|
كيف يحصل التلوث في الكون؟ - البيئة والكيمياء والسموم.. زواج عرفي
عدنان الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 147 - 2002 / 6 / 1 - 09:36
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
|
في البلدان المتقدمة تكنولوجياً تمثل الزيادة المستمرة في استخدامات المواد الكيميائية السامة او الضارة تهديدا خطيرا للانسان والاحياء الاخري نتيجة للتعرض لمثل هذه المواد. وعليه فلقد تمت دراسة آثار المواد السامة والمواد الكيميائية المختلفة من قبل جهات شتي: مؤسسات صناعية ومختبرات حكومية ومعاهد وجامعات ومؤسسات علمية اخري تخصص البعض منها في دراسة تأثير أنواع معينة من الكيمياويات كالمطهرات والمعفرات ومختلف السموم المستخدمة لقتل الحشرات الضارة. كما ان جهات اخري قد اولت مسألة تلوث الماء وتنقيته او تحلية مياه البحار اهمية خاصة لضرورة الماء البايولوجية والصناعية القصوي في عالم اليوم. وبالمثل حظيت مسألة الهواء والتلوث الهوائي وكيمياء الهواء بكافة طبقاته بقدر مساو من الاهمية، وذلك بالنظر الي ازدياد حجم التلوث الهوائي في الاقطار عالية التطور الصناعي بوجه خاص، حيث الزيادة المطردة في انتاج عدد السيارات ووسائط النقل الاخري، والزيادة السنوية الهائلة في عدد المصانع ومحطات القوي الكهربائية والتفجيرات النووية تحت الارض وعلي سطحها او في طبقات الجو العليا. انواع التلوث
تم التركيز في الاعوام الاخيرة علي الاقسام الرئيسة الآتية من اشكال التلوث وآثاره الضارة العاجلة منها والآجلة: 1 ــ تلوث الهواء 2 ــ تلوث الماء 3 ــ تلوث التربة 4 ــ النفايات الصلبة المشعة او السامة وخاصة ما كان منها سريع التسامي او القادر علي التحول بسهولة الي الحالة الغازية في درجات الحرارة العادية وتحت الضغط الجوي المعتاد. 5 ــ قواتل الحشرات 6 ــ الاغذية المعلبة وتكنولوجيا التعليب 7 ــ المواد المشعة المختلفة المستخدمة في الابحاث العلمية والطب والزراعة والصناعة بل حتي تلك المستعملة في تأشير الطرق والشوارع الرئيسة سواء في داخل المدن او تلك الرابطة للمدن. 8 ــ ابحاث السرطان ومسبباته من المواد الكيميائية.
الكيمياويات وصحة الإنسان
يحيا البشر اليوم في بيئة كيميائية حقا لا مجازا. فالهواء الذي نتنفس والغذاء الذي نأكل والتربة التي تنبت فيها او عليها النباتات جميعها تتألف جميعا من مواد كيميائية. فالكيميائيات تدخل في عمليات نمو الكائنات الحية وفي وجودها ومن ثم في فنائها بالتفسخ. علي ان نسبة كبيرة من هذه المركبات والعناصر الكيميائية المتوفرة في البيئة هي الاخري نافعة بل ضرورية لوجود الكائن الحي ضمن التراكيز المتاحة لها بشكل طبيعي. يناقض هذا ان بعض المركبات الكيميائية الطبيعية الاصل او المصنعة منها لها تأثيراتها الضارة علي العمليات الحياتية او الحيوية. وعلي هذا الاساس يمكن تقسيم الكيميائيات الي ثلاثة اقسام من حيث علاقتها بصحة الانسان بالدرجة الاولي: 1 ــ كيميائيات ضرورية لبعض العمليات الحيوية في حدود تراكيز معينة كالفيتامينات وبعض العناصر الاساسية كالكالسيوم واليود والفسفور والصوديوم والبوتاسيوم.. مثلا، ثم الاحماض الامينية. 