دينية أو نساء مختارات بعناية ليجملوا ويحسنوا صورة النظام في الخارج! لذلك فان شبكة الانترنت الدينية سرعان ما ترفض نشر نصوص الآخر المخالف بل وتحظره تماما باعتباره خطرا محدقا على أهداف الشبكة وأطروحاتها والوعي المركزي الذي تسعى إلى بثه في صفوف الجماهير التي تخاطبها . إن شبكات الانترنت الدينية عندما تتغنى بالانتماء الوطني والانفتاح والتعدد ليس لها هدف حقيقي سوى الحصول على المزيد من الأنصار للتيار الذي تنتمي إليه ، لذلك فان جهازها الرقابي يراقب بشدة النصوص التي تردها لكي لا تتحول من حيث لا يشعر القائمون على الشبكة إلى منبر للآخر المخالف بحجة الرأي و الرأي الآخر ،وان كان ذلك الآخر يحظى بتأيد جماهيري وتعاطف شعبي كبير يعبر عن ضعف الإقبال على الوعي الذي تسعى إلى بثه الشبكة الدينية ، وعوضا من أن تبادر إلى تصحيح منهجها تلجا إلى مقص الرقيب على غرار الحكومات الدكتاتورية الشمولية وأجهزتها الرقابية ، فالتيار الديني بأجهزته ومؤسساته ومن ضمنها شبكات الانترنت قائمة على أسس أيدلوجية أحادية وجامدة ترفض الآخر وصورة طبق الأصل عن الأنظمة السياسية المستبدة . إن الكثير من شبكات الانترنت الدينية مجهولة المصدر وضبابية الهوية ومشرفيها لا يستطيعون الكشف عن هوياتهم لأسباب قد تكون سياسية وقد تكون اجتماعية ، بيد أنهم يستخدمون هذه الظروف الغير طبيعية للعمل من دون أخلاقيات المهنة ! فتراهم يسرقون النصوص من الشبكات الأخرى والصحف وينسبونها إلى شبكتهم ! وفي أحسن الحالات فإنهم يعدون خبرا منسوب إلى شبكتهم وينسبون بعضه إلى هذه الشبكة الإخبارية أو تلك رغم إن كافة المعلومات قد وردتهم من الخبر المعد في تلك الشبكة!! لقد تمكن العديد من مشرفي الشبكات الدينية بسبب كونهم يتحركون في الخفاء من ضرب نظرائهم من التيارات الأخرى خاصة من منافسيهم الدينيين ، وقد شهدت بعض المواقع الدينية هجوما حادا على بعض التيارات الأخرى ورموزها وبعض الشخصيات الدينية والاجتماعية ومن دون أي رادع من ضمير أو أخلاق ولأهداف تياريه وتصفية للحسابات والأحقاد ! ولم يتمكن الذين تعرضوا للأذى من إيقاف شن هذه الحملات التي وجهت ضدهم بسب كون القائمين على تلك المواقع الدينية غير معروفين ويتحركون كخفافيش الظلام والتي تمتص الدماء من دون قدرة احد على إيقافها أو ثنيها!! وتظهر المواقع الدينية الاستبدادية الشمولية التولتارية على حقيقتها عندما ترفض توجيه نقد ولو كان معتدلا ومحددا لرموزها وتعتبر ذلك خطا احمرا! بينما تهاجم دون هوادة الآخرين وكل ذلك بدوافع غير معلنة بعيدة كل البعد عن الهم الوطني والشعارات التي ترفعها ، من ناحية أخرى فان الشبكة الدينية تهدف إلى خلق نوعا من الصراع الفكري بين التيارات المختلفة على صفحاتها وتجنب تياراها الذي تنتمي إليه خوضه ، بهدف خلق وعي عام ينظر إليه باعتباره التيار القوي والنافذ ، ومن عدم توجيه النقد للتيار الذي تنتمي إليه وعدم إقحامه في الصراعات المحتدمة تحقق هدفها المرسوم بعناية ألا وهو تحويله بنظر الجماهير إلى التيار الأقوى في المجتمع ! لا توجد في المجتمعات الدينية التقليدية ما يمكن تسميته بمنبر وطني! أو منبر حر! فكل هذا زيف لا أصل له ولا وجود ، فالتيار الديني تيار مركزي متصلب ومتعنت وجامد ، لا يمكنه أن يتعايش مع الآخر ، واصله وتكوينه غير مهيأ لهذا التعايش ، بل ولا يؤمن الإنسان الديني بنظام تعايش من خلاله يتمكن من التفاعل الايجابي مع الآخرين دون فقدانه هويته وانتماءه . إن ما حدث من اختراق واختراق مضاد بين الشبكات الدينية الشيعة والسنية يدل على كون العقل الديني غير قادر على التعايش مع الآخر، ودليلا على حدية طرحه وتصلبه وجموده وتطرفه واستفحال منظومة التعصب في ثقافته وأيدلوجية وسيكولوجيته ، فهل يا تر ى سمع احدنا عن صراع بين الشبكات الليبرالية أو العلمانية واختراق أنصارها لبعضها البعض ؟ لا تنخر كل هذه الظواهر التدميرية سوى في المؤسسات الدينية بتياراتها ومؤسساتها وتنظيماتها ... في اللحظة الحاسمة والمصيرية وفي المواقف التي تتطلب اتخاذ قرار حاسم يتخذ الديني قراره ويتخلى عن شعاراته التي يرفعها والتي لم يكن يؤمن بها أصلا وإنما رفعت من اجل تحقيق أهداف ومكاسب معينة كتكوين قاعدة جماهيرية عبر الانفتاح على مختلف مكونات وشرائح المجتمع واختراقها ومعرفة نقاط قوتها وضعفها ليتمكن من اكتساح الساحة لتكون له اليد الطولى في تحريكها ، إذ سرعان ما تنغلق الشبكة الدينية التي يديرها على نفسها وتظهر على صورتها الحقيقة الرمادية الداكنة ، ولا ترى في فضاء الانترنت إلا نفسها ولا تقرا إلا نصها ولا تسمع إلا صوتها ولا تشاهد في العالم الافتراضي سوى رموزها وقادتها . إن القائمون على الشبكة الدينية يمارسون القمع من حيث كونهم مقموعون ! فهذا النص محظور لكونه ينتقد النظام السياسي ! وذاك محظور لأنه يعارض النظام الديني أو قناعاتهم الدينية التي يرونها من التوابث والبديهيات ! وذاك ممنوع لأنه يخالف الرأي العام أو قوى نافدة في المجتمع أو.. أو.. وهكذا عندما ينظر مشرفو الشبكة الدينية إلى أنفسهم فأنهم يجدوها تقليد مشوه من جهاز رقابة إعلامية بشع ومتعجرف! وإنهم يمارسون ادوار متطابقة تماما مع موظفي الرقابة في دولة شمولية وإنهم ليسوا صور طبق الأصل منهم من حيث لا يشعرون! إن الشبكة الوطنية الحقيقية لا يمكنها أن تنشا وتترعرع إلا في إطار أيدلوجية معاصرة مبنية على قيم الحرية والليبرالية والتعددية والتنوع ، وحتى ذلك الحين ستظهر في المجتمعات الدينية المتخلفة شبكات تدعي الحرية والتنوع إلا أنها في حقيقتها وجوهرها من اشد خصوم الشعارات التي ترفعها! . إن شبكة الانترنت الوطنية والتي تعبر عن حالة وطنية حقيقة لا يمكنها أن تظهر في المجتمعات الدينية وان ظهرت شبكة تدعي ذلك فإنها لا شك كاذبة ومدعية ! فالتيار الديني تيار شمولي مركزي لا يمكنه أن يتعايش من الآخر ، ولا يؤمن بمنظومة تعايش يكون هو جزء منها! إن الإيمان بالقيم الوطنية يتطلب الإيمان بالرأي والرأي الأخر وبث قيم التسامح والإخاء والوحدة عن طريق الاختلاف بما تشمله من السعي الحثيث إلى خلق تكتل وطني وشعبي وجماهيري متعدد ومتنوع، في إطار من التعاون والتكامل وإفراغ القيادة للأفضل والمختار جماهيريا من خلال الاحتكام لمنظومة القانون والانتخاب ، ولا يمكن ذلك أن يحدث في المجتمعات الدينية المجبولة على قيم الاستعباد والاستبداد والأحادية، والتي لا يمكن أن تخرج منها شبكات انترنت وطنية تؤمن بالرأي والرأي الآخر وان الساحة ملكا للجميع وان على كافة شرائح الشعب التعاون من اجل تحقيق الأهداف والاستراتيجيات والاستثمار في الحاضر والغد من اجل نهضة واعدة ومستقبل مشرق قائم على قيم الإخاء والمحبة والحرية .
#رائد_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وطني .. آه يا وطني!
-
المتمردة ( قصة قصيرة)
-
اعتقال في محراب الصلاة
-
المعمم الشيعي ضحية وجلاد
-
الفن وفتاوى الفقهاء ( السيد السيستاني نموذجا)
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|