|
التعليم المفتوح.. يفتح عكا .. والمنصورة!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2463 - 2008 / 11 / 12 - 09:56
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
من الأمور القليلة التى يوجد ما يشبه الإجماع حولها بين كل المصريين، على اختلاف مشاربهم الفكرية وتنوع مدارسهم السياسية وتعدد أوضاعهم الاجتماعية، أن التعليم فى مصر الآن هو المشكلة والحل فى آن واحد. فأياً كانت المشكلة التى تواجهنا.. سنجد أن البحث الدقيق لأسبابها يقودنا إلى نفس النتيجة دائماً.. ألا وهى أن الجذر الدقيق لهذه المشكلة يتمثل فى سوء نظامنا التعليمى فى المدرسة والجامعة على حد سواء. ينطبق هذا على مشاكل الاقتصاد ، مثلما ينطبق على الأمراض الاجتماعية، وكذلك على معظم الظواهر السلبية فى الممارسة السياسية. وبخاصة فيما يتعلق بالإحجام عن المشاركة حيث يشكل "العازفون" عن الاشتراك فى الانتخابات – مثلاً – أكثر من 70% ممن يملكون حق الاقتراع، أما الأقلية "المشاركة" فتكون نسية معتبرة منها عرضة لممارسات شائنة أبعد ما تكون عن الروح الديموقراطية، مثل المتاجرة بالدين وشراء وبيع الأصوات وإثارة النعرات القبلية والعائلية وغير ذلك من ظواهر سلبية. فى كل هذه المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، نجد أن أس البلاء يكمن فى النظام التعليمى الذى لم ينجح فى القضاء على الأمية الأبجدية بحيث ظلت دوائر المحرومين من الانضمام إليه أو المتسربين منه تتسع وتتضخم، كما تجعلمن يلتحقون بصفوفه لا يتلقون سوى تلقيناً وحشواً سقيماً يقتل الابداع والتفكير الحر ولا يفيد حتى فى تلبية احتياجات سوق العمل. وإذا كان هذا التوصيف السلبى ينطبق على معظم مستويات المنظومة التعليمية، فإنه ينطبق بدرجة أو أخرى على ما يسمى بالتعليم المفتوح الذى أصبح مجرد بوابة لمنح شهادات جامعية ليس لها أى قيمة علمية، أو ليس لها سوى قيمة محدودة وبالغة التواضع فى أفضل الأحوال. وقد لفتت هذه الظاهرة نظر أحد الأساتذة الجامعيين المشاركين فى هذا النوع من التعليم ، هو الدكتور ياسر العدل والذى تم تكليفه بالتدريس لطلبة التعليم المفتوح. ومن واقع تجربته العملية وسوست له نفسه أن يدلى بشهادة حق. فنشر مقالاً ذهب فيه إلى القول بأنه من الناحية النظرية "يرى خبراء التعليم أهمية التعليم المفتوح، وأنه إضافة ثقافية ومهنية لنوع من الطلاب لهم ظروفهم الخاصة، لكن من الناحية التطبيقية الفعلية فى قاعات الدرس يرى رجال التعليم أن سلوك طلاب التعليم المفتوح أبعد ما تكون عن سلوك طلاب العلم وأقرب إلى سلوك شحاذين يطلبون أوراقاً مختومة بشهادات تحسن من وجاهتهم الاجتماعية وترفع بعضاً من معاشاتهم، وأنهم صيد ثمين يجب الثراء على حسابه". ويمضى الدكتور ياسر العدل فى شهادته الصادمة فيقول "فى أول محاضرة ألقيتها على طلاب من التعليم المفتوح ظهرت الصورة واضحة أمامى، معظهم آباء وأمهات وأصحاب بيوت لديهم إمكانيات فكرية وثقافية متواضعة، يملكون تصورات إنسانية جميلة عن شهادات عملية يسعون إليها، يتحملون مشقة التعليم فى جو فاسد ثقافيا واجتماعيا واقتصادياً، فى قاعات الدرس يبررون كسلهم الطلابى بأعباء مهامهم الوظيفية، وفى أعمالهم يبررون كسلهم الوظيفى بأعباء مهامهم الطلابية". أما الأساتذة الذين يدرسون لهؤلاء الطلاب البائسين فليسوا أحسن حالاً بل إن هناك "خداع وتدليس" يمارسه كثير منهم، حيث يعتبرون طلبة