2 ــ كيميائيات لا اثر لها علي الحياة، بمعني انها لا ضارة ولا نافعة كغاز الارغون النادر (او المسمي خطأ بالخامل) والسليلوز وحجر الغرانيت. او تلك المواد التي يسهل التعويض عنها كبعض الاحماض الامينية والكاربوهايدرات. 3 ــ كيميائيات لها تأثير سيئ او ضار او فتاك كالزئبق والرصاص ومادة 2,3,7,8-Tetrachlorodibenzo-P-dioxine (TCDD) ينبغي ملاحظة ان هذا التقسيم هو في الحق مفيد كتقسيم عام، لكنه تقسيم مبسط من وجهة نظر العلاقة المهمة بين الكمية المأخوذة وحجم او مدي الاستجابة لها. ذاك لان الكثير من الكيميائيات الضرورية هو سام في تراكيزه العالية كالنحاس وعنصر السلينيوم وفيتامين D لكنها وكما هو معلوم ضرورية ضرورة قصوي في حدود تراكيزها الواطئة التي تتطلبها الافعال الحيوية المعتادة لاجهزة واعضاء الانسان علي سبيل المثال. يتعرض الانسان (كنموذج للكائن الحي) بشكل مستمر لعدد لا حصر له من الكيميائيات التي تدخل الجسم عادة عن طريق واحد او اكثر من الطرق الاتية: 1 ــ الفم (مع المأكولات والمشروبات) 2 ــ التنفس (عن طريق الرئتين شهيقا) 3 ــ ثم عن طريق الجلد. علما ان حوالي 95 في المائة من هذه المواد انما يدخل الجسم كغذاء. ومعدل ما يأكله الفرد في اليوم يساوي 2 ــ 3 أرطال اي حوالي كيلوغرام واحد. اما ماء الشرب فيحوي عادة كيميائيات قليلة، باستثناء بعض الحالات حيث تكون هناك في بعض المياه مركبات غير مأمونة العواقب جراء التسرب غير المقصود او لفظ مياه المجاري والمصانع وتصريفها في بعض الانهار دونما اية معالجة سواء أكانت كيميائية او معالجة بكتريولوجية. وأقرب مثال هو تلوث مياه البحار والمحيطات الدائم بالنفط. فالبحر الابيض المتوسط قد غدا مستنقعا مشتركا بين القارة الاوروبية من جهة والقارة الافريقية من الجهة الاخري، اذ تصب فيه ليلا ونهارا انهار كلتا القارتين حاملة معها نفايات المصانع وكل ما يتيسر حمله من المنابع الجبلية حتي المصبات. انه (بالوعة) ضخمة. اما ابخرة الكيميائيات والغازات السامة والخانقة مثل اكاسيد الكاربون والنايتروجين والكبريت، والاتربة والغبار وخاصة تراب الاسمنت والاسبستوس وأبخرة بعض المركبات الامينية فطريقها بالبداهة هو الجهاز التنفسي، وتأثيرها المباشر لا شك علي الرئتين، الجهاز الاكثر حساسية. تسحب الرئتان بالنسبة لانسان متوسط العمر والحجم والفاعلية ما مقداره 20 لترا مكعبا من الهواء في اليوم. وتدخل جسم الانسان عن طريق الجلد مواد سائلة مثل مواد التنظيف والمذيبات العضوية المعروفة في مختبرات الابحاث والصناعة كمركب البنزين والكلوروفورم وبعض المركبات الاروماتية الحلقية بل وحتي الاسيتون، مذيب صبغة اظافر النساء الشهير. اما الادوية والعقاقير الطبية فبيعها وتعاطيها يخضعان كما هو معلوم لاشراف دقيق منظم اذ ان بعض هذه الادوية والعقاقير شديد السمية او ذو تأثيرات صحية جانبية شديدة الخطورة. فالاسبرين الذي يشفيك من الصداع قد يكون سببا في موتك اذا ما تجاوزت انت الحد الاعلي المسموح به لتناول هذه الحبوب حسب العمر وشدة تفاقم الحالة او الوضع الصحي العام للمريض.
