|
هل مستقبل و نوع الدولة العراقية معلوم لدينا ؟!
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2464 - 2008 / 11 / 13 - 10:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شاهد العراق و ذاق ابنائه منذ انبثاقه كدولة في حدوده الحالية انواع عديدة من الحكم و السلطة و جورهما، بعدما كان يضم ولايات ابان الحكم العثماني و من ثم سيطر الحكم الملكي و تغير بعد ذلك الى الجمهوري ، و له الخصوصيات المتميزة من حيث الوضع الاجتماعي الحضاري الثقافي السياسي و مامرٌ به من التقلبات من كافة الجوانب ظاهرة على محياه . لو عدنا الى كيفية انبثاق الدولة القومية منذ نهايات القرن الثامن عشر و حتى العقد الستين من القرن العشرين، و ان كانت الدول الكونفدرالية و الفدرالية ايضا و ليست الدول القومية المركزية فقط مالت دائما الى بقاء المركزية في الحكم، و نتلمس هذا شيئا ما لحد هذا اليوم في بعض الدول الغربية نظرا للظروف الذاتية التي تميزوا بها ، و هذا ما يمكن ان نلاحظه في العراق كدولة قومية مركزية ايضامنذ عهود.
فان نظرنا الى مراحل الحكم المركزي المطلق للدولة العراقية ، فانها قطعت اشواطا كثيرة و تغيرات متعددة من الدولة الملكية الى الجمهورية القومية و الجماهيرية و الاشتراكية و المشاركة المختلطة الى ان يمكن ان نصنف فترات منها الليبرالية و الدولة المختلطة ،وصلت الحال به الى دولة الحزب الاوحد والقائد الدكتاتور ، اي ان العراق ثري بتجاربه المتنوعة و خصائصه المتعددة. و لتنوع الحكومات و السلطات و الافكار و العقائد السياسية التي طبقت في سياق الحكم طيل هذه العهود و اثرت هذه الظروف و الاحوال على المجتمع و تاثر به من النواحي الاجتماعية الثقافية الاقتصادية الفكرية السياسية ، وكان كل ما يمت الصلة بالشعوب و يخص حياتهم يُدار مركزيا بشكل كامل في هذه البقعة. ما يخص الوضع الاقتصادي ، كما هو المعلوم مرتبط بشكل وثيق بالوضع السياسي و نوع السلطة ، و على الرغم من تنوع و تغير السلطات الا ان الاقتصاد العراقي لم يتجه يوما الى الانعتاق من سيطرة الدولة بشكل مباشر و كان يُدار مركزيا بشكل او اخر ، وربما هناك فترات قصيرة من الميل الى التوجهات الغربية في الاقتصاد و السوق الحرة و منجزاتها و خاصة في عهود الحكم الملكيبشكل من الاشكال و ايام الاحتلال البريطاني والانتداب . اي كل ما يمكن ان نحدد نوع الدولة التي سار عليها الحكم و السلطة في تنفيذها و واجباتها ان امكن تصنيفها لا تخرج من مواصفات الدولة القومية المركزية ، وربما يصفها البعض ببدايات الدولة القومية في القرن السابع عشر في اوربا و ما تميزت بها فطبقت في العراق على الرغم من الفارق في الزمن و الواقع و المكونات الى ان شاهدت التطورات و تغيرات الاحوال . الملاحظ انه كانت هناك من الفترات في عهود الدولة القومية تطبق عليها مواصفات الدولة الليبرالية بشكل ضيق و مناسب لشعب و دولة مثل العراق ، ولكن المشكلة في عدم تسارع الخطى لتطور الدولة كانت تكمن في انعدام وجود بديل مقنع للواجبات الاجتماعية التي طبقت و نفذت من قبل الدولة القومية المركزية، و لم يفكر احد في ما يحدث لو بادر احد في تطبيق نوع و صفات اخرى للدولة كي تكون غير قومية في حينه. المقومات الاساسية و الاعمدة الرئيسية لسيطرة الدولة القومية كانت متوفرة في البلد من حدود الدولة و حكم مركزي مطلق الى الاليات المتوفرة لتطبيق ذلك ، وتميز بوجود قيادة مركزية التي هي صاحب تجسيد و تنظيم و تطبيق القوانين و فصل السلطات ان ارادت ، و بمختلف المستويات من مرحلةلاخرى ، و كانت الدولة هي التي تحكم المواطنين بشكل مباشر و استفادت من ربط الدين بالدولة و بالسلطة القومية في فترات عديدة و الى الماضي القريب ، و انبثقت الحكومات من افراد و طبقات ارستقراطية و كانت فئات المجتمع لا تتمتع بالحقوق السياسية و المشاركة الايجابية في شؤون الدولة ، و نظرا لسيطرة العواطف الجياشة في الصراعات فتحولت الحكومات عند صراعها الخارجي الى حكومات دولة جماهيرية و طبقت بنسب معينة الديموقراطية و الانتخابات في بعض الاحيان. كانت هناك مؤثرات ايجابية لازالة الافرازات السلبية للدولة القومية منها الافكار و العقائد اليسارية ، و ظهرت بوادر لتركيب و انبثاق وتاسيس دولة ما بعد القومية مستندة على الاشتراكية في حين و على الاقتصاد و السوق الحرة قبلها . وكما برزت حركات اقليمية و عالمية مؤثرة بشكل مباشر على الدول القومية في جميع انحاء العالم عن طريق الاقتصاد و ثورة التكنولوجيا