التعليم المفتوح مجرد مصدر رزق إضافى. وبالمحصلة فان "قضية التعليم المفتوح فى بلادنا تشبه فى كثير من الأمور قضية التعليم الخاص فى مدارس بئر السلم والشقق المفروشة، إنها قضية تعليم طلاب يتناولون بداية الأمور بحسن نية ثم يتنازعون نهاية رغباتهم مع تجار علم فاسدين. وهكذا يجنى المجتمع شهادات علمية مضروبة بالتدليس". قارن هذه الصورة البائسة بالوضع المثالى للجامعة الذى يحدثنا عنه العالم الجليل والأكاديمى المحترم الدكتور محمد غنيم راعى معجزة علاج الكلى بجامعة المنصورة حيث يقول أن "الجامعة ليست مدرسة لتخريج الفنيين والمهنيين، وإنما هى مكان لاحياء الروح العلمية والبحث العلمى. وأن الهدف من التعليم الجامعى هو نقل المعرفة ونشر المعرفة. والأهم من هذا وذاك هو صناعة المعرفة من خلال البحث العلمى". لكن المسئولين عن التعليم المفتوح لم يكتفوا باحتضانهم لهذه التجربة الفاشلة التى تمثل عدواناً على القيم الأكاديمية وابتذالاً لها بكل ما فى الكلمة من معنى، بل إنهم استشاطوا غضباً من شهادة حق أدلى بها أستاذ جامعى صاحب ضمير، لم تجعله الملاليم التى يتقاضاها مقابل محاضراته لطلاب هذا التعليم المفتوح شاهد زور أو شيطاناً أخرس ساكت عن الحق. فبعد أن نشر أستاذ الاحصاء مقالته، أو بالأحرى شهادته، فى احدى الصحف المصرية طلبت إدارة التعليم المفتوح الاستغناء عن خدماته، ونفذت طلبها بالفعل غير مكترثة حتى بالالتزام بالخطوات القانونية الواجب اتخاذها فى مثل هذه الحالات. وبالطبع.. فان علينا أن نتوقع نهضة عظيمة للتعليم المفتوح بعد أن قامت إدارته فى جامعة المنصورة بهذه الخطوة "الأكاديمية" الجبارة واستغنت عن خدمات الاستاذ المشاكس. واذا كان العلماء فى الهند، التى هى واحدة من بلدان العالم النامى مثلنا والتى بدأت مشروع نهضتها فى نفس التوقيت معنا، قد نجحوا فى تحقيق خلق قاعدة علمية تكنولوجية وطنية عظيمة كان آخر ثمارها نجاحهم فى إرسال سفينة فضاء إلى القمر فإن نظرائهم فى التعليم المفتوح بجامعة المنصورة يستطيعون أن يفاخروا بأنهم ليسوا أقل شأنا منهم، بدليل أنهم تمكنوا من إرسال الدكتور ياسر العدل إلى "زحل".. ودون سفينة فضاء!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليوم السابع
-
الرأسمالية ليست نهاية التاريخ
-
أرامل- ماما أمريكا-!
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (2) .. الجماهير تدخل الثك
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (3).. عناصر موالية لعبد ا
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (4).. -إشتراكية- ملطخة بد
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (5) ..النهاية: صفقة غير م
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (6-6).. ملحمة من الأمجاد.
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم1 ..الشيوعيون.. حدوتة مصري
...
-
نهاية عصر الدولار
-
عادل سيف النصر
-
عندما ينافس -تليفزيون الواقع- مسلسلات رمضان!
-
مبادرة مبارك الشجاعة: الوطن هو الرابح الأول
-
من مبطلات الصيام: تقرير الحريات الدينية
-
أشواك فى طريق حب الوطن
-
اعتذار.. وباقة ورد.. للدكتور إبراهيم سعد الدين
-
الدولة تسحب استقالتها!
-
تخاريف صيام!
-
تضميد جراح الدويقة .. -حين ميسرة-!
-
تقرير درويش: الحكومة ضد الحكومة -2-2-
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|