مصير المركبات العضوية
يعتمد مصير المركب العضوي في الوسط الطبيعي علي عدة عوامل منها تركيبه الكيميائي وقابليته علي الذوبان في الماء وقدرته علي الالتصاق بالسطوح الاخري وثابت تفككه وقابليته علي التحول الي بخار. فضلا عن عوامل اخري لا تقل اهمية كالتفكك بالماء والتفكك بالضوء الشمسي وتفاعلات الاكسدة والاختزال ثم التحلل البايولوجي اي التحلل العضوي. كما انه لا يغربن عن البال تأثيرات خصائص الوسط البيئي نفسه كدرجة الحرارة ومعدلات سقوط الامطار وشدة الرياح والعوامل الجغرافية والمناخية الاخري سيما كمية المتوفر من غاز الاوكسجين. تحول المركبات العضوية بفعل تأثير الكائنات الحية عموما وعمليات تحلل هذه المركبات بواسطة الاحياء المجهرية الدقيقة كالبكتريا والاشنات والفطريات المختلفة، هي علي رأس طرق الاضمحلال البايولوجي لهذه المركبات في الطبيعة، من حيث كمية المادة المتحولة ودرجة التحول او التحلل الذي بلغته. توجد المركبات العضوية الطبيعية والمصنوعة في كافة انواع الترب الارضية وفي المياه وفي الغلاف الجوي لكن بدرجات متفاوتة. وتتحول هذه المركبات العضوية بيئياً عادة إما بالعوامل الكيميائية او بالعوامل البايولوجية المذكورة آنفا او بكليهما معا. يكون التحول احيانا بالغ السرعة، مثل حالة مركب سريع التمثيل كسكر الغلوكوز حين يكون موجودا في نهر غني بغاز الاوكسجين وبتجمعات من الاحياء العضوية المجهرية. كما يمكن ان تكون عمليات التحول غاية في البطء. وكما هي عليه حالة الحبوب والبذور التي وجدت مخزنة في ظلام قبور الفراعنة المصريين لآلاف السنين والتي انتعشت بعد إنبات بعضها في ظروف طبيعية تحت الشمس. وكذلك الحال بالنسبة لاصباغ الزخارف الملونة ونقوش الخزف العضوية الاصل (نباتية او حيوانية) التي وجدت مدفونة تحت الارض هنا وهناك. كان التحلل العضوي في هذه الامثلة الاخيرة بطيئا جدا، ذاك لان الظروف البيئية لم تكن لتسمح لمثل هذا التحلل وخاصة التحلل البايولوجي. ان سرعة ومدي تحول جزيئة عضوية في البيئة يعتمدان علي تركيبها الكيميائي. فبعض الانواع شديد الاستجابة للتفكك المائي او للتفكك الضوئي. كما ان من المركبات ما يتحلل ببطء شديد جدا ما لم يتعرض لمرض مايكروبي. وعليه فان هذه المواد وما يماثلها تقاوم التلف وتتراكم علي مر الزمن. هذا التراكم وهذه المقاومة يكونان مقبولين بل ومرغوب فيهما عندما تكون المادة غير سامة ولا تتسبب في ظهور اية اعراض جانبية سواء للانسان او البيئة نفسها. فهنالك عدة امثلة لحالات المقاومة الطويلة الاجل والتي هي علي درجة كبيرة من الاهمية مثل حالات المواد المستخدمة في البناء المعماري وهياكل بعض وسائط النقل والجسور والطرق العامة. وافضل مثال يضرب في هذا الصدد مادة اللجنين Lignin التي تشكل كسوة خارجية لصيانة جذوع الشجر وبقية اجزائها السليلوزية. هاك طرق اساسية ثلاث لتحول المركبات العضوية بيئياً هي: 1 ــ الاضمحلال البايولوجي بواسطة الاحياء العضوية. 2 ــ التحولات الكيميائية ــ الضوئية تحت تأثير الطاقة الشمسية. 3 ــ التحول بالعامل الكيميائي. وهذا النوع من التحولات لا يستلزم توفر ضوء الشمس. عاملان اساسيان يجعلان الاحياء المجهرية الدقيقة تلعب الدور الاكثر اهمية في عمليات الاضمحلال البايولوجي هما: 1 ــ سرعة تكاثرها، يتبع ذلك سرعة انتاجها لانواع جديدة من الانزيمات القادرة علي التكيف السريع حسب الظرف والحاجة ونوع الفعالية المطلوب منها انجازها، فضلا عن احتمالات تغير تركيبها بالطفرات. 