و الافكار العابرة للحدود و التاثيرات المتبادلة بين المهاجرين و الدولة المهجرة اليها مع دولته الاصلية مما حدى الى اهتراء و اندثار المركزية السياسية الثقافية والى حد ما الاقتصادية في كثير من البلدان و لم يتاثر العراق بها الا بعد السقوط، و انبثقت حركات انفصالية في العديد من بقاع العالم و كانت لعلاقة المواطن بالسلطة و حيويته سبب هام لتطبيق الديموقراطية في كثير من البلدان بمساعدة المنظمات المدنية و النقابات مما خفف من ثقل المركزية للدولة على كاهل المواطن. و بعدما مرً العراق في تاريخه بهذه المتغيرات ،فما السلطة و فكر و نوع و مواصفات و مستقبل الدولة العراقية ، ان لم نجردها نظريا على ما هي عليه و ما تتصف به على ارض الواقع، بعدما يمكن ان نقيمها لما سبق بانها فشلت لحد كبير في الوصول الى الدولة المستقرة المتمتعة بمواصفات دولة المواطن و ليست للسلطة و الحكم فقط. من الناحية الفكرية العقائدية يمكن الحديث عن التنوع المشابه لموزائيكية المجتمع العراقي ،هذا ان كان يمكن ان نضع الليبرالية بجميع اشكالها مع القائمة في تاريخ العراق الا انها يمكن ان نعرَفها على على انها كانت تتصف بمواصفات مختلفة و واسعة. من الناحية السياسية، نرى ان هناك مراحل من الفوضى العارمة في الحكم في فترات مختلفة ،و اخرى هادئة ساكنة و في حين اخر متسارعة الى اللحاق بما وصل اليه العالم ، و و لتفسيرها و الاستفادة منها تحتاج الى مؤتمرات وندوات و تقييمات متعددة لتعريفها و الاعتبار منها ، و يمكن ان يمتد كل من هذه الاوضاع لفترات طويلة و تتحول الى مواصفات اخرى ، اما اليوم يمكن ان تستمر الحال في اللااستقرار الى ان تتثبت على ما اعتقد على اللامركزية في الحكم التي تلائم الجميع و يمكن ان تقتنع الاكثرية بها ، و انما الطريق ليست معبدة في هذا المشوار ايضا و تحتاج الى جهود و تعاون الجميع ، لتدخل المصالح الشخصية و الحزبية و الجهوية. ان ما يتصف به الشعب العراقي من الجانب الاخلاقي و الفكري و ما تاثر به مع مرور الزمن لايمكن الاعتماد عليه في تطبيق الافكار العالمية بشكل مطلق ، الاقتصاد الحر و الخصخصة لا يمكن تطبيقها مطلقا و مهما حاول الجميع ، وبه نصل الى انه يحتاج الى تلائم الواقع الموجود مع ما يمكن ان تستجد من الافكار الاقتصادية و آلياتها لتكيفها و تلائمها مع ما تفيد الغالبية و بخطوات متأنية بحيث يمكن الاعتماد على مقومات الاشتراكية في زاوية و الليبرالية الديموقراطية المؤسساتية في زاوية اخرى و لفترات معينة و يجب ان تتغير وفق المستجدات ايضا ، و هذا ينطبق على الوضع السياسي الثقافي ايضا و بدوره يؤثر على حياة المجتمع ككل و بشكل مستمر . من هذا التحليل السطحي يمكننا ان نقول ان الدولة العراقية تحتاج بشكل عام الى نظام سياسي اقتصادي متنوع و خليط من اليسارية الليبرالية الديموقراطية و حسب اركانها المتلائمة مع وضع العراق بالتطبيق و الاختبار و التجريب ، اي لا يمكن لاي كان ان يحدد نوع و شكل و اطار و مضمون الدولة العراقية المستقبلية الى ان ترسوا الحالة بعد الممارسات في تطبيق الافكار و الحكم رويدا رويدا.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الايحاء بمجيء شبح الموت للسلطة العراقية عند استفحال كل ازمة
-
ماذا تجني الدولة الليبية من زيارة القذافي لمنطقة قوقاز
-
ادعاء وجود لامركزية دكتاتورية تبرير لتجسيد و ترسيخ المركزية
...
-
هل اوباما غورباتشوف امريكا القادم ام ...........؟
-
الواقع الاجتماعي المتخلف سبب لتفشي مايسمى بجرائم الشرف
-
الصمت الخانق للمثقفين المرتبطين بالقوى المحافظة في العراق اي
...
-
ضمان حرية الفرد نتاج النظام السياسي و الثقافي المترسخ في الب
...
-
نبحث عن اي نظام سياسي في العراق؟
-
قانون الاحوال الشخصية و حقوق المراة في كوردستان العراق
-
ضعف القوى اليسارية في الشرق الاوسط
-
ما بين الثقافة و السياسة في العراق
-
تهجير المسيحيين في هذا الوقت لمصلحة من؟
-
كان الدكتاتور عادلا في ظلمه لكوردستان و الاهوار معا
-
حان الوقت المناسب لاستنهاض اليساريين في الشرق الاوسط (2)
-
حان الوقت المناسب لاستنهاض اليساريين في الشرق الاوسط
-
عدم انبثاق مجموعات الضغط لحد الان في العراق !!
-
اية ديموقراطية تحل الازمات في العراق؟
-
لو كنت امريكيا لمن كنت اصوت؟
-
لماذا لا يثق المواطن الكوردستاني بالسلطة السياسية
-
حزب العمال الكوردستاني و الحكومات التركية المتعاقبة
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|