|
الدين ... بين السياسة ورجاله
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2462 - 2008 / 11 / 11 - 01:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذه جدلية يطرحها الناس بين الفينة والأخرى عن صلاحية واستعداد وكفاءة رجل الدين للسياسة أو لكي يكون سياسيين .. وهنا يجب التذكير بان هذا المفهوم الذي نطرحه : هو ليس مقالاً وحسب ، إنما هو عنوان عام نطرحه للبحث و النقاش ، بعدما كثُر الحديث عن قدرة رجال الدين على تطويع السياسة والإنغمار في خلواتها - و تجربة إيران - عندهم شاهد على تلك القدرة وعلى الصمود في وجه عالم متغير ، هذا الهاجس أو قل هذه الرغبة ولّدت وإنتجت سلسلة من أحزاب وحركات دينية خاضت في السياسة وغمرتها في منطقتنا العربية والإسلامية ، فخربت عقول البسطاء منا ولم تعمر لنا ديننا ولا حُسن نوايانا في الدين ورجاله ..
لهذا أقول إن : [ رجل الدين لا يصلح للسياسة ولا يصلح للدين في وقت واحد ، فحبان لا يجتمعان في قلب واحد !! ] ..
وهنا إنما أتحدثُ عن جملة مفاهيم وعلاقات مركبة مع بعضها ، فالدين : كما أعرفهُ هو مجموعة قيم ومثُل أخلاقية هدفها الأول هو حماية الإنسان والحفاظ عليه ليكون صالحاً غير مُدنس ، والسياسة : كما يُعرفونها هي فن الممكن ،، وهي بذلك تخرج من كونها أداة أخلاقية في سلوكها وفي تعاملها في أغلب الأحيان ، ولايمكنها لذلك ان تؤوسس لمجتمع فاضل أو تُساهم في ذلك ، ومن يقول غير هذا واهم جداً ، هكذا هي وحسب تعريفها المتقدم ، ولهذا قلت بعدم صلاحية رجل الدين للسياسة وعدم صلاحيته للدين ، إن أراد ان يجمع بينهما في ممارساته وسلوكه ... ونحن في توجهنا لهذا الأمر إنما نحاول ان نُميز بين الدين من جهة وبين رجاله من جهة أخرى ، وكذا نُميز بين السياسة من جهة ورجال الدين من جهة أخرى ، والتمييز هذا أو قل التفريق هذا الذي نتبناه قائم على أساس الطبيعة الموضوعية للدين من حيث هو وللسياسة من حيث هي ، ونحن هنا إنما نحاول فك هذا التداخل وهذا الترابط الذي يُروج له بينهما في ذهن الناس ، ونُريد كذلك توجيه الأنظار إلى مدى الخطورة من تدخل رجال الدين في السياسة والدين في وقت واحد .
فلو حصل هذا في أية بلد ما سيربك فيه حركته وتطوره ، وسيوقع المجتمع بجملة من التناقضات والإشكاليات الغير قابلة للحل ، والغير قابلة للتبرير نقول هذا بعد مشاهداتنا للأرباك الكثير من الدين ومن رجاله المزيفين ، الذي حول القناعات البسيطة إلى نفور كبير ، وهذا الشيء نفسه الذي ولّد لنا سلسلة من النتائج الباهضة الثمن على المستوى الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والنفسي و البنيوي حتى ..
فالسياسة : كما قلنا هي فن الممكن كما يُطلق عليها في العادة ، وهي هنا في تعريفها هذا ليست أيديولوجيا أو عقيدة يمكننا الركون إليها أو التحاكم على ضوئها ..
لكن الدين : هو مذهب أخلاقي وقيمي إعتقادي ، أي إنه ليس فن الممكن ، بحيث يمكننا تغيير قناعاتنا حسب المصالح المتغيرة في الزمان والمكان .
والإتكاء على تجربة الرسول محمد – ص – في هذا الشأن ليست على ما ينبغي ، إذ عندنا لم يثبت إن الرسول قد مارس السياسة في مفهومها الدارج ، ولم يدمج بين المصلحة والقيم الإلهية في الشكل القلق الذي تفرضه الحادثات المتغيرات ، أضف إلى هذا علمنا اليقين بان الرسول – ص – لم تكتمل في حياته الرسالة ولم يكتمل الوحي إلاّ في الأيام الأخيرة من حياته ، فهو في هذا كان داعية لمشروع القيم الأخلاقية والقيم الإلهية ، وفرق كبير بين ان يكون داعية لا يحق له ممارسة أعمال مخالفة لمنطوق نصوص واضحة تطالبه بحزم بعدم النطق من دون الأستماع للوحي ، وبما ان الوحي غيب بالنسبة له فهو لذلك لم يجرؤ على ممارسة دوراً غير مطلوب منه .
كما إن الإتكاء على تجربة الخلفاء الأربعة ليست على مايرام إذا ما تتبعنا خطوات التاريخ الصحيح لمراحل حكمهم ، ولعل البداية الجليّة مع خلافة أبي بكر التي - وقى الله شرها - الناس كما يقول عمر ، ثم طاحونة الحرب الأهلية والصراع على السلطة بين المتنافسين ، وتجذر ذلك الصراع في أشكاله الدموية البالغة الفداحة بقتل الإمام الحسين – ع - وإفساح المجال أمام سلطة وهيمنة الحكم الملكي البغيض على الشأن العام .
فهي إن قرأناها بدقة وبعيون محايدة سنجد أنفسنا أمام مرحلة ظالمة بددت التوجه الصحيح ، وبنت محله ذلك التمزق الذي نعيشه في وعينا ووجدننا ، من أجل هذا كله يجب إعادة النظر في نوايانا الحسنة وإندفاعاتنا الغير موجهة بتعاليم بنيوية صحيحة .
بلحاظ ما نرى ونشاهد من تجنيات مارسها رجال دين بأسم الدين في ظل الحكم والسلطان ، وما أظن عاقلاً ينكر ذلك ، لا في تاريخينا البعيد ولا في تاريخينا القريب والمعاصر ، لذلك نحن مع ديننا في حمايته من تفسيرات مخاتلة وتأويلات سيئة ، ونحن معه لا مع من يّدعون إنهم من رجاله ، فالدين كما نفهمه حق ليس له رجال ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الليبرالية والدين
-
الأمن ومستقبل المنطقة
-
الإتفاقية الأمنية والمرجعية الدينية
-
صور الارهاب - القرضاوي نموذجاً
-
الفرقة الناجية – إشكالية المفهوم والدلالة -
-
إعادة النظر في مباني التفكير الديني
-
شهر رمضان
-
أوباما وخيار التغيير
-
كركوك ومفهوم المبادلة
-
وحدة الليبراليين في العراق
-
لماذا تغيب ملك الأردن ؟
-
مأزق الديمقراطية في العراق
-
فرض القانون .. بشائر السلام
-
قانون الشرايع لدى فلاسفة اللاهوت
-
إيران مرةً ثانية
-
مؤتمر مكة للحوار
-
العراق وامريكا .. إتفاق من أجل الحياة
-
عبد الرحمن الراشد ومنطق العصبية
-
رؤية مغايرة للكتاب المجيد
-
نساء من أجل الحياة
المزيد.....
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|