2 ــ قدرتها الفائقة علي التمثيل اي التحويل والهضم. وعلي العموم تزداد سرعة تمثيل الغذاء او تحويله بزيادة نسبة السطح الي الحجم. وعليه فان البكتريا والفطريات اكثر قدرة علي التمثيل من انواع الحياة الاعلي والاكثر تطورا. والمثال الطريف التالي يوضح الفكرة: تستطيع البكتريا الخاصة بتخمير سكر اللاكتوز تحليل كمية من هذا السكر اكبر من وزنها بمقدار الف الي عشرة آلاف مرة في ظرف ساعة زمنية واحدة فقط. في حين يحتاج الانسان العادي الي ربع مليون ساعة لكي يهضم او يفكك عضويا كمية من السكر اكبر من وزنه بألف مرة. ان الاضمحلال البايولوجي هو الميكانيكية الافضل في سياق التحولات البيئية للجزيئات العضوية، ذاك لان التحول بالانزيمات يستمر حتي يبلغ مرحلة تمام تكون المركبات الضرورية للنمو او التي توظف كطاقة كامنة احتياطية او انها تتحول الي مركبات غير عضوية كغاز ثاني اوكسيد الكاربون وغاز الميثان والماء واكاسيد النايتروجين الغازية وايون الكبريتات والامونيوم.
عوامل تؤثر في عملية الاضمحلال البايولوجي
هناك عدد كبير من العوامل البيئية المتغيرة التي تؤثر في سرعة ومدي الاضمحلال البايولوجي للمركبات العضوية. من بين اهم هذه العوامل ما يلي: 1 ــ درجة الحرارة 2 ــ تركيز ايون الهايدروجين 3 ــ الماء وملوحة الماء 4 ــ كمية ونوع الغذاء المتوفر للاحياء المجهرية الدقيقة. وكذلك الفيتامينات وآثار المعادن. 5 ــ غاز الاوكسجين المذاب 6 ــ تركيب الاحياء المجهرية الدقيقة. 7 ــ ثم قابليتها علي التأقلم او التكيف.
درجة الحرارة
تتبع التفاعلات الكيميائية البايولوجية (وبضمنها تفاعلات التمثيل الحيوي) القاعدة العامة التي تقرر ان تزداد سرعة التفاعلات الكيميائية بزيادة درجة الحرارة. ومعلوم ان الفعاليات البايولوجية الدقيقة تحتاج الي الماء السائل، وهذا بالضبط يحدد امكانياتها التفاعلية ضمن درجات حرارة تتراوح بين درجتين تحت الصفر (في الماء شديد الملوحة اذ انه لا يتجمد في درجة الصفر المئوي) وحوالي المائة مئوية. هذا فضلا عن ان اغلب الاحياء المجهرية الدقيقة لا تتحمل انزيماتها الاساسية درجة الخمسين مئوية اذ انها تفقد في هذه الدرجة خصائصها الاساسية بل وحتي طبيعتها الانزيمية.
تركيز ايون الهايدروجين
تتعطل فعاليات معظم الاحياء المجهرية الدقيقة في الاوساط شديدة الحموضة او شديدة القاعدية. وان افضل تركيز لايون الهايدروجين بلغة PH هو ذاك الذي يتراوح بين 4 ــ 9. ولعل من الطريف ان نعلم ان افضل قيمة بالنسبة للبكتريا هو الرقم 7، اي الوسط المتعادل او القريب جدا من التعامل. اما الخمائر والفطريات فانها تتكاثر في الاوساط الحامضية. كذلك يؤثر تركيز ايون الهايدروجين علي نواتج الاضمحلال البايولوجي اذ ان نسب الظروف لتكون السكريات المتعددة هي قيم PH الواطئة، اي الظروف الحامضية. هنالك تأثير غير مباشر لقيم PH علي عمليات الاضمحلال البايولوجي، اذ انها تؤثر علي سياق التحولات البايولوجية كالتفكك بالماء وعمليات الاكسدة الكيميائية والتفكك الكيميائي. ففي بعض الحالات تكون نواتج مثل هذه التفاعلات الكيميائية قابلة للتحول بدرجات متفاوتة ومغايرة لسياق ونمط تحول المركب الاصل.
الماء وملوحته
لا تستطيع الاحياء المجهرية الدقيقة ان تقوم بافعالها الحيوية الا بوجود الماء السائل. كما ان هذا الماء يتغير في خواصه تبعا لما فيه من مواد صلبة ذائبة او غازات او مواد اخري عالقة. تعتبر ملوحة الماء واحدة من ابرز العوامل المؤثرة في طبيعته وخصائصه. ففي مياه البحار عادة 33 ميلليغراماً من الاملاح الذائبة في الليتر الواحد. وان اغلب هذه المواد المذابة في ماء البحر هي ايونات الصوديوم والكلور مع كميات غير قليلة من المغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم وايون الكبريتات. وجود هذه الايونات في ماء البحر يجعل مقدار قاعدية هذا الماء ثابتا تقريبا وبحدود 8 ــ 3.8 بمعيار الأس الهايدروجيني PH. يتغير مقدار الملوحة في المحيطات افقيا وعموديا خاصة بالقرب من مصبات الانهار عذبة المياه. وليس واضحا تماما الان كيف ان سرعة تفكك المواد العضوية في ماء البحر هي ابطأ بكثير منها في بعض المياه الاخري (كبعض المياه الجوفية المرة والمالحة وماء اغلب البحيرات المالحة) التي لها نفس قيمة الأس الهايدروجيني. وبهذا الصدد يري بعض الباحثين ان بطء تحول المركبات العضوية في مياه البحار معزو الي قدرة هذه المياه علي تعطيل فعالية البكتريا ذات المنشأ غير البحري اصلا، والتي جاءت الي البحر من الاراضي المجاورة له بفعل تأثير الامطار الجارفة. لقد فسر بعض الباحثين هذه الظاهرة بقلة ومحدودية الغذاء المتوفر او اللازم توفره للبكتريا، وخاصة النايتروجين في الوسط البحري. لقد تم اثبات ذلك في دراسة خاصة بحثت تأثير البكتريا علي معدلات التحول البايولوجي للعديد من المركبات العضوية في الماء العادي وفي عينات من ماء البحر مع توفير غذاء كاف للبكتريا وتحت ظروف متشابهة. لقد بينت هذه الدراسة ان الفوارق جد قليلة. الاضمحلال البايولوجي Biodegradation للمركبات العضوية في اعماق البحار وعلي قيعانها الرملية العميقة مغاير لذلك الذي يحصل علي سطوحها او قريبا من هذه السطوح. وهو امر متوقع حتي بالنسبة للبحيرات العميقة. ان اعماق البحيرات والبحار والمحيطات ليست وسطا صالحا لفعاليات البكتريا، والسبب هو ضعف او انعدام الضوء الشمسي اصلا في هذه الاعماق السحيقة.
الغذاء والفيتامينات وآثار المعادن
لا تستطيع بعض الاحياء الدقيقة تركيب كميات كافية من المركبات العضوية كالاحماض الامينية والفيتامينات و Purines و Pyrimidines الضرورية لنمو هذه الاحياء التي تستهلك النايتروجين. ان كيمات قليلة جدا (آثار Traces ) من المعادن لا شك ضرورية لنمو الاحياء الدقيقة والمايكروبات. لكنها تحتاج الي تراكيز عالية من عنصر الفسفور والكبريت والمغنيسيوم بدرجة اقل. فاذا نقص في الوسط البيئي تركيز واحد من هذه العناصر او اكثر أدي ذلك الي اضعاف وتأثر الاضمحلال البايولوجي للمركبات العضوية للفسفور والنايتروجين تأثير شديد علي فاعلية الاحياء الدقيقة في ماء البحر. لكن تأثير هذين العنصرين اقل في التربة الخصبة اصلا او المخصبة بالاسمدة الكيميائية او الحيوانية.
غاز الاوكسجين المذاب
قد يكون الاضمحلال البايولوجي Biodegradation هوائيا او غير هوائي الطبيعة. بمعني انه يمكن أن يجري بوجود او عدم وجود غاز الاوكسجين الجزيئي كعامل مؤكسد. كلا هذين النمطين من العمليات ضروري في الطبيعة، ويجب ان يؤخذا بعين الاعتبار في عمليات تقويم مقدار الاضمحلال البايولوجي للمواد الكيميائية. تتضمن عملية التأكسد الهوائي اندماج احدي ذرتي جزيئة الاوكسجين مع الوسيط العضوي المغذي للاحياء الدقيقة، وباتحاد ذرة الاوكسجين الثانية مع الهايدروجين يتكون الماء. تشمل التحولات البايولوجية غير الهوائية عمليات التخمر والتركيب الضوئي البكتيري (او البكتريالي.. افضل) والتنفس غير الهوائي حيث تستهلك غازات اخري غير غاز الاوكسجين.
تركيب الاحياء المجهرية
يتفاوت تركيب عينات من الاحياء المجهرية الدقيقة من بيئة مكانية الي اخري. بل ويتفاوت هذا التركيب بتفاوت زمن أخذ هذه العينات من البيئة المكانية الواحدة. يتأثر تركيب النوع الواحد وكميته بجملة عوامل منها قيمة الاس الهايدروجيني PH والرطوبة والجفاف وكمية غاز الاوكسجين المذاب، ثم كمية الغذاء المتوفر والتنافس بين الانواع المختلفة. لكن ورغم كل هذه المعطيات فان معدل ومدي اضمحلال اي مركب عضوي يستجيب لهذا الاضمحلال البايولوجي تكاد تكون ثابتة بصرف النظر عن مصدر ونوع الاحياء المجهرية الدقيقة (كالبكتريا التي اضيفت الي هذه المركبات العضوية من بيئات مختلفة) شرط توفر تجهيز غذائي كاف واوكسجين بالاضافة الي التحكم في بقية المتغيرات. ان احد اكثر الاسباب شهرة فيما يخص ديمومة وجود بعض انواع البكتريا الفعال في وسط بيئي معين يكمن في تكون مركب كيميائي جديد محدد يتحرر في هذا الوسط. وان هذا النوع من البكتريا قادر علي تمثيل هذا المركب الجديد. اي ان المواد العضوية المعينة والمتاحة في وسط ما تكون سببا في تكون تراكيز نوع معين من البكتريا التي تعتاش بدورها عليه. فالمسألة برمتها هي عملية تعايش وتكيف لظروف هذا التعايش. فلقد وجد بالتجربة انه حيثما وجدت مركبات هايدروكاربونية وجدت معها تجمعات عالية التركيز من بكتريا التعفن القادرة علي تمثيل هذه المركبات.
التأقلم والتكيف
لا يعتبر التأقلم ــ اي التكيف للبيئة ــ واحدا من عوامل البيئة المتغيرة، لكنه يعتبر عاملا مهما في سياق عملية الاضمحلال البايولوجي للكثير من الجزيئات العضوية سيما المركبات الكيميائية التي يطرحها الانسان في وسطه البيئي الحياتي. كما ان المركبات الكيميائية التي يصنعها الانسان يمكنها التحول بايولوجياً اذا ما كانت المايكروبات القادرة علي اداء مثل هذا التحول تستطيع الافادة من جهازها الانزيمي الخاص الذي اكتسبته في سياق عملية تطورها. يعتمد النشاط الانزيمي في المركبات الكيميائية الصناعية علي عاملين هما: 1 ــ قدرة التجمعات المايكروبية علي قبول هذا الوسط الجديد والتعايش معه كوسط غذائي شرط ان يكون تركيبه الكيميائي مشابها (ليس بالضرورة مطابقا) لتركيب مركبات موجودة اصلا في الطبيعة قد تحولت واضمحلت بواسطة مثل هذه المايكروبات بعينها. 2 ــ قابلية هذه المركبات الجديدة علي استحداث وتخليق انزيمات جديدة في الميكروب قادرة علي تحويل هذه المركبات. وهذه بالضبط هي ما يسمي بعملية التأقلم او التكيف.
الكيميائيات ومرض السرطان
مع تقدم الابحاث العلمية وتزايد وتائر الاصابة بشتي انواع مرض السرطان يجري الكشف عن انواع جديدة من المركبات الكيميائية المسببة لهذا المرض والتي هي قيد التداول الفعلي اليومي كدواء او غذاء، او بشكل مطهرات ومعفرات ومعقمات تستخدم في المنازل والمستشفيات او الحقول والمزارع او في سايلوات تخزين الحبوب وسواها. فلقد استخدمت مادة د.د.تي DDT علي سبيل المثال وما زالت تستخدم علي نطاق واسع في بعض بلدان العالم الثالث كبخار قاتل للبعوض وبعض انواع الحشرات الضارة، علي الرغم من انها كانت من بين اولي الكيميائيات التي جري التنبيه الي خطورة استعمالها وتداولها. وقد صدرت لوائح قانونية تحرم هذا الاستعمال الواسع النطاق وتدعو الي اتلاف المتوفر منه. وقد وضعت بعض الدول مادة السكرين في قوائم المستحضرات الممنوعة. اما الضجة العالية التي قامت ولم تزل حول علاقة التدخين بسرطاني الشفة والرئة فلقد بين بعض الباحثين ان عنصر البولونيوم الموجود في بعض انواع التبوغ هو المسبب الرئيس لهذين النوعين من السرطان وليس مادة النيكوتين. فهذا العنصر الذي اكتشفته العالمة البولونية (مدام كوري) يشع دقائق الفا Alpha وهي نوي ذرات الهيليوم، واليها يعزي سبب الاصابة بسرطاني الشفة والرئة. يجب ألا يريح هذا الكشف الجديد جمهور المدخنين من حيث ان عنصر البولونيوم المشع غير متوفر في كافة انواع التبوغ. فهذا هو اول اكتشاف في هذا المضمار، فقد يأتي العلم بكشوفات جديدة اخري تبرهن علي وجود عناصر اخري ربما تكون اكثر خطورة من عنصر البولونيوم. فقشرة الارض تحتوي علي نسب متفاوتة من عناصر مشعة اخري اهمها اليورانيوم والراديوم الموجودة في كل بيت تقريبا: في اسمنت الخرسانة المسلحة لسقوف الدور والعمارات الشاهقة وفي طابوق جدرانها وارضياتها.
فزاعة سرطانية جديدة
طلعت علينا بعض اخبار الولايات المتحدة الامريكية ان مادة اخري قد اضيفت لقائمة المحظورات وهي ثنائي بروميد الاثيلين التي تستخدم علي نطاق واسع كمبيد للحشرات وذباب الفاكهة وخاصة الحمضيات والموالح. وكذلك تضاف الي ماء سقي الاراضي للقضاء علي ديدان جذور بعض اشجار الفاكهة. كما ان بخار هذا المركب يستخدم لتعفير حبوب القمح والذرة لدي تخزينها وقاية لها من خطر الحشرات والاوبئة. لقد نبهت وزارة الصحة الامريكية الي خطر مركب ثنائي بروم الاثيلين حتي ان مسؤولي ولاية فلوريدا قد حرموا فعلا بيع سبعة وسبعين منتوجا كانت معروفة علي ارفف الاسواق. كما جري في ولاية كالفورنيا رفع الفطائر الجاهزة وطحين الكيك وبعض انواع الخبز من المخازن والاسواق. وقد اصدر رئيس وكالة حماية البيئة الامريكية امرا فوريا بايقاف استعمال ثنائي بروم الاثيلين كمبيد للحشرات ومعفر للحبوب في الولايات المتحدة الامريكية.
عناصر ومركبات اخري وسرطان الرئة
لقد وجد ان من المركبات الكيميائية ما يفعل فعل الاشعاع بالضبط من تأثيرات كبيرة الضرر علي اعضاء وخلايا جسم الانسان، كمنع انقسام الخلايا الحية وتكسير سلسلة الكروموزومات وإحداث الطفرات وقتل كريات الدم البيضاء ثم الاصابة بمرض الســــــرطان. ومواد كهذه تسمي الشبيهة بالاشعاع Radiomimetic Substances واكثرها شهرة تلك المركبات الموجودة في دخان التبوغ من بيروكسيدات عضوية كأوكسيد الاثيلين Ethylene Dioxide وداي ايمين الاثيلين Ethylene Diimine وغاز الخردل والامينات الاليفاتية ثنائية الكلور Mustard Gas and Aliphatic Dichloro Amines .
جريدة (الزمان) العدد 2612 التاريخ 1-6-2002
